أعجبُ شيءٍ في الوجود هذا الذي نُسمّيه الوطن.. شيء نعيش فيه، وهو في الحقيقة يعيش فينا، نُحبّه حتّى التضحية بالمال والأهل والنّفس، ولا ندري إذا ما بادلنا حُبّاً بحُبّ...
بحثتُ في أعماق نفسي عن هذا الشيء كثيراً، وفي مراحل مختلفة من عُمُري الذي جاز النصف قرن بعام واحد اليوم، فلم أجد له تعريفاً...
أيومي ساءكِ، أم كان أمسيْ؟
أقلّي اللوم عن خطرات بؤسيْ!
فهذا القلب مذبوح، ويأبى..
مُناكفة على أطلال حِسِّ
يُعافر ألف هَمّ في ثبات
ويكبو؛ إن دنت كفٌّ لجَسِّ
وتقتله المعاني غائمات
وثغرٌ بين تَمْتمة ونَبْسِ
وأبكارٌ عدتهُ إلى عَييٍ
فسامَ القولَ فيها كلَّ بخسِ
وذنبي أنّني بالرُّوح أشري
شريفَ اللفظ من...
بعد ليلة طويلة قضيتها في بحثٍ شاقّ استحوذ على فكري وأذهب النوم عن عيني، بكّرتُ في الخروج إلى المكتب، فاجتمع عليّ في الطريق غبشُ الضباب الذي لفّ أجواء بغداد أمس والتعب وقلّة التركيز بسبب الأرق..
بعد عمل ساعتين في المكتب، قررتُ الخروج لمراجعة دائرة حكوميّة في منطقة «الشوّاكة» بجانب الكرخ من بغداد،...
متى ترتاحُ من نَبضِ.. تغيبُ بِظُلمة الغَمضِ؟
متى تُلقي عَصا التّرحال من أرضٍ إلى أرضِ؟
وتدنو من شواطِي العُمرِ، في مَدٍّ وفي قَبضِ؟
وتبذُلُ من عُرامِ العُمرِ ما لسكونهِ تُفضيْ؟
متى عن سابحاتِ الرّوحِ في ملكوتهِ تُغضيْ؟
تُلَملِمُ من بقايا النَّجمِ والشِّعرَى سَناً بَضِّ؟
وتُطفِي باهيَ الأقمارِ في...
قال لي فتى في السابعة عَشْرة: ما لك تُدِيم النّظر إليّ، كأنّك تعرفُني، يا شيخ؟!
قلتُ له: أعرفُكَ وتُنكرني، يا فتى!
قال: وأين عَرفتني ومتى، وأنا لا أتذكّرُك؟!
قلتُ: التقيتُك قبلَ سبع وعشرين سنة، مِن يومِ النّاس هذا.. كُنّا -أنا وأنت- رفيقي دَرب، أو قل: كُنّا واحداً، إنْ شِئت!
تعجّبَ الفتى قائلاً...
في طريق عودتي من طبيب الأسنان مساءً، مِلتُ إلى مقهىً معروف بجانب الكرخ من بغداد.
اخترتُ أن أجلس خارجاً، رُغم القَرّ والصِّرّ.. اتَّكأت على الأريكة بفراشها الوطيءِ الوثيرِ.. وضعت رِجلاً على رجل وأخذتُ نَفَساً عميقاً من هواءٍ مُنعش لم يُكدّره سوى نُسَيمات دُخان من أركيلة جارٍ على طاولة قريبة...
في مجلسٍ عامر بالأشياء، ما رأيتُ «اللاشيء» ولمحتُ فراغَه بين شيئين!
وجّهتُ وجهي شَطرَهما، فغارَ بصري بينَ بينِهما مُنساباً إلى اللاشيء حيثُ اللاحيث..
قلتُ: أيّها اللاشيء، يا مَن لا يستأهل خِطاباً ولا يُحير جَواباً.. ما أنتَ؟!
فإذا الجواب هاتف يَسري في المسام كماءٍ يتسرّب عبر الخلال، دون أن يطرق...
غربٌ وشرقُ،
جنوب وشَمالْ..
اتجاهاتٌ تذرَعُ بنا الأرض لأبعادها،
قصيّةً ودنيّة..
أبعادِها التي لا بُدّ أن تلتقي ذاتَ ارتِحال،
فلا يعود الشرق شرقاً،
ولا الغرب غرباً،
ولا الجنوب ولا الشَّمال!
تُطوّح بنا لأقاصي الغرب الأمريكيّ..
بقسوته ووحشيته وغُربته،
أنهارِه وخُضرته،
وأوشالِ إنسانيّة بدائيّة...