إنه فنٌّ لكن حاشا أن يكونَ واحدا من الفنون الجميلة les beaux-arts من رسم وتشكيل ونحت ومعمار وموسيقى وشعر وزجل ومسرح ورقص... إنه فن (عفن) لا يُتْقنه إلا المنافقون البارعون في تغيير الوجوه والسلوك حسب الظروف والمواقع.
إنه فن يتطلب حربائية عالية الجودة حتى يكونَ الظاهر مخالفا للباطن، أي ما نسمعه من كلام وما نراه من سلوك مخالف تمام الاختلاف مما يجري في الباطن. إنها ازدواجية أصبحت مُنتشرةً في هذا البلد السعيد. بل أصبحت سلاحا يستعمله العديد من البشر لبلوغ مآربهم الدنيئة المخالفة للقانون و الأخلاق.
أما البارعون في امتهان الازدواجية، فهم كثيرون لكني سأخص بالذكر شريحةً عريضةً من السياسيين و المُنتَخَبين و بعض رجالَ الدين. والقاسم المشترك بين هذه الفئات الثلاثة هو صلابة الوجه وبلاغة الكلام. وجه صلب قادر على أن يغير ملامحَه ليظهر كوجه ملاك. وبلاغة الكلام لتخدير العقول ومَغْنَطَتِها لتلتهمَ بكل سهولة ما يُقال وتثق به ثقةً عمياء.
فالسياسي، بكلامه المنمَّق، يجعلك تتخيل أنك ستعيش في جنة تتمتع فيها بكرامة لم تعهدْها من قبل. والمُنْتَخَبُ، بمعرفته للمشاكل الحقيقية للبشر والأماكن، يبني لك قريةً أو مدينة تم فيها إيجاد الحلول لكل هذه المشاكل. أما بعض رجال الدين، فهم أخطر النوعين السابقي الذكر. فإنهم يُقنبِلُونك بالآيات القرآنية والأحاديث النبوية لتصبح عبدا لهم، إن لم أقل مِلكا لهم يسيِّرُونك كما يشاءون وحسب ما خططوه من أهواء.
ورغم اختلاف هذه الفئات الثلاثة فكريا، فإنهم، من حيث الباطن، قد يتشابهون إلى حد كبير. فلن يتردَّدَ أحدُهم في خرق القانون أو التلاعب به أو في كسب المال بدون حق أو في الهروب من الضرائب أو في اقتناء الأملاك بطرق غير مشروعة أو.... وقد تبلغ به الوقاحة إلى تبرير هذا الخرق أو التلاعب بكيفية مُتعجرفة.
و ما يثير الانتباه، هو أن ممارسة الازدواجية لا يُشترط في صاحبها أن يكون مثقفا أو غير مثقف. إن مُمارسِِيها ينتمون إلى جميع الطبقات الاجتماعية. بل في أيامنا هذه، يُلاحَظُ أن المثقفين، بحكم إطلاعهم على الكثير من الأمور، هم أكثر الناس ممارسةً لهذه الازدواجية.
وأخطر الخطورات، هو أن تُمارسَ الازدواجية من طرف شخص واحد يجمع بين السياسة والثقافة والدين!
مشهدنا السياسى يعجُّ بهذا النوع من البشر. بالنسبة لهم، الثقافة والدين ليسا إلا غطاءً يختبئون وراءه لتحقيق ما غلا ورخُصَ من المآرب. مآربٌ تتناقض مع التَّعاليم الدينية وتخالف ما يفرضه على الفرد المثقف ضميرُه الحي. مآربٌ لا تختلف في جوهرها عن تلك التي يسعون جاهدين وراء تحقيقها السياسيون الذين يتشدَّقون بالوطنية وحب الوطن.
وكيفما كان الحالُ، فالمُمارسون لفن الازدواجية، سواءً السياسيون أو المثقفون أو بعض رجال الدين، هدفُهم الأساسي هو الظهور للآخر بوجه حسن، وبالتالي، هم مُجبَرون على إخفاء الحقيقة. وحتى إن باحوا بها، فإنها تُزَخرَف وتُزوَّق وتُحسَّنُ وتُجوَّد… بطريقة غير قابلة لأدنى شك. طريقةٌ تجعل المواطنَ يظن أن ما يسمعه هو فعلا حقيقة، بينما بالنسبة لمُمارس فن الازدواجية، ما يقوله هو فقط خِداعٌ وتدليس.
ومُمارسُ فن الازدواجية لا يهمُّه أن يكونَ تناقضٌ بين باطنه وظاهره ما دام قد رسم لازدواجيته أهدافاً مُعيَّنةً، لكن أهداف تحيد عن الحق والصواب والاستقامة. كما لا يهمه أن يستشريَ الفقرُ في البلاد وأن يعانيَ الناسُ، في حياتهم اليومية من غلاء الأسعار والاحتقار وعدم الإنصاف…
وباختصار، مُمارس الازدواجية لا تهمه القيم الإنسانية، وإن تبنَّى البعض منها، فليست، في نظره، إلا مطايا يركبها لبلوغ مآربه الدنيئة.
[HEADING=1]
[/HEADING]
إنه فن يتطلب حربائية عالية الجودة حتى يكونَ الظاهر مخالفا للباطن، أي ما نسمعه من كلام وما نراه من سلوك مخالف تمام الاختلاف مما يجري في الباطن. إنها ازدواجية أصبحت مُنتشرةً في هذا البلد السعيد. بل أصبحت سلاحا يستعمله العديد من البشر لبلوغ مآربهم الدنيئة المخالفة للقانون و الأخلاق.
أما البارعون في امتهان الازدواجية، فهم كثيرون لكني سأخص بالذكر شريحةً عريضةً من السياسيين و المُنتَخَبين و بعض رجالَ الدين. والقاسم المشترك بين هذه الفئات الثلاثة هو صلابة الوجه وبلاغة الكلام. وجه صلب قادر على أن يغير ملامحَه ليظهر كوجه ملاك. وبلاغة الكلام لتخدير العقول ومَغْنَطَتِها لتلتهمَ بكل سهولة ما يُقال وتثق به ثقةً عمياء.
فالسياسي، بكلامه المنمَّق، يجعلك تتخيل أنك ستعيش في جنة تتمتع فيها بكرامة لم تعهدْها من قبل. والمُنْتَخَبُ، بمعرفته للمشاكل الحقيقية للبشر والأماكن، يبني لك قريةً أو مدينة تم فيها إيجاد الحلول لكل هذه المشاكل. أما بعض رجال الدين، فهم أخطر النوعين السابقي الذكر. فإنهم يُقنبِلُونك بالآيات القرآنية والأحاديث النبوية لتصبح عبدا لهم، إن لم أقل مِلكا لهم يسيِّرُونك كما يشاءون وحسب ما خططوه من أهواء.
ورغم اختلاف هذه الفئات الثلاثة فكريا، فإنهم، من حيث الباطن، قد يتشابهون إلى حد كبير. فلن يتردَّدَ أحدُهم في خرق القانون أو التلاعب به أو في كسب المال بدون حق أو في الهروب من الضرائب أو في اقتناء الأملاك بطرق غير مشروعة أو.... وقد تبلغ به الوقاحة إلى تبرير هذا الخرق أو التلاعب بكيفية مُتعجرفة.
و ما يثير الانتباه، هو أن ممارسة الازدواجية لا يُشترط في صاحبها أن يكون مثقفا أو غير مثقف. إن مُمارسِِيها ينتمون إلى جميع الطبقات الاجتماعية. بل في أيامنا هذه، يُلاحَظُ أن المثقفين، بحكم إطلاعهم على الكثير من الأمور، هم أكثر الناس ممارسةً لهذه الازدواجية.
وأخطر الخطورات، هو أن تُمارسَ الازدواجية من طرف شخص واحد يجمع بين السياسة والثقافة والدين!
مشهدنا السياسى يعجُّ بهذا النوع من البشر. بالنسبة لهم، الثقافة والدين ليسا إلا غطاءً يختبئون وراءه لتحقيق ما غلا ورخُصَ من المآرب. مآربٌ تتناقض مع التَّعاليم الدينية وتخالف ما يفرضه على الفرد المثقف ضميرُه الحي. مآربٌ لا تختلف في جوهرها عن تلك التي يسعون جاهدين وراء تحقيقها السياسيون الذين يتشدَّقون بالوطنية وحب الوطن.
وكيفما كان الحالُ، فالمُمارسون لفن الازدواجية، سواءً السياسيون أو المثقفون أو بعض رجال الدين، هدفُهم الأساسي هو الظهور للآخر بوجه حسن، وبالتالي، هم مُجبَرون على إخفاء الحقيقة. وحتى إن باحوا بها، فإنها تُزَخرَف وتُزوَّق وتُحسَّنُ وتُجوَّد… بطريقة غير قابلة لأدنى شك. طريقةٌ تجعل المواطنَ يظن أن ما يسمعه هو فعلا حقيقة، بينما بالنسبة لمُمارس فن الازدواجية، ما يقوله هو فقط خِداعٌ وتدليس.
ومُمارسُ فن الازدواجية لا يهمُّه أن يكونَ تناقضٌ بين باطنه وظاهره ما دام قد رسم لازدواجيته أهدافاً مُعيَّنةً، لكن أهداف تحيد عن الحق والصواب والاستقامة. كما لا يهمه أن يستشريَ الفقرُ في البلاد وأن يعانيَ الناسُ، في حياتهم اليومية من غلاء الأسعار والاحتقار وعدم الإنصاف…
وباختصار، مُمارس الازدواجية لا تهمه القيم الإنسانية، وإن تبنَّى البعض منها، فليست، في نظره، إلا مطايا يركبها لبلوغ مآربه الدنيئة.
[HEADING=1]
[/HEADING]