أعجبُ شيءٍ في الوجود هذا الذي نُسمّيه الوطن.. شيء نعيش فيه، وهو في الحقيقة يعيش فينا، نُحبّه حتّى التضحية بالمال والأهل والنّفس، ولا ندري إذا ما بادلنا حُبّاً بحُبّ...
بحثتُ في أعماق نفسي عن هذا الشيء كثيراً، وفي مراحل مختلفة من عُمُري الذي جاز النصف قرن بعام واحد اليوم، فلم أجد له تعريفاً جامعاً مانعاً، كما يقول الأصوليّون.
فتحت عينَيّ على الدُّنيا، فظننتُه حِزباً حاكماً برأسين، الأوّل شايب والثاني شابّ في عنفوان الشباب.. قلتُ هذا الوطن، هذا القوّة والمنعة والاستقلال!
بعدها، أوهموني أنّه رجل تامّ الرجولة، قِيل عنه: «إذا قالَ فلان؛ قال العراق!» ولأنّ عقلي رياضيّ في الأصل، كانت النتيجة عندي: إذاً، فلان هو وطني!
ثمّ رأيتُ الصورة (الوطن المُفترى) يُطوِّح بالأصل (الوطن الحقيقيّ) في كلّ اتجاه، يخرج من حرب ليدخل في غيرها حتّى وصلنا إلى ما وصلنا إليه بعد مارس 2003م؟!
قلتُ: عاد الوطن إلى أصله، وانجلت عن وجْهِه تلك القَتَرة، فإذا بصور الأغيار تتراكم على وجهه، كظلمات بعضها فوق بعض..
فقلتُ: يا قومِ، إنّي بريء ممّا تفترون!
لكنّني جرّبت في كلّ هذا أن أحاول الفكاك منه والفصال عنه، دون جدوى.. ألم أقل لكم: إنّه يعيش فينا كما نعيش فيه؟!
حتّى عندما خرجت منه في أسفار لم تطُل، لدراسة أو عمل أو تدريب، أو سياحة وتطبيب.. كنت أشتاق إليه، وعهدي به قريب، وعودي إليه قريبٌ قريب!!!
في ألمانيا، حيث استقبلنا مرّة عراقيّ مُغترب ثمّة، سألته أوّل وصولنا، واستقبلنا في مطار شتوتكارت: هل تعرف مطعماً عراقيّاً هنا؟!
قال لي: بسمِ الله، وهل فارقته إلا من أيام معدودة.. ما لكم أيّها العراقيّون، جرّبوا طعام الشعوب الأخرى على أقلّ تقدير؟!!
اليوم، أدركتُ الحقيقة وانكشف لي السرّ، واستطعت أن أُعرِّف الوطن تعريفاً جامعاً مانعاً: إنّه الذكريات.. نعم، الوطن الذكريات، وإنّه ليكبُر فينا كلّما سَلَخنا من أعمارنا يوماً آخر، لذا تجدنا نتمسّك به وننتمي إليه مع كلّ فجر جديد، بعُجَره وبُجَره وعُسرِه ويُسره وآلامه وآماله..
نعم، الذكريات أُنسنا الباقي وخُلاصتنا الثابتة، المحزن منها قبل المفرح، فالخلاص من الحُزن راحة للنفس وبهجة، والسُّرور لا يُعقب في النفس إلا الحسرة، وهو ما التقطه عبقريُّنا أبو الطيّب بقوله:
أشدّ الغمّ عندي في سرورٍ
تيقّن عنه صاحبه انتقالا!
هذا الذي نسمّيه الوطن، يكبر فينا، ويشيخ معنا، لكنّه يضمّنا عند الموت بأجسادنا والذكريات، فكأنّه يضمّ نفسه أو بضعة منه، لتنبت منه قصّة أخرى في يوم جديد، تنمو معه وفيه.. إنّه خلق جديد سيُقدّ من ذكريات!
بحثتُ في أعماق نفسي عن هذا الشيء كثيراً، وفي مراحل مختلفة من عُمُري الذي جاز النصف قرن بعام واحد اليوم، فلم أجد له تعريفاً جامعاً مانعاً، كما يقول الأصوليّون.
فتحت عينَيّ على الدُّنيا، فظننتُه حِزباً حاكماً برأسين، الأوّل شايب والثاني شابّ في عنفوان الشباب.. قلتُ هذا الوطن، هذا القوّة والمنعة والاستقلال!
بعدها، أوهموني أنّه رجل تامّ الرجولة، قِيل عنه: «إذا قالَ فلان؛ قال العراق!» ولأنّ عقلي رياضيّ في الأصل، كانت النتيجة عندي: إذاً، فلان هو وطني!
ثمّ رأيتُ الصورة (الوطن المُفترى) يُطوِّح بالأصل (الوطن الحقيقيّ) في كلّ اتجاه، يخرج من حرب ليدخل في غيرها حتّى وصلنا إلى ما وصلنا إليه بعد مارس 2003م؟!
قلتُ: عاد الوطن إلى أصله، وانجلت عن وجْهِه تلك القَتَرة، فإذا بصور الأغيار تتراكم على وجهه، كظلمات بعضها فوق بعض..
فقلتُ: يا قومِ، إنّي بريء ممّا تفترون!
لكنّني جرّبت في كلّ هذا أن أحاول الفكاك منه والفصال عنه، دون جدوى.. ألم أقل لكم: إنّه يعيش فينا كما نعيش فيه؟!
حتّى عندما خرجت منه في أسفار لم تطُل، لدراسة أو عمل أو تدريب، أو سياحة وتطبيب.. كنت أشتاق إليه، وعهدي به قريب، وعودي إليه قريبٌ قريب!!!
في ألمانيا، حيث استقبلنا مرّة عراقيّ مُغترب ثمّة، سألته أوّل وصولنا، واستقبلنا في مطار شتوتكارت: هل تعرف مطعماً عراقيّاً هنا؟!
قال لي: بسمِ الله، وهل فارقته إلا من أيام معدودة.. ما لكم أيّها العراقيّون، جرّبوا طعام الشعوب الأخرى على أقلّ تقدير؟!!
اليوم، أدركتُ الحقيقة وانكشف لي السرّ، واستطعت أن أُعرِّف الوطن تعريفاً جامعاً مانعاً: إنّه الذكريات.. نعم، الوطن الذكريات، وإنّه ليكبُر فينا كلّما سَلَخنا من أعمارنا يوماً آخر، لذا تجدنا نتمسّك به وننتمي إليه مع كلّ فجر جديد، بعُجَره وبُجَره وعُسرِه ويُسره وآلامه وآماله..
نعم، الذكريات أُنسنا الباقي وخُلاصتنا الثابتة، المحزن منها قبل المفرح، فالخلاص من الحُزن راحة للنفس وبهجة، والسُّرور لا يُعقب في النفس إلا الحسرة، وهو ما التقطه عبقريُّنا أبو الطيّب بقوله:
أشدّ الغمّ عندي في سرورٍ
تيقّن عنه صاحبه انتقالا!
هذا الذي نسمّيه الوطن، يكبر فينا، ويشيخ معنا، لكنّه يضمّنا عند الموت بأجسادنا والذكريات، فكأنّه يضمّ نفسه أو بضعة منه، لتنبت منه قصّة أخرى في يوم جديد، تنمو معه وفيه.. إنّه خلق جديد سيُقدّ من ذكريات!