في تقدير دارسين ومهتمين، السجن هامش ومهمشين وغياهب كان ولا يزال مساحة مصادرة حرية إنسان. وغير خاف أن ما هو سجن وسجناء وشأن يخص المجال، يدخل ضمن ما هو مسكوت عنه اللهم ما هناك من إشارات غير شافية هنا وهناك من نصوص، علما أن السجناء أصناف منهم سجناء فعل سياسي بقدر ما هم غير منسجمين مع سلطة ما بحسب تقديرها بقدر ما هم مغضوب عليهم من قِبلها. وكثيرا ما يجعل هؤلاء من ذاكرتهم آلية سفر لتجاوز عزلتهم وواقعهم بنبش ما يحتويه ماضيهم، فضلاً عما هناك من فعل قراءة وكتابة لاستعادة حس إنساني ورمزية حرية.
إن ما هناك من حياة عصيبة ومعاناة تقف أمام سجناء ومن علاقة لبعضهم ببعض وبإدارتهم وفضائهم الخارجي، هو نتاج عالم اعتقال تتولد عنه ثقافة أدبية تخص سجناء هامش ومعها سبل تعبير. لقد سمح لي قدري المهني أن ألتقي بعدد واسع من السجناء سمعت منهم حكايات عن سجنهم ومأكلهم وعلاجهم وعلاقاتهم بحراس ومربين ومسؤولي عنابر وأحياء ومدراء.. لكن لم يسبق أن اطلعت على كتابتهم أو كتابات عنهم كذا ما ملأ حياتهم من أحداث وظروف.
بهذه الاشارات استهل النقيب عبد الرحيم الجامعي، الرئيس السابق للمرصد المغربي للسجون ومنسق الائتلاف المغربي وشبكة المحاميات والمحامين ضد عقوبة الاعدام، تقديما لمؤلف صدر حديثا عن “مطبعة النجاح الجديدة” بالدار البيضاء، ضمن عن منشورات مركز محمد بن سعيد آيت يدر للأبحاث والدراسات، مؤلف موسوم بـ” أدباء مهمشون في تجربة الكتابة” لصاحبه الأستاذ محمد زيدان، معتقل سياسي سابق أواخر ثمانينات وبداية تسعينات القرن الماضي، مضيفا أن المؤلف استهدف نقل قارئ لعالم واقع بوضعه أمام إنتاج سجناء يعكس تصوراتهم وما يجرى حولهم وفي محيطهم من أحداث. وأن بدقة مستمع وباحث يتمعن الكاتب في ما يُقدّم ويُلقى من روايات وقصائد وغيرها، وعليه، ما هناك من عالم سجن بعادات وتعبير فضلا عن ظلم وحرمان ومعاناة… لقد جمع محمد زيدان تجربتين في مؤلفه -يضيف الأستاذ الجامعي-، تأمله في عالم سجن وهو سجين ثم تأمله فيه وهو طليق حر معتمدا ذاكرة قوية مكنته من شتات ما سمعه، محللا ما هناك من معان وقصد اجتماعي وإنساني. ليبقى السجن قدرة إعادة ما في الإنسان من جانب خلاق كذا مشاعر إحساسه بمعنى الحياة، وكل تعبير من شعر وزجل ورواية داخل المكان ليس سوى تعبير عن حقيقة إنسانية إنسان.
يروم كتاب “أدباء مهمشون في تجربة الكتابة” ليس أدب السجون في حد ذاته، إنما تسليط بعض الضوء على لون آخر من الأدب وهو أدب سجناء حق عام اكتووا بجمر سنوات رصاص بالمغرب، فضلاً عن معاناة من سوء معاملة حراس يفتقرون لما ينبغي من تواصل مع معتقلين هم في نظرهم مجرمون، وهو ما قاومه السجناء -يقول المؤلف- أحيانا كثيرة بعصيانهم وهجومهم على حراس واضرابهم عن طعام وضربهم لذاتهم بشفرات. فضلاً عما لجأ إليه هؤلاء من سبل تعبير يمكن نعته بأدب هامش. وهو ما حضر في الكتاب من قصائد ومرويات وحِكم تم جمعها وتحليلها وفق نهج جمع بين ما هو نفسي واجتماعي وتاريخي، لقراءة فترة خاصة من زمن مغرب راهن وسد جانب مما لحق ذاكرة البلاد من خلل، مع أهمية الإشارة -يضيف المؤلف- إلى أن ما ورد في هذا العمل مجرد مدخل لدراسات في أفق رصيد نقدي يخص الكتابة السجنية كمجال.
“أدباء مهمشون في تجربة الكتابة” للأستاذ محمد زيدان مؤلَّف بفصلين، الأول منهما عنونه بـ”سجن سيدي سعيد بمكناس” وتوجه فيه للتعريف بفضاء شكل مصدر متون أدب سجني اشتغل عليها الباحث، فأورد أنه بباب ضخمة “الباب الكحلة” محاط بسور عال شائك بأبراج مراقبة أربعة “غاريطات” يفصل بينه وبين السجن ممر دائري “شمان روند”، يليه باب ثان “الديوانة”، يتم فيه تفتيش كل سجين جديد. على يمينه ما يسمى بـ”الݣريفي” ويضم مكان أخذ صور سجناء جدد مع مكتب مدير وآخر لشؤون اجتماعية. يمين هذا الباب هناك “باب زيارة” خاص بالسجناء وباب حي للنساء، على يساره مطبخ وفرن كذا “فورييه” وهو مكان تسلم السجناء لملابس وأغطية وأواني. فضلا عما أورده حول “ديوانة ثانية” يوجد يسارها حمام وجناح “ديطانسيو” وهو مكان احتجاز مكون من عنابر وزنازن، إلى جانب جناح مخازن بباب حديدي على يمينه مكتب رئيس معقل وحلاق وعلى يساره “باب الساحة”، وأمامه باب عنابر يفصل بينها ممر يسمى “الكروا”، وفي أقصى العنابر والزنازن توجد “كاشويات” حيث عزل انفرادي لسجناء عقابا لهم على ما ارتكبوه من مخالفات جسيمة.
ولعل الأدب السجنى بالمغرب لم يحض بما هو شاف من اهتمام باحثين ونقاد -يقول المؤلف-، مشيرا إلى أن من انفتح عليه اقتصرت كتاباته على إبداعات معتقلين سياسيين من قبيل عبد اللطيف اللعبي وعبد القادر الشاوي وجواد مديدش وصلاح الوديع وعبد الله زريقة وفاطنة البيه وسعيدة المنبهي وغيرهم، وهي كتابات حكت ما تعرض له هؤلاء من اعتقال ومحاكمات وعذابات، فضلا عما حصل من اهتمام بهذا الجنس الأدبي من خلال ما كتبه ناجون من جحيم تازمامارت كما الشأن بالنسبة لكتابات محمد الرايس وأحمد المرزوقي وهي سير ذاتية أو سير غيرية أو مذكرات أو يوميات، في حين لم يهتم أحد بمساحات أخرى تخص إبداعات سجناء “حق عام” لم تكن لهم أية علاقة بالاعتقال السياسي. وهو ما توجه إليه الأستاذ محمد زيدان بالتحليل من خلال نصوص تغنى بها السجناء، مع إبراز ما طبع هذا الجنس الإبداعي من خصائص تيمة ولغة.
يذكر المؤلف أن ما تناوله بتحليله في مؤلفه همَّ قصائد ظلت تجوب سجون البلاد، علما أنها قصائد بدون مؤلف محدد ولا ناظم معين فقد يبدأ أحد السجناء مقطعا ويتممه آخر وقد تنشد فردياً وجماعياً، تجاوزا تسمى “قصائد” بقدر ما هي غير خاضعة لنظام شعر عمودي ولا لقصيدة تفعيلة أو نثر أو شعر حر ولا لمواصفات زجل، بقدر ما هي بمنطق داخلي وخاصيات تعبير وتزيين (جناس وطباق وقافية وروي..). استهدفت ما هو تغن وتسلية وترويح ببث شكوى وحزن كذا وصف معاناة سجن، وبصيغة أخرى هي حكايات وسير ذاتية صيغت في قالب شعري.
لم يتطرق الباحث لما كتبه سجناء الحق العام من قصص وروايات واشعار وخواطر، فقط بعض مما تم جمعه من قصائد أصلية أثناء احتكاكه وتفاعله، وهي كتابات جمعت بين حكي وقصة و”سكيتشات” ونقل أفلام لِما هو سمعي. حيث كانت للراوي مكانة خاصة داخل فضاء “العنبر” بوجود مكان نومه وسطه وهذا امتياز كبير، وتظهر مكانته بعد تناول وجبة العشاء وإطفاء الأنوار ليبدأ بسرد حكاياته. ويقدم المؤلف نموذجا لمقدمة إحدى القصص التي كان يستهل بها الراوي أمسيته فيقول: “هْنَا اللِّي كَانْشُوفُو وَاحْدْ الْغْبَار وتْعْلاّ وْتْنَاثْرْ وْسَدْ مَنَافِذً الأَقْطَارْ، هْنَا اللّي كَيْتْكَاشْفْ هَاذْ الْغْبَارْ وْتَايْبَانْ مَنْ تَحْتُو جِيش جَرّارْ مَالُو عْبَارْ، كَيْتْقَدْمْهُم فَارِس رَاكْبْ عْلَى جَوَادْ أَدْهَمْ كَأَنّهُ الأسَد ْيَتَكَلّمْ اللِّي صَالْ وْجَالْ فْسَاحْةْ الْمِيدَانْ، هْنَا اللّي قْرْعَاتْ طَبُولْ الانْفِصَالْ وْصْبَحْ هاذْ الصْبَاحْ ورْبْنَا ْفتَّاحْ من صلى على النبي يربح هاذ الفارس كَيْتْحْمَا بْالْيَمِيينْ دْيَالُو بْالأنْضَهُوقْ وْالأَصْفَهَانْ الضَّرَبَانْدِي وَعُرْوَة بْنُ الوَرْدْ وْعَلَى الْيَسَار ْدْيَالُو بْمَيسِرَة وْالْغْضْبَانْ وْشَابِكْ الثّلاَثْ وَأَبْ الأشْبَالْ”.
خلط بين دارجة وفصحى وبين زمن عنترة وعروة بن الورد، والراوي يقدم كل ذلك بأسلوب قصصي مشوق وقد يتوقف من حين لآخر ليطلب من مستمعيه أن “يقرقبو سوارت الربح” أي التصفيق تشجيعا له أو يصلوا على النبي، وإذا اكتشف أن عدد متتبعيه بدأ يقل يسكت عن الكلام ويطلب منهم النوم على أساس إتمام حكايته في ليلة موالية، هذا مقابل ما يجودون به عليه من سجائر وأكل. وكانت السينما حاضرة داخل فضاء العنابر -يضيف- من خلال قدرة بعض السجناء على نقل الأفلام من البصري للسمعي بدقة تصوير عجيب تشعر المتلقي وكأنه في قاعة عرض يتابع فيلماً.
ومن الأفلام التي كان يرويها السجناء فيلم الفراشة الأمريكي Papillon الذي يحكي تجربة فرار من السجن، وفيلم Andhaa Kaanoon “القانون الأعمى” وفيلم “دوستي الصداقة” وفيلم “شعلة” الهنديان، وغالبا ما يكون الراوي قد شاهد الفيلم أكثر من مرة وترسخ في ذهنه مما يجعله يصف أدق تفاصيله، ومن السجناء من كان إذا وصل لأحد المقاطع الغنائية يؤديها بالهندية، وجلها أفلام تحكي عن ظلم وسجن ومغامرات. وكان الراوي يتوقف عن حكيه ويطلب من السجناء النوم حتى ليلة موالية، غير أنه كثيراً ما كان السجناء يصرون على إتمام الحكي، فيتدخل رئيس العنبر ليطلب منه الاستمرار حيث يطلب الراوي “إيقاظ من يسمع شخيرهم الذي يشوش على وصول صوته إلى الآخرين، لكنه إذا شعر بأن أغلب السجناء داهمهم النوم يتوقف عن الحكي، أحياناً كانت تتخلله وقفات خاصة عند نشوب صراع بين سجناء أو بدأ أحدهم يتحدث بصوت مسموع، وقد يستمر الراوي في سرد مجريات الفيلم لمدة أسبوع. كانت تجربة السينما السمعية -يقول المؤلف- رائعة مشوقة تطلق عنان الخيال للراوي والمتلقي على حد سواء، فكانت أفضل وسيلة للترفيه وتزجية الوقت.
وفضلا عن عنتريات وروايات وسينما، هناك حِكم كانت تروى قصة (أحمد يْدِّي – أحمد يدي – أحمد ما يْدِّيشْ)، معناه أحمد يأخذ أي أن اللصوص يعرفون بعضهم البعض لأن كل سجين يعتبر نفسه بريئا لا يرغب في الاعتراف بجرمه “كُلْ وَاحْد مْوَسَّدْ مْونْتِيفُو” معناه كل سجين يتوسد جريمته، بمعنى كل سجين ينام وجريمته تحت وسادته أي: ينام وسره تحت وسادته، لكن بعد مرور الزمن يعترف بجريمته وتصبح قصة تروى من أجل تزجية الوقت وهناك أيضاً قصة مدينة الأموات وهي عبارة عن خاطرة: “مْدِينَةْ الْاَمْواتْ حَيْ الرَّحْمَة شْنَابَرْ عامْرَة كُلْها زَحْمَة إَلَى بْغِيتي تْدِيرْ الرِّجيمْ وْلاَّ تْطِيَّحْ الشَّحْمَة، كُلْمَا تْحَلْ بابْ تْسَدُّو بِيبَانْ، تْشوفْ الْحارِسْ ثَايِرْ والسُّورْ سايَرْ دايَرْ، تشوف الْمَظْلوم حايَرْ مَا عَارَفْ مَا دَايَرْ، لاَ تْسالْ عْلى الحَياةْ في مْدينَةْ الامْواتْ، وْمَا هَذَا إِلاَّ عُنْوانْ وَتَبْقَى الْحْكَايَة. مِيّتْ وْأَنَا حِيْ قَبْلو عْزايا، أرْبْعَة فُصولْ في السَّنَة والفَصْلْ الْخامْسْ هُوٓ الزَّنْزَانَة، النَّاسْ مَظْلوُمَة كَاتَطْلَبْ مُولانا خُويَا الْمَسْجُون اللهْ مْعَانَا”. مدينة الأموات حي الرجمة غرف ممتلئة مكتظة إذا أردت أن تخس من وزنك أو تشفط الشحوم، كل ما فتح باب أغلقت أبواب لا تسأل عن الحياة في مدينة الأموات وما هذا إلا عنوان وتبقى الحكاية مستمرة، أعيش ميتا في صفة حي فتقبلوا العزاء بعد موتي، فالسنة أربعة فصول والفصل الخامس هو الزنزانة، المظلومون في السجون يناجون ربهم، أخي السجين إن الله معنا. قصة تحكي وضع السجن من معاناة وحرمان وظلم يتكبده السجناء جراء اكتظاظ وسوء تغذية فضلاً عما هناك من احتقار ونظرة دونية لهم، ومع ذلك هم مجبرون على التعايش في ما بينهم متطلعين إلى الرحمة بإطلاق اسم الرحمة على الحي الذي يسكنونه، فالسجناء أعطوا لكل حي داخل السجن اسما عوض الحروف التي تطلق على أحياء السجن (حي أ، حي ب.)
في فصل ثان معنون بـ” تحليل متن ويا لما نفي” أورد الباحث في مؤلفه نماذج قصائد على قدر كبير من الرمزية، قصائد عن أمكنة سجنية من البلاد جاءت عناوينها بمثابة مفاتيح تبدأ بتحديد زمن اعتقال في علاقة بما هو قانوني إنساني واجتماعي، منها نذكر “ويا لما نفي” و”أختي السعدية” و”مارويلا” و”صباح العيد” و”الْحَبْسْ يَا ﻠْﺣْﯖَارْ” و”الليلة الليلة يابانا” وغيرها، مع أهمية الإشارة إلى أن الباحث خصص لكل قصيدة معجم خاص بها كذا قراءة تحليلية لمكوناتها. وتأتي معالجة التيمات السجنية -يقول المؤلف- لضبط موضوعات كبرى وأخرى فرعية، وما يدور في فلكها من معان أملتها طبيعة نصوص. وأن ما هناك من تيمات وتجارب تشكل حقلا مفهوميا يعبر عن رؤية السجين لذاته وللمجتمع. ولعل الحقل المعجمي هو بصلة وثيقة بالتيمة الموضوعة، ذلك أنه بعد جرد النصوص وفرزها يتم تصنيفها وفق تيمات محددة بوصفها عنصرا رابطا محركا يسمح باختراق العمل الأدبي الداخلية في اتجاهات عدة، وما دام حيز الدراسة -يضيف- لا يتسع للوقوف على كل التيمات التي يتكون منها مجموع شعر التجربة السجنية لكثافتها وامتداد قاعدتها وتقاطعها، تم الاكتفاء في هذا العمل بمقاربة نماذج بارزة من قبيل تيمة “البكاء”، “تيمة التعذيب”، “تيمة الزمن”، “تيمة الغربة” وغيرها.
وبقدر ما كشفت تجربة سجن في بعدها الإبداعي -يقول المؤلف- عن جوانب فنية بسيطة، بقدر ما تلمست قضايا اجتماعية إنسانية ونفسية في قالب فني بمقومات جمال وابداع. ولعل الهدف من العمل لم يكن تجربة سجنية بعينها ولا واقع مؤسسة ما خلال فترة ما عرف بسنوات رصاص، بل إعطاء مجال ما يستحق من إنصات عبر ما ينبغي من انفتاح على أدب سجناء حق عام..، إنه محكي في صيغ إبداع شكل متخيل عماده متخيل ومادته أمثال مما أعطاه نبضاً وحياة أخرى في ذاكرة معتقلين. مع أهمية الإشارة إلى أن “أدباء مهمشون في تجربة الكتابة” تأسس على نهج اعتمد نتائج حقول علم نفس وتاريخ وسيسيولوجيا، لإدراك مغزى نصوص عتمة سجون، لا تلبث أن ترحل من فضاء سجني لآخر حتى باتت محكيا مشتركا متداولا بين السجناء. وإذا كان لا عجب أن يكون السجن بهذا الغنى التعبيري، فإن الكتاب بقدر ما هو وعاء شهادةٍ وتجربة بقدر ما يشكل مرجعا بأهميةٍ رمزيةٍ تجاه زمن ومكان وبلادٍ وعباد، إلى حين مزيد من بحث ودراسة لمزيد من فائدة وحقيقة وتأسيس وإغناء.
يبقى مؤلَّف “أدباء مهمشون في تجربة الكتابة” لصاحبه محمد زيدان، بقدر ما يشكل قيمة مضافة هامة لفائدة خزانة المغرب الأدبية السجنية ولبنة مشترك رمزي عن الفضاء السجني في مغرب الاستقلال، بقدر ما لم يكن هاجسه حديثا عن فترة بعينها بل التفات أكثر لرفع ظلم ومعاناة عن نزلاء ضمن ما هناك من رهان وما ينبغي من أمل وحقوق مواطنةٍ وكرامةِ مواطن.
إن ما هناك من حياة عصيبة ومعاناة تقف أمام سجناء ومن علاقة لبعضهم ببعض وبإدارتهم وفضائهم الخارجي، هو نتاج عالم اعتقال تتولد عنه ثقافة أدبية تخص سجناء هامش ومعها سبل تعبير. لقد سمح لي قدري المهني أن ألتقي بعدد واسع من السجناء سمعت منهم حكايات عن سجنهم ومأكلهم وعلاجهم وعلاقاتهم بحراس ومربين ومسؤولي عنابر وأحياء ومدراء.. لكن لم يسبق أن اطلعت على كتابتهم أو كتابات عنهم كذا ما ملأ حياتهم من أحداث وظروف.
بهذه الاشارات استهل النقيب عبد الرحيم الجامعي، الرئيس السابق للمرصد المغربي للسجون ومنسق الائتلاف المغربي وشبكة المحاميات والمحامين ضد عقوبة الاعدام، تقديما لمؤلف صدر حديثا عن “مطبعة النجاح الجديدة” بالدار البيضاء، ضمن عن منشورات مركز محمد بن سعيد آيت يدر للأبحاث والدراسات، مؤلف موسوم بـ” أدباء مهمشون في تجربة الكتابة” لصاحبه الأستاذ محمد زيدان، معتقل سياسي سابق أواخر ثمانينات وبداية تسعينات القرن الماضي، مضيفا أن المؤلف استهدف نقل قارئ لعالم واقع بوضعه أمام إنتاج سجناء يعكس تصوراتهم وما يجرى حولهم وفي محيطهم من أحداث. وأن بدقة مستمع وباحث يتمعن الكاتب في ما يُقدّم ويُلقى من روايات وقصائد وغيرها، وعليه، ما هناك من عالم سجن بعادات وتعبير فضلا عن ظلم وحرمان ومعاناة… لقد جمع محمد زيدان تجربتين في مؤلفه -يضيف الأستاذ الجامعي-، تأمله في عالم سجن وهو سجين ثم تأمله فيه وهو طليق حر معتمدا ذاكرة قوية مكنته من شتات ما سمعه، محللا ما هناك من معان وقصد اجتماعي وإنساني. ليبقى السجن قدرة إعادة ما في الإنسان من جانب خلاق كذا مشاعر إحساسه بمعنى الحياة، وكل تعبير من شعر وزجل ورواية داخل المكان ليس سوى تعبير عن حقيقة إنسانية إنسان.
يروم كتاب “أدباء مهمشون في تجربة الكتابة” ليس أدب السجون في حد ذاته، إنما تسليط بعض الضوء على لون آخر من الأدب وهو أدب سجناء حق عام اكتووا بجمر سنوات رصاص بالمغرب، فضلاً عن معاناة من سوء معاملة حراس يفتقرون لما ينبغي من تواصل مع معتقلين هم في نظرهم مجرمون، وهو ما قاومه السجناء -يقول المؤلف- أحيانا كثيرة بعصيانهم وهجومهم على حراس واضرابهم عن طعام وضربهم لذاتهم بشفرات. فضلاً عما لجأ إليه هؤلاء من سبل تعبير يمكن نعته بأدب هامش. وهو ما حضر في الكتاب من قصائد ومرويات وحِكم تم جمعها وتحليلها وفق نهج جمع بين ما هو نفسي واجتماعي وتاريخي، لقراءة فترة خاصة من زمن مغرب راهن وسد جانب مما لحق ذاكرة البلاد من خلل، مع أهمية الإشارة -يضيف المؤلف- إلى أن ما ورد في هذا العمل مجرد مدخل لدراسات في أفق رصيد نقدي يخص الكتابة السجنية كمجال.
“أدباء مهمشون في تجربة الكتابة” للأستاذ محمد زيدان مؤلَّف بفصلين، الأول منهما عنونه بـ”سجن سيدي سعيد بمكناس” وتوجه فيه للتعريف بفضاء شكل مصدر متون أدب سجني اشتغل عليها الباحث، فأورد أنه بباب ضخمة “الباب الكحلة” محاط بسور عال شائك بأبراج مراقبة أربعة “غاريطات” يفصل بينه وبين السجن ممر دائري “شمان روند”، يليه باب ثان “الديوانة”، يتم فيه تفتيش كل سجين جديد. على يمينه ما يسمى بـ”الݣريفي” ويضم مكان أخذ صور سجناء جدد مع مكتب مدير وآخر لشؤون اجتماعية. يمين هذا الباب هناك “باب زيارة” خاص بالسجناء وباب حي للنساء، على يساره مطبخ وفرن كذا “فورييه” وهو مكان تسلم السجناء لملابس وأغطية وأواني. فضلا عما أورده حول “ديوانة ثانية” يوجد يسارها حمام وجناح “ديطانسيو” وهو مكان احتجاز مكون من عنابر وزنازن، إلى جانب جناح مخازن بباب حديدي على يمينه مكتب رئيس معقل وحلاق وعلى يساره “باب الساحة”، وأمامه باب عنابر يفصل بينها ممر يسمى “الكروا”، وفي أقصى العنابر والزنازن توجد “كاشويات” حيث عزل انفرادي لسجناء عقابا لهم على ما ارتكبوه من مخالفات جسيمة.
ولعل الأدب السجنى بالمغرب لم يحض بما هو شاف من اهتمام باحثين ونقاد -يقول المؤلف-، مشيرا إلى أن من انفتح عليه اقتصرت كتاباته على إبداعات معتقلين سياسيين من قبيل عبد اللطيف اللعبي وعبد القادر الشاوي وجواد مديدش وصلاح الوديع وعبد الله زريقة وفاطنة البيه وسعيدة المنبهي وغيرهم، وهي كتابات حكت ما تعرض له هؤلاء من اعتقال ومحاكمات وعذابات، فضلا عما حصل من اهتمام بهذا الجنس الأدبي من خلال ما كتبه ناجون من جحيم تازمامارت كما الشأن بالنسبة لكتابات محمد الرايس وأحمد المرزوقي وهي سير ذاتية أو سير غيرية أو مذكرات أو يوميات، في حين لم يهتم أحد بمساحات أخرى تخص إبداعات سجناء “حق عام” لم تكن لهم أية علاقة بالاعتقال السياسي. وهو ما توجه إليه الأستاذ محمد زيدان بالتحليل من خلال نصوص تغنى بها السجناء، مع إبراز ما طبع هذا الجنس الإبداعي من خصائص تيمة ولغة.
يذكر المؤلف أن ما تناوله بتحليله في مؤلفه همَّ قصائد ظلت تجوب سجون البلاد، علما أنها قصائد بدون مؤلف محدد ولا ناظم معين فقد يبدأ أحد السجناء مقطعا ويتممه آخر وقد تنشد فردياً وجماعياً، تجاوزا تسمى “قصائد” بقدر ما هي غير خاضعة لنظام شعر عمودي ولا لقصيدة تفعيلة أو نثر أو شعر حر ولا لمواصفات زجل، بقدر ما هي بمنطق داخلي وخاصيات تعبير وتزيين (جناس وطباق وقافية وروي..). استهدفت ما هو تغن وتسلية وترويح ببث شكوى وحزن كذا وصف معاناة سجن، وبصيغة أخرى هي حكايات وسير ذاتية صيغت في قالب شعري.
لم يتطرق الباحث لما كتبه سجناء الحق العام من قصص وروايات واشعار وخواطر، فقط بعض مما تم جمعه من قصائد أصلية أثناء احتكاكه وتفاعله، وهي كتابات جمعت بين حكي وقصة و”سكيتشات” ونقل أفلام لِما هو سمعي. حيث كانت للراوي مكانة خاصة داخل فضاء “العنبر” بوجود مكان نومه وسطه وهذا امتياز كبير، وتظهر مكانته بعد تناول وجبة العشاء وإطفاء الأنوار ليبدأ بسرد حكاياته. ويقدم المؤلف نموذجا لمقدمة إحدى القصص التي كان يستهل بها الراوي أمسيته فيقول: “هْنَا اللِّي كَانْشُوفُو وَاحْدْ الْغْبَار وتْعْلاّ وْتْنَاثْرْ وْسَدْ مَنَافِذً الأَقْطَارْ، هْنَا اللّي كَيْتْكَاشْفْ هَاذْ الْغْبَارْ وْتَايْبَانْ مَنْ تَحْتُو جِيش جَرّارْ مَالُو عْبَارْ، كَيْتْقَدْمْهُم فَارِس رَاكْبْ عْلَى جَوَادْ أَدْهَمْ كَأَنّهُ الأسَد ْيَتَكَلّمْ اللِّي صَالْ وْجَالْ فْسَاحْةْ الْمِيدَانْ، هْنَا اللّي قْرْعَاتْ طَبُولْ الانْفِصَالْ وْصْبَحْ هاذْ الصْبَاحْ ورْبْنَا ْفتَّاحْ من صلى على النبي يربح هاذ الفارس كَيْتْحْمَا بْالْيَمِيينْ دْيَالُو بْالأنْضَهُوقْ وْالأَصْفَهَانْ الضَّرَبَانْدِي وَعُرْوَة بْنُ الوَرْدْ وْعَلَى الْيَسَار ْدْيَالُو بْمَيسِرَة وْالْغْضْبَانْ وْشَابِكْ الثّلاَثْ وَأَبْ الأشْبَالْ”.
خلط بين دارجة وفصحى وبين زمن عنترة وعروة بن الورد، والراوي يقدم كل ذلك بأسلوب قصصي مشوق وقد يتوقف من حين لآخر ليطلب من مستمعيه أن “يقرقبو سوارت الربح” أي التصفيق تشجيعا له أو يصلوا على النبي، وإذا اكتشف أن عدد متتبعيه بدأ يقل يسكت عن الكلام ويطلب منهم النوم على أساس إتمام حكايته في ليلة موالية، هذا مقابل ما يجودون به عليه من سجائر وأكل. وكانت السينما حاضرة داخل فضاء العنابر -يضيف- من خلال قدرة بعض السجناء على نقل الأفلام من البصري للسمعي بدقة تصوير عجيب تشعر المتلقي وكأنه في قاعة عرض يتابع فيلماً.
ومن الأفلام التي كان يرويها السجناء فيلم الفراشة الأمريكي Papillon الذي يحكي تجربة فرار من السجن، وفيلم Andhaa Kaanoon “القانون الأعمى” وفيلم “دوستي الصداقة” وفيلم “شعلة” الهنديان، وغالبا ما يكون الراوي قد شاهد الفيلم أكثر من مرة وترسخ في ذهنه مما يجعله يصف أدق تفاصيله، ومن السجناء من كان إذا وصل لأحد المقاطع الغنائية يؤديها بالهندية، وجلها أفلام تحكي عن ظلم وسجن ومغامرات. وكان الراوي يتوقف عن حكيه ويطلب من السجناء النوم حتى ليلة موالية، غير أنه كثيراً ما كان السجناء يصرون على إتمام الحكي، فيتدخل رئيس العنبر ليطلب منه الاستمرار حيث يطلب الراوي “إيقاظ من يسمع شخيرهم الذي يشوش على وصول صوته إلى الآخرين، لكنه إذا شعر بأن أغلب السجناء داهمهم النوم يتوقف عن الحكي، أحياناً كانت تتخلله وقفات خاصة عند نشوب صراع بين سجناء أو بدأ أحدهم يتحدث بصوت مسموع، وقد يستمر الراوي في سرد مجريات الفيلم لمدة أسبوع. كانت تجربة السينما السمعية -يقول المؤلف- رائعة مشوقة تطلق عنان الخيال للراوي والمتلقي على حد سواء، فكانت أفضل وسيلة للترفيه وتزجية الوقت.
وفضلا عن عنتريات وروايات وسينما، هناك حِكم كانت تروى قصة (أحمد يْدِّي – أحمد يدي – أحمد ما يْدِّيشْ)، معناه أحمد يأخذ أي أن اللصوص يعرفون بعضهم البعض لأن كل سجين يعتبر نفسه بريئا لا يرغب في الاعتراف بجرمه “كُلْ وَاحْد مْوَسَّدْ مْونْتِيفُو” معناه كل سجين يتوسد جريمته، بمعنى كل سجين ينام وجريمته تحت وسادته أي: ينام وسره تحت وسادته، لكن بعد مرور الزمن يعترف بجريمته وتصبح قصة تروى من أجل تزجية الوقت وهناك أيضاً قصة مدينة الأموات وهي عبارة عن خاطرة: “مْدِينَةْ الْاَمْواتْ حَيْ الرَّحْمَة شْنَابَرْ عامْرَة كُلْها زَحْمَة إَلَى بْغِيتي تْدِيرْ الرِّجيمْ وْلاَّ تْطِيَّحْ الشَّحْمَة، كُلْمَا تْحَلْ بابْ تْسَدُّو بِيبَانْ، تْشوفْ الْحارِسْ ثَايِرْ والسُّورْ سايَرْ دايَرْ، تشوف الْمَظْلوم حايَرْ مَا عَارَفْ مَا دَايَرْ، لاَ تْسالْ عْلى الحَياةْ في مْدينَةْ الامْواتْ، وْمَا هَذَا إِلاَّ عُنْوانْ وَتَبْقَى الْحْكَايَة. مِيّتْ وْأَنَا حِيْ قَبْلو عْزايا، أرْبْعَة فُصولْ في السَّنَة والفَصْلْ الْخامْسْ هُوٓ الزَّنْزَانَة، النَّاسْ مَظْلوُمَة كَاتَطْلَبْ مُولانا خُويَا الْمَسْجُون اللهْ مْعَانَا”. مدينة الأموات حي الرجمة غرف ممتلئة مكتظة إذا أردت أن تخس من وزنك أو تشفط الشحوم، كل ما فتح باب أغلقت أبواب لا تسأل عن الحياة في مدينة الأموات وما هذا إلا عنوان وتبقى الحكاية مستمرة، أعيش ميتا في صفة حي فتقبلوا العزاء بعد موتي، فالسنة أربعة فصول والفصل الخامس هو الزنزانة، المظلومون في السجون يناجون ربهم، أخي السجين إن الله معنا. قصة تحكي وضع السجن من معاناة وحرمان وظلم يتكبده السجناء جراء اكتظاظ وسوء تغذية فضلاً عما هناك من احتقار ونظرة دونية لهم، ومع ذلك هم مجبرون على التعايش في ما بينهم متطلعين إلى الرحمة بإطلاق اسم الرحمة على الحي الذي يسكنونه، فالسجناء أعطوا لكل حي داخل السجن اسما عوض الحروف التي تطلق على أحياء السجن (حي أ، حي ب.)
في فصل ثان معنون بـ” تحليل متن ويا لما نفي” أورد الباحث في مؤلفه نماذج قصائد على قدر كبير من الرمزية، قصائد عن أمكنة سجنية من البلاد جاءت عناوينها بمثابة مفاتيح تبدأ بتحديد زمن اعتقال في علاقة بما هو قانوني إنساني واجتماعي، منها نذكر “ويا لما نفي” و”أختي السعدية” و”مارويلا” و”صباح العيد” و”الْحَبْسْ يَا ﻠْﺣْﯖَارْ” و”الليلة الليلة يابانا” وغيرها، مع أهمية الإشارة إلى أن الباحث خصص لكل قصيدة معجم خاص بها كذا قراءة تحليلية لمكوناتها. وتأتي معالجة التيمات السجنية -يقول المؤلف- لضبط موضوعات كبرى وأخرى فرعية، وما يدور في فلكها من معان أملتها طبيعة نصوص. وأن ما هناك من تيمات وتجارب تشكل حقلا مفهوميا يعبر عن رؤية السجين لذاته وللمجتمع. ولعل الحقل المعجمي هو بصلة وثيقة بالتيمة الموضوعة، ذلك أنه بعد جرد النصوص وفرزها يتم تصنيفها وفق تيمات محددة بوصفها عنصرا رابطا محركا يسمح باختراق العمل الأدبي الداخلية في اتجاهات عدة، وما دام حيز الدراسة -يضيف- لا يتسع للوقوف على كل التيمات التي يتكون منها مجموع شعر التجربة السجنية لكثافتها وامتداد قاعدتها وتقاطعها، تم الاكتفاء في هذا العمل بمقاربة نماذج بارزة من قبيل تيمة “البكاء”، “تيمة التعذيب”، “تيمة الزمن”، “تيمة الغربة” وغيرها.
وبقدر ما كشفت تجربة سجن في بعدها الإبداعي -يقول المؤلف- عن جوانب فنية بسيطة، بقدر ما تلمست قضايا اجتماعية إنسانية ونفسية في قالب فني بمقومات جمال وابداع. ولعل الهدف من العمل لم يكن تجربة سجنية بعينها ولا واقع مؤسسة ما خلال فترة ما عرف بسنوات رصاص، بل إعطاء مجال ما يستحق من إنصات عبر ما ينبغي من انفتاح على أدب سجناء حق عام..، إنه محكي في صيغ إبداع شكل متخيل عماده متخيل ومادته أمثال مما أعطاه نبضاً وحياة أخرى في ذاكرة معتقلين. مع أهمية الإشارة إلى أن “أدباء مهمشون في تجربة الكتابة” تأسس على نهج اعتمد نتائج حقول علم نفس وتاريخ وسيسيولوجيا، لإدراك مغزى نصوص عتمة سجون، لا تلبث أن ترحل من فضاء سجني لآخر حتى باتت محكيا مشتركا متداولا بين السجناء. وإذا كان لا عجب أن يكون السجن بهذا الغنى التعبيري، فإن الكتاب بقدر ما هو وعاء شهادةٍ وتجربة بقدر ما يشكل مرجعا بأهميةٍ رمزيةٍ تجاه زمن ومكان وبلادٍ وعباد، إلى حين مزيد من بحث ودراسة لمزيد من فائدة وحقيقة وتأسيس وإغناء.
يبقى مؤلَّف “أدباء مهمشون في تجربة الكتابة” لصاحبه محمد زيدان، بقدر ما يشكل قيمة مضافة هامة لفائدة خزانة المغرب الأدبية السجنية ولبنة مشترك رمزي عن الفضاء السجني في مغرب الاستقلال، بقدر ما لم يكن هاجسه حديثا عن فترة بعينها بل التفات أكثر لرفع ظلم ومعاناة عن نزلاء ضمن ما هناك من رهان وما ينبغي من أمل وحقوق مواطنةٍ وكرامةِ مواطن.