أشرت في عرضي لرواية اعدام رسام للكاتب سلام إبراهيم والمنشورة قبل عدة أشهر بأن لغة السرد الروائي- العربية طبعاً- كانت الحلقة الأضعف في خضم التطورات الكبيرة التي شهدها الفن الروائي في العقود الأخيرة. وهذا الضعف أسهم في ولادة نصوص من الصعب وصفها بالأدبية حتى لو حملت بعض سمات الأدب بين ثنايا الرواية، فهي تجمع ما بين اللغة التقريرية والصحافية وما بات يعرف بلغة المدونات لتشابهها الكبير باللغة المستخدمة في وسائل التواصل الاجتماعي: مباشرة وبجمل قصيرة وذوات أفكار سطحية.
وفي هذا المقال أود أن أسلط الضوء على وجهة نظري الداعية إلى عدم استخدام اللهجات العامية في الرواية أو تقنينها بدرجة كبيرة، خاصة بعد ظهور بعض الأعمال المكتوبة بالكامل بها. وهي وجهة نظر شخصية بحتة يختلف معي كثيرون وهذا أمر طبيعي واعتيادي. وهذا الأمر لا يعني عدم استخدام أية كلمة عامية، بل بعض الكلمات والعبارات تضفي جمالية خاصة على النص، لكن استخدام جمل كاملة باللهجة العامية يوهن السرد.
ورأيي هذا يقوم على عدة نقاط من أهمها:
أولاً: إن اللغة العربية، وأقصد بها اللغة الفصحى، منقرضة على صعيد التداول اليومي شفاهياً، ولا يتحدث بها أبناؤها إلا في الأفلام/المسلسلات التاريخية وفي مراكز تعليم اللغة العربية لغير الناطقين بها، إضافة إلى نشرات الأخبار. أما اللغة المكتوبة، فهي مستخدمة على نطاق واسع وتمثل اللغة الرسمية للمؤسسات الحكومية والخاصة وكذلك لشريحة واسعة من أفراد المجتمع. لقد أفضى شيوع اللهجة العامية إلى تحول بعض الفنون الأدبية مثل المسرحية إلى مجرد عروض للضحك والتهريج، بينما يعيش الشعر العربي العمودي والحر في حالة احتضار مقابل قصيدة التفعيلة التي يجب أن تكون مكملة للشعر، لا بديلاً عنه.
ثانياً: إن لغة السرد تحتل جزءاً مهماً من كامل العمل الروائي الطويل نسبياً، حيث تتوزع الرواية ما بين الوصف والسرد والحوار. إن ادراج الحوار باللهجة العامية يؤثر بشكل كبير في جمالية وانسيابية السرد، خاصة أن بعض الفقرات الحوارية تأتي مباشرة بعد صفحات من السرد الجميل والبليغ، مما يجعل منه نصاً مرقعاً.
ثالثاً: اللغة العربية تملك نحواً مميزاً يحمل الكثير من السمات الجمالية والابداعية والبلاغية التي تتيح للكاتب مجالاً رحباً لإظهار قدراته ومعرفته بخبايا وأسرار هذه اللغة العظيمة. اللهجة العامية لا تملك قواعد أو نحواً واضحاً، وبالتالي لا تملك سمات جمالية تجعل القارئ يتأمل بالجمل والعبارات المسرودة بها، فضلاً عن أنها لا تشكل منصة لتمييز قدرة كاتب عن آخر من المهارات اللغوية والسرد الأدبي عن غيره. وحتى على صعيد الكتابة والاملاء، ظهر في اللهجات العامية مثل العراقية عدد من الحروف غير العربية أصلاً، وغير معترف بها ضمن الأبجدية العربية. هذا الأمر يجعل النص المسرود بالعامية هجيناً وغريباً لدى كثير من القراء، خاصة بالنسبة لغير العراقيين.
رابعاً: إلى جانب النحو والقواعد، تملك اللغة الفصيحة بذخاً في المفردات والتراكيب التي تتيح للكاتب حرية الاختيار على عكس العامية، وبذلك يكون قادراً على تقديم نص "أدبي جميل". خذ مثلاً كلمة "شعرَ" البسيطة جداً. يمكنني ابدالها بكلمة أحسَّ، أدرك، أيقن، فَطِنَ وغيرها، إضافة إلى تنوع استخدام المصدر (الاسم) ذاته، فأقول مثلاً: يعتريني، يخالجني، يراودني، يتملكني، يهيم بي، يحيق بي (شعور). وعلى صعيد ترتيب الجملة، تتيح اللغة الفصيحة العديد من الخيارات البلاغية على عكس العامية. لنأخذ جملة بسيطة مثل: "لاذت الأم بالصمت على الرغم من الألم". بوسعنا القول: لاذت الأم، رغم الألم، بالصمت، ونكتب أيضاً: على الرغم من الألم، لاذت الأم بالصمت. وبمقدورنا القول أيضاً: لاذت الأم بالصمت والألم. مثل هذه المرونة غير متاحة في اللهجة العامية.
خامساً: مع أن حجة كثيرين باللجوء إلى العامية في الحوارات كونها الأقرب إلى الواقع دون تكلف وتسهم في إيصال الفكرة المطلوبة مباشرة، وهو أمر صحيح واتفق معه، لكن استخدام اللغة الفصحى لا أراه تضعيفاً للنص، بل تقوية له، فالقارئ، وهو يطالع رواية، يتوقع نصاً أدبياً "جيداً". أضف إلى ذلك، إن اللغة الفصحى المستخدمة خلال الحوار هي مألوفة جداً للقارئ خاصة مع كثرة الروايات والأعمال الأدبية المترجمة عن اللغات العالمية. هذه الترجمات لو اتخذت اللهجة العامية بدلاً من الفصحى ستكون محل استهجان لدى الجميع. وأخيراً وليس آخر فإن القارئ يركز على الفكرة بينما يبحث العديد من القراء عن اقتباسات جميلة، ولو كانت بالعامية لما كانت محل ترحيب بالنسبة لهم.
سادساً: يرى البعض أن استخدام اللهجة العامية يسهم في نشر هذه اللهجة بين بقية الدول العربية على عكس الفصحى. وهذا أمر مردود، لأن تأثير الرواية في العالم العربي محدود مقارنة مع الأفلام والمسلسلات التي تشاهدها شرائح واسعة من المجتمع. اللهجة المصرية انتشرت بفضل السينما والدراما المصرية، وكذلك اللبنانية، ولم يكن للرواية تلك المساهمة الكبيرة. أضف إلى ذلك أن القارئ العربي يميل إلى أدب/كتّاب بلاده أكثر من بقية الدول العربية في الأعم الأغلب كون المواضيع الأقرب إلى وجدانه. لذلك ليس مستغرباً أن نرى كاتباً مشهوراً في بلده، وغير معروف في بقية الدول العربية لأسباب تتعلق بضعف التوزيع وقلة الأعداد المطبوعة(تطبع عادة ألف نسخة من كل رواية، وهو عدد محدود مقارنة مع عدد سكان الدول العربية- أكثر من 450 مليون نسمة).
سابعاً: اللهجات العامية عديدة ومتنوعة والكثير منها صعبة. حتى في البلد الواحد وربما في المكان الواحد، ثمة أكثر من لهجة يتحدث بها أبناء تلك المنطقة. وجدت الكثير من النصوص المكتوبة باللهجة العامية لا تفسر للقارئ المعنى ولا تشرح له المبغى من هذه الجملة أو تلك (أحياناً يدرج الروائي الشروحات في نهاية العمل). ومثل هذا الأمر يؤثر في سلاسة القراءة. خذ مثلاً كلمة "العِيش" (بكسر العين) فهي تعني في مصر الخبز، وفي دول الخليج يقصد بها الرز ولا أدري معناها في بقية الدول. لو استخدمنا مثلاً الرز/الأرز الفصيحة والمعروفة لدى الجميع، لما التبس المعنى على القارئ.
ثامناً: قد يرى البعض أن اللهجة حالة تطور للغة، وأن اللغة العربية لغة "قديمة" لا تصلح للواقع الحالي، وأقصد به في الحوار بشكل خاص. اللهجة لن تكون بديلاً أبداً عن اللغة، واللغة تتطور طبيعياً لا أن يكون هذا التطور حالة "اجبارية مرغمة عليها". في اللغة الإنجليزية ثمة العشرات من الكلمات الجديدة التي تدخل كل عام وتضاف إلى خزين المفردات. والأمر ينطبق على اللغة العربية التي شهدت دخول مفردات جديدة وأجدها شخصية جميلة وممتعة. لا أرى بأساً في استخدام كلمات مثل "قنفة"، "بيتونة"، "كاروك"، "قفّاص"، "علاّس"، وغيرها من الكثير من المفردات شائعة التداول. وفي المقابل، فإن بعض الكلمات العربية الفصيحة مثل "مندوحة"، "مناص"، "تثريب" لم تعد مستخدمة حتى في النصوص الأدبية المعاصرة.
تاسعاً: القول إن اللغة الفصيحة لا تليق ببعض الشخصيات المدرجة في العمل الروائي، خاصة غير المتعلمين، هو أمر يحمل الكثير من الدقة. الحل يكمن في براعة الروائي، أن يحيك لشخصياته الحوار الذي يليق بخلفية كل واحد وقدراته بطريقة حذقة. الفخ الذي يسقط فيه البعض في منح بعض الشخصيات منزلة أكبر من قدراتها الثقافية، أو يساوي ما بين الشخصيات خلال حديثهم كأنه قد اقتطع جزءاً من حوار كامل ووزعه بينهم غير آبه بالأدوار والخلفيات.
عاشراً: يرى البعض أن استخدام اللغة الفصيحة يحجم من الحوار، وأنا شخصياً أحبذ تقليل الحوار قدر الإمكان وجعله مقتصراً تماماً على ما له علاقة بالأحداث. بعض الحوارات تأخذ صفحات كاملة خلال السرد لكأنها محاضرة من أستاذ لا يريد أحد مقاطعته، وبعض الحوارات مجرد حشو لا فائدة منه سوى إملاء الصفحات. وبوسع الكاتب اللجوء إلى المونولوج (الحوار الذاتي) الذي أراه عنصراً مهماً خاصة عندما تكون الشخصية شاعرة بالخوف من البوح بمكنونات دواخلها أو لا ترى فائدة من الخوض في حديث مع شخصيات لا تتفق مع آرائها، أو حتى للاختصار لاعطاء السرد مساحة أكبر.
هذه مجرد ملاحظات وكما أوضحت في بداية مقالي، قد يتفق ويختلف معي كثيرون، ولكل واحد منا وجه نظر احترمها كثيراً.
وفي هذا المقال أود أن أسلط الضوء على وجهة نظري الداعية إلى عدم استخدام اللهجات العامية في الرواية أو تقنينها بدرجة كبيرة، خاصة بعد ظهور بعض الأعمال المكتوبة بالكامل بها. وهي وجهة نظر شخصية بحتة يختلف معي كثيرون وهذا أمر طبيعي واعتيادي. وهذا الأمر لا يعني عدم استخدام أية كلمة عامية، بل بعض الكلمات والعبارات تضفي جمالية خاصة على النص، لكن استخدام جمل كاملة باللهجة العامية يوهن السرد.
ورأيي هذا يقوم على عدة نقاط من أهمها:
أولاً: إن اللغة العربية، وأقصد بها اللغة الفصحى، منقرضة على صعيد التداول اليومي شفاهياً، ولا يتحدث بها أبناؤها إلا في الأفلام/المسلسلات التاريخية وفي مراكز تعليم اللغة العربية لغير الناطقين بها، إضافة إلى نشرات الأخبار. أما اللغة المكتوبة، فهي مستخدمة على نطاق واسع وتمثل اللغة الرسمية للمؤسسات الحكومية والخاصة وكذلك لشريحة واسعة من أفراد المجتمع. لقد أفضى شيوع اللهجة العامية إلى تحول بعض الفنون الأدبية مثل المسرحية إلى مجرد عروض للضحك والتهريج، بينما يعيش الشعر العربي العمودي والحر في حالة احتضار مقابل قصيدة التفعيلة التي يجب أن تكون مكملة للشعر، لا بديلاً عنه.
ثانياً: إن لغة السرد تحتل جزءاً مهماً من كامل العمل الروائي الطويل نسبياً، حيث تتوزع الرواية ما بين الوصف والسرد والحوار. إن ادراج الحوار باللهجة العامية يؤثر بشكل كبير في جمالية وانسيابية السرد، خاصة أن بعض الفقرات الحوارية تأتي مباشرة بعد صفحات من السرد الجميل والبليغ، مما يجعل منه نصاً مرقعاً.
ثالثاً: اللغة العربية تملك نحواً مميزاً يحمل الكثير من السمات الجمالية والابداعية والبلاغية التي تتيح للكاتب مجالاً رحباً لإظهار قدراته ومعرفته بخبايا وأسرار هذه اللغة العظيمة. اللهجة العامية لا تملك قواعد أو نحواً واضحاً، وبالتالي لا تملك سمات جمالية تجعل القارئ يتأمل بالجمل والعبارات المسرودة بها، فضلاً عن أنها لا تشكل منصة لتمييز قدرة كاتب عن آخر من المهارات اللغوية والسرد الأدبي عن غيره. وحتى على صعيد الكتابة والاملاء، ظهر في اللهجات العامية مثل العراقية عدد من الحروف غير العربية أصلاً، وغير معترف بها ضمن الأبجدية العربية. هذا الأمر يجعل النص المسرود بالعامية هجيناً وغريباً لدى كثير من القراء، خاصة بالنسبة لغير العراقيين.
رابعاً: إلى جانب النحو والقواعد، تملك اللغة الفصيحة بذخاً في المفردات والتراكيب التي تتيح للكاتب حرية الاختيار على عكس العامية، وبذلك يكون قادراً على تقديم نص "أدبي جميل". خذ مثلاً كلمة "شعرَ" البسيطة جداً. يمكنني ابدالها بكلمة أحسَّ، أدرك، أيقن، فَطِنَ وغيرها، إضافة إلى تنوع استخدام المصدر (الاسم) ذاته، فأقول مثلاً: يعتريني، يخالجني، يراودني، يتملكني، يهيم بي، يحيق بي (شعور). وعلى صعيد ترتيب الجملة، تتيح اللغة الفصيحة العديد من الخيارات البلاغية على عكس العامية. لنأخذ جملة بسيطة مثل: "لاذت الأم بالصمت على الرغم من الألم". بوسعنا القول: لاذت الأم، رغم الألم، بالصمت، ونكتب أيضاً: على الرغم من الألم، لاذت الأم بالصمت. وبمقدورنا القول أيضاً: لاذت الأم بالصمت والألم. مثل هذه المرونة غير متاحة في اللهجة العامية.
خامساً: مع أن حجة كثيرين باللجوء إلى العامية في الحوارات كونها الأقرب إلى الواقع دون تكلف وتسهم في إيصال الفكرة المطلوبة مباشرة، وهو أمر صحيح واتفق معه، لكن استخدام اللغة الفصحى لا أراه تضعيفاً للنص، بل تقوية له، فالقارئ، وهو يطالع رواية، يتوقع نصاً أدبياً "جيداً". أضف إلى ذلك، إن اللغة الفصحى المستخدمة خلال الحوار هي مألوفة جداً للقارئ خاصة مع كثرة الروايات والأعمال الأدبية المترجمة عن اللغات العالمية. هذه الترجمات لو اتخذت اللهجة العامية بدلاً من الفصحى ستكون محل استهجان لدى الجميع. وأخيراً وليس آخر فإن القارئ يركز على الفكرة بينما يبحث العديد من القراء عن اقتباسات جميلة، ولو كانت بالعامية لما كانت محل ترحيب بالنسبة لهم.
سادساً: يرى البعض أن استخدام اللهجة العامية يسهم في نشر هذه اللهجة بين بقية الدول العربية على عكس الفصحى. وهذا أمر مردود، لأن تأثير الرواية في العالم العربي محدود مقارنة مع الأفلام والمسلسلات التي تشاهدها شرائح واسعة من المجتمع. اللهجة المصرية انتشرت بفضل السينما والدراما المصرية، وكذلك اللبنانية، ولم يكن للرواية تلك المساهمة الكبيرة. أضف إلى ذلك أن القارئ العربي يميل إلى أدب/كتّاب بلاده أكثر من بقية الدول العربية في الأعم الأغلب كون المواضيع الأقرب إلى وجدانه. لذلك ليس مستغرباً أن نرى كاتباً مشهوراً في بلده، وغير معروف في بقية الدول العربية لأسباب تتعلق بضعف التوزيع وقلة الأعداد المطبوعة(تطبع عادة ألف نسخة من كل رواية، وهو عدد محدود مقارنة مع عدد سكان الدول العربية- أكثر من 450 مليون نسمة).
سابعاً: اللهجات العامية عديدة ومتنوعة والكثير منها صعبة. حتى في البلد الواحد وربما في المكان الواحد، ثمة أكثر من لهجة يتحدث بها أبناء تلك المنطقة. وجدت الكثير من النصوص المكتوبة باللهجة العامية لا تفسر للقارئ المعنى ولا تشرح له المبغى من هذه الجملة أو تلك (أحياناً يدرج الروائي الشروحات في نهاية العمل). ومثل هذا الأمر يؤثر في سلاسة القراءة. خذ مثلاً كلمة "العِيش" (بكسر العين) فهي تعني في مصر الخبز، وفي دول الخليج يقصد بها الرز ولا أدري معناها في بقية الدول. لو استخدمنا مثلاً الرز/الأرز الفصيحة والمعروفة لدى الجميع، لما التبس المعنى على القارئ.
ثامناً: قد يرى البعض أن اللهجة حالة تطور للغة، وأن اللغة العربية لغة "قديمة" لا تصلح للواقع الحالي، وأقصد به في الحوار بشكل خاص. اللهجة لن تكون بديلاً أبداً عن اللغة، واللغة تتطور طبيعياً لا أن يكون هذا التطور حالة "اجبارية مرغمة عليها". في اللغة الإنجليزية ثمة العشرات من الكلمات الجديدة التي تدخل كل عام وتضاف إلى خزين المفردات. والأمر ينطبق على اللغة العربية التي شهدت دخول مفردات جديدة وأجدها شخصية جميلة وممتعة. لا أرى بأساً في استخدام كلمات مثل "قنفة"، "بيتونة"، "كاروك"، "قفّاص"، "علاّس"، وغيرها من الكثير من المفردات شائعة التداول. وفي المقابل، فإن بعض الكلمات العربية الفصيحة مثل "مندوحة"، "مناص"، "تثريب" لم تعد مستخدمة حتى في النصوص الأدبية المعاصرة.
تاسعاً: القول إن اللغة الفصيحة لا تليق ببعض الشخصيات المدرجة في العمل الروائي، خاصة غير المتعلمين، هو أمر يحمل الكثير من الدقة. الحل يكمن في براعة الروائي، أن يحيك لشخصياته الحوار الذي يليق بخلفية كل واحد وقدراته بطريقة حذقة. الفخ الذي يسقط فيه البعض في منح بعض الشخصيات منزلة أكبر من قدراتها الثقافية، أو يساوي ما بين الشخصيات خلال حديثهم كأنه قد اقتطع جزءاً من حوار كامل ووزعه بينهم غير آبه بالأدوار والخلفيات.
عاشراً: يرى البعض أن استخدام اللغة الفصيحة يحجم من الحوار، وأنا شخصياً أحبذ تقليل الحوار قدر الإمكان وجعله مقتصراً تماماً على ما له علاقة بالأحداث. بعض الحوارات تأخذ صفحات كاملة خلال السرد لكأنها محاضرة من أستاذ لا يريد أحد مقاطعته، وبعض الحوارات مجرد حشو لا فائدة منه سوى إملاء الصفحات. وبوسع الكاتب اللجوء إلى المونولوج (الحوار الذاتي) الذي أراه عنصراً مهماً خاصة عندما تكون الشخصية شاعرة بالخوف من البوح بمكنونات دواخلها أو لا ترى فائدة من الخوض في حديث مع شخصيات لا تتفق مع آرائها، أو حتى للاختصار لاعطاء السرد مساحة أكبر.
هذه مجرد ملاحظات وكما أوضحت في بداية مقالي، قد يتفق ويختلف معي كثيرون، ولكل واحد منا وجه نظر احترمها كثيراً.