فراس عبد الرزاق السوداني - الرسالة الأخيرة

أيومي ساءكِ، أم كان أمسيْ؟
أقلّي اللوم عن خطرات بؤسيْ!
فهذا القلب مذبوح، ويأبى..
مُناكفة على أطلال حِسِّ
يُعافر ألف هَمّ في ثبات
ويكبو؛ إن دنت كفٌّ لجَسِّ
وتقتله المعاني غائمات
وثغرٌ بين تَمْتمة ونَبْسِ
وأبكارٌ عدتهُ إلى عَييٍ
فسامَ القولَ فيها كلَّ بخسِ
وذنبي أنّني بالرُّوح أشري
شريفَ اللفظ من طَيٍّ وعَبْسِ
على أنّي الخُلاصة من عُلاها
وكِنْدةُ محتِدي الأنقى ورَسّي
ولستُ بزاهدٍ روحَ المعاني
أُقيم الوزن في المعنى وأُرسي
*
أنا المطبوع من نارٍ تلظّى
أُنقّل جمرةً في أصل طِرسِ
وقلباً مثل ساهرة الليالي
وروحاً في الشّجا تَضحى وتُمسي
على وَجع الجنوب فُطمت قِدْماً
وبغداد الرُّصافة لحن أُنسي
وأرضٌ بالسواد نمت بروحي
قصائدَ نابضات الحُسن تؤسي
أُناجي باهيات النجم نجماً
وأُطرِق إن دنت! رأساً لرأسِ
بوادي عبقرٍ هاموا، وإنّي..
على الأعراف أرنوهم بقُدسي
وللنُّقّاد كم صعّرتُ خَدّاً
لأنّي لا أقوم بغير نفسي!
أعافُ الشّعر؛ إن أزرى بذاتـي
وأرسلُ خاطري نثراً، فيُنسي
معاذ الله! أن أُلقي شكاتـي
فيشمت عاذل بنشيج حِسّي
*
أنا المسكون بالأحزان قلبي
وهمّي موطنٌ يحبو بنَحسِ
تُخاتلني، فأختلها فَتياً
وكهلاً تبتلي قلبي بنَهسِ؟!
هي الأحزان لا تُعفي لبيباً
وليلى لا تكون بغير قيسِ!
ويا وطني، عداك الذمّ، لكنْ..
بُلينا فيك من فَدم وجِبسِ
أضاعونا، وضعتَ اليوم فينا
فنحن وأنت منهوب بحِلسِ
بك الجنّات والأنهار تجري
وقوتُك بين مِخلبهم وضرسِ
وهذا النِّفط لعنتُنا وسحر
سحيق بِيرُهُ بيد الأخسِّ
فيا لك نعمة حالت جحيماً
ويا لله، ما نلقى بدسِّ!
*
أنا المهموم بالإنسان دوماً
أمدّ أناملي لرفيق مَسِّ
أقلّبُ ناظري في الناس حُبّاً
لأرفو نازفاً بنِياط نفسِ
يؤرقني التظالم؛ لو بشَزْر
ويؤذيني التظنُّن؛ لو بحَدسِ
أنا القلب الطروب لما تُلاقي
شعوب، قهرُها من كلّ جنسِ
وأطفال يُعاندها نصيب
وأُمّات تُهدهدهم بيأسِ
وترضعهم على سَغَب دِماها
وأيّ الثدي درَّ بصدر يَبْسِ؟!
وأندى للديار تُداس حيفاً
بظلٍّ للقنا ورِماء قوسِ
يجوس خلالها جبّارُ قوم
ليُخضع جبهة نهدت لشَمس
ويُحرق من حقول القمح يُنْعاً
سنابلَ ذُهّبَت بصباغ وَرسِ
وفقرٍ جرَّد الكاسي، فأعرى
وثغرٍ تاه عن مَعْناة هرسِ
أنا الإنسان يُقلقني أنين
ويُبكيني الشّجا من كلّ جَرسِ
كناي ينثر الألحان شجواً
إذا الأنفاس تُلهبه بهَمسِ
أنا المسكون بالأحزان صوتـي
وشِعري فيكُمُ من بعض غرسي
*
أنا أرقٌ خيالاتـي، ونفسي..
شَمُوس لا تقرّ بـ«لا!» و«بسِّ!»
تُعاندني، فأشرب من قذاها
على الأكدار، ما يصفو بكأسِ
وما نفسي سوى الدّنيا عناداً
وما الدنيا سوى دار ببأسِ
أُسابقها إلى طلب المعالي
وأسبقها إلى خير وأُنسِ
أسائلها، وتسألني مراراً
فكُنْه الذات حيرني ونفسي!
فمَن نفسي؟ وما ذاتي؟ وماذا..
يُخبّي العقل في أعماق رأسِ؟
وما روحي؟ وما قلبي؟ وما في..
أنايَ؟ وما أناي، وما بحسّي؟
أنا الأسرار من بحرٍ كفور
بعيد الغور عن جانٍ وإنسِ
أنا روح السؤال، إذا تمادى..
وثورتُه ونشوته بخَلسِ
وإن شئتم، فجوزوا عن قصيدي،
أنا الإنسان: من مهدٍ... لرَمسِ!

13/ 7/ 2020م

تعليقات

لا توجد تعليقات.
أعلى