ما هو متعارف عليه هو أن الثقافةَ عبارة عن مجموعة من العناصر المختلفة، المعنوية، الروحية، المادية، الفكرية والعاطفية التي تتميَّز بها مجموعةٌ من الناس أو مجتمعٌ أو بلدٌ بأكمله عن غيرهم من المجموعات أو من المجتمعات أو من البلدان. بل تُعدُّ الثقافة عنصرا أساسيا في بناء الحضارات، بمعنى أنه لا يمكن الحديثُ عن الحضارة بدون ثقافة. ولهذا، ففي الآداب المكتوبة والمقروءة، غالبا ما نجد أن كلمةَ "ثقافة" هي مرادفٌ لكلمة "حضارة". والثقافة، بجميع روافدها، هي إنتاجٌ بشري، أي أن البشرَ هم الذين يبنون ويُنتِجون عناصرَ هذه الثقافة.
ولهذا، إذا تميَّزت ثقافةٌ أو حضارةٌ عن ثقافة أو حضارة أخرى، فالفضلُ كله يرجع إلى البشر الذين كانوا وراءَ إبراز هذا التَّميُّز. فالثقافةُ مصدرُها البشرُ، وهو الشيء الذي يجعلنا نقول إن لكل ثقافةٍ أو حضارةٍ روَّادُها. وكل رائدٍ ينشط ويتألَّق في مجالِه. والثقافةُ تشمل الفنونَ والآداب والعلومَ بجميع أصنافها وما يترتَّب عنها من تقنيات وتكنولوجيات ومِهن وحرفٍ…
إذن، المثقفُ هو مَن يجعل مجموعتَه أو مجتمعَه أو بلدَه يتألَّق في سماء الإنتاج الفكري (فنونَ، آداب، علومَ بجميع أصنافها وما يترتَّب عنها من تقنيات وتكنولوجيات ومِهن وحرفٍ…). إن لم نقل إن المثقَّفَ هو الناطق أو هو لسانُ مجموعتِه أو مجتمعِه أو بلدِه. وبعبارة أخرى، المثقَّفُ هو صوتُ الشعب الذي يعبِّر عن ما يجري في حياة هذا الشعب من هموم وتطلعات وأمل. بل إن المثقَّفَ هو المرآةُ التي يرى فيها الشعبُ نفسَه.
ولهذا، فكل ثقافة أو حضارةٍ لها روَّادها المثقفون كما كان الشأن بالنسبة للحضارات الصينية، المصرية، اليونانية، الرومانية، الفارسية، الإسلامية، حضارة الّرافدين… وهؤلاء الرواد المثقفون كانوا أدباء، شعراء، فلاسفة، فنانين، فيزيائيين، كيميائيين، أطباء، علماء اجتماع، باحثين، جغرافيين، مؤرخين… وهذا هو الحال الذي كانت عليه بلادُنا في الماضي القريب.
بالفعل، في الماضي القريب، أي خلال الأربعينيات والخمسينيات والستينيات والسبعينيات والثمانينيات، كانت بلادُنا تزخر بالمثقفين من العيار الثقيل من أمثال علال الفاسي و علي يعتة وعبد الخالق الطريس ومحمد حسن الوزاني ومحمد العابد الجابري وعبد الرحيم بوعبيد والمهدي بنبركة ومحمد جسوس وأحمد بلافريج والمهدي المنجرة… وآخرون كثيرون.
كان هؤلاء المثقفون، بدون استثناء، صوتا صارخا يعبِّر عن هموم مجتمعاتهم وعن تطلُّعات هذه المجتمعات أثناء ممارستهم للسياسة أو عبر كتاباتِهم أو مؤلفاتهم أو ما يُنتِجونه من أفكار. كما كان للأحزاب السياسيةُ التي ينتمون إليها شأنٌ في المجتمع المغربي ومحبوبة من طرف المواطنين.
والآن سأعود إلى عنوان هذه المقالة : "أينكم يا مثقفين؟ للإجابة عليه.
أما اليوم، فالبلاد لا يزال فيها مثقفون وكذلك من العيار الثقيل. لكنهم لاذوا بالصمت ولم يعودوا ذلك الصوت الصارخ الذي عهدناه في الماضي القريب والمُعبِّر عن هموم الناس وعن تطلُّعادهم.
وهنا، لا بد أن أذكِّرَ أن المثقفين هم الذين كان لهم دورٌ حاسم في نجاح الثورة الفرنسية سنة 1789 وهم كذلك مَن كان وراء التَّصريح الخاص بحقوق الإنسان. إن دلَّ هذا على شيءٍ، إنما يدل على أن المثقفين لهم دورٌ حاسم في إحداث التَّغيير في مجتمعاتهم.
وهذا الدور الحاسم هو الذي افتقده مُثقفونا في يومنا هذا وفي بلدنا هذا. المثقفون موجودون لكن لا تأثيرَ لهم لا على المشهد السياسي ولا على المشهد الثقافي ولا على الحياة العامة كما كان الشأن في الماضي القريب حيث كان المتقف، في نفس الوقت، مناضلا يناضل من أجل الحرية والديمقراطية والعدل والإنصاف وكرامة المواطن وإسماع صوت الحق… كان المثقَّفُ يؤمن إيماناً راسخا بأن ثقافتَه يجب أن تكونَ في خدمة المجتمع والدفاع عن حقوقه. بل كان يؤمن بأن ثقافتَه يجب أن تُسخَّرَ لخدمة قضية من القضايا الاجتماعية أو السياسية أو الوطنية، أحيانا قضايا جدّّ مُحرجةٍ للقائمين على تدبير الشأن العام.
بل إن المثقفين، في الماضي القريب، كانوا حاضرين بانتظام في المشهدين السياسي والعمومي حيث يثيرون النقاشَ حول القضايا التي تستحق أن تُناقشَ ويدافعون عن تلك التي تستحق أن يُدافَعَ عنها. كانوا هم مَن يحمل مشعلَ التَّغيير حيث كانوا يُعدُّون بمثابة سلطةٍ مضادةٍ للسلطة القائمة.
أما اليوم، فالمُثقفون غائبون عن المشهدين السياسي والعمومي. لايؤثِّرون فيهما ولا يتأثَّرون بهما. غيابٌ يأتي في وقتٍ كثرت وتعدَّدت فيه الرهانات والقضايا. غيابٌ يأتي في وقتٍ المجتمع في حاجة ماسة إلى مَن يُعبِّر عن همومه ومشاكله الاجتماعية والاقتصادية. فما هي أسبابُ هذا الغياب المقلق؟
من بين أسباب هذا الغياب، تجدر الإشارةُ إلى أن القائمين على تدبير الشأن العام، للحفاظ على مكانتهم وعلى نفوذهم، يلجئون إلى شراء الضمائر المثقفة لإسكاتها عن قول الحق والجهر به في المنابر الوطنية والدولية. وإن لم يستطيعوا أن تشتريوا الضمائر، فإنهم يلجئزن إلى شتى وسائل التَّهديد والتَّخويف والقمع. بل إن بعضَ المثقفين نأوا بأنفسِهم عن المشهدين السياسي والعمومي لأن هذين الأخيرين أصبحا فريستين سهلتين لوباء التفاهة والرداءة. وحتى المثقفون الذين لا تزال لهم الجرأة على قول الحق، لم يعد أحدٌ يُنصِت لهم بحكم انتشار التفاهة والرداءة في المشهدين السياسي والعمومي. وهناك فئةٌ من المثقفين اختاروا، بمحض إرادتهم، أن يُصبحوا أداةً للقائمين على تدبير الشأن العام وأحد أبواقها.
وكيفما كان الحالُ، فغياب المثقف عن المشهدين السياسي والعمومي له مُبرِّرٌ قوي يتمثل في غياب إرادة سياسيةٍ واضحة المعالم لتشجيع الثقافة والنهوض بجميع أشكالها. والدليل على ذلك أن ميزانيةَ القطاع الحكومي المسؤول عن الثقافة ضعيفة جدا بالمقارنة مع ما يُفترض أن تقومَ به من أدوار.. في هذه الحالة، يمكننا أن نتحدَّثَ عن تغييبٍ مُمَنهجٍ هدفُه الأول والأخير هو أسكات صوت المثقف وإرغامُه على التزام الصمت.
وأكبر فئة من المثقفين الذين جعلوا من الصمت شعارا لهم، أولئك الذين يشتغلون في الجامعات علما أن هذه الجامعات كان أساتذتها وطُلابها، في الماضي القريب، هم مَن كان يحمل مشعلَ التغيير. أُفرِغَت الساحةُ من المثقفين، فغَزَتها التَّفاهة!!!
ولهذا، إذا تميَّزت ثقافةٌ أو حضارةٌ عن ثقافة أو حضارة أخرى، فالفضلُ كله يرجع إلى البشر الذين كانوا وراءَ إبراز هذا التَّميُّز. فالثقافةُ مصدرُها البشرُ، وهو الشيء الذي يجعلنا نقول إن لكل ثقافةٍ أو حضارةٍ روَّادُها. وكل رائدٍ ينشط ويتألَّق في مجالِه. والثقافةُ تشمل الفنونَ والآداب والعلومَ بجميع أصنافها وما يترتَّب عنها من تقنيات وتكنولوجيات ومِهن وحرفٍ…
إذن، المثقفُ هو مَن يجعل مجموعتَه أو مجتمعَه أو بلدَه يتألَّق في سماء الإنتاج الفكري (فنونَ، آداب، علومَ بجميع أصنافها وما يترتَّب عنها من تقنيات وتكنولوجيات ومِهن وحرفٍ…). إن لم نقل إن المثقَّفَ هو الناطق أو هو لسانُ مجموعتِه أو مجتمعِه أو بلدِه. وبعبارة أخرى، المثقَّفُ هو صوتُ الشعب الذي يعبِّر عن ما يجري في حياة هذا الشعب من هموم وتطلعات وأمل. بل إن المثقَّفَ هو المرآةُ التي يرى فيها الشعبُ نفسَه.
ولهذا، فكل ثقافة أو حضارةٍ لها روَّادها المثقفون كما كان الشأن بالنسبة للحضارات الصينية، المصرية، اليونانية، الرومانية، الفارسية، الإسلامية، حضارة الّرافدين… وهؤلاء الرواد المثقفون كانوا أدباء، شعراء، فلاسفة، فنانين، فيزيائيين، كيميائيين، أطباء، علماء اجتماع، باحثين، جغرافيين، مؤرخين… وهذا هو الحال الذي كانت عليه بلادُنا في الماضي القريب.
بالفعل، في الماضي القريب، أي خلال الأربعينيات والخمسينيات والستينيات والسبعينيات والثمانينيات، كانت بلادُنا تزخر بالمثقفين من العيار الثقيل من أمثال علال الفاسي و علي يعتة وعبد الخالق الطريس ومحمد حسن الوزاني ومحمد العابد الجابري وعبد الرحيم بوعبيد والمهدي بنبركة ومحمد جسوس وأحمد بلافريج والمهدي المنجرة… وآخرون كثيرون.
كان هؤلاء المثقفون، بدون استثناء، صوتا صارخا يعبِّر عن هموم مجتمعاتهم وعن تطلُّعات هذه المجتمعات أثناء ممارستهم للسياسة أو عبر كتاباتِهم أو مؤلفاتهم أو ما يُنتِجونه من أفكار. كما كان للأحزاب السياسيةُ التي ينتمون إليها شأنٌ في المجتمع المغربي ومحبوبة من طرف المواطنين.
والآن سأعود إلى عنوان هذه المقالة : "أينكم يا مثقفين؟ للإجابة عليه.
أما اليوم، فالبلاد لا يزال فيها مثقفون وكذلك من العيار الثقيل. لكنهم لاذوا بالصمت ولم يعودوا ذلك الصوت الصارخ الذي عهدناه في الماضي القريب والمُعبِّر عن هموم الناس وعن تطلُّعادهم.
وهنا، لا بد أن أذكِّرَ أن المثقفين هم الذين كان لهم دورٌ حاسم في نجاح الثورة الفرنسية سنة 1789 وهم كذلك مَن كان وراء التَّصريح الخاص بحقوق الإنسان. إن دلَّ هذا على شيءٍ، إنما يدل على أن المثقفين لهم دورٌ حاسم في إحداث التَّغيير في مجتمعاتهم.
وهذا الدور الحاسم هو الذي افتقده مُثقفونا في يومنا هذا وفي بلدنا هذا. المثقفون موجودون لكن لا تأثيرَ لهم لا على المشهد السياسي ولا على المشهد الثقافي ولا على الحياة العامة كما كان الشأن في الماضي القريب حيث كان المتقف، في نفس الوقت، مناضلا يناضل من أجل الحرية والديمقراطية والعدل والإنصاف وكرامة المواطن وإسماع صوت الحق… كان المثقَّفُ يؤمن إيماناً راسخا بأن ثقافتَه يجب أن تكونَ في خدمة المجتمع والدفاع عن حقوقه. بل كان يؤمن بأن ثقافتَه يجب أن تُسخَّرَ لخدمة قضية من القضايا الاجتماعية أو السياسية أو الوطنية، أحيانا قضايا جدّّ مُحرجةٍ للقائمين على تدبير الشأن العام.
بل إن المثقفين، في الماضي القريب، كانوا حاضرين بانتظام في المشهدين السياسي والعمومي حيث يثيرون النقاشَ حول القضايا التي تستحق أن تُناقشَ ويدافعون عن تلك التي تستحق أن يُدافَعَ عنها. كانوا هم مَن يحمل مشعلَ التَّغيير حيث كانوا يُعدُّون بمثابة سلطةٍ مضادةٍ للسلطة القائمة.
أما اليوم، فالمُثقفون غائبون عن المشهدين السياسي والعمومي. لايؤثِّرون فيهما ولا يتأثَّرون بهما. غيابٌ يأتي في وقتٍ كثرت وتعدَّدت فيه الرهانات والقضايا. غيابٌ يأتي في وقتٍ المجتمع في حاجة ماسة إلى مَن يُعبِّر عن همومه ومشاكله الاجتماعية والاقتصادية. فما هي أسبابُ هذا الغياب المقلق؟
من بين أسباب هذا الغياب، تجدر الإشارةُ إلى أن القائمين على تدبير الشأن العام، للحفاظ على مكانتهم وعلى نفوذهم، يلجئون إلى شراء الضمائر المثقفة لإسكاتها عن قول الحق والجهر به في المنابر الوطنية والدولية. وإن لم يستطيعوا أن تشتريوا الضمائر، فإنهم يلجئزن إلى شتى وسائل التَّهديد والتَّخويف والقمع. بل إن بعضَ المثقفين نأوا بأنفسِهم عن المشهدين السياسي والعمومي لأن هذين الأخيرين أصبحا فريستين سهلتين لوباء التفاهة والرداءة. وحتى المثقفون الذين لا تزال لهم الجرأة على قول الحق، لم يعد أحدٌ يُنصِت لهم بحكم انتشار التفاهة والرداءة في المشهدين السياسي والعمومي. وهناك فئةٌ من المثقفين اختاروا، بمحض إرادتهم، أن يُصبحوا أداةً للقائمين على تدبير الشأن العام وأحد أبواقها.
وكيفما كان الحالُ، فغياب المثقف عن المشهدين السياسي والعمومي له مُبرِّرٌ قوي يتمثل في غياب إرادة سياسيةٍ واضحة المعالم لتشجيع الثقافة والنهوض بجميع أشكالها. والدليل على ذلك أن ميزانيةَ القطاع الحكومي المسؤول عن الثقافة ضعيفة جدا بالمقارنة مع ما يُفترض أن تقومَ به من أدوار.. في هذه الحالة، يمكننا أن نتحدَّثَ عن تغييبٍ مُمَنهجٍ هدفُه الأول والأخير هو أسكات صوت المثقف وإرغامُه على التزام الصمت.
وأكبر فئة من المثقفين الذين جعلوا من الصمت شعارا لهم، أولئك الذين يشتغلون في الجامعات علما أن هذه الجامعات كان أساتذتها وطُلابها، في الماضي القريب، هم مَن كان يحمل مشعلَ التغيير. أُفرِغَت الساحةُ من المثقفين، فغَزَتها التَّفاهة!!!