د. أحمد الحطاب - مساعداتٌ أم رشوات؟

كانت الجزائر و ليبيا القدافي في نهاية السبعينيات و خلال الثمانينيات و ما بعد تقومان بإرشاء الدول بالحقائب المملوءة بملايين الدولارات التي هي جزءٌ من أموال الشعبين الجزائري و الليبي. أموالٌ، لو أُنفِقت في مجالي التنمية الاقتصادية و البشرية، لجعلت من هذين البلدين، منذ تلك الفترات إلى يومنا هذا، رائدين افريقيين اقتصاديا، اجتماعيا، ثقافيا، صناعيا، فلاحيا… و هذا يعني أن هذين البلدين اللذين يتوفران على ثرواتٍ طبيعية هائلة كانا يشتريان ذممَ الدول، و بالأخص، الإفريقية متحدِّين إرادةَ شعوبِهما في التَّطلُّع إلى كرامة العيش و الازدهار الاجتماعي و الاقتصادي.

فلولا شراء الذمم، ما دخلت البوليساريو و جمهوريتُها الوهمية منظمةَ الوحدة الإفرقية. بل لقد جعلت منها الجزائر دولةً مؤسِّسة للاتحاد الإفريقي الحالي. و لولا شراء الذمم، لما اعترفت دولةٌ واحدةٌ بعصابة البوليساريو علما أن العديد من الدول التي سبق لها أن اعترفت بهذه العصابة و بجمهوريتِها الوهمية، تراجعت عن هذا الاعتراف لما تبيَّن لها الحق و شرعية القضية الوطنية، و خصوصا، لما تبيَّن لها أن مصلحتَها، على المدى الطويل، مع المغرب و ليس مع دولة تشتري بالمال إرادةَ دولٍ أخرى و تستغلُّ ضعفَها الاقتصادي.

و هنا، لا بد من الإشارة إلى أن الدُّولَ التي تم شراءُ إرادتها بالمال إما كان يرأسُها أشخاصٌ لا تهمُّهم إلا مصالحهم الشخصية و إما أشخاصٌ كانوا يؤمنون، كما هو الشأن آنذاك لحكام الجزائر و ليبيا، بأفكار و إيديولوجيات لم يعد لها اليوم شأن في السياسة العالمية. أفكار و إيديولوجيأت ناتجة عن الحرب الباردة التي كانت قائمة بين المعسكر الغربي الليبرالي و المعسكر الشرقي الشيوعي الاشتراكي.

و شراء الذمم هذا، الذي كان يقوم به حكام ليبيا و الجزائر، كان يتم في الخفاء أو في الكواليس. لماذا؟ بكل بساطة، لأن هؤلاء الحكام كانوا يعرفون حق المعرفة أن ما يقومون به عملٌ لا أخلاقي و مخالفٌ للأعراف التي تُبنى عليها العلاقات بين الدول.

أما اليوم، و بعد انتهاء الدعم المالي الآتي من القذافي، لا يزال حكامُ الجزائر يمارسون شراءَ الذمم لكن، عوض أن يقومَوا به في الكواليس كما كانوا يفعلون في الماضي، فإنهم يمارسُونه علانيةً. كيف ذلك؟

الجزائر تعرف حق المعرفة أنه، في عالم اليوم، ليس من السهل شراء ذمم دولٍ بأكملها. الدول اليوم ما يهمها هو المصالح المتبادلة و على طول المدى. و هذا هو ما صارت تنهجه الطغمة الحاكمة في الجزائر إذ أصبحت تمارس شراء الذمم علانيةً و ذلك بإدراج هذا الشراء في خانة العلاقات بينها و بين دولٍ أخرى. و بعبارة أخرى، إنه شراء ذمم مُغَلَّفٌ بشرعية العلاقات بين الدول. و هذا هو ما حصل مع فلسطين و تونس وحاليا مع دولٍ إفريقية تحت غطاء دعم البرامج التنموية.

وهكذا، فإن حكامَ الجزائر يُخفون نواياهم الخبيثة وراء شرعية العلاقات بين الدول. فبالنسبة لفلسطين، مبلغ 100 مليون دولار الذي قدَّمه حكام الجزائر كمساعدة للشعب الفلسطيني، هو في الحقيقة ليس مساعدة. إنه، أولا و قبل كل شيء، ردُّ فعلٍ لإعادة المغرب للعلاقات مع إسرائيل، و في نفس الوقت، شراء ذمة الرئيس الفلسطيني لعله يميل إلى الأطروحة الانفصالية الجزائرية. لكن ما حدث هو العكس. أولا، عندما تناول الكلمة الرئيس الفلسطيني، لم يقل و لو كلمةً واحدةً تسير في اتجاه ما تنتظره الطغمة الحاكمة. ثانيا، بعد أيام قليلة من زيارة الرئيس الفلسطيني للجزائر، قام هذا الأخير بزيارةٍ لوزير الدفاع الإسرائيلي بمنزله بضواحي تل أبيب. و هذا هو ما قلتُه أعلاه بأن شراءَ ذمم دول بأكملها ليس أمرا سهلا في الوقت الراهن. فما تُسمِّيه الطغمةُ الحاكمةُ، في العَلَن، مساعدةً هو في الحقيقة رشوة ورأءها نوايا مبيَّتة.

أما بالنسبة لما سمَّته الطغمةُ الحاكمة بالجزائر قرضاً لمساعدة تونس على تجاوز أزمتها الاقتصادية الخانقة، فإن هذا القرضَ جاء في فترة يعاني منها البلدان، في آن واحد، من أزمات داخلية سياسية، اجتماعية و اقتصادية و كذلك من عزلة تكاد تكون دولية. ثم كيف لحكام الجزائر أن يساعدوا تونس على تجاوز أزمتها الاقتصادية الخانقة و هم أنفسُهم أغرقوا الجزائر في دوامةٍ من الأزمات الاجتماعية و الاقتصادية حوَّلت العُملةَ الجزائرية إلى عملةٍ لا قيمة لها و أضعفت إلى حدٍّ كبيرٍ القدرة الشرائية للمواطنين الجزائريين. و ما يجب الانتباه إليه، هو أن خروجَ تونس من أزمتها الاقتصادية لا يحتاج إلى بعض مئات ملايين الدولارات بل إلى سيلٍ من ملايير الدولارات حسب ما جاء في التقارير الدولية دون إغفالِ أن هذا الخروج لا يمكن أن يتمَّ بين عشيةٍ و ضحاها وخصوصا في وقتٍ ألقَت فيه الجائحة بظلالها على اقتصادات العالم برمَّتِه.

إذن، ما يظهر للعيان كقرضٍ يُراد منه خير لتونس، فهو فقط ذرٌّ للرماد على العيون و مغالطةٌ من المغالطات التي يتفنَّن حكامُ الجزائر في حَبكِها منذ سنوات. وما يدعِّم هذه المغالطة، هو أن قرارَ تقديم المساعدة لتونس قرارٌ تمَّ فرضُه على الشعب الجزائري الذي لم تتم استشارتُه، من خلال نواب الأمة.

فحينما تصل يدُ الطغمة الحاكمة بالجزائر إلى المال العام، فليس لخدمة مصلحة الشعب الجزائري وإخراجه من الأزمات التي يتخبَّط فيها، لكن لإطالةِ سطوِ هذه الطغمة على الحكم بالبلاد. في هذه الحالة، حينما تقدِّم الطغمةُ أموالَ الشعب لجهاتٍ أخرى وتدَّعي أنها مساعدات، فالأمر، بكل بساطة، ليس، لا أقل ولا أكثر، إلا محاولات إرشاء الغير. "اللي فراس جْمْلْ فراس جمالة".

تعليقات

لا توجد تعليقات.
أعلى