تمتلئ بطون كتب التراث في أدبنا العربي بالكثير من المناظرات والمحاورات بين كبار مشهوري المعنيّن بالأدب العربي قديما وحديثا، ويزداد الأمر غرابة حينما يتفوق المجنون على هؤلاء المشاهير وفيما يلي محاورتين دارت الأولى بين الجاحظ و مجنون بالكوفة، والثانية محاورة بين الأصمعي ومجنون، وفيما يلي نص المحاورتين:
المحاورة الأولى: بين الجاحظ ومجنون بالكوفة:
قال الجاحظ: رأيت مجنونا بالكوفة فقال لي من أنت ؟ قلت عمرو بن بحر الجاحظ. قال يزعم أهل البصرة أنك أعلمهم. قلت إن ذلك ليقال. قال من أشعر الناس ؟ قلت امرئ القيس. قال حيث يقول ماذا ؟ فقلت :
كأن قلوب الطير رطبا ويابسا ... لدى وكرها العناب والخشف البالي
قال فأنا أشعر منه، قلت حيث تقول ماذا ؟ قال حيث أقول:
كأن وراء الستر فوق فراشها ... قناديل زيت من ورام قرام
فأينا أشعر ؟ قلت أنت. قال فأيهما أقوى الماء ؟ قلت الريح. قال لم تصب. قلت وكيف ؟ قال يقع الثوب في الماء فيبتل في طرفة عين، ويبسط في الريح فلا يجف إلا بعد ساعات، أصبت أم أخطأت ؟ فقلت أصبت.
المحاورة الثانية محاورة بين الأصمعي ومجنون:
جاء موسوس، فسلم على الأمير، فرد عليه السلام وقال من أنت؟ فقال:
إني أنا أبو الشريك الشاعر ... من سأل عني فأنا ابن الفاغر
فقال الوالي ما أمدحك لنفسك! فقال:
لأنني أرتجل ارتجالاً ... ما شئت يا من أُلبس الجمالا
قال الأصمعي فقال لي الأمير ما هذا مجنون. فألق عليه ما عندك فقلت له ما الريم؟ فقال:
الريم فضل اللحم للجزار ... ينحره للفتية الأيسار
فقلت ما الحلوان؟ فقال.
أليس ما يعطي على الكهانة ... والحر لا يقنع بالمهانة
فقلت ما الدكاع؟ فقال:
إن الدكاع هو سعال الماشية ... والله لا تخفي عليه خافية
قلت فما التوله؟ فقال:
عوذة عنق الطفل عندي توله ... وقد تسمى العنكبوت توله
قلت فما الرفة؟ فقال.
الرّفة التبن فسل ماشيتا ... لقد وجدت عالماً خرّيتا
قال الأصمعي فاستحييت من كثرة ما سألته. فقال قل لي:
ما الهلقس والسحساح ... والحمل الراوح لا يراح
قلت الهلقس الطمع للحريص، والسحساح الذي لا يستقر في موضع والراوح المهزول فقال:
ما أنت إلا حافظ للعلم ... أحسنت ما قلت بغير فهم:
قال الوالي فحبذا كل مجنون مثل هذا. ثم أمر له بعشرة آلاف درهم، فلما قدم إليه المال قال.
أكلّ هذا هو لي بمرّه ... تم سروري واعترتني مسره
ثم أقبل على الأمير فقال.
رشت جناحي يا أخا قريش ... أقررت عيني وأطبت عيشي
المراجع :
ابن حبيب التيسابوري ، عقلاء المجانين، تحقيق: محمد زغلول
دار الكتب العلمية، بيروت – لبنان،١٩٨٥ م
منصور العواجي : أجمل المحاورات والمناظرات :الرياض ،دار طويق للنشر والتوزيع ،1423هـ
محمد خير يوسف: جولة بين كتب غريبة، بيروت :دار ابن حزم ،1995م
المحاورة الأولى: بين الجاحظ ومجنون بالكوفة:
قال الجاحظ: رأيت مجنونا بالكوفة فقال لي من أنت ؟ قلت عمرو بن بحر الجاحظ. قال يزعم أهل البصرة أنك أعلمهم. قلت إن ذلك ليقال. قال من أشعر الناس ؟ قلت امرئ القيس. قال حيث يقول ماذا ؟ فقلت :
كأن قلوب الطير رطبا ويابسا ... لدى وكرها العناب والخشف البالي
قال فأنا أشعر منه، قلت حيث تقول ماذا ؟ قال حيث أقول:
كأن وراء الستر فوق فراشها ... قناديل زيت من ورام قرام
فأينا أشعر ؟ قلت أنت. قال فأيهما أقوى الماء ؟ قلت الريح. قال لم تصب. قلت وكيف ؟ قال يقع الثوب في الماء فيبتل في طرفة عين، ويبسط في الريح فلا يجف إلا بعد ساعات، أصبت أم أخطأت ؟ فقلت أصبت.
المحاورة الثانية محاورة بين الأصمعي ومجنون:
جاء موسوس، فسلم على الأمير، فرد عليه السلام وقال من أنت؟ فقال:
إني أنا أبو الشريك الشاعر ... من سأل عني فأنا ابن الفاغر
فقال الوالي ما أمدحك لنفسك! فقال:
لأنني أرتجل ارتجالاً ... ما شئت يا من أُلبس الجمالا
قال الأصمعي فقال لي الأمير ما هذا مجنون. فألق عليه ما عندك فقلت له ما الريم؟ فقال:
الريم فضل اللحم للجزار ... ينحره للفتية الأيسار
فقلت ما الحلوان؟ فقال.
أليس ما يعطي على الكهانة ... والحر لا يقنع بالمهانة
فقلت ما الدكاع؟ فقال:
إن الدكاع هو سعال الماشية ... والله لا تخفي عليه خافية
قلت فما التوله؟ فقال:
عوذة عنق الطفل عندي توله ... وقد تسمى العنكبوت توله
قلت فما الرفة؟ فقال.
الرّفة التبن فسل ماشيتا ... لقد وجدت عالماً خرّيتا
قال الأصمعي فاستحييت من كثرة ما سألته. فقال قل لي:
ما الهلقس والسحساح ... والحمل الراوح لا يراح
قلت الهلقس الطمع للحريص، والسحساح الذي لا يستقر في موضع والراوح المهزول فقال:
ما أنت إلا حافظ للعلم ... أحسنت ما قلت بغير فهم:
قال الوالي فحبذا كل مجنون مثل هذا. ثم أمر له بعشرة آلاف درهم، فلما قدم إليه المال قال.
أكلّ هذا هو لي بمرّه ... تم سروري واعترتني مسره
ثم أقبل على الأمير فقال.
رشت جناحي يا أخا قريش ... أقررت عيني وأطبت عيشي
المراجع :
ابن حبيب التيسابوري ، عقلاء المجانين، تحقيق: محمد زغلول
دار الكتب العلمية، بيروت – لبنان،١٩٨٥ م
منصور العواجي : أجمل المحاورات والمناظرات :الرياض ،دار طويق للنشر والتوزيع ،1423هـ
محمد خير يوسف: جولة بين كتب غريبة، بيروت :دار ابن حزم ،1995م