لقد سبق أن نشرتُ تدوينةً قلتُ فيها أنه ليس من المعقول أن نطلب من فاقِدي الكرامة الإنسانية أن يحترموا ما ليس في استطاعتهم أن يحترموه. هذا نصها الكامل
https://m.facebook.com/story.php?st...6StGkoXFGl&id=100015631744118&mibextid=Nif5oz
لماذا ليس في وُسعِهم احترام ما هم غير مؤهلين، نفسيا واجتماعيا، على احنرامه؟
بكل بساطة، لأن همَّهم الوحيد هو الحصول على قوتهم اليومي علما أن هذا القوت غير مضمون بالنسبة لغد ولبعد غد… وما يجب التركيز عليه هو أنهم مضطرون للبحث عن هذا القوت بطريقة أو أخرى وخصوصا إذا كانوا أربابَ أسَرٍ متعدِّة الأفراد.
إنه فعلآ من غير المعقول أن يُطلبَ من هذه الفئة من المواطنين أن يحترموا مثلا البيئية، أن لا يحتلوا الفضاء العمومي، أن لا يصبحوا باعةً متجولين، أن لا يتعاطوا للاقتصاد غير المهيكل…
كل هذه الأمور هي مصدر قوتهم اليومي وحرمانُهم منها يعنى الحكمُ عليهم بالضياع. وبعبارة أخرى، ليسوا مخيرين في اختيار مصدر قوتهم اليومي. فوضعهم الاجتماعي هو الذي يفرض عليهم هذا أو ذاك الاختيار.
ومن أكثر هذه الفئات فقرا وهشاشةً، هم ساكنة العالم القروي وخصوصا منهم أولئك الذين ليس لهم دَخلٌ قار. بالنسبة لهذه الفئة، تُعتبَر البيئة (الطبيعية) هي المصدر الذي قد يكون الوحيد للحصول على قوتهم اليومي.
مَن يظن أن هذه الفئة من المواطنين ستضع في حُسبانها احترامَ أو المحافظةَ على الطبيعة، فإنه لا يدرك الحالة النفسية التي يوجد عليها الباحث عن القوت اليومي حين تعامله مع هذه الطبيعية. كل تفكيره وعمله مُركَّزان حول الحصول على هذا القوت.
وإذا وضعنا إشكالية الفقر وحماية البيئة في ميزان العقل والمنطق، فسيتحتَّم علينا أن نقول: الفقر يتنافى مع أولوية حماية الطبيعة! بل الفقر يُعدُّ واحدا من العوامل التي تُخرِّب الطبيعةَ. وقد يكون سببا في فقدان المنظومات البيئية قدرتها على تجديد الحياة بحكم الضغط الذي يُمارسه عليها الباحثون عن القوت اليومي.
وإذا اقترن الفقر بالأمية والجفاف، و هذا ما حصل و يحصل في العالم القروي، فإن فقراء هذا العالم القروي يزدادون فقرا سواءً مكثوا بالقرى أم هاجروا إلى المدن.
وانطلاقا من ما سبق، هناك سؤال يفرض نفسه : "مَن المسئول عن تفشي الفقر في البلاد؟" أو بعبارة أخرى، ما هو الجواب عن السؤال المطروح كعنوان لهذه المقالة: "الفقر قدَر محتوم أو إفراز لفشل السياسات العمومية؟". وهنا، لا بد من الإشارة إلى أن الفقر، إذا كان مرتفعا في العالم القروي، فهو مُستشري في جميع أنحاء البلاد ويطال ملايين البشر.
أولا، حتمية الفقر غير واردة. لأن الله سبحانه وتعالى يريد الخير لعباده والدليل على ذلك، إنه أوصى في القرآن الكريم بالزكاة وبالاعتناء والعناية بالففراء. والاعتناء والعناية بالففراء ليسا فقط ضمانَ قوتهم اليومي. بل يعنيان إخراجَ هؤلاء الفقراء من دائرة الفقر. والعناية والاعتناء أشكال وأنواع.
ومن بين هذه الأشكال، ما تقوم به الحكومات لمحاربة الفقر، وإن أمكن، القضاء عليه. وهنا، يأتي دور السياسات العمومية التي وضعتها وتضعها الحكومات المتعاقبة على تدبير الشأن العام.
والسياسات العمومية التي وضعتها الحكومات المتعاقبة على تدبير الشأن العام منذ الاستقلال إلى يومنا هذا، كثيرة ومتنوعة. وما يثير الاستغرابَ، هو أنه، رغم كثرة وتنوُّع هذه السياسات، لا يزال الفقر مستشربا في البلاد. بل يزداد الفقراء فقرا علما أنه مرت أكثر من 60 سنة والأحزاب السياسية وحكوماتها تتعاقب على تدبير الشأن العام.
الجواب عن السؤال المطروح كعنوان لهذه المقالة، هو بكل بساطة : فشل السياسات العمومية في محاربة الفقر ناهيك عن القضاء عليه! ولماذا فشلت هذه السياسات؟ فشلت لأنها :
-سياسات عمومية، في غالب أطوارها بيروقراطية، أي لا تأخذ بعين الاعتبار الحاجات المُلِحة والحقيقية للفئة المستهدفة.
-سياسات غير مندمجة بمعنى أنها تستهدف قطاعا واحدا دون القطاعات الأخرى علما أن حاجيات الفئة المستهدفة كثيرةٌ ومتداخلةٌ وتتكامل فيما بينها. مثلا، يصعب التصدي للفقر مع الإبقاء على الأمية. كما تصعب محاربة الفقر في غياب تكوين يمكِّن الفئة المستهدفة من ممارسة أنشطة اقتصادية غير تلك التي تتسبب في تخريب الطبيعة…
-سياسات عمومية هدفُها الأساسي هو تحقيق الإنجازات وليس الاستجابة للمتطلبات الحقيقية للفئات المستهدفة
-سياسات عمومية تستجيب لحسابات حزبية ضيقة
-سياسات عمومية تمَّت صياغتُها في غياب تام لمشاركة الفئة المستهدفة في هذه الصياغة، أو بعبارة أخرى، تمّت صياغتُها من طرف القمة في تجاهل للقاعدة
- سياسات غالبا ما تتم صياغتها من طرف إداريين و ليس من طرف ذوي الاختصاص
-غير مسبوقة بتشخيص للوضع الذي وصل إليه الفقرُ زمانا ومكانا
-سياسات عمومية لا تخضع لتقييم لا قبلي ولا بعدي للتأكد من فعاليتها، أي هل فعلا تساهم في التَّصدي للفقر
-غير مدروسة علميا من حيث التمويل ومراحل الإنجاز. فكم هي عديدة المشاريع التي توقف إنجازها بسبب عدم الملاءمة بين الموارد المالية ومراحل إخراجها إلى حيز الوجود
-لا تخضع للتَّتبُّع أثناء مراحل الإنجاز، أي أنها سياسات تُعطى انطلاقتُها وتُترك لحالها بدون مراقبة
وخلاصة القول، الفقر ليس قدرا محتوما، لكن إفراز لسياسات حكومية عمومية فاشلة. فاشلة لأنها لم تتصدَّ للفقر كظاهرة اجتماعية متعدِّدة ومتداخلة الأبعاد. وبالتالي، لا يمكن إطلاقا التصدي لها بمقاربات عمودية منعزله عن بعضها البعض. محاربة الفقر تتطلب مقاربات أفقية تجعل من هذا الأخير قضيةً تشترك في التصدي لها كل القطاعات الحكومية ذات الصلة، خلافا لما هو معمول به اليوم حيث كل قطاع حكومي يحارب الفقر بمعزل عن القطاعات الأخرى. وهذا في حد ذاته عامل من عوامل فشل السياسات العمومية.
وخير مثال لفشل السياسات العمومية في التَّصدِّي للفقر، هو المخطَّط الأخضر. انتهى هذا المخطط أو هو مشرف على الانتهاء، ولا يزال الفقر منتشرا بين صِغار الفلاحين! ما نجح فيه هذا المخطَّطُ هو استنزاف الموارد المائية الجوفية وتسخير ماء السدود لكبار الفلاحين والتركيز على الفلاحة التَّصديرية على حساب تزويد الأسواق المحلية بالخُضَر. والشعب المغربي هو الذي يتحمَّل عواقبَ هذا الفشل الذريع : ارتفاعٌ جنونيٌ لأسعار هذه الخُضَر وتدهورُ القدرة الشرائية للمواطنين واستفحالُ الفقر الذي قد يصل إلى فئةٍ لا يُسبهان بها من المواطنين الذين كانوا محسوبين على الطبقة المتوسِّطة…
وكيفما كان الحال، فإن السياسات العمومية التي تضعها الحكومات المتعاقبة على تدبير الشأن العام، مهما كانت جودتُها ومهمآ كانت نجاعتُها، فإن نجاحَها مقرون كذلك حتما بالتوزيع العادل لثروات البلاد.
https://m.facebook.com/story.php?st...6StGkoXFGl&id=100015631744118&mibextid=Nif5oz
لماذا ليس في وُسعِهم احترام ما هم غير مؤهلين، نفسيا واجتماعيا، على احنرامه؟
بكل بساطة، لأن همَّهم الوحيد هو الحصول على قوتهم اليومي علما أن هذا القوت غير مضمون بالنسبة لغد ولبعد غد… وما يجب التركيز عليه هو أنهم مضطرون للبحث عن هذا القوت بطريقة أو أخرى وخصوصا إذا كانوا أربابَ أسَرٍ متعدِّة الأفراد.
إنه فعلآ من غير المعقول أن يُطلبَ من هذه الفئة من المواطنين أن يحترموا مثلا البيئية، أن لا يحتلوا الفضاء العمومي، أن لا يصبحوا باعةً متجولين، أن لا يتعاطوا للاقتصاد غير المهيكل…
كل هذه الأمور هي مصدر قوتهم اليومي وحرمانُهم منها يعنى الحكمُ عليهم بالضياع. وبعبارة أخرى، ليسوا مخيرين في اختيار مصدر قوتهم اليومي. فوضعهم الاجتماعي هو الذي يفرض عليهم هذا أو ذاك الاختيار.
ومن أكثر هذه الفئات فقرا وهشاشةً، هم ساكنة العالم القروي وخصوصا منهم أولئك الذين ليس لهم دَخلٌ قار. بالنسبة لهذه الفئة، تُعتبَر البيئة (الطبيعية) هي المصدر الذي قد يكون الوحيد للحصول على قوتهم اليومي.
مَن يظن أن هذه الفئة من المواطنين ستضع في حُسبانها احترامَ أو المحافظةَ على الطبيعة، فإنه لا يدرك الحالة النفسية التي يوجد عليها الباحث عن القوت اليومي حين تعامله مع هذه الطبيعية. كل تفكيره وعمله مُركَّزان حول الحصول على هذا القوت.
وإذا وضعنا إشكالية الفقر وحماية البيئة في ميزان العقل والمنطق، فسيتحتَّم علينا أن نقول: الفقر يتنافى مع أولوية حماية الطبيعة! بل الفقر يُعدُّ واحدا من العوامل التي تُخرِّب الطبيعةَ. وقد يكون سببا في فقدان المنظومات البيئية قدرتها على تجديد الحياة بحكم الضغط الذي يُمارسه عليها الباحثون عن القوت اليومي.
وإذا اقترن الفقر بالأمية والجفاف، و هذا ما حصل و يحصل في العالم القروي، فإن فقراء هذا العالم القروي يزدادون فقرا سواءً مكثوا بالقرى أم هاجروا إلى المدن.
وانطلاقا من ما سبق، هناك سؤال يفرض نفسه : "مَن المسئول عن تفشي الفقر في البلاد؟" أو بعبارة أخرى، ما هو الجواب عن السؤال المطروح كعنوان لهذه المقالة: "الفقر قدَر محتوم أو إفراز لفشل السياسات العمومية؟". وهنا، لا بد من الإشارة إلى أن الفقر، إذا كان مرتفعا في العالم القروي، فهو مُستشري في جميع أنحاء البلاد ويطال ملايين البشر.
أولا، حتمية الفقر غير واردة. لأن الله سبحانه وتعالى يريد الخير لعباده والدليل على ذلك، إنه أوصى في القرآن الكريم بالزكاة وبالاعتناء والعناية بالففراء. والاعتناء والعناية بالففراء ليسا فقط ضمانَ قوتهم اليومي. بل يعنيان إخراجَ هؤلاء الفقراء من دائرة الفقر. والعناية والاعتناء أشكال وأنواع.
ومن بين هذه الأشكال، ما تقوم به الحكومات لمحاربة الفقر، وإن أمكن، القضاء عليه. وهنا، يأتي دور السياسات العمومية التي وضعتها وتضعها الحكومات المتعاقبة على تدبير الشأن العام.
والسياسات العمومية التي وضعتها الحكومات المتعاقبة على تدبير الشأن العام منذ الاستقلال إلى يومنا هذا، كثيرة ومتنوعة. وما يثير الاستغرابَ، هو أنه، رغم كثرة وتنوُّع هذه السياسات، لا يزال الفقر مستشربا في البلاد. بل يزداد الفقراء فقرا علما أنه مرت أكثر من 60 سنة والأحزاب السياسية وحكوماتها تتعاقب على تدبير الشأن العام.
الجواب عن السؤال المطروح كعنوان لهذه المقالة، هو بكل بساطة : فشل السياسات العمومية في محاربة الفقر ناهيك عن القضاء عليه! ولماذا فشلت هذه السياسات؟ فشلت لأنها :
-سياسات عمومية، في غالب أطوارها بيروقراطية، أي لا تأخذ بعين الاعتبار الحاجات المُلِحة والحقيقية للفئة المستهدفة.
-سياسات غير مندمجة بمعنى أنها تستهدف قطاعا واحدا دون القطاعات الأخرى علما أن حاجيات الفئة المستهدفة كثيرةٌ ومتداخلةٌ وتتكامل فيما بينها. مثلا، يصعب التصدي للفقر مع الإبقاء على الأمية. كما تصعب محاربة الفقر في غياب تكوين يمكِّن الفئة المستهدفة من ممارسة أنشطة اقتصادية غير تلك التي تتسبب في تخريب الطبيعة…
-سياسات عمومية هدفُها الأساسي هو تحقيق الإنجازات وليس الاستجابة للمتطلبات الحقيقية للفئات المستهدفة
-سياسات عمومية تستجيب لحسابات حزبية ضيقة
-سياسات عمومية تمَّت صياغتُها في غياب تام لمشاركة الفئة المستهدفة في هذه الصياغة، أو بعبارة أخرى، تمّت صياغتُها من طرف القمة في تجاهل للقاعدة
- سياسات غالبا ما تتم صياغتها من طرف إداريين و ليس من طرف ذوي الاختصاص
-غير مسبوقة بتشخيص للوضع الذي وصل إليه الفقرُ زمانا ومكانا
-سياسات عمومية لا تخضع لتقييم لا قبلي ولا بعدي للتأكد من فعاليتها، أي هل فعلا تساهم في التَّصدي للفقر
-غير مدروسة علميا من حيث التمويل ومراحل الإنجاز. فكم هي عديدة المشاريع التي توقف إنجازها بسبب عدم الملاءمة بين الموارد المالية ومراحل إخراجها إلى حيز الوجود
-لا تخضع للتَّتبُّع أثناء مراحل الإنجاز، أي أنها سياسات تُعطى انطلاقتُها وتُترك لحالها بدون مراقبة
وخلاصة القول، الفقر ليس قدرا محتوما، لكن إفراز لسياسات حكومية عمومية فاشلة. فاشلة لأنها لم تتصدَّ للفقر كظاهرة اجتماعية متعدِّدة ومتداخلة الأبعاد. وبالتالي، لا يمكن إطلاقا التصدي لها بمقاربات عمودية منعزله عن بعضها البعض. محاربة الفقر تتطلب مقاربات أفقية تجعل من هذا الأخير قضيةً تشترك في التصدي لها كل القطاعات الحكومية ذات الصلة، خلافا لما هو معمول به اليوم حيث كل قطاع حكومي يحارب الفقر بمعزل عن القطاعات الأخرى. وهذا في حد ذاته عامل من عوامل فشل السياسات العمومية.
وخير مثال لفشل السياسات العمومية في التَّصدِّي للفقر، هو المخطَّط الأخضر. انتهى هذا المخطط أو هو مشرف على الانتهاء، ولا يزال الفقر منتشرا بين صِغار الفلاحين! ما نجح فيه هذا المخطَّطُ هو استنزاف الموارد المائية الجوفية وتسخير ماء السدود لكبار الفلاحين والتركيز على الفلاحة التَّصديرية على حساب تزويد الأسواق المحلية بالخُضَر. والشعب المغربي هو الذي يتحمَّل عواقبَ هذا الفشل الذريع : ارتفاعٌ جنونيٌ لأسعار هذه الخُضَر وتدهورُ القدرة الشرائية للمواطنين واستفحالُ الفقر الذي قد يصل إلى فئةٍ لا يُسبهان بها من المواطنين الذين كانوا محسوبين على الطبقة المتوسِّطة…
وكيفما كان الحال، فإن السياسات العمومية التي تضعها الحكومات المتعاقبة على تدبير الشأن العام، مهما كانت جودتُها ومهمآ كانت نجاعتُها، فإن نجاحَها مقرون كذلك حتما بالتوزيع العادل لثروات البلاد.