(1)
جراة في الموضوع :
: أثارت، رواية "زغرودة الفنجان"للاسير حسام شاهين ،ابن القدس، لدي سؤالا مهما:هل كتب روائيونا رواية أتوا فيها بهذا القدر من الجرأة في موضوع العملاء ودور الشاباك في تدمير النسيج الاجتماعي والعائلي للمجتمع الفلسطيني؟
ربما كتب روائيو المنفى ،مثل سامية عيسى في روايتيها " حليب التين" و "فسحة في كوبنهاجن" عن تدمير النسيج الاجتماعي الفلسطيني في المنفى، بسبب الحرب اﻷهلية في لبنان وحرب 1982 وما نجم عنهما من اتساع رقعة المنفى.
ما كتبه حسام لا أذكر أنني قرأت ما يشبهه في رواية اﻷرض المحتلة ،على الرغم من أن المرء كان يصغي إلى حكايات تشبه ما يقرأ ،ولكن ما كان يستمع إليه لم يكتب ولا يدري المرء اﻷسباب ولا أدري لم لم نكلف أنفسنا مساءلة عدم كتابته؟
هل كان القراء سيقولون في اﻷمر مبالغة وأن هذا لا يمكن أن يحدث؟
هناك قصص لمناضلين تخلوا عن زوجاتهم ﻷنهم ،كما قيل،عرفوا أنهن مرتبطات بالموساد.أحيانا كانت القصص لا تصدق أو لم يكن كثيرون يقفون أمامها.
في الرواية قصص ربما لا تصدق .ربما.هناك اختراق للمجتمع وهناك ساقطون يقررون التوبة فيبوحون ويعترفون ويقولون أشياء مذهلة.هكذا يعترف مازن للمناضل عمر ويروي قصة تعامله مع اﻷسرائيليين.لم يكتف بالسقوط بل أخذ يسقط غيره :المال والجنس والحاجة إلى تصريح ورويدا رويدا يتساقط آخرون ممن يحتاجون إلى المال يساعد على هذا بنية اجتماعية هشة .
الرواية التي تلامس موضوعا مهما وخطيرا لها قيمة اجتماعية كبيرة ،وقد لا تكون قيمتها الفنية بالمقدار نفسه، ويدرك حسام هذا ،وهو يقر بأنه ليس روائيا محترفا ولكنه رضخ لطلب أصدقاء فكتب ما ينبغي أن يكتبه ،وقد لا يكون غيره قادرا على كتابة ما كتب.إنها تجربته الغنية والمثيرة هو الذي ما زال يقبع في سجون الاحتلال منذ 12 عاما.
وأعتقد أن روايته التي لم تخل من خلل في الإخراج يجب أن تعمم وان توزع وتناقش على مدى واسع ،ففيها من التنوير والتبصير بأساليب المخابرات الإسرائيلية الكثير والمهم أيضا.
الرواية لو التفت إلى إخراجها لكانت أفضل للقراءة.أعني لو فصل بين كلام الساردين بإشارات.وهي عموما رواية مهمة لمن يهتم بمرايا الفلسطيني واليهودي وتصور كل طرف لنفسه وللآخر ويجدر أن تدرس في أقسام علم الاجتماع بل وعلم النفس في جامعاتنا.
إنها رواية جريئة في معالجة موضوع حساس لو التفتنا إليه وناقشناه لكنا أنقذنا كثيرين ممن وقعوا في التعامل مع العدو بسبب الجهل.
غالبا ما كنت أقول:لو عرض علي ضابط مخابرات صورا لي حقيقية أو مدبلجة لابتزازي لقلت له :و ما له .اعرضها وانشرها كما تريد.ولكن هل كانت سميرة ستجرؤ على فعل هذا؟لو كان مجتمعنا يغفر خطايا، أو لو كان يتفهم أمرا مثل هذا، لربما ما وقعت فيم وقعت فيه.
كنت أحيانا أصغي إلى قصة أحد رفاق الجبهة الشعبية وما جرى معه وكنت أتساءل:أصحيح ما يروى؟حسام شاهين يجرؤ ويروي قصصا تكاد تكون خيالية.إنها رواية مهمة لموضوعها.
(2)
طرد شعب وتدمير نسيجه الاجتماعي:
ما قامت به الصهيونية لم يقتصر على اقامة وطن قومي لليهود في فلسطين،فعدا هذا ،وفوقه طرد شعب كامل من ارضه ليتشرد ويقيم في الشتات،دمرت اسرائيل بنية المجتمع الفلسطيني وخربت النسيج الاجتماعي له،وجعلت من بعض ابنائه لصوصا وفاسدين اخلاقيا ودمرت اسرا باكملها وحرمت شبابه من العيش بحرية وكرامة.
الرواية الفلسطينية ترصد هذا،وانا اقرا "زغرودة الفنجان"الاحظ هذا بامتياز.هذه رواية مهمة لدارس الادب دراسة اجتماعية.مهمة لاقسام علم الاجتماع واقسام علم النفس ،ومثلها روايتا سامية عيسى "حليب التين" و" خلسة في كوبنهاجن"
(3)
صورة المخيم:
تبدو صورة المخيم سوداء.هناك الفقر والتخلف والعملاء والفساد اﻷخلاقي ،وهذه كلها تقود إلى التعامل مع المخابرات الإسرائيلية ومن ثم إلى تصفية المقاومين.بنية اجتماعية هشة يخاف أفراد المجتمع من الفضيحة اﻷخلاقية فيقعون في شرك المخابرات.أبناء المخيم قسم منهم :فقراء وضعفاء أمام المرأة الجميلة والمال، وأحيانا يبدون سذجا أو بلا تجربة .يوقعهم رجال المخابرات ويسقط هؤلاء بعض أبناء المخيم ممن تساقطوا.يغرر بهم/ن وسرعان ما يقدمون خدمات كبيرة لرجال المخابرات:الصور والشهوة و دبلجة الصور وسرعان ما ينهارون.
من مازن أول الساقطين من أجل تصريح عمل وحفنة شواكل حتى سمير ونادر وسميرة ورحاب ومروان و..
سيصحو ضمير مازن الذي يكلف بمراقبة صديقه القديم عمر، وسيخبر مازن عمر بهذا ،في لحظة صحوة ضمير ،بعد موت الضمير، وإسقاط شباب وشابات ،لبيئتهم الاجتماعية الهشة ،وسيتحول هذا الساقط ليغدو عميلا مزدوجا .وكما تريد المخابرات الإسرائيلية منه أن يتابع زميله القديم يطلب منه صديقه أن يتابع( مودي) الذي جنده.وسيبريء العميل نفسه وسيقدم على قتل (مودي )وسيغدو مازن شهيدا وبطلا.
يعرف المجتمع الفلسطيني نماذج حقيقية مثل مازن الشخصية الروائية.وربما ذكر أسماء منها فكم من عميل قتل من جنده؟
الرواية كما ذكرت تبرز صورة سلبية ﻷبناء المخيم .
هل هذه هي الصورة الوحيدة لهم ؟
المال والجنس والضعف البشري كل هذه تقود إلى السقوط.
أين هذه الصورة من الصورة التي برزت ﻷبناء المخيم في رواية غريب عسقلاني "الطوق"1980 حيث المقاومة الصلبة.
كل شيء يتغير.
في 70 و80 ق20 كتب محمد علي طه قصصا عن الفلسطيني في مناطق 1948 .كانت الصورة إيجابية.في العقد اﻷول من ق 20 عاد وكتب عن البيئة نفسها والمجتمع نفسه وبدت الصورة أيضا مختلفة.
هل ضجرنا من المقاومة ؟هل تعبنا ؟هل غدا كل شيء عبثا في عبث؟ انظروا فيما آل إليه مناضلون كثر وقارنوا.
لماذا لا يجرؤ الشاب أو الشابة على السخرية ممن دبلج لهم صورا أو ممن التقط لهم صورا؟
مرة وقع في المصيدة شاب من نابلس.حدث معه ما حدث مع الشخصيات الروائية.تساقط خوفا من التشهير بصوره كما قال من على شاشة التلفاز وتعامل مع المخابرات وزودها بمعلومات أدت إلى اغتيال قادة مهمين في الانتفاضة، وكان أن أعدم الشاب النابلسي.
لماذا لم يواجه رجال المخابرات ساخرا :و ما له :.أنا رجل وهي ابنتكم.اعرضوا الصور وأعطوني نسخة منها أيضا.؟
(4)
ز
:التعالي على العرب واحتقارهم
يبرز حسام صورة لنظرة اليهود ﻷنفسهم وللعرب.
حتى الفلسطيني المتعاون الذي يقدم للمخابرات معلومات جمة مفيدة يبقى عربيا.إنه مهم بقدر ما يقدم معلومات، ومقابل هذه المعلومات يأخذ أجرة، وإذا أخفق قليلا يشتم ويعود عربيا قذرا، لا فائدة منه، ولا يساوي شيئا،بل إنه زبالة ،مجرد زبالة.يغدو كائنا عبئا على الاسرائيليين.
هكذا يتعامل (مودي) مع مازن.إن قتل يهودي وأخفق مازن في إحضار المعلومة يشتمه (مودي)ويتعالى عليه ،وإذا أمده بالمعلومات أمده بالمال.
المال المال المال .هذا هو الإغراء ولا يساوي العربي إلا بضع مئات من الشواكل والدولة غنية وتدفع ،وحياة اليهودي غالية وأما العربي فرخيص رخيص، ولا يهتم رجل المخابرات به.رجل المخابرات يهمه عمله والدم اليهودي وإسقاط الشباب من أجل إنقاذ اليهود.والعربي الذي يقدم المعلومات يأخذ المقابل:تصريح العمل وفرصة العمل ومزيد من الإغراءات .
هذا ما تعززه "زغرودة الفنجان".وهذه الصورة لا تختلف كثيرا عنها في اﻷدبيات الصهيونية التي كتب عنها غسان كنفاني في كتابه :في اﻷدب الصهيوني.
(5)
الصورة المظلمة للفلسطيني :
هل تعد هذه الرواية نموذجا لﻷدب المظلم في اﻷدب الفلسطيني،مثل روايتي سامية عيسى ،ومن قبل مثل نصي" ليل الضفة الطويل "و "روايتي الوطن عندما يخون"؟.
يخرج المرء وهو يقرأ الرواية بانطباع سلبي جدا عن المجتمع الفلسطيني.هناك مقاومون ولكن الحضور الطاغي هو للعملاء الساقطين ،وتحديدا من أبناء المخيمات ؛ذكورا وإناثا.ولا يصحو ضمير مازن إلا حين يتعرض أهل بيته، كرأفت،للسقوط ،أو التهديد بإسقاط زوجته وبناته.
كل الذين أسقطهم مازن لم يكترث لهم ،ولكنه حين يهدد بأن النار ستحرق بيته يثور ويصحو ضميره ويقرر الانتقام والتحول والتفكير بقتل( مودي) -ايهود قدري-رجل الشاباك المسؤول عنه الذي أسقطه.
حين يشاهد مازن أخاه رأفت في بيت رحاب التي أسقطها مازن ،وحين يشاهد فيلما ﻷخيه وزوجته بأوضاع مشينة، يتعاطيان المخدرات، يهدد رحاب التي أسقطها هو وتبدأ هي بإسقاط كثيرين وكثيرات.
عالم من السقوط رغم وجود مقاومين ومقاومة وأفلام الجنس التي صور فيها اﻷفراد لا ترحم وتجعلهم يتساقطون بسرعة.والمجتمع لا يرحم ويهرب هؤلاء من الخطأ إلى الخيانة.أما كان يمكن استيعاب اﻷخطاء.؟هكذا يكون المجتمع أيضا وراء مزيد من السقوط ودفع كثيرين إليه.
هذا مجتمع هش ضعيف وهذا مجتمع يقتل أبناءه أيضا ،وكما أن من مارس الخطيئة يرتعب من صوره عاريا، فإنه يرتعب من المجتمع أكثر ويغرق في الوحل أكثر وأكثر.
الرواية مظلمة وصورة الفلسطينيين فيها أيضا مظلمة ،على الرغم من وجود المقاومة.
كم نسبة الكتابة عن السقوط وحفلات الجنس والجواسيس، قياسا للكتابة عن المقاومة ؟
وكم نسبة الكتابة عن النماذج الآيجابية قياسا للكتابة عن النماذج السلبية؟
أسئلة تخطر على البال والمرء يقرأ الرواية.
أين صورة المرأة الفلسطينية منها في رواية كنفاني أم سعد؟لكننا في زمنين مختلفين ومكانين مختلفين.
(6)
الساقط /البطل او العميل حين يصحو ضميره ،فيغدو بطلا
الشخصية المحورية هي مازن.غدا هذا عميلا للشاباك وقدم له معلومات جمة وأسس شبكة مخبرين ومخبرات بعد أن أسقطهم في مستنقع الرذيلة وأوقعهم في عالم الشاباك وكلهم كانوا ،في باديء اﻷمر ،ضحايا ثم غدوا كلابا ضالة تضلل الآخرين وتسقطهم وتتلذذ بإسقاطهم ورحاب غدت سادية بامتياز.امرأة متزوجة لا تنجب أسقطها مازن الذي أسقط سميرا ونادرا وسميرة أخت سمير وأرادت رحاب أن تحمي رأسها فأخذت توقع الكثيرين والكثيرات في شباك الشاباك، يدفعها أحيانا حقد طبقي وهو ما دفعها لتسقط ليلى المرأة المتزوجة التي انتحرت خوفا من الفضيحة.
مازن الذي ألمت به صحوة ضمير بعد أن شاهد أخاه رأفت مع (مودي) ضابط المخابرات وبعد أن رأى صور أخيه وزوجة أخيه ،مازن يبدأ يبوح بقصته للفدائي عمر ويغدو عميلا مزدوجا ﻷنه يريد قتل (مودي) الذي أوصله والآخرين إلى هذا المستنقع من السقوط الفاضح والمذل والمهين.
يتفق مازن مع عمر على التخلص مع مودي.هل سيغدو مازن بطلا بعد كل ما ارتكب؟وهل رأس( مودي) رجل الشاباك يعادل كل هذا الخراب والسقوط والتدمير شبه الكلي لعائلات بأكملها؟
سيقدم مازن على قتل (مودي) ولسوف يقتل مازن.ولسوف ترفع صور مازن على أنه بطل.أنا شخصيا أتساءل إن كان حقا بعد كل هذا السقوط والإسقاط يعد بطلا.ربمافي اﻷمر وجهات نظر.ربما.
هل علينا أن نغرق في الرذيلة والعمالة ثم نصحو؟إنها ثقافة مجتمعنا الذي يرتكب فيه كثر
الموبقات ثم يصحون ويحجون في آخر أيامهم ويتقربون من الله بعد خراب البصرة.
دمر صدام حسين العراق ثم بدأ يقرأ القرآن.ربما ذكره هنا يبدو غير عادل ولكن هذا ما يحدث غالبا.والله يحب التوابين.
إن اﻷمر ليستحق الجدل.
وعموما فان رواية حسام شاهين"زغرودة الفنجان"على ما فيها من هنات فنية رواية مهمة جدا،وهي رواية تربوية تستحق ان تقرا وان تناقش،فما زال الاحتلال قائما وما زالت المقاومة قائمة،وما زال الاسرائيليون يعملون على تجنيد فلسطينيين لخدمة المشروع الصهيوني.
جراة في الموضوع :
: أثارت، رواية "زغرودة الفنجان"للاسير حسام شاهين ،ابن القدس، لدي سؤالا مهما:هل كتب روائيونا رواية أتوا فيها بهذا القدر من الجرأة في موضوع العملاء ودور الشاباك في تدمير النسيج الاجتماعي والعائلي للمجتمع الفلسطيني؟
ربما كتب روائيو المنفى ،مثل سامية عيسى في روايتيها " حليب التين" و "فسحة في كوبنهاجن" عن تدمير النسيج الاجتماعي الفلسطيني في المنفى، بسبب الحرب اﻷهلية في لبنان وحرب 1982 وما نجم عنهما من اتساع رقعة المنفى.
ما كتبه حسام لا أذكر أنني قرأت ما يشبهه في رواية اﻷرض المحتلة ،على الرغم من أن المرء كان يصغي إلى حكايات تشبه ما يقرأ ،ولكن ما كان يستمع إليه لم يكتب ولا يدري المرء اﻷسباب ولا أدري لم لم نكلف أنفسنا مساءلة عدم كتابته؟
هل كان القراء سيقولون في اﻷمر مبالغة وأن هذا لا يمكن أن يحدث؟
هناك قصص لمناضلين تخلوا عن زوجاتهم ﻷنهم ،كما قيل،عرفوا أنهن مرتبطات بالموساد.أحيانا كانت القصص لا تصدق أو لم يكن كثيرون يقفون أمامها.
في الرواية قصص ربما لا تصدق .ربما.هناك اختراق للمجتمع وهناك ساقطون يقررون التوبة فيبوحون ويعترفون ويقولون أشياء مذهلة.هكذا يعترف مازن للمناضل عمر ويروي قصة تعامله مع اﻷسرائيليين.لم يكتف بالسقوط بل أخذ يسقط غيره :المال والجنس والحاجة إلى تصريح ورويدا رويدا يتساقط آخرون ممن يحتاجون إلى المال يساعد على هذا بنية اجتماعية هشة .
الرواية التي تلامس موضوعا مهما وخطيرا لها قيمة اجتماعية كبيرة ،وقد لا تكون قيمتها الفنية بالمقدار نفسه، ويدرك حسام هذا ،وهو يقر بأنه ليس روائيا محترفا ولكنه رضخ لطلب أصدقاء فكتب ما ينبغي أن يكتبه ،وقد لا يكون غيره قادرا على كتابة ما كتب.إنها تجربته الغنية والمثيرة هو الذي ما زال يقبع في سجون الاحتلال منذ 12 عاما.
وأعتقد أن روايته التي لم تخل من خلل في الإخراج يجب أن تعمم وان توزع وتناقش على مدى واسع ،ففيها من التنوير والتبصير بأساليب المخابرات الإسرائيلية الكثير والمهم أيضا.
الرواية لو التفت إلى إخراجها لكانت أفضل للقراءة.أعني لو فصل بين كلام الساردين بإشارات.وهي عموما رواية مهمة لمن يهتم بمرايا الفلسطيني واليهودي وتصور كل طرف لنفسه وللآخر ويجدر أن تدرس في أقسام علم الاجتماع بل وعلم النفس في جامعاتنا.
إنها رواية جريئة في معالجة موضوع حساس لو التفتنا إليه وناقشناه لكنا أنقذنا كثيرين ممن وقعوا في التعامل مع العدو بسبب الجهل.
غالبا ما كنت أقول:لو عرض علي ضابط مخابرات صورا لي حقيقية أو مدبلجة لابتزازي لقلت له :و ما له .اعرضها وانشرها كما تريد.ولكن هل كانت سميرة ستجرؤ على فعل هذا؟لو كان مجتمعنا يغفر خطايا، أو لو كان يتفهم أمرا مثل هذا، لربما ما وقعت فيم وقعت فيه.
كنت أحيانا أصغي إلى قصة أحد رفاق الجبهة الشعبية وما جرى معه وكنت أتساءل:أصحيح ما يروى؟حسام شاهين يجرؤ ويروي قصصا تكاد تكون خيالية.إنها رواية مهمة لموضوعها.
(2)
طرد شعب وتدمير نسيجه الاجتماعي:
ما قامت به الصهيونية لم يقتصر على اقامة وطن قومي لليهود في فلسطين،فعدا هذا ،وفوقه طرد شعب كامل من ارضه ليتشرد ويقيم في الشتات،دمرت اسرائيل بنية المجتمع الفلسطيني وخربت النسيج الاجتماعي له،وجعلت من بعض ابنائه لصوصا وفاسدين اخلاقيا ودمرت اسرا باكملها وحرمت شبابه من العيش بحرية وكرامة.
الرواية الفلسطينية ترصد هذا،وانا اقرا "زغرودة الفنجان"الاحظ هذا بامتياز.هذه رواية مهمة لدارس الادب دراسة اجتماعية.مهمة لاقسام علم الاجتماع واقسام علم النفس ،ومثلها روايتا سامية عيسى "حليب التين" و" خلسة في كوبنهاجن"
(3)
صورة المخيم:
تبدو صورة المخيم سوداء.هناك الفقر والتخلف والعملاء والفساد اﻷخلاقي ،وهذه كلها تقود إلى التعامل مع المخابرات الإسرائيلية ومن ثم إلى تصفية المقاومين.بنية اجتماعية هشة يخاف أفراد المجتمع من الفضيحة اﻷخلاقية فيقعون في شرك المخابرات.أبناء المخيم قسم منهم :فقراء وضعفاء أمام المرأة الجميلة والمال، وأحيانا يبدون سذجا أو بلا تجربة .يوقعهم رجال المخابرات ويسقط هؤلاء بعض أبناء المخيم ممن تساقطوا.يغرر بهم/ن وسرعان ما يقدمون خدمات كبيرة لرجال المخابرات:الصور والشهوة و دبلجة الصور وسرعان ما ينهارون.
من مازن أول الساقطين من أجل تصريح عمل وحفنة شواكل حتى سمير ونادر وسميرة ورحاب ومروان و..
سيصحو ضمير مازن الذي يكلف بمراقبة صديقه القديم عمر، وسيخبر مازن عمر بهذا ،في لحظة صحوة ضمير ،بعد موت الضمير، وإسقاط شباب وشابات ،لبيئتهم الاجتماعية الهشة ،وسيتحول هذا الساقط ليغدو عميلا مزدوجا .وكما تريد المخابرات الإسرائيلية منه أن يتابع زميله القديم يطلب منه صديقه أن يتابع( مودي) الذي جنده.وسيبريء العميل نفسه وسيقدم على قتل (مودي )وسيغدو مازن شهيدا وبطلا.
يعرف المجتمع الفلسطيني نماذج حقيقية مثل مازن الشخصية الروائية.وربما ذكر أسماء منها فكم من عميل قتل من جنده؟
الرواية كما ذكرت تبرز صورة سلبية ﻷبناء المخيم .
هل هذه هي الصورة الوحيدة لهم ؟
المال والجنس والضعف البشري كل هذه تقود إلى السقوط.
أين هذه الصورة من الصورة التي برزت ﻷبناء المخيم في رواية غريب عسقلاني "الطوق"1980 حيث المقاومة الصلبة.
كل شيء يتغير.
في 70 و80 ق20 كتب محمد علي طه قصصا عن الفلسطيني في مناطق 1948 .كانت الصورة إيجابية.في العقد اﻷول من ق 20 عاد وكتب عن البيئة نفسها والمجتمع نفسه وبدت الصورة أيضا مختلفة.
هل ضجرنا من المقاومة ؟هل تعبنا ؟هل غدا كل شيء عبثا في عبث؟ انظروا فيما آل إليه مناضلون كثر وقارنوا.
لماذا لا يجرؤ الشاب أو الشابة على السخرية ممن دبلج لهم صورا أو ممن التقط لهم صورا؟
مرة وقع في المصيدة شاب من نابلس.حدث معه ما حدث مع الشخصيات الروائية.تساقط خوفا من التشهير بصوره كما قال من على شاشة التلفاز وتعامل مع المخابرات وزودها بمعلومات أدت إلى اغتيال قادة مهمين في الانتفاضة، وكان أن أعدم الشاب النابلسي.
لماذا لم يواجه رجال المخابرات ساخرا :و ما له :.أنا رجل وهي ابنتكم.اعرضوا الصور وأعطوني نسخة منها أيضا.؟
(4)
ز
:التعالي على العرب واحتقارهم
يبرز حسام صورة لنظرة اليهود ﻷنفسهم وللعرب.
حتى الفلسطيني المتعاون الذي يقدم للمخابرات معلومات جمة مفيدة يبقى عربيا.إنه مهم بقدر ما يقدم معلومات، ومقابل هذه المعلومات يأخذ أجرة، وإذا أخفق قليلا يشتم ويعود عربيا قذرا، لا فائدة منه، ولا يساوي شيئا،بل إنه زبالة ،مجرد زبالة.يغدو كائنا عبئا على الاسرائيليين.
هكذا يتعامل (مودي) مع مازن.إن قتل يهودي وأخفق مازن في إحضار المعلومة يشتمه (مودي)ويتعالى عليه ،وإذا أمده بالمعلومات أمده بالمال.
المال المال المال .هذا هو الإغراء ولا يساوي العربي إلا بضع مئات من الشواكل والدولة غنية وتدفع ،وحياة اليهودي غالية وأما العربي فرخيص رخيص، ولا يهتم رجل المخابرات به.رجل المخابرات يهمه عمله والدم اليهودي وإسقاط الشباب من أجل إنقاذ اليهود.والعربي الذي يقدم المعلومات يأخذ المقابل:تصريح العمل وفرصة العمل ومزيد من الإغراءات .
هذا ما تعززه "زغرودة الفنجان".وهذه الصورة لا تختلف كثيرا عنها في اﻷدبيات الصهيونية التي كتب عنها غسان كنفاني في كتابه :في اﻷدب الصهيوني.
(5)
الصورة المظلمة للفلسطيني :
هل تعد هذه الرواية نموذجا لﻷدب المظلم في اﻷدب الفلسطيني،مثل روايتي سامية عيسى ،ومن قبل مثل نصي" ليل الضفة الطويل "و "روايتي الوطن عندما يخون"؟.
يخرج المرء وهو يقرأ الرواية بانطباع سلبي جدا عن المجتمع الفلسطيني.هناك مقاومون ولكن الحضور الطاغي هو للعملاء الساقطين ،وتحديدا من أبناء المخيمات ؛ذكورا وإناثا.ولا يصحو ضمير مازن إلا حين يتعرض أهل بيته، كرأفت،للسقوط ،أو التهديد بإسقاط زوجته وبناته.
كل الذين أسقطهم مازن لم يكترث لهم ،ولكنه حين يهدد بأن النار ستحرق بيته يثور ويصحو ضميره ويقرر الانتقام والتحول والتفكير بقتل( مودي) -ايهود قدري-رجل الشاباك المسؤول عنه الذي أسقطه.
حين يشاهد مازن أخاه رأفت في بيت رحاب التي أسقطها مازن ،وحين يشاهد فيلما ﻷخيه وزوجته بأوضاع مشينة، يتعاطيان المخدرات، يهدد رحاب التي أسقطها هو وتبدأ هي بإسقاط كثيرين وكثيرات.
عالم من السقوط رغم وجود مقاومين ومقاومة وأفلام الجنس التي صور فيها اﻷفراد لا ترحم وتجعلهم يتساقطون بسرعة.والمجتمع لا يرحم ويهرب هؤلاء من الخطأ إلى الخيانة.أما كان يمكن استيعاب اﻷخطاء.؟هكذا يكون المجتمع أيضا وراء مزيد من السقوط ودفع كثيرين إليه.
هذا مجتمع هش ضعيف وهذا مجتمع يقتل أبناءه أيضا ،وكما أن من مارس الخطيئة يرتعب من صوره عاريا، فإنه يرتعب من المجتمع أكثر ويغرق في الوحل أكثر وأكثر.
الرواية مظلمة وصورة الفلسطينيين فيها أيضا مظلمة ،على الرغم من وجود المقاومة.
كم نسبة الكتابة عن السقوط وحفلات الجنس والجواسيس، قياسا للكتابة عن المقاومة ؟
وكم نسبة الكتابة عن النماذج الآيجابية قياسا للكتابة عن النماذج السلبية؟
أسئلة تخطر على البال والمرء يقرأ الرواية.
أين صورة المرأة الفلسطينية منها في رواية كنفاني أم سعد؟لكننا في زمنين مختلفين ومكانين مختلفين.
(6)
الساقط /البطل او العميل حين يصحو ضميره ،فيغدو بطلا
الشخصية المحورية هي مازن.غدا هذا عميلا للشاباك وقدم له معلومات جمة وأسس شبكة مخبرين ومخبرات بعد أن أسقطهم في مستنقع الرذيلة وأوقعهم في عالم الشاباك وكلهم كانوا ،في باديء اﻷمر ،ضحايا ثم غدوا كلابا ضالة تضلل الآخرين وتسقطهم وتتلذذ بإسقاطهم ورحاب غدت سادية بامتياز.امرأة متزوجة لا تنجب أسقطها مازن الذي أسقط سميرا ونادرا وسميرة أخت سمير وأرادت رحاب أن تحمي رأسها فأخذت توقع الكثيرين والكثيرات في شباك الشاباك، يدفعها أحيانا حقد طبقي وهو ما دفعها لتسقط ليلى المرأة المتزوجة التي انتحرت خوفا من الفضيحة.
مازن الذي ألمت به صحوة ضمير بعد أن شاهد أخاه رأفت مع (مودي) ضابط المخابرات وبعد أن رأى صور أخيه وزوجة أخيه ،مازن يبدأ يبوح بقصته للفدائي عمر ويغدو عميلا مزدوجا ﻷنه يريد قتل (مودي) الذي أوصله والآخرين إلى هذا المستنقع من السقوط الفاضح والمذل والمهين.
يتفق مازن مع عمر على التخلص مع مودي.هل سيغدو مازن بطلا بعد كل ما ارتكب؟وهل رأس( مودي) رجل الشاباك يعادل كل هذا الخراب والسقوط والتدمير شبه الكلي لعائلات بأكملها؟
سيقدم مازن على قتل (مودي) ولسوف يقتل مازن.ولسوف ترفع صور مازن على أنه بطل.أنا شخصيا أتساءل إن كان حقا بعد كل هذا السقوط والإسقاط يعد بطلا.ربمافي اﻷمر وجهات نظر.ربما.
هل علينا أن نغرق في الرذيلة والعمالة ثم نصحو؟إنها ثقافة مجتمعنا الذي يرتكب فيه كثر
الموبقات ثم يصحون ويحجون في آخر أيامهم ويتقربون من الله بعد خراب البصرة.
دمر صدام حسين العراق ثم بدأ يقرأ القرآن.ربما ذكره هنا يبدو غير عادل ولكن هذا ما يحدث غالبا.والله يحب التوابين.
إن اﻷمر ليستحق الجدل.
وعموما فان رواية حسام شاهين"زغرودة الفنجان"على ما فيها من هنات فنية رواية مهمة جدا،وهي رواية تربوية تستحق ان تقرا وان تناقش،فما زال الاحتلال قائما وما زالت المقاومة قائمة،وما زال الاسرائيليون يعملون على تجنيد فلسطينيين لخدمة المشروع الصهيوني.