د. أحمد الحطاب - ويتأكَّدُ، يوماً بعد يومٍ، الغباءُ بلا حدود

يتعلَّق الأمر هنا بغباء الطغمة الحاكمة في الجزائر، بشقيها المدني والعسكري، ولو أن الشقَّ المدني مجرد ذرِّ الرماد على العيون. الطغمة العسكرية هي الحاكِم الفعلي والميداني في الجارة الشرقية. غباءٌ سياسي لم يسبق له مثيل في تاريخ الممارسات السياسية. غباءٌ أصبح هستيريا إلى درجة أن المغربَ أصبح، بالنسبة لهذه الطغمة الحاكمة، كبشَ فداءٍ bouc émissaire تُحمِّلُه هذه الطغمةُ الحاكمةُ بالجزائر كل ما يحدثُ من كوارث داخلَ بلادِها وفشلٍ سواءً كان سياسيا، دبلوماسيا، اجتماعيا، اقتصاديا، رياضيا…

وعبارة "كبش فداء" تذكِّرني بالمثل المغربي الذي يقول : "طاحت الصمعة، علقو الحجام"، أي الحلاق. وهو ما يعني أن شخصاً يُلامُ (أو يُعاقَبُ) على خطأ أو ذنب أو مصيبة ارتكبهم شخصُ آخر. والكارثة العظمى هنا، هي أن الأمرَ لم يعد قائماً بين أشخاص ولكن بين دولتين، الأولى محكومة من طرف طغمة عسكرية مستبدة و فاشلة في كل شيء. و الثانية تسير إلى الأمام بخطى ثابتة اجتماعيا، اقتصاديا، دبلوماسيا، جيواستراتيجيا، رياضياً…

واعتبارُ المغرب كبشَ فداء من طرف الطغمة الحاكمة بالجزائرهو، في الحقيقة، حقدٌ دفينُ تُكنُّه هذه الطغمة لبلدٍ مجاورٍ يُحالفُه النجاح تلو النجاح، وبالأخص، على المستويات الاقتصادي والدبلوماسي. حِقدٌ أصبح مِيزةً متوارثة من رئاسةٍ إلى أخرى ومن طغمةٍ إلى أخرى. فكل فشلٍ يُصيبُ الطغمةَ الحاكِمة، مدبِّره ومُحرِّضُه هو الجارُ الغربي.

و كأن هذا الجارَ لا شُغلَ له سوى ترصُّد وتربُّص جميع أنواع فشل الطغمة الحاكمة ليُحوِّلها، بكيفيةٍ سادية sadique إلى فرصٍ للتنكيل بالجار الشرقي. وما لم تُدرِكه أو لا تريد إدراكَه الطغمةُ الحاكمةُ بالجزائر، هو أنه، على المستوى الرسمي، لا اهتمامَ ولا مصداقيةَ يعيرُهما ألجأرُ الغربي لصبيانيةِ هذه الطغمة. خلافا لهذه الأخيرة، الجار الغربي له ما يشغلُه طيلةَ اليوم والأسبوع والشهر والسنة والمستقبل. إنه يدفع قافلتَه لتسير سيراً هادفاً تارِكا الحرِّية المطلقةَ لنُباح الكلاب كما تريد وتستطيع وتشاء.

وفي هذا الصدد، يحضرني مثلٌ مغربي آخر يقول : "إخاف ما يحشم" وهو ما معناه أن شخصاً ما أو جماعةً ما، رغم ما يُصيبُها من خوفٍ ناتجٍ عن فشل ذريعٍ في كل الميادين، تتسلَّحُ ب"سَنطِيحةٍ" من حديدٍ لا لشيءٍ إلا للإساءة بكيفية منتظمة ومجانية للآخر.

وهذا هو ما لم تستوعِبه الطغمة الحاكمة بالجزائر إذ تكبَّدت الفشلَ بعد الآخر وتلقَّت الصفعة تلو الأخرى وعوض أن تستخرجَ دروسا وحكمةً من هذا الفشل والصفعات، فإنها تزيد تعنُّتاً وعجرفةً واستعلاءً مبنيِين على سراب. بل إن الطغمة وصل بها التَّعنُّتُ إلى درجة العِصيان والتَّمرَّد على المجتمع الدولي. وكأننا أمام "كوريا شمالية" ثانية تتحدى الأممَ المتحدةَ والدول العظمى والقانون الدولي.

فحينما اعترفت الولايات المتحدة بمغربية الصحراء، قالوا إنها مجرد تغريدة على تويتر وسيُلغيها الرئيسُ المقبل. غير أن الرئيس الحالي قام بإلغاء العديد من المراسيم التي تبنَّاها الحزبُ الجمهوري إلا ذلك المتعلِّق بمغربية الصحراء.

أصدر مجلسُ الأمن تقريرَه رقم 2602، فكانت الصدمة العظمى بالنسبة للطغمة الحاكمة بالجزائر. قالوا إنه تحيُّزٌ للجانب المغربي بينما لا عضو غير دائم ودائم صوَّت ضد القرار وحتى روسيا،.إن امتنعت عن التصويت، لم تستعمل حقها في الفيتو، أي لم تُعارض هذا القرار.

اعترفت دول الخليج، في اجتماعِ مجلسها الأخير، بمغربية الصحراء، فقالت الطغمة الحاكمة بالجزائر : "دول الخليج تُدعِّم المغرب لأن نظامَه السياسي ملكي". وهذا، يالطبع، هُراءٌ على هٌراء. وهو دليل قاطعٌ على تجدُّر الغباء في عقول هذه الطُّغمة. غباءٌ سياسي يعبِّرُ عن غياب بُعدِ النظر وعن عدمِ مقاربة الأمور بنظرةٍ استشرافية وشمولية تأخذ بعين الاعتبار تداخلَ المعطيات بأبعادِها السياسية، الدبلوماسية، الاقتصادية، الاجتماعية الاستراتيجية... وعلى رأس هذه المُعطيات، المصالح المتبادلة إذ لا توجد دولةٌ لا تبني علاقاتِها مع دُول أخرى على المصالح المتبادلة. فما يدَّعِيه حكامُ الجزائر حين يقولون إن الدَّعمَ المطلقَ الذي تُخصِّصه دول الخليج للقضية الوطنية هو نابعٌ من كون النظام السياسي للمغرب نظامٌ ملكي يشبه، في جوهرِه، أنظمةَ هذه الدُّوَل هو، في الحقيقة، هروبٌ إلى الأمام وإنكارٌ للواقع. واقعٌ يعرفُه هؤلاء الحُكام حق المعرفة لكنهم، بحُكم تعنُّتهم وحِِقدهم على المغرب، يفضِّلون الخوضَ في التُّرهات والهروبَ إلى الأمام.

أصدرت الجامعة العربية خارطةَ العالم العربي لاغيةً الخطَّ الفاصلَ بين المغرب و صحرائه المغربية. فقالت الطغمة الحاكمة في الجزائر : "هي نفسُ الخارطة التي تعوَّدت الجامعة على العمل بها" متجاهلةً أن نفسَ الجامعة أشارت إلى مساحة وحدود كل دولةٍ على حدة. فكان واضحا حتى للأعمى أن الصحراء المغربية تدخل ضمن المساحة الإجمالية للمغرب. فمتى ستستفيق الطغمة الحاكمة بالجزائر من غفوتِها وترى الأمورَ بعين الواقع. ألم تُدرك هذه الطغمة الحاكمة بالجزائر أنه لا توجد ولو دولةٌ عربية واحدة تعترف بالوليساريو وجمهوريتِه الوهمية؟

أصدر البنكُ الدولي تقريرا صادما عن الوضع الاجتماعي والاقتصادي بالجزائر. فسارعت الطغمة الحاكمة لتزعمَ أن هذا التقرير هو نتيجةٌ لتواطؤ بين البنك الدولي والمخزن المغربي. بينما العالم كلُّه يعرف حق المعرفة أن الوضعَ الاجتماعي والاقتصادي في الجزائر خطير جدا إلا الطغمة الحاكمة التي تتمادى في استحمارِها لهذا العالم، وأولا و قبل كل شيءٍ، لشعبها الذي هو المتضرِّرُ الأول والأخير من هذا الوضع. فأين الحكمةُ والتَّبصُّرُ وبُعدُ النظر؟

أليست هذه التَّصرفات الصبيانية والصادرة عن مَن يحتلون المراكز المتقدمة في تدبير شؤون الجزائر، مهزلةً وغباءً ما بعده غباء؟ فحينما ينحدر رئيسُ الجمهورية إلى أسفل الدَّركِ ويتفوَّه باتهامات بدون أدنى دليل، اعتدنا على سماعِها فقط في عالم الأطفال، فاعلمْ أن البلادَ سقطت بين أيادي ماكِرة وخادعة وانتهازية. أليس هذا غباءٌ واستحمارٌ للآخرين؟

و عندما لا يتوقَّف رئيسُ أركان الجيش الجزائري عن إصدار البلاغ تلو الآخر لإلصاق اتهامات لما يسميه المخزن المغربي، فاعلم أن الموازين قد قُلبت وأن الجيش الذي، من المفروض، أن المهمَّةَ الموكولة إليه دستوريا، هي حماية الوطن و ضمان أمنه و حراسة حدوده و وحدتِه الترابية، لا تهمه مصلحة البلاد وأمنُها. الجيش، عادةً، يجب أن يبتعِدَ عن السياسة ويتفرَّغَ لمهامه السامية. لا، الجيش في الجزائر يحشُر نفسَه في كل الأمور المدنية وحتى الرياضية وبطريقة "عْلى عينك يا بنعدِّي".

ما هو منتظرٌ هو : كيف سيكون ردُّ فعلِ الطغمة الحاكمة بالجزائر و واجهتُها المدنية المُزيَّفة على تَرَشُّحِ المغرب لتنظيم كأس العالم لسنة 2030 بالاشتراك مع إسبانيا والبرتغال؟ فهل ستترشَّح الجزائرُ بالاشتراك مع دولٍ إفريقية أخرى لتُزاحمَ المغرب أم أن الطغمةَ الحاكمةَ ستبرع، كعادتها، في إيجادِ كذبة من أكاذيبها المعتادة؟ ما هو مؤكَّدٌ، هو أن هذا التَّرشُّحَ لن يمرَّ مرورَ الكِرامِ دون أن يشغلَ بالَ الطغمة العسكرية التي، بدون أدنى شك، لن تبتلعُه بسهولة.

تعليقات

لا توجد تعليقات.
أعلى