مصطلحُ "حدود" يُيستعملُ عادةً للإشارة إلى الخطوط التي تُحدِّدُ مساحةَ بلادٍ ما أو الخطُّ الذي يفصل بين شيئين.
فعندما نتحدَّثُ عن حدود معيَّنة، يخطرُ ببالِنا البلدُ أو البُلدان الذي/التي تعنيه/ها هذه الحدودُ. وعندما نتحدَّثُ عن بلدٍ معبَّنٍ، تَخطُر ببالِنا حدودُه. غير أن الحدودَ، كحاجزٍ، لا تكون دائما جغرافيةً. لأننا، عندما نفكِّر في حدود بلدٍ ما، لا يخطُرُ ببالِنا أن نوعا آخر من هذه الحدود يمكن أن توجدَ داخلَ هذا البلدِ نفسِه. لكنها عِوض أن تكونَ جغرافية، فإنها تكتسي طابعاً اجتماعيا.
وهذه الحدود الاجتماعية، كحاجزٍ، لا يمكن رؤيتُها على أرضِ الواقع، لكنَّها مترسِّخَةٌ ذهنِياً على مستوى العقول. ما يمكن رؤيتُه هو انعكاساتُها التي قد تنتُج عن تصرُّفٍ، عن عمَلٍ، عن سياسةٍ، عن فِكرٍ…
فما هو مصدرُ هذه الحدود الاجتماعية أو، بعبارة أخرى، مَن يكونُ وراءَ وجودِها؟
الجواب: مصدر هذه الحدود الاجتماعية، يمكن أن يكونَ عامَّة الناس، السياسة بصفةٍ عامة والسياسات القِطاعية بصفة خاصَّة، الحكومات، المنتخَبون، الأغنياء، الانتهازيون، المُتعطِّشون للسلطة، اللوبيات…
وقبل أن أذكرَ بعضَ الأمثلة للحدود الاجتماعية، أريدُ أن أُوضِّحَ أن مفهومَ الحدود مُستعملٌ هنا بمعنى حاجزٍ يفصلُ بين شيئين متباينين. كما أريد أن أوضِّحَ أن الحياةَ تعُجُّ بالحدود الاجتماعية التي لها تأثيرٌ بيِّنٌ على مستوى الأفراد والجماعات. وهذه بعض الأمثلة المتداولة في الحياة اليومية :
1.عندما يخبِسُ رجلٌ زوجتَه بمنزلٍ مدَّةً طويلةً بحُجَّةِ معتقداتٍ دينية غير صائبة، فإنه يُحدِثُ حدودا على شكل جدرانٍ بين زوجتِه و بين الحرية والمساواة وحرية الاختيار والكرامة…
2.عندما يفسِّرُ بعضُ العلماء الدينَ بأسلوب يتَّسِم بالتخويف والرُّعب، فإنهم يُحدِثون حدودا مُخِيفةً بين الناس وبين حرية ضمائرهم وفكرهم النقدي وقدراتهم التأويلية…
3.عندما تفشلُ السياسات التربوية، إصلاحاً بعد إصلاحٍ، في التَّصدِّي لأعطاب المنظومة التّربوية، فإنها تتسبَّبُ في تبخيسِ المدرسة العمومية وبالتالي، تدفع الناسَ، بعد تضحيات كبيرة، للتَّوجُّه إلى المدرسة الخاصة. في هذه الحالة، إن السياسات التربوية تُحدِثُ حدوداً (حاجز جاف و غير رحيم) بين شريحتين من المواطنين : شريحة لها ما يكفي من الإمكانيات أو تُضحِّي لإرسال فلدآت أكبادِها إلى المدرسة الخصوصية وشريحةُ لا تتوفَّر على هذه الإمكانيات وتكتفي بإرسالِ فلذات أكبادِها إلى المدرسة العمومبة رغم ما أبانت عنه من فشلٍ السياساتُ التّربويةُ.
4.عندما تترك السلطات العمومية والأحزاب السياسية والمُنتَخَبون الأميةَ تستشري وتتصخَّمُ عند شريحة عريضة من المواطنين، فإن هذه الجهات تُحدِث حدوداً مُخجِلةً بين هذه الشريحة و بين إمكانية ولوجها إلى عالم التفتُّح والتَّحرُّر الاجتماعي، الثقافي والاقتصادي.
5.عندما تُعِدُّ السلطات العمومية سياساتِ تنميةٍ لاشعبية التي تهدف إلى نموٍّ اقتصادي لا وقعَ له أو يكاد على التنمية البشرية، فإنها تساعد على ظهور حدودٍ صارخة بين مَن يستفيدون فعليا من هذه التنمية (رجال الأعمال، الأغنياء، المُستثمرون، المضاربون، اللوبيات،…) وبين مَن هم مُتفرِّجون ومستسلِمون للبؤسِ والفقر والهشاشة والتهميش…
6.عندما تتخلَّصُ الأحزاب السياسية من مبادئها وقِيمِها ومواطنتِها و وطنيتِها patriotisme ومن الديمقراطية الداخلية ومن ارتباطِها بالمجتمع ومن الأخلاقيات...، فإنها تُحدِثُ حدوداً بين شريحة عريضة من المواطنين وبين السياسة بمعناها النبيل.
7.عندما تستمرُّ مؤسسات التَّكوين العالي في تدريسِ برامج نعليمية مُتجاوزة، فإنها تُحدِث حدودا انتحاريةً بين المُتخرِّجين وعالم الشغل.
8.عندما يُهمِل المُنتَخَبون، وبالأخص، القائمون على تدبير الشأن المحلي، إدراجَ الشق البشري والثقافي والتربوي في مشاريع التنمية، فآنهم يُحدِثون ظروفا من شأنِها أن تساعِدَ على اختفاء الحدود التي تفصل بين الشباب و بين الانحراف و التَّهميش و الضلال و الفساد…
9.عندما يُحرم المقاولون الشغيلةَ من التَّغطية الاجتماعية التي يضمنها الدستور، إنهم يٌحدِثون حدوداً تعسُّفية بين هذه الشِّغِيلة وبين أدنى حقوقهم البشرية.
10.عندما تُعِدُّ السلطات العمومية قوانين من أجل حماية البيئة ولا تسهر على تطبيقها الصارم على أرض الواقع، فإنها تُحدِثُ حدودا مخرِّبة بين ألمواطنين وحقِّهم في إطارِ حياةٍ سليم وصحِّي.
هذه ليست إلا نماذج من أمثلةٍ كثيرةٍ. لكن، تجاوُزاً لتنوُّع وتعدُّد الحدود الاجتماعية، تجدرُ الإشارة إلى أن البعضَ منها لا يمكن التَّصدِّي لها لأنها، بكل بساطة، مَحمِيةٌ بكيفيةٍ مُحكمةٍ من طرف لوبيات مرئية وغير مرئية، وفي نفس الوقت، قوية. وفي غالب الأحيان، مُحكَمة الإغلاق بواسطة قوانين، مراسبم ومساطر ومصالح متبادلة… لاجتياز هذه الحدود، يجب الاستيقاظ مُبكِّرا والتَّسلُّح بصَبرٍ مشابهٍ بل يفوق ذلك الذي عُرِفَ به النَّبي أيوب.
فالمواطنون لا يشعرون بعدم اختراق هذه الحدود الاجتماعية إلا بعد تحمُّل تأثيراتِها التَّمييزية discriminatoires. وخير مثالٍ يمكن سياقُه في هذا الصدد، هو مدوَّنةُ الأحوال الشخصية التي، في الماضي، كانت تُحدِث حدودا اجتماعيةً كثيرة بين المرأة وحقِّها في التَّفتُّح والتَّحرُّر. لقد تطلَّبَ تغييرُ هذه المدوَّنة عدَّةَ عقودٍ وعندما تمَّ هذا التَّغييرُ، لوحِظَ ويُلاحظُ أنها تحتوي على نقائصٌ ومظالم…
ولماذا تطلَّبَ تغييرُ هذه المُدوَّنة وقتاً طويلاً؟ بكل بساطةٍ، لأن هناك مقاومات مرئية وغير مرئية مصدرُها أولائك الذين أحدثوا حدوداً اجتماعيةً ويُصرُّون على استمرارِها : اللوبيات الدينية، الجماعات المحافظة، الرافضون للتَّغيير… ليس من أجل الصالح العام ولكن، غالبا، من أجل مصالح شخصية وبسط النفوذ والهيمنة والسيطرة على الغير.
وختاما، ما لا يمكن أن يفوتَني قولُه هو أن الحدودَ الجغرافية مُرادِفةٌ للمواطنة و حب الوطن… بينما الحدودَ الاجتماعية تُنكِرُ كل هذه القِيم وبالأحرى، إنها مرادِفةٌ للحِرمان وسَلب الحقوق والتَّهميش...
فعندما نتحدَّثُ عن حدود معيَّنة، يخطرُ ببالِنا البلدُ أو البُلدان الذي/التي تعنيه/ها هذه الحدودُ. وعندما نتحدَّثُ عن بلدٍ معبَّنٍ، تَخطُر ببالِنا حدودُه. غير أن الحدودَ، كحاجزٍ، لا تكون دائما جغرافيةً. لأننا، عندما نفكِّر في حدود بلدٍ ما، لا يخطُرُ ببالِنا أن نوعا آخر من هذه الحدود يمكن أن توجدَ داخلَ هذا البلدِ نفسِه. لكنها عِوض أن تكونَ جغرافية، فإنها تكتسي طابعاً اجتماعيا.
وهذه الحدود الاجتماعية، كحاجزٍ، لا يمكن رؤيتُها على أرضِ الواقع، لكنَّها مترسِّخَةٌ ذهنِياً على مستوى العقول. ما يمكن رؤيتُه هو انعكاساتُها التي قد تنتُج عن تصرُّفٍ، عن عمَلٍ، عن سياسةٍ، عن فِكرٍ…
فما هو مصدرُ هذه الحدود الاجتماعية أو، بعبارة أخرى، مَن يكونُ وراءَ وجودِها؟
الجواب: مصدر هذه الحدود الاجتماعية، يمكن أن يكونَ عامَّة الناس، السياسة بصفةٍ عامة والسياسات القِطاعية بصفة خاصَّة، الحكومات، المنتخَبون، الأغنياء، الانتهازيون، المُتعطِّشون للسلطة، اللوبيات…
وقبل أن أذكرَ بعضَ الأمثلة للحدود الاجتماعية، أريدُ أن أُوضِّحَ أن مفهومَ الحدود مُستعملٌ هنا بمعنى حاجزٍ يفصلُ بين شيئين متباينين. كما أريد أن أوضِّحَ أن الحياةَ تعُجُّ بالحدود الاجتماعية التي لها تأثيرٌ بيِّنٌ على مستوى الأفراد والجماعات. وهذه بعض الأمثلة المتداولة في الحياة اليومية :
1.عندما يخبِسُ رجلٌ زوجتَه بمنزلٍ مدَّةً طويلةً بحُجَّةِ معتقداتٍ دينية غير صائبة، فإنه يُحدِثُ حدودا على شكل جدرانٍ بين زوجتِه و بين الحرية والمساواة وحرية الاختيار والكرامة…
2.عندما يفسِّرُ بعضُ العلماء الدينَ بأسلوب يتَّسِم بالتخويف والرُّعب، فإنهم يُحدِثون حدودا مُخِيفةً بين الناس وبين حرية ضمائرهم وفكرهم النقدي وقدراتهم التأويلية…
3.عندما تفشلُ السياسات التربوية، إصلاحاً بعد إصلاحٍ، في التَّصدِّي لأعطاب المنظومة التّربوية، فإنها تتسبَّبُ في تبخيسِ المدرسة العمومية وبالتالي، تدفع الناسَ، بعد تضحيات كبيرة، للتَّوجُّه إلى المدرسة الخاصة. في هذه الحالة، إن السياسات التربوية تُحدِثُ حدوداً (حاجز جاف و غير رحيم) بين شريحتين من المواطنين : شريحة لها ما يكفي من الإمكانيات أو تُضحِّي لإرسال فلدآت أكبادِها إلى المدرسة الخصوصية وشريحةُ لا تتوفَّر على هذه الإمكانيات وتكتفي بإرسالِ فلذات أكبادِها إلى المدرسة العمومبة رغم ما أبانت عنه من فشلٍ السياساتُ التّربويةُ.
4.عندما تترك السلطات العمومية والأحزاب السياسية والمُنتَخَبون الأميةَ تستشري وتتصخَّمُ عند شريحة عريضة من المواطنين، فإن هذه الجهات تُحدِث حدوداً مُخجِلةً بين هذه الشريحة و بين إمكانية ولوجها إلى عالم التفتُّح والتَّحرُّر الاجتماعي، الثقافي والاقتصادي.
5.عندما تُعِدُّ السلطات العمومية سياساتِ تنميةٍ لاشعبية التي تهدف إلى نموٍّ اقتصادي لا وقعَ له أو يكاد على التنمية البشرية، فإنها تساعد على ظهور حدودٍ صارخة بين مَن يستفيدون فعليا من هذه التنمية (رجال الأعمال، الأغنياء، المُستثمرون، المضاربون، اللوبيات،…) وبين مَن هم مُتفرِّجون ومستسلِمون للبؤسِ والفقر والهشاشة والتهميش…
6.عندما تتخلَّصُ الأحزاب السياسية من مبادئها وقِيمِها ومواطنتِها و وطنيتِها patriotisme ومن الديمقراطية الداخلية ومن ارتباطِها بالمجتمع ومن الأخلاقيات...، فإنها تُحدِثُ حدوداً بين شريحة عريضة من المواطنين وبين السياسة بمعناها النبيل.
7.عندما تستمرُّ مؤسسات التَّكوين العالي في تدريسِ برامج نعليمية مُتجاوزة، فإنها تُحدِث حدودا انتحاريةً بين المُتخرِّجين وعالم الشغل.
8.عندما يُهمِل المُنتَخَبون، وبالأخص، القائمون على تدبير الشأن المحلي، إدراجَ الشق البشري والثقافي والتربوي في مشاريع التنمية، فآنهم يُحدِثون ظروفا من شأنِها أن تساعِدَ على اختفاء الحدود التي تفصل بين الشباب و بين الانحراف و التَّهميش و الضلال و الفساد…
9.عندما يُحرم المقاولون الشغيلةَ من التَّغطية الاجتماعية التي يضمنها الدستور، إنهم يٌحدِثون حدوداً تعسُّفية بين هذه الشِّغِيلة وبين أدنى حقوقهم البشرية.
10.عندما تُعِدُّ السلطات العمومية قوانين من أجل حماية البيئة ولا تسهر على تطبيقها الصارم على أرض الواقع، فإنها تُحدِثُ حدودا مخرِّبة بين ألمواطنين وحقِّهم في إطارِ حياةٍ سليم وصحِّي.
هذه ليست إلا نماذج من أمثلةٍ كثيرةٍ. لكن، تجاوُزاً لتنوُّع وتعدُّد الحدود الاجتماعية، تجدرُ الإشارة إلى أن البعضَ منها لا يمكن التَّصدِّي لها لأنها، بكل بساطة، مَحمِيةٌ بكيفيةٍ مُحكمةٍ من طرف لوبيات مرئية وغير مرئية، وفي نفس الوقت، قوية. وفي غالب الأحيان، مُحكَمة الإغلاق بواسطة قوانين، مراسبم ومساطر ومصالح متبادلة… لاجتياز هذه الحدود، يجب الاستيقاظ مُبكِّرا والتَّسلُّح بصَبرٍ مشابهٍ بل يفوق ذلك الذي عُرِفَ به النَّبي أيوب.
فالمواطنون لا يشعرون بعدم اختراق هذه الحدود الاجتماعية إلا بعد تحمُّل تأثيراتِها التَّمييزية discriminatoires. وخير مثالٍ يمكن سياقُه في هذا الصدد، هو مدوَّنةُ الأحوال الشخصية التي، في الماضي، كانت تُحدِث حدودا اجتماعيةً كثيرة بين المرأة وحقِّها في التَّفتُّح والتَّحرُّر. لقد تطلَّبَ تغييرُ هذه المدوَّنة عدَّةَ عقودٍ وعندما تمَّ هذا التَّغييرُ، لوحِظَ ويُلاحظُ أنها تحتوي على نقائصٌ ومظالم…
ولماذا تطلَّبَ تغييرُ هذه المُدوَّنة وقتاً طويلاً؟ بكل بساطةٍ، لأن هناك مقاومات مرئية وغير مرئية مصدرُها أولائك الذين أحدثوا حدوداً اجتماعيةً ويُصرُّون على استمرارِها : اللوبيات الدينية، الجماعات المحافظة، الرافضون للتَّغيير… ليس من أجل الصالح العام ولكن، غالبا، من أجل مصالح شخصية وبسط النفوذ والهيمنة والسيطرة على الغير.
وختاما، ما لا يمكن أن يفوتَني قولُه هو أن الحدودَ الجغرافية مُرادِفةٌ للمواطنة و حب الوطن… بينما الحدودَ الاجتماعية تُنكِرُ كل هذه القِيم وبالأحرى، إنها مرادِفةٌ للحِرمان وسَلب الحقوق والتَّهميش...