د. السيد إبراهيم أحمد - أخلاقيات التنمر السياسي السيبراني العربي..

غزا التنمر بأنواعه ووسائله كافة المجتمعات سواء النامية أو المتخلفة أو المتقدمة، وكان الأساس هو التنمر الواقعي التربوي قبل الافتراضي أو الفضاء السيبراني الذي وسَّع دائرة التنمر أمام المتنمر وجعل المتنمر به في موقف لا يُحسد عليه؛ إذ كان يكفيه اتقاء شر من يتنمر به بالابتعاد عنه، أو عدم الاحتكاك به، بحسب جغرافية المكان، غير أن العولمة ووسائلها العديدة إعلاميا واجتماعيا، جعلت حرب التنمر دائرة ليل نهار لا تعرف الملل أو الكلل، وعرفت طريق الكلمة المكتوبة، والمنطوقة، والفيلم القصير المصور، وتأليف كلمات على ألحان شائعة ليسهل حفظها، وشيوعها.

ثم جاء دور التنمر السياسي الذي عانق التنمر السيبراني وتحالف معه، خاصة بعد ثورات الربيع العربي، وانقسام مجتمعات الدول العربية التي انفجرت منها أو فيها هذه الثورات، بل في البلاد المستقرة التي زادت فيها حدة المعارضة وشراستها أكثر من ذي قبل استمدادًا من المعين الثوري الذي اتسع نطاقه، واستثمر الإعلام الموازي فصائل المعارضة المهاجرة بعيدا عن أوطانها باختيارها أو قسرا، مخافة السجن والوقوع تحت طائلة القانون الذي يرونه مُسيَّسا ضدهم، وموجهًا من قبل الأنظمة العربية الحاكمة، وهو ما أشعل ساحة التنمر السياسي المتبادل من الطرفين: الطرف المؤيد لسياسات دولته وحكومتها ورئيسها أو مليكها، والطرف المعارض لتلك السياسات.

ومع كون التنمر في مجموعه وعلى اختلاف أنواعه مخالف للأخلاق، سواء في التعامل عبر الفضاء السيبراني أو القنوات التلفازية، إلا أن حجم السقطات الأخلاقية قد زادت حتى خرجت عن نطاق الموضوعية، والأحداث السياسية، وطالت لا شخص الزعامات أو الرؤساء فقط بل طالت أيضًا أفراد عائلاتهم، وصار المتنمر يتصيد الأخطاء والهفوات، أو يصنعها أو يصطنعها، بل يفبركها بالقص واللصق عبر سلاح المونتاج والفوتو شوب، من أجل استثارة أو قلب الرأي العام المحكوم ضد من يحكمونه، والمؤسف أن الذي شجع من يستخدمون سلاح التنمر السياسي، ولو بدا غير أخلاقي، ذلك الحشد الجماهيري الذي صار يستمتع ويسعد بل يتلذذ بممارسة هذا التنمر، بل صار يجده وسيلة تتكفل بالتعبير عنه في معاداته ورغبته في الانتقام من أية أنظمة أو رموز حاكمة، دون وقوع أية مسئولية عليه.

لقد داست أقدام جميع الأطراف سواء المؤيد أو المعارض أبجديات الأخلاق التي يدينون بها جميعا، والتي تنهى عن الوقوع في الأعراض، عبر السباب والشتائم وأحط النعوت وهم المأمورون بنبذ الهمز واللمز والتنابز بالألقاب، غير أن صفحات التواصل الاجتماعي بأنواعها صارت مرتعا وحصنا وخندقا يتمترس فيه أو من خلفه كل شتام وعياب، خاصة إذا كان بعيدا ببدنه عن طائلة القانون، حتى ديست القيم الإنسانية، والأخلاق العربية الأبية التي كان هناك من يمارس المعارضة ضد الأفعال والممارسات السياسية مما أكسبه احتراما، واعترافا بحقه في التنديد؛ لأن الفعل يتعلق بالفعل المضاد، وليس بشخص من فعله، والحراك السياسي يمارسه الجميع تحت مظلة مصلحة الوطن دونما تنمر، أو أذى نفسي بالقول المعيب، واللفظ المستهجن، وهو مادة فعالة في التنمر السياسي السيبراني، على عكس التنمر التربوي الذي يعتمد على الأذى باللفظ والفعل معا أو أحدهما.

يحتاج الأمر الكثير من التريث والحكمة، خاصة ونحن نطالب بتوسيع دائرة المواطنة الرقمية، والتي تحتاج هي الأخرى تربية ووعي من يستخدمها، ورقابة علوية من جهات سيادية لضبط رتم هذه التقنيات من حيث الاستخدام السيء، خاصة أن المجتمعات العربية في الأونة الأخيرة، صارت منفلتة الأعصاب تجاه الحكام، والحكومات، والفرق الرياضية، واتحادات الكرة، داخل منظومة التنمر الذي يصبغونه بالسياسة ـ ولو كان بعيدا عنها ـ حتى الأفراد الذين لا علاقة لهم بالسياسة من قريب أو بعيد، بل صار البعض من جنرالات المقاهي، ومفكري ومنظري صفحات الفيس بوك والمدونات وغيرهما يفتون، ويحكمون، ويسبون، ويخوضون في انتهاك المنظومة الأخلاقية، ولا يحق لهم هذا أبدا، وهم يحسبون أنهم يحسنون صنعا.. للأسف.

تعليقات

لا توجد تعليقات.
أعلى