هناك برنامج في إرتريا يسمى بالخدمة الصيفية (زي الخدمة المجتمعية)، يستمر لمدة شهرين (يوليو-سبتمبر) في موسم الخريف (الإجازة)، ويتم فيه توزيع طلاب وطالبات المرحلة الثانوية في جميع مدن وقرى ارتريا بشكل منفصل عن بعضهم بعضا، حيث يوسعون آفاقهم بزيارة مناطق جديدة، وفي نفس الوقت يقومون بأعمال متنوعه متعلقة بالتنمية والبناء (وأي مجموعة وحظها). ليس هناك وسيلة للتهرب من ذلك، إلا اذا كنت مصاب بمرض مميت ومعدي، ونادرا ما يتم إستثناء أحدهم بسبب الإعاقة.
في سنتي الأولى من الخدمة الصيفية، تم توزيعي داخل اسمرا/ أرض المعارض الاكسبو (الذي يبعد مسافة دقيقتين فقط من منزلي). تم تكليفنا بتنظيف الميدان من الأعشاب، الشوك والشجيرات التي انتشرت فيه نتيجة للإهمال. بعد عدة ايام تم نقلي للعمل في معرض المؤلفات الوطنية، بينما أرسل زملائي لموقع جديد، اعترضت في اليوم الثاني، تم قبول طلبي بعد اسبوعا كاملا وانضممت إلى أصدقائي، حيث قضينا ما تبقى من خدمتنا ونحن نكنس أزقة وشوارع أبا شاول، بكل سرور (أختكم غاوية شقي.)
في سنتي الثانية كنت من ضمن مجموعة الإقليم الجنوبي باتجاه (سراي سابقا)، في قرية صغيرة تسمى عدي بارو، ذات طبيعة شبه جافة، ومناخ يتأرجح بين الحار والمعتدل. اوكل إلينا ببناء المدرجات في الجبل وغرس الشتول. تم اختياري هنا لتولي مسؤولية الإشراف على الطباخات، ولم يكن هناك شيء مميز، سوى ان بعضنا قفزن كثيرا مرعوبات بسبب الثعابين والحشرات، ونجح بعضنا الآخر في التسلل إلى مدينة دباروا في سرية تامة عدة مرات لغزو محلاتها التجارية.
في السنة الثالثة (الأخيرة)، تم ارسالنا إلى الإقليم الجنوبي جانب (اكلو قزاي سابقا)، بطبيعته الخلابة ومناخه الربيعي، وتينه الشوكي (البلس)، مركزنا كان قرية صغيرة تسمي (كورباريا) تقع بالقرب من مدينة دقمحري (الباردة شديد). تم اختياري هنا للإشرف على مجموعتي، وكان وجودي في تلك المنطقة هبة من ربنا سبحان وتعالي، فأنا بنت الغربة (مشبعة بقصص الوطن)، وجذوري تمتد من مدينة دقمحري، مرورا بسقنيتي وصولا لعدي قيح، وجميع القري التي تحيط بهم.
في اليوم الأول لقيامي بمهمة الإشراف، ذكرت للطباخات اسم والدي كامل، وكوني من منطقة لا تبعد كثيرا عن قريتهن (كان هدفي هو كسب ودهن، فالعدس يوميا متعب، ممكن يهربن لي بديل ). لا اكذب عليكم اذا قلت بانهن قد تجمدن تماما، ثم فجأة انهالن علي بالأسئلة، وبما انني قمت بزيارة عماتي واقارب والدي من الدرجة الاولى في قرى قيح خور.. أفلبا... عدي أبعور...سسح.. عالا.... الخ ومدينة دقمحري نفسها فلم يكن الأمر صعبا للتجاوب معهن. قامت الطباخات من اماكنهن ضمتني كل واحدة فيهن إلى صدرها (طلعن قريباتي).
في اليوم الثاني تمت دعوتي إلى منزل كبير القرية، ذهبت بالمساء برفقة ابنة احدي الطباخات، نظرت إلى ذلك المنزل (هدمو) من بعيد، كان ضخما يعبر عن مكانه أصحابه. استقبلتني عند المدخل سيدة كبيرة في السن واخذتني من يدي كالطفلة إلى الداخل، كانت الغرفة ممتلئة بكبار السن من النساء والرجال، انتقلت من حضن لآخر، انهالت القبلات على راسي ووجنتي ويدي، احاطوني بالحب. كنت أبكي وانا أنظر اليهم، وكانوا يبكون بصمت، فقد كانوا يشعرون كانهم يرون والدي على قيد الحياة. اخبروني عن طفولة والدي، اضحكوني وأبكوني، وكان العشاء على شرفي عصيدة (قعات) بالسمن، الشطة والزبادي.
الآن يمكنكم تخيل كيف تسليت بعد ذلك اليوم، فلم أعد قلقة بشأن وجبة العدس اليومية.
هكذا أكملت خدمتى الصيفية دون ان أذهب الى ساوا، وذلك لعدم وجود فصل ثالثة ثانوي باللغة العربية في المعسكر، ولكن... ساوا كانت في انتظاري بعد بضعة سنوات......كفاية كدا، دي قصة مختلفة!
بقلم / آمال أرأيا
في سنتي الأولى من الخدمة الصيفية، تم توزيعي داخل اسمرا/ أرض المعارض الاكسبو (الذي يبعد مسافة دقيقتين فقط من منزلي). تم تكليفنا بتنظيف الميدان من الأعشاب، الشوك والشجيرات التي انتشرت فيه نتيجة للإهمال. بعد عدة ايام تم نقلي للعمل في معرض المؤلفات الوطنية، بينما أرسل زملائي لموقع جديد، اعترضت في اليوم الثاني، تم قبول طلبي بعد اسبوعا كاملا وانضممت إلى أصدقائي، حيث قضينا ما تبقى من خدمتنا ونحن نكنس أزقة وشوارع أبا شاول، بكل سرور (أختكم غاوية شقي.)
في سنتي الثانية كنت من ضمن مجموعة الإقليم الجنوبي باتجاه (سراي سابقا)، في قرية صغيرة تسمى عدي بارو، ذات طبيعة شبه جافة، ومناخ يتأرجح بين الحار والمعتدل. اوكل إلينا ببناء المدرجات في الجبل وغرس الشتول. تم اختياري هنا لتولي مسؤولية الإشراف على الطباخات، ولم يكن هناك شيء مميز، سوى ان بعضنا قفزن كثيرا مرعوبات بسبب الثعابين والحشرات، ونجح بعضنا الآخر في التسلل إلى مدينة دباروا في سرية تامة عدة مرات لغزو محلاتها التجارية.
في السنة الثالثة (الأخيرة)، تم ارسالنا إلى الإقليم الجنوبي جانب (اكلو قزاي سابقا)، بطبيعته الخلابة ومناخه الربيعي، وتينه الشوكي (البلس)، مركزنا كان قرية صغيرة تسمي (كورباريا) تقع بالقرب من مدينة دقمحري (الباردة شديد). تم اختياري هنا للإشرف على مجموعتي، وكان وجودي في تلك المنطقة هبة من ربنا سبحان وتعالي، فأنا بنت الغربة (مشبعة بقصص الوطن)، وجذوري تمتد من مدينة دقمحري، مرورا بسقنيتي وصولا لعدي قيح، وجميع القري التي تحيط بهم.
في اليوم الأول لقيامي بمهمة الإشراف، ذكرت للطباخات اسم والدي كامل، وكوني من منطقة لا تبعد كثيرا عن قريتهن (كان هدفي هو كسب ودهن، فالعدس يوميا متعب، ممكن يهربن لي بديل ). لا اكذب عليكم اذا قلت بانهن قد تجمدن تماما، ثم فجأة انهالن علي بالأسئلة، وبما انني قمت بزيارة عماتي واقارب والدي من الدرجة الاولى في قرى قيح خور.. أفلبا... عدي أبعور...سسح.. عالا.... الخ ومدينة دقمحري نفسها فلم يكن الأمر صعبا للتجاوب معهن. قامت الطباخات من اماكنهن ضمتني كل واحدة فيهن إلى صدرها (طلعن قريباتي).
في اليوم الثاني تمت دعوتي إلى منزل كبير القرية، ذهبت بالمساء برفقة ابنة احدي الطباخات، نظرت إلى ذلك المنزل (هدمو) من بعيد، كان ضخما يعبر عن مكانه أصحابه. استقبلتني عند المدخل سيدة كبيرة في السن واخذتني من يدي كالطفلة إلى الداخل، كانت الغرفة ممتلئة بكبار السن من النساء والرجال، انتقلت من حضن لآخر، انهالت القبلات على راسي ووجنتي ويدي، احاطوني بالحب. كنت أبكي وانا أنظر اليهم، وكانوا يبكون بصمت، فقد كانوا يشعرون كانهم يرون والدي على قيد الحياة. اخبروني عن طفولة والدي، اضحكوني وأبكوني، وكان العشاء على شرفي عصيدة (قعات) بالسمن، الشطة والزبادي.
الآن يمكنكم تخيل كيف تسليت بعد ذلك اليوم، فلم أعد قلقة بشأن وجبة العدس اليومية.
هكذا أكملت خدمتى الصيفية دون ان أذهب الى ساوا، وذلك لعدم وجود فصل ثالثة ثانوي باللغة العربية في المعسكر، ولكن... ساوا كانت في انتظاري بعد بضعة سنوات......كفاية كدا، دي قصة مختلفة!
بقلم / آمال أرأيا