غالبا ما يَحدُث أن بعضَ الآباء والأمهات، عندما يريدون أن يحثوا بناتِهم وأبناءَهم على مراجعة دروسهم، يقولون لهم (بالدارجة) :
-نُوضْ تَحْفَظْ
-واش حْفَظْتِي
-حْفَظْتِي مزيان
-بَرَكَ من للعْبْ، نُوضْ تحفظ
-إمْتَ غادي تْحفظْ
-وَحْفَظتا بكري، الخ.
عندما نحلِّل هذه العبارات التي تخرج من الأفواه بكيفية عفوية، سرعان ما نتعرف على الطريقة التي من خلالها يُدرك هؤلاء الآباء والأمهات ويتصوَّرون التعليم. هنا، فعل "حفِظ" الذي يمكن تفسيره بترسيخ وتسجيل في الذاكرة، مُعبِّر جدا. إنه يفيدنا بكل بساطة بأن التعليم، بالنسبة لهذه الشريحة من الأسَر، مرادف للحفظ والتسجيل والتلاوة والاستظهار، الخ.
وظاهرة الحفظ هذه والاستظهار ليست حكرا على مستوى معيَّن من التَّعليم. بل نجدها وبكل غرابة، حتى في المستوى الجامعي حيث الطلبة، عندما تقترب الإمتحانات، يتحدثون عن الحفظ أكثر مما يتحدثون عن الإدراك والفهم وإعادة بناء المعارف والمفاهيم...
هذا التصور ليس مفاجئا لأن مدرستَنا تعطي فعلا أهميةً مبالغ فيها لتبليغ المعرفة. لماذا؟ هنا بيت القصيد. والدليل على ذلك المِحفظات التي يجرُّها الأطفال عند الذهاب إلى المدرسة. إنهم مجبرون على حمل عبئين : عبء ثِقل الدفاتر والكتب وبالأخص عبء المعارف الجافة، المثالية والمعزولة عن الواقع. يُضاف إلى كل هذا ضغط الامتحانات وتوثر الأسر التي تخاف باستمرار من شبح الرسوب.
بل إن هؤلاء الآباء والأمهات يعتقدون أن بناتِهم وأبناءَهم (المُتعلِّمين) من واجبهم الامتثال لسُلطة وطقوس المدرسة المتمثِّلة في غزارة المعارف المدوَّنة على دفاترهم أو المعارف التي تغصُّ بها مراجعهم المدرسية. وهذا هو ما يجعل الآباء والأمهات يقولون : "نوضْ تْحْفَظْ، واش حْفَظْتي…". في نظرهم، المدرسة تساوي الحِفظ، وبصفة عامة، كل تعليم سواء تدور أطواره في المدرسة أو في الكُتَّاب (اجَّامع، لْمْسِيدْ)، يجب أن يُكلَّلَ بالحفظ عن ظهر قلب من أجل الاستظهار لاحقا.
وهذا التَّصوُّر هو الذي يجعل هؤلاء الآباء والأمهات لا يخطر ببالهم أن المدرسة هي التي يجب أن تتأقلمَ وتتكيَّفَ مع رغبات المتعلمين الفكرية، التَّعلُّمية، الاجتماعية، التَّحرُّرية، التَّفتُّحية… وليس العكس. لأن المدرسة خلقها المجتمعُ، في المجتمع ومن أجل المجتمع لضمان استمراريته. واستمرارية المجتمع يتمُّ بناءُها بناءً. وبناء استمرارية المجتمع لا يمكن تحقيقُها بتراكم المعرفة المِثانية عند المتعلِّمين. استمرارية المجتمع تُبنى بالفكر، بالفكر النقدي، بالإبداع، بإنتاج القيمات المضافة، بالذكاء، ببُعد النظر، بالتَّحرُّر والتَّفتُّح الفكريين، بالقِيم الاجتماعية البنَّاءة من مواطنة، من حب الوطن والصالح العام، الخ.
مواصفاتٌ وقِيم تركتها المدرسةُ جانباً وركَّزت اهتمامَها على تبليغ المعرفة… النتيجة : هدرٌ مدرسي مُهوِل وصناعة أجيالٍ غرباء عن المجتمع وعن ما يدور بداخله من أنشطة اجتماعية، اقتصادية، ثقافية، تكنولوجية، سياسية، الخ.
ألم يخطر على البال أن مدرسة التَّحرُّر والتَّفتُّح أكثر عذوبة وأقل عبئا من مدرسة الحفظ والاستظهار؟ ألم يحن الوقتُ لإعادة النظر في النموذج المثالي paradigme المبني على تبليغ المعرفة وتراكمها عند المتعلمين؟ ألم يحن الوقتُ لإعادة النظر في مفهوم المدرسة نفسِه لتصبحَ هذه الأخيرة مدرسةً فكرٍيةً تكون فيها المعارف مجرَّد مُحفِّزٍ يستدعي النقاش والفكر والفكر النقدي والتَّناظر...؟ المعارف تتبخَّر. أما بناء الشخصية فكريا، اجتماعيا، ثقافيا، أخلاقيا… مواصفات تُلازم الفردَ طوال حياته.
-نُوضْ تَحْفَظْ
-واش حْفَظْتِي
-حْفَظْتِي مزيان
-بَرَكَ من للعْبْ، نُوضْ تحفظ
-إمْتَ غادي تْحفظْ
-وَحْفَظتا بكري، الخ.
عندما نحلِّل هذه العبارات التي تخرج من الأفواه بكيفية عفوية، سرعان ما نتعرف على الطريقة التي من خلالها يُدرك هؤلاء الآباء والأمهات ويتصوَّرون التعليم. هنا، فعل "حفِظ" الذي يمكن تفسيره بترسيخ وتسجيل في الذاكرة، مُعبِّر جدا. إنه يفيدنا بكل بساطة بأن التعليم، بالنسبة لهذه الشريحة من الأسَر، مرادف للحفظ والتسجيل والتلاوة والاستظهار، الخ.
وظاهرة الحفظ هذه والاستظهار ليست حكرا على مستوى معيَّن من التَّعليم. بل نجدها وبكل غرابة، حتى في المستوى الجامعي حيث الطلبة، عندما تقترب الإمتحانات، يتحدثون عن الحفظ أكثر مما يتحدثون عن الإدراك والفهم وإعادة بناء المعارف والمفاهيم...
هذا التصور ليس مفاجئا لأن مدرستَنا تعطي فعلا أهميةً مبالغ فيها لتبليغ المعرفة. لماذا؟ هنا بيت القصيد. والدليل على ذلك المِحفظات التي يجرُّها الأطفال عند الذهاب إلى المدرسة. إنهم مجبرون على حمل عبئين : عبء ثِقل الدفاتر والكتب وبالأخص عبء المعارف الجافة، المثالية والمعزولة عن الواقع. يُضاف إلى كل هذا ضغط الامتحانات وتوثر الأسر التي تخاف باستمرار من شبح الرسوب.
بل إن هؤلاء الآباء والأمهات يعتقدون أن بناتِهم وأبناءَهم (المُتعلِّمين) من واجبهم الامتثال لسُلطة وطقوس المدرسة المتمثِّلة في غزارة المعارف المدوَّنة على دفاترهم أو المعارف التي تغصُّ بها مراجعهم المدرسية. وهذا هو ما يجعل الآباء والأمهات يقولون : "نوضْ تْحْفَظْ، واش حْفَظْتي…". في نظرهم، المدرسة تساوي الحِفظ، وبصفة عامة، كل تعليم سواء تدور أطواره في المدرسة أو في الكُتَّاب (اجَّامع، لْمْسِيدْ)، يجب أن يُكلَّلَ بالحفظ عن ظهر قلب من أجل الاستظهار لاحقا.
وهذا التَّصوُّر هو الذي يجعل هؤلاء الآباء والأمهات لا يخطر ببالهم أن المدرسة هي التي يجب أن تتأقلمَ وتتكيَّفَ مع رغبات المتعلمين الفكرية، التَّعلُّمية، الاجتماعية، التَّحرُّرية، التَّفتُّحية… وليس العكس. لأن المدرسة خلقها المجتمعُ، في المجتمع ومن أجل المجتمع لضمان استمراريته. واستمرارية المجتمع يتمُّ بناءُها بناءً. وبناء استمرارية المجتمع لا يمكن تحقيقُها بتراكم المعرفة المِثانية عند المتعلِّمين. استمرارية المجتمع تُبنى بالفكر، بالفكر النقدي، بالإبداع، بإنتاج القيمات المضافة، بالذكاء، ببُعد النظر، بالتَّحرُّر والتَّفتُّح الفكريين، بالقِيم الاجتماعية البنَّاءة من مواطنة، من حب الوطن والصالح العام، الخ.
مواصفاتٌ وقِيم تركتها المدرسةُ جانباً وركَّزت اهتمامَها على تبليغ المعرفة… النتيجة : هدرٌ مدرسي مُهوِل وصناعة أجيالٍ غرباء عن المجتمع وعن ما يدور بداخله من أنشطة اجتماعية، اقتصادية، ثقافية، تكنولوجية، سياسية، الخ.
ألم يخطر على البال أن مدرسة التَّحرُّر والتَّفتُّح أكثر عذوبة وأقل عبئا من مدرسة الحفظ والاستظهار؟ ألم يحن الوقتُ لإعادة النظر في النموذج المثالي paradigme المبني على تبليغ المعرفة وتراكمها عند المتعلمين؟ ألم يحن الوقتُ لإعادة النظر في مفهوم المدرسة نفسِه لتصبحَ هذه الأخيرة مدرسةً فكرٍيةً تكون فيها المعارف مجرَّد مُحفِّزٍ يستدعي النقاش والفكر والفكر النقدي والتَّناظر...؟ المعارف تتبخَّر. أما بناء الشخصية فكريا، اجتماعيا، ثقافيا، أخلاقيا… مواصفات تُلازم الفردَ طوال حياته.