أ. د. عادل الأسطة - ستنتهي الحرب وقد ينتهي النقاش: برتولد بربخت أم محمود درويش ؟

ما زال النقاش حول كاتب الأسطر الشعرية التي غنتها كارول سماحة على أنها لمحمود درويش متواصلا ، وقد ذهب إلى مساحات أبعد مما كنا نتوقع ، فأعادني شخصيا إلى أدب ما بعد الحرب العالمية الثانية وأدب ما بعد حزيران وإلى كتب ربما ما عاد يتذكرها ويعود إليها إلا قليلون ، بل وأعادتني الأسطر إلى مقولة الناقد الفرنسي ( رولان بارت ) " موت المؤلف " ومقولات نقدية مثل " الكتابة كتابة على الكتابة " و" كل لغة غير لغة آدم ليست خالية من لغات الآخرين ، بل وأعادتني إلى قصيدة محمود درويش نفسه " تنسى ، كأنك لم تكن " التي يقول فيها :
" أنا الطريق ... هناك من سبقت خطاه خطاي / من أملى رؤاه على رؤاي . هناك من / نثر الكلام على سجيته ليدخل في الحكاية / أو يضيء لمن سيأتي بعده / أثرا غنائيا ... وحدسا / ...... أنا ملك الصدى / لا عرش لي إلا الهوامش.... "
أعادتني الأسطر إلى مسرحيتي الكاتب الألماني الشيوعي ( برتولد بربخت ) " دائرة الطباشير القوقازية " و " محاكمة لوكللوس " وإلى بعض الأدبيات الإسرائيلية بعد حرب حزيران مثل مسرح ( حانوخ ليفين ) الساخر " ملكة الحمام " ورواية ( يغآل ليب ) " والله يا أمي إني أكره الحرب " ، وإلى قصيدة معين بسيسو " نلقاكم على كشوف القتلى في قناة السويس " التي كتبها بعد أن قرأ ما كتبه بعض طلاب الجامعة العبرية على شهادات تخرجهم إبان حرب الاستنزاف : " نلقاكم على جبهة السويس " ، وفيها يكتب معين عن الطيار دانيال الذي سيظهر اسمه في قائمة القتلى فيم يكون الجنرال يدندن في البانيو تحت الماء اسم دانيال في كشف القتلى في الجبهة :
" وسيغتسل الجنرال / وسيسقط اسمك يا دانيال / في البانيو رغوة صابون " .
إنها ثنائية من دفع الثمن ومن قبضه التي كتب عنها ( بريخت ) في مسرحيته ، ولأقتبس .
في مسرحية " محاكمة لوكللوس " يجري حوار بين القائد العظيم لوكللوس وبين بائعة السمك التي تنتظر عودة ابنها من الحرب :
" - لوكللوس : يا له من سؤال ! هل كان علي أن أزحف بجيوشي لكي أقتنص كرسيا جديدا لبائعة السمك؟
- بائعة السمك : إن كنت لم تجلب لنا شيئا إلى سوق السمك ، فقد أخذت من سوق السمك أبناءنا "
" - أنا أعترض على هذا الكلام . كيف يحكم على الحرب من لا يعرف شيئا عنها ؟
- ولدي سقط في الحرب صريعا . كنت بائعة سمك في السوق عند ( ساحة ) الفوروم ، وذات يوم قيل لنا إن السفن التي تحمل العائدين من الحرب في آسيا قد دخلت الميناء . أسرعت أجري من السوق ووقفت على شاطيء التيبر ساعات عديدة حيث كانوا يفرغونها ، وفي المساء كانت السفن كلها خاوية ولم يظهر ولدي على سطحها " . هي وابنها دفعا الثمن والقائد قبض الغنائم ، أما في " دائرة الطباشير القوقازية " فنقرأ الآتي :
" - ابن الأخ : هل تريد أن تؤكد أن أمراء هذه البلاد لم يحاربوا ؟ هذا توكيد فاضح .
- ازدك ( القاضي ) : كلا ، لقد حاربوا ، حاربوا من أجل الحصول على عقود التوريد . "
ونقرأ :
" والسبب هو أن الحرب خسرت ولكن ليس بالنسبة إلى الأمراء ، فإن الأمراء قد كسبوا معركتهم . لقد دفع لهم مبلغ ثلاثة ملايين و٨٦٣ الف قرش لخيول لم يوردوها .... إن الحرب لم تخسرها إلا جورجيا ( الوطن ) وهي غير ممثلة أمام هذه المحكمة " وتحضر في المسرحية العجوز التي خر ابنها في الحرب صريعا ، وحين يحضر لها القديس قاطع الطريق صاحب الكرامات بقرة ، تذكارا ، ويطلب منها أن تهتم بها يخاطب كبار المزارعين القاضي بأن من أحضر لها البقرة هو اللص أراكلي أخو زوجها وسارق القطيع .
لم يخل الأدب الإسرائيلي الذي كتب بعد حرب حزيران ، وقرأه درويش وتأثر به وكتب عنه ، من الكتابة عن الحرب ومآسيها وسخرية بعض كتابها من الجنرالات والقادة وهو ما نقرأه في كتابات ( حانوخ ليفين ) الساخرة ومنها " أنا وأنت والحرب القادمة " ومقطوعات أخرى ترجمها أنطون شلحت إلى العربية مثل " الإخوة تشامبلولو " و " حين تقف بجانب قبري يا والدي العزيز " و " الأرملة فزحطي " ، وهي مقطوعات تأتي على من ضحى ولم يعد وفقد الأب ابنه والأرملة التي فقدت زوجها وظلت تعيش مع ابنها .
وما أريد أن أخلص إليه هو أن تشابه التجربة يمكن أن يؤدي إلى تشابه الكتابة وأن اللاحق يأخذ من السابق ويتناص معه ، وأن الذين عاشوا فترات الحروب ، ممن هم ضد الحرب ولهم توجهات يسارية ، قد تتشابه أفكارهم وملاحظاتهم ، ومرة قال محمود درويش نفسه إن قصائد شعراء الأرض المحتلة كانت تتشابه لتشابه التجربة والفكر .
إن كان لي أن أختم النقاش فلا أفضل من تكرار الكتابة عن أسطر شعرية كتبها ناظم حكمت واقتبسها درويش وهو يكتب عن ناظم وشعره ثم نسبت الأسطر لدرويش ( أنظر مقالي في الأيام الفلسطينية ٢١ / ٨ / ٢٠٢٢ : العرس الفلسطيني : والدة الشهيد التي تنتظر ابنها " ) .
إن أسطر " ستنتهي الحرب " ليست غريبة عن بريخت وأدب الاحتجاج الإسرائيلي وكتابات محمود درويش التي كتبت عن تلك الكتابات واقتبست منها ، وربما ما يستحق مقالا هو نهاية رواية " يغآل ليب " المذكورة ، وهي عن حرب حزيران ١٩٦٧ .
الكتابة تطول والمساحة محدودة

الثلاثاء والخميس ١٤ و ١٦ / ٣ / ٢٠٢٣ .
Adel Osta

( مقال الأحد لدفاتر جريدة الأيام الفلسطينية ١٩ آذار ٢٠٢٣ )

تعليقات

لا توجد تعليقات.
أعلى