دعونا نشرح المعنى الحرفي لكلمَتَي "ظلامٌ" و "نورٌ". ثم نمُرُّ للمعنى المجازي لهاتين الكلمتين.
يكون الظلامُ ظلاما عندما يغيبُ أو ينعدم الضوء رغم وجود العين و رغم سلامتها. وهذا يعني أن هذه العينَ غير قادرة على الرؤية حينما يغيبُ الضوءُ. فالرؤيةُ مرتبطةٌ إذن بوجود الضوء. وعندما يغيبُ الضوءُ، كل شيءٍ يبدو أسود. فعندما نفول مثلا : "هذا ظلامٌ دامس أو ظلام حالِكٌ"، فالأمرُ يتعلَّق بظلام شديد أو ظلام شديد السواد. وعندما يكون الظلامُ دامساً أو حالكاً، تنعدم رؤيةُ كل شيءٍ وبالأخص الألوان والمسافات والحواجز… و هذا يعني أن انعدامَ الضوء يحول دون التَّمييز بين الأشياء رغم سلامة العين والدماغ والجسد. من هنا، أتى المعنى المجازي لكلمة "ظلام" التي أصبحت مرادفة للجهل. ونحن نعرف أن كثيرا من الجُهَّالِ فاقدون لقُدرة التَّمييز بين الأشياء رغم سلامة أعينِهم وأدمغتِهم وأجسادِهم.
وما ليس سليما عند الجاهل هو العقل، أو بالأحرى، طريقة استعمال هذا العقل للتمييز بين الأشياء. فالجاهلُ في حاجة إلى ضوءٍ (أو نور) يُنيرُ طريقَه أو يُنيرُ عقلَه ليُخرجَ نفسَه من دائرة الجهل إلى دائرة المعرفة والتَّفتُّح والتَّحرُّر الفكريين. ومن هنا، كذلك، أتى المعنى المجازى لكلمة "نور". قد تُستعمَل كلمة "نور" كمرادف لكلمات عِلم ومعرفة وإشراق ودراية وفَهم وبصيرة ورشاد وسداد… والمعنى المجازي لكلمة "نور" ورد في العديد من آيات القرآن الكريم بمعاني مختلفة. من بين هذه المعاني، أذكرُ على سبيل المثال : الكتاب (القرآن)، التقوى، الحق، الهداية، الهُدى، الطريق المستقيم، الدين الحق، الإسلام، اليقين…
وهذه بعض آيات القرآن الكريم التي وردت فيها كلمةُ "نور" بمعاني مختلفة :
-"يَا أَيُّهَا النَّاسُ قَدْ جَاءَكُم بُرْهَانٌ مِّن رَّبِّكُمْ وَأَنزَلْنَا إِلَيْكُمْ نُورًا مُّبِينًا" (النساء، 174). في هذه الآية، كلمة "نور" تعني الكتاب، أي القرآن الكريم. كما تبيِّن هذه الآية أن هذا القرآنَ أُنزِلَ للناس جميعا.
-"هُوَ الَّذِي يُنَزِّلُ عَلَىٰ عَبْدِهِ آيَاتٍ بَيِّنَاتٍ لِّيُخْرِجَكُم مِّنَ الظُّلُمَاتِ إِلَى النُّورِ وَإِنَّ اللَّهَ بِكُمْ لَرَءُوفٌ رَّحِيمٌ" (الحديد، 9). في هذه الآية، كلمةُ "نور" تعني الهداية، الهدى، الطريق المستقيم، الدين الحق، الإسلام… كما تبيِّن هذه الآية أن اللهَ سبحانه وتعالى اختار عبدَه، أي الرسولَ (ص)، وأنزل عليه القرآنَ الكريم لأنه، جلَّ جلالُه، يريد الخيرَ لعباده ويريد أن يُسعِدَهم في دُنياهم قبل الآخرة.
و في هذا الصدد، تجدر الإشارةُ إلى أن البشريةَ مرَّت من حقب تاريخية مُظلِمة بلغ فيها الجهلُ أشدَّه بخرافاته وأساطيره وانتشر فيها الظلمُ الذي كان يمارسُه الأقوياء (الإقطاعيون) على الضعفاء وانتشرت فيها العبودية وعبادة الأصنام والأوثان. كما ساد فيها الرِّقُّ واستغلال الإنسان من طرف الإنسان وحلَّ فيها كذلك الانحطاطُ الفكري، الثقافي والأخلاقي…
ما يجب أن يُلاحظَ هو أن رحمةَ الله ولُطفَه كانا حاضرَين في هذه الحِقب من الأزمنة الغابرة وذلك من خلال بعثِه، سبحانه وتعالى، لأقوام هذه الأزمنة الغابرة أنبياءَ و رُسُلاً لإخراجهم، من خلالِ الوحيِ، من ظلام الجهل إلى نور المعرفة والعِلم والفكر البناء مصداقا لقوله سبحانه وتعالى: "إِنَّا أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ كَمَا أَوْحَيْنَا إِلَىٰ نُوحٍ وَالنَّبِيِّينَ مِن بَعْدِهِ وَأَوْحَيْنَا إِلَىٰ إِبْرَاهِيمَ وَإِسْمَاعِيلَ وَإِسْحَاقَ وَيَعْقُوبَ وَالْأَسْبَاطِ وَعِيسَىٰ وَأَيُّوبَ وَيُونُسَ وَهَارُونَ وَسُلَيْمَانَ وَآتَيْنَا دَاوُودَ زَبُورًا (النساء، 163). وعندما نقرأ القرآنَ الكريمَ، فإن الهدفَ الأساسي من الوحي الذي أنزله اللهُ على أنبيائه ورُسُله، هو إرشاد البشر إلى الطريق المستقيم.
السؤال الذي يفرض نفسَه هو : "هل البشرية التي تختلف عن سائر مخلوفات هذا الكون بالعقل والفِطنة والبصيرة والذكاء والتي بلغت مستوى غير مسبوق من التَّقدم والرُّقي والازدهار، خرجت فعلا من الظلمات إلى النور؟
ليس لدي أجوبة قطعية لهذا السؤال. لكن لدي إشارات قد تجعل من طرحِ هذا السؤال طرحاُ واقعيا ومشروعا. من بين هذه الإشارات، تجدر الإشارةُ إلى أن الظلمَ والفسادَ لا يزالا منتشرين في جميع أرجاء المعمور سواءً على مستوى الأفراد والجماعات والدول. ولا يزال العالمُ فيه أقوياء، سواءً على مستوى الأفراد والجماعات والدول، لا يُعيرون أي اهتمام للضعفاء، بل ويُسيطرون على أحوالهم اجتماعيا، اقتصاديا وثقافيا وذلك رغم ما يُبدَل من مجهودات من طرَف مؤسسات أممية ذات طابع إنساني مثل الأمم المتحدة ومجلس أو مجالس حقوق الإنسان والمنظمات الدولية للتنمية البشرية والاقتصادية والثقافية…
فإن خرجت البشريةُ، بصفة عامة، من ظلام الجهل إلى نور المعرفة والعِلم والتِّكنولوجيا، فإن ظلامَ الفقر والقهر والظلم والفساد والتَّفرقة والتَّهميش والإقصاء والهشاشة والسياسة السياسوية وغياب العدل والإنصاف والكرامة… لا يزال يُخيِّم على شريحة عريضة من هذه البشرية. وهذا يعني أن الآنسانَ المعاصرَ شغَّلَ عقلَه، أكثرَ من الازم، في كل ما له علاقة برفاهيتِه المادية confort matériel وترك جانباً رفاهيتَه الروحية confort spirituel التي تتطلَّب منه أن يفكِّرَ في وجوده و في مصيره وأن يتمعَّن في خلقِ ونظام الكون وترتيبه وتناسُقِه وكيفية اشتغاله… وما يُثير الانتباهَ، هو أن مُعظمَ آيات القرآن الكريم، الذي أُنزِلَ للناس جميعا، إن تمعَّنَ فيها القارئُ مَلِيّاً، تسير كلها في اتجاه توفير الرفاهية الروحية للبشر. من بين هذه الآيات، أذكر على سبيل المثال :
-"هَٰذَا بَصَائِرُ لِلنَّاسِ وَهُدًى وَرَحْمَةٌ لِّقَوْمٍ يُوقِنُونَ" (الجاثية، 20)، أي لو تبصَّرَ الناسُ في آيات القرآن الكريم، لوجدوا فيه راحتَهم النفسية، أي رفاهيتَهم الروحية.
إِنَّ فِي خَلْقِ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَاخْتِلَافِ اللَّيْلِ وَالنَّهَارِ لَآيَاتٍ لِّأُولِي الْأَلْبَابِ (آل عمران، 190)، أي لو شغَّلَ الناسُ عقولَهم بتمعُّنٍ وتبصُّرٍ، لرأوا في خلقِ السماوات والأرض وفي اختلاف الليل والنهار آياتٍ (علاماتٍ) تُعزِّز رفاهيتَهم الروحية.
يكون الظلامُ ظلاما عندما يغيبُ أو ينعدم الضوء رغم وجود العين و رغم سلامتها. وهذا يعني أن هذه العينَ غير قادرة على الرؤية حينما يغيبُ الضوءُ. فالرؤيةُ مرتبطةٌ إذن بوجود الضوء. وعندما يغيبُ الضوءُ، كل شيءٍ يبدو أسود. فعندما نفول مثلا : "هذا ظلامٌ دامس أو ظلام حالِكٌ"، فالأمرُ يتعلَّق بظلام شديد أو ظلام شديد السواد. وعندما يكون الظلامُ دامساً أو حالكاً، تنعدم رؤيةُ كل شيءٍ وبالأخص الألوان والمسافات والحواجز… و هذا يعني أن انعدامَ الضوء يحول دون التَّمييز بين الأشياء رغم سلامة العين والدماغ والجسد. من هنا، أتى المعنى المجازي لكلمة "ظلام" التي أصبحت مرادفة للجهل. ونحن نعرف أن كثيرا من الجُهَّالِ فاقدون لقُدرة التَّمييز بين الأشياء رغم سلامة أعينِهم وأدمغتِهم وأجسادِهم.
وما ليس سليما عند الجاهل هو العقل، أو بالأحرى، طريقة استعمال هذا العقل للتمييز بين الأشياء. فالجاهلُ في حاجة إلى ضوءٍ (أو نور) يُنيرُ طريقَه أو يُنيرُ عقلَه ليُخرجَ نفسَه من دائرة الجهل إلى دائرة المعرفة والتَّفتُّح والتَّحرُّر الفكريين. ومن هنا، كذلك، أتى المعنى المجازى لكلمة "نور". قد تُستعمَل كلمة "نور" كمرادف لكلمات عِلم ومعرفة وإشراق ودراية وفَهم وبصيرة ورشاد وسداد… والمعنى المجازي لكلمة "نور" ورد في العديد من آيات القرآن الكريم بمعاني مختلفة. من بين هذه المعاني، أذكرُ على سبيل المثال : الكتاب (القرآن)، التقوى، الحق، الهداية، الهُدى، الطريق المستقيم، الدين الحق، الإسلام، اليقين…
وهذه بعض آيات القرآن الكريم التي وردت فيها كلمةُ "نور" بمعاني مختلفة :
-"يَا أَيُّهَا النَّاسُ قَدْ جَاءَكُم بُرْهَانٌ مِّن رَّبِّكُمْ وَأَنزَلْنَا إِلَيْكُمْ نُورًا مُّبِينًا" (النساء، 174). في هذه الآية، كلمة "نور" تعني الكتاب، أي القرآن الكريم. كما تبيِّن هذه الآية أن هذا القرآنَ أُنزِلَ للناس جميعا.
-"هُوَ الَّذِي يُنَزِّلُ عَلَىٰ عَبْدِهِ آيَاتٍ بَيِّنَاتٍ لِّيُخْرِجَكُم مِّنَ الظُّلُمَاتِ إِلَى النُّورِ وَإِنَّ اللَّهَ بِكُمْ لَرَءُوفٌ رَّحِيمٌ" (الحديد، 9). في هذه الآية، كلمةُ "نور" تعني الهداية، الهدى، الطريق المستقيم، الدين الحق، الإسلام… كما تبيِّن هذه الآية أن اللهَ سبحانه وتعالى اختار عبدَه، أي الرسولَ (ص)، وأنزل عليه القرآنَ الكريم لأنه، جلَّ جلالُه، يريد الخيرَ لعباده ويريد أن يُسعِدَهم في دُنياهم قبل الآخرة.
و في هذا الصدد، تجدر الإشارةُ إلى أن البشريةَ مرَّت من حقب تاريخية مُظلِمة بلغ فيها الجهلُ أشدَّه بخرافاته وأساطيره وانتشر فيها الظلمُ الذي كان يمارسُه الأقوياء (الإقطاعيون) على الضعفاء وانتشرت فيها العبودية وعبادة الأصنام والأوثان. كما ساد فيها الرِّقُّ واستغلال الإنسان من طرف الإنسان وحلَّ فيها كذلك الانحطاطُ الفكري، الثقافي والأخلاقي…
ما يجب أن يُلاحظَ هو أن رحمةَ الله ولُطفَه كانا حاضرَين في هذه الحِقب من الأزمنة الغابرة وذلك من خلال بعثِه، سبحانه وتعالى، لأقوام هذه الأزمنة الغابرة أنبياءَ و رُسُلاً لإخراجهم، من خلالِ الوحيِ، من ظلام الجهل إلى نور المعرفة والعِلم والفكر البناء مصداقا لقوله سبحانه وتعالى: "إِنَّا أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ كَمَا أَوْحَيْنَا إِلَىٰ نُوحٍ وَالنَّبِيِّينَ مِن بَعْدِهِ وَأَوْحَيْنَا إِلَىٰ إِبْرَاهِيمَ وَإِسْمَاعِيلَ وَإِسْحَاقَ وَيَعْقُوبَ وَالْأَسْبَاطِ وَعِيسَىٰ وَأَيُّوبَ وَيُونُسَ وَهَارُونَ وَسُلَيْمَانَ وَآتَيْنَا دَاوُودَ زَبُورًا (النساء، 163). وعندما نقرأ القرآنَ الكريمَ، فإن الهدفَ الأساسي من الوحي الذي أنزله اللهُ على أنبيائه ورُسُله، هو إرشاد البشر إلى الطريق المستقيم.
السؤال الذي يفرض نفسَه هو : "هل البشرية التي تختلف عن سائر مخلوفات هذا الكون بالعقل والفِطنة والبصيرة والذكاء والتي بلغت مستوى غير مسبوق من التَّقدم والرُّقي والازدهار، خرجت فعلا من الظلمات إلى النور؟
ليس لدي أجوبة قطعية لهذا السؤال. لكن لدي إشارات قد تجعل من طرحِ هذا السؤال طرحاُ واقعيا ومشروعا. من بين هذه الإشارات، تجدر الإشارةُ إلى أن الظلمَ والفسادَ لا يزالا منتشرين في جميع أرجاء المعمور سواءً على مستوى الأفراد والجماعات والدول. ولا يزال العالمُ فيه أقوياء، سواءً على مستوى الأفراد والجماعات والدول، لا يُعيرون أي اهتمام للضعفاء، بل ويُسيطرون على أحوالهم اجتماعيا، اقتصاديا وثقافيا وذلك رغم ما يُبدَل من مجهودات من طرَف مؤسسات أممية ذات طابع إنساني مثل الأمم المتحدة ومجلس أو مجالس حقوق الإنسان والمنظمات الدولية للتنمية البشرية والاقتصادية والثقافية…
فإن خرجت البشريةُ، بصفة عامة، من ظلام الجهل إلى نور المعرفة والعِلم والتِّكنولوجيا، فإن ظلامَ الفقر والقهر والظلم والفساد والتَّفرقة والتَّهميش والإقصاء والهشاشة والسياسة السياسوية وغياب العدل والإنصاف والكرامة… لا يزال يُخيِّم على شريحة عريضة من هذه البشرية. وهذا يعني أن الآنسانَ المعاصرَ شغَّلَ عقلَه، أكثرَ من الازم، في كل ما له علاقة برفاهيتِه المادية confort matériel وترك جانباً رفاهيتَه الروحية confort spirituel التي تتطلَّب منه أن يفكِّرَ في وجوده و في مصيره وأن يتمعَّن في خلقِ ونظام الكون وترتيبه وتناسُقِه وكيفية اشتغاله… وما يُثير الانتباهَ، هو أن مُعظمَ آيات القرآن الكريم، الذي أُنزِلَ للناس جميعا، إن تمعَّنَ فيها القارئُ مَلِيّاً، تسير كلها في اتجاه توفير الرفاهية الروحية للبشر. من بين هذه الآيات، أذكر على سبيل المثال :
-"هَٰذَا بَصَائِرُ لِلنَّاسِ وَهُدًى وَرَحْمَةٌ لِّقَوْمٍ يُوقِنُونَ" (الجاثية، 20)، أي لو تبصَّرَ الناسُ في آيات القرآن الكريم، لوجدوا فيه راحتَهم النفسية، أي رفاهيتَهم الروحية.
إِنَّ فِي خَلْقِ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَاخْتِلَافِ اللَّيْلِ وَالنَّهَارِ لَآيَاتٍ لِّأُولِي الْأَلْبَابِ (آل عمران، 190)، أي لو شغَّلَ الناسُ عقولَهم بتمعُّنٍ وتبصُّرٍ، لرأوا في خلقِ السماوات والأرض وفي اختلاف الليل والنهار آياتٍ (علاماتٍ) تُعزِّز رفاهيتَهم الروحية.