الصادق عبدالشافع زايد (كوستا) - قراءة في رواية "جمهورية أعلى النفق" للكاتب بهاء الدين جعفر

في 126 صفحة من القطع المتوسط نشر الكاتب و الروائي الشاب بهاء الدين جعفر روايته الأولى الموسومة بـ" جمهورية أعلى النفق " و جميل أن يستهل كاتب شاب مسيرته بعمل إبداعي رسالي سامي ، و أن يلمس القضايا و الإشكالات التي يتحفّظ حتى كِبار الكُتّاب في تناولها خشية السلطات و الأنظمة الحاكمة ، و يظهر هذا جلياً في فكرة الرواية و مضمونها الجوهري ، الأمر الذي يجعلنا نحس دائماً بمدى إخلاص الكاتب و تفانيه لعملية الكتابة .

تمكّن الكاتب من خلال روايته هذه أن يتناول المشكلات التي تواجه مجتمعه من قضايا الفقراء المحرومين و جشع أصحاب النفوس المريضة و تهميش النُظُم الحاكمة لمناطق بعينها و ذلك بخلق صراعات الحروب و الفتن و النزوح و عداء القبائل و إنتشار الفقر و الأوبئة وسط الأهالي ، فالرواية ( الشجاعة ) بدأت بلسان الراوي حامد الذي لا يعرف القارئ إسمه إلى غاية الصفحة " ٣٤ " من الرواية وذلك في إحدى حوارات البطل حامد مع إستلا ، الشيء الذي يرفع من نسق التشويق لدى القارئ . . و لكن الكاتب وقع في أخطاء فادحة كان بإمكانه تفاديها ، إذ أن الراوي ( حامد ) في إستهلال الرواية كان في الخطوط الليبية في المطار ، هذا أول شيء يضعه القارئ في باله ، و لكن سرعان ما بتر الكاتب القصة فجأةً و تحوّل مباشرة للحديث عن دعوة أحد أصدقاء البطل لحضور مناسبة زواج في قرية قريبة من جوبا و قبل أن يتمكّن القارئ من إستعادة أنفاسه قفز به مباشرة في سرد تفاصيل التخطيط لقيام ثورة لإسقاط النظام و الإطاحة بالرئيس أو الحاكم الذي أشار أو رمز إليه بـ" الزعيم " و كما حالة الشمس التي تنتصب ( عمودياً ) في معظم فصول و فقرات الرواية إنتصب الكاتب عمودياً و عرج يسرد عن قرية " مامادو " في غرب البلاد ، و أخذ يصف الأمكنة و الناس ، الأمر الذي يجعل القارئ مشتت الذهن و لا يستطيع أن يجمع تلابيب الأحداث و الصراعات ، و لكن على الرغم من ذلك كله يبقى الفصل الأول من الرواية - برأيي - من أكثر الفصول جودةً و حبكةً و تماسكاً ، فإستخدامه لتقنية الإسترجاع " الفلاش باك " في فصل كامل بهذه الطريقة قد يفغر له عملية القص و عملية القفز عبر الفقرات التي أرهقت القارئ .

الرواية جميلة جداً و ماتعة جداً في كل الفصول ، لولا بعض فقرات الفصل الرابع التي إتّسمت بالمباشرة و التقريرية ، فالقارئ قد يشعر في بعض الصفحات بأنه يقرأ مقال صحفي عادي أكثر من كونه يقرأ عمل أدبي إبداعي ( رواية ) . . و لكن الرواية تشد القارئ بصورة غريبة و تجعله يقرأ حتى النهاية بأمر اللهفة و التشويق ، خصوصاً و إنه إستخدم أحد أفضل طرق جذب القارئ و هو التكثيف على المشاهد التراجيدية و الفقرات الشاسعة المليئة بالأسى و النحيب ، و لكن بالرغم من أن الرواية واقعية الأحداث إلا أن المبالغة غير المُبرّرة تجعل منها رواية خيالية و بعيدة كل البعد عن الواقع ، فطريقة وصف المأساة ( السوداوية ) في داخل الرواية غاية في المبالغة ، و يبدو أنه إشتغل على هذا الأمر في كل الفصول ، فمن غير الممكن أن يقوم طلاب جامعيون بعملية إنقلاب على الحكومة ( السلطة ) ولا يمكن أيضاً لمجرد وثائق ثبوتية و هواتف و نقود ( أشياء شخصية ) أن تؤثر على وزن قارب للحد الذي يضطر المسافرون أن يلقوا بأشياءهم في البحر خشية الغرق ، و هذا لا يحدث مطلقاً مع الأشياء الشخصية إلا إذا كانت بضائع . . فالخيال الزائد هنا يشمّه القارئ شماً و يحسه بكل وضوح .



و لكن الرواية في مجملها جميلة و مدهشة ، خاصة في توظيف الكاتب للشخصيات ، ماتاي بالذات و المعتصم و حتى جورين التي إلتقيناها في الصفحات الأولى من الرواية ظهرت في الوقت المناسب و في آخر أنفاس الرواية بقُصاصات تسرد فيها الماضي بكل ألم و أسى .


الصادق عبد الشافع زايد



1680606420615.png

تعليقات

لا توجد تعليقات.
أعلى