الدكتور السيد الجميلي - حكمة نزول القرآن مفرقاً

يقول : لماذا لم ينزل الله القرآن جملة واحدة؟ وهل الكتب السابقة نزلت كما نزل القرآن أم نزلت جملة واحدة؟!
▪️
أقول - وبالله التوفيق - : أما لماذا نزل القرآن مفرقا ولم ينزل جملة واحدة فقد قال الحق سبحانه وتعالى في الرد على المشركين الذين صدر منهم هذا القول :
{وَقَالَ الَّذِينَ كَفَرُوا لَوْلَا نُزِّلَ عَلَيْهِ الْقُرْآنُ جُمْلَةً وَاحِدَةً ۚ كَذَٰلِكَ لِنُثَبِّتَ بِهِ فُؤَادَكَ ۖ وَرَتَّلْنَاهُ تَرْتِيلًا} الفرقان - الآية ٣٢.
وقد قال العلماء : هذه الآية تدل على أمرين :
الأول : أن القرآن نزل مفرقا.
الثاني : أن غيره من الكتب السابقة نزلت جملة واحدة..
لأن القرآن لو نزل كغيره من الكتب لما اعترض المشركون، لأن نزوله سيكون موافقاً للكتب السابقة، ولكن اعتراضهم على كيفية إنزاله دليل على أن نزوله مخالف لنزول الكتب قبله.
والله لم يكذبهم فيما ادعوا من نزول الكتب السابقة جملة واحدة، ولو كان نزولها مفرقاً كالقرآن لاكذبهم ورد عليهم بأن التنجيم هو سنته تعالى فيما أنزل على الأنبياء من الكتب كما رد عليهم في قولهم : {وَقَالُوا مَالِ هَٰذَا الرَّسُولِ يَأْكُلُ الطَّعَامَ وَيَمْشِي فِي الْأَسْوَاقِ} الفرقان - الآية ٧ .. بقوله تعالى : {وَمَآ أَرْسَلْنَا قَبْلَكَ مِنَ ٱلْمُرْسَلِينَ إِلَّآ إِنَّهُمْ لَيَأْكُلُونَ ٱلطَّعَامَ وَيَمْشُونَ فِى الْأَسْوَاقِ}.
وقد ذكر العلماء لنزول القرآن مفرقا جملة من الحكم منها :
١ - تثبيت فؤاد النبي ﷺ كما جاء في الآية السابقة.
٢ - التدرج في تربية الأمة الناشئة علما وعملا بتيسير حفظه عليهم وفهمه، والتمهيد لكمال تخليهم عن عقائدهم الباطلة وعباداتهم الفاسدة وعاداتهم المرذولة شيئا فشيئا، ولكمال تحليهم بالعقائد الحقه والعبادات الصحيحة ... الخ.
٣- وفي نزوله منجما أبلغ دليل على فصاحته وبلاغته وقوة سبكه وأبلغ في التحدي وأظهر في بيان الاعجاز.
٤- وليكون مسايرا للحوادث التي تقع وقت التشريع، والأسئلة التي كانت توجه إلى النبي كما قال تعالى : {وَلَا يَأْتُونَكَ بِمَثَلٍ إِلَّا جِئْنَاكَ بِالْحَقِّ وَأَحْسَنَ تَفْسِيرًا} الفرقان - الآية ٣٣ .. هذا والله أعلم.
-------------٠٠ الصيام صحيح ٠٠-------------
▪️
تقول : إنها طهرت من الحيض بانقطاع الدم قبل أذان الفجر، وتناولت طعام السحور، ولكنها لم تتمكن من الغسل إلا بعد أذان الفجر .. فهل صيامها صحيح ؟!
▪️
أقول - وبالله التوفيق - الصوم يتحقق بالامساك عن المفطرات من طلوع الفجر الى غروب الشمس وبالنية.
ويجب على المسلم البالغ العاقل الصحيح والمقيم، وعلى المرأة الطاهرة من الحيض والنفاس.
هذا ما اتفق عليه الفقهاء جميعا، وبانقطاع الدم، وتيقنك من الطهر من الحيض قبل الفجر وجب عليك الصوم.
أما الغسل فليس من شروط صحة الصوم، ولكنه من شروط صحة الصلاة وغيرها مم يتوقف على الطهارة .. فيجب عليك الغسل بعد سماع الأذان لكي تقومي بصلاة الفجر .. أما الصوم فصحيح لاشيء عليه .. هذا والله أعلم.
-------------٠٠ صلاة ركعتين سنة الوضوء ٠٠-------------
▪️
يقول : هل يجوز للمسلم أن يصلى ركعتين بعد الوضوء سمعت أنها من الثابت عن رسول الله ﷺ؟ أرجو ذكر الدليل من الكتاب أو السنة إن كان هناك دليل على ذلك؟
▪️
أقول - وبالله التوفيق - نعم يجوز للمسلم ذلك، بل إنه يندب له أن يصلي ركعتين بعد الوضوء وذلك بإتفاق الفقهاء، على أن تؤدى
في غير أوقات الكراهة أما عن الدليل فقد روى أبو هريرة رضي الله عنه أن رسول الله ﷺ قال لبلال : «يا بلال حدثني بأرجى عمل عملته في الاسلام منفعة، فإني سمعت الليلة خشف نعليك في الجنة» قال بلال : «ما عملت عملا في الاسلام أرجى عندي منفعة من أني لا أتطهر طهوراً تاماً في ساعة من ليل أو نهار إلا صليت بذلك الطهور ما كتب الله لي أن أصلي» متفق عليه.
وفي رواية : «فإني سمعت دف نعليك - صوت النعل حال المشي.
وقد توضأ سيدنا «عثمان» رضي الله عنه ثم قال : رأيت رسول الله ﷺ توضأ نحو وضوئي هذا، ثم قال رسول الله ﷺ : «من توضا وضوئي هذا، ثم قام ركم ركعتين لا يحدث فيهما نفسه غــفر له ما تقدم من ذنبه» متفق عليه .. هذا والله أعلم.
-------------٠٠ نزول القرآن في شهر رمضان ٠٠-------------
▪️
يقول : هل نزل القرآن جملة في شهر رمضان أم ابتدأ إنزاله في شهر
رمضان؟!
▪️
أقول - وبالله التوفيق - للقرآن ثلاث تنزلات :
التنزل الأول : إلى اللوح المحفوظ، ودليله قوله تعالى : {بَلْ هُوَ قُرْآنٌ مَجِيدٌ فِي لَوْحٍ مَحْفُوظٍ} البروج الآيتان ۲۱ - ۲۲، وكان نزوله جملة لا مفرقاً، وحكمة هذا النزول ترجع الى الحكمة العامة من وجود اللوح نفسه، واقامته سجلا جامعا لكل ما قضى الله وقدر، وكل ما كان وما يكون من عوالم الإيجاد والتكوين، والإيمان باللوح يقوي إيمان العبد، ويبعث الطمانينه في نفسه، كما قال تعالى : {مَا أَصَابَ مِنْ مُصِيبَةٍ فِي الْأَرْضِ وَلَا فِي أَنْفُسِكُمْ إِلَّا فِي كِتَابٍ مِنْ قَبْلِ أَنْ نَبْرَأَهَا ۚ إِنَّ ذَٰلِكَ عَلَى اللَّهِ يَسِيرٌ لِكَيْلَا تَأْسَوْا عَلَىٰ مَا فَاتَكُمْ وَلَا تَفْرَحُوا بِمَا آتَاكُمْ} الحديد الآيتان ۲۳ - ۲۲.
التنزل الثاني للقرآن : من اللوم المحفوظ إلى بيت العزة في السماء الدنيا، والدليل على ذلك قوله تعالي في سورة الدخان : {إِنَّا أَنزَلْنَاهُ فِي لَيْلَةٍ مُّبَارَكَةٍ} الآية (۳) .. وفي سورة القدر : {إِنَّا أَنْزَلْنَاهُ فِي لَيْلَةِ الْقَدْرِ} الآية ۱.. وليلة القدر ليلة من شهر رمضان وقد قال تعالى : {شَهْرُ رَمَضَانَ الَّذِي أُنزِلَ فِيهِ الْقُرْآنُ} البقرة الآية ١٨٥.
قال ابن عباس : إنه أنزل في رمضان في ليلة القدر، وفي ليلة مباركة، جملة واحدة، فجعل في بيت العزة، ثم أنزل على رسول الله ﷺ في عشرين سنة لجواب كلام الناس، فلا يجيء المشركون بمثل يخاصمون به رسول الله ﷺ إلا جاءهم الله بجوابه.
التنزل الثالث : بواسطة أمين الوحي «جبريل» يهبط على قلب النبي ﷺ ودليله، قوله الله تعالى في سورة الشعراء :
{نَزَلَ بِهِ الرُوحُ الأمِينُ عَلى قَلْبِكَ لِتَكُونَ مِنَ المُنْذِرِينَ بِلِسانٍ عَرَبِيٍّ مُبِينٍ} الآيات ١٩٣ - ١٩٥.
وروى الامام «أحمد» بسنده عن وائلة بن الأسقع أن رسول الله ﷺ قال : «أنزلت صحف إبراهيم في أول ليلة من رمضان وأنزلت التوراة لست مضين من رمضان والانجيل لثلاث عشر خلت من رمضان...» وقد أنزلت الكتب السابقة جميلة واحدة أما القرآن فقد نزل مفرقا لتثبيت قلب النبي ﷺ .. هذا والله أعلم.
-------------٠٠ يلزمك الإتمام ٠٠-------------
▪️
يقول : كنت مسافراً وأنوي القصر يعنى قصر الصلاة الرباعية - كالظهر والعصر والعشاء - وأثناء سفري دخلت مسجداً فأدركت الامام في الركعة الرابعة من صلاة الظهر، فهل يجوز لي أن أصلي معه تلك الركعة التي هي الرابعة بالنسبة له والأولى بالنسب لي، وأتبعها بركعة ثانية وأسلم؟ .. أم يلزمني إتمام الصلاة الرباعية؟.
▪️
أقول - وبالله التوفيق - : قسم العلماء الإدراك هـذا إلى قسمين .. إدراك الزام وإدراك إسقاط.
وقالوا : إدراك الإلزام كالمسافر إذا أدرك جزءاً من صلاة الامام المقيم، يلزمه إتمام الصلاة لأنه إدراك الزام والالتزام يستوى فيه القليل والكثير.
وقالوا : إدراك الإسـقاط كمن أدرك ركعة واحدة من صلاة الجمعة، فإدراك هذه الركعة يتضمن إسقاط ركعتين، يعني عليه أن يـ يضم إليها ركعة أخرى ويسلم، أما لو أدرك أقل من ركعة - يعني أدرك الامام في السجود الأخير، أو في التشهد مثلا صلي أربعا .. هذا والله أعلم.
اللهم تقبل من أبى صلاته، وصيامه لك، وسائر طاعاته، وصالح أعماله، وأثقل بها ميزانه يوم القيامة، وثبِّته على الصراط يوم تزل الأقدام، واجعله من الفائزين، وأسكِنه في أعلى الجنات في جوار نبيِّك ومصطفاك ﷺ يا رب العالمين
أعلى