توجد قضية حساسة في المجال الروائي على وجه التحديد، فعادة الحكاية الناتجة من حبكة، تتطور احداثها سردا بتلازم شديد، وهنا تسير مجمل ابعاد الحكاية نحو النتيجة وان مرت بمنعرجات جانبية، والمنعرج غير المنعطف، حيث اذا قلنا ان الانعطاف الذي هو سياق تقليدي ويعني هناك خيط نهاية او قطع طويل الامد تقريبا، لكن الانعراج يعني توجه الى مسار جانبي ومن ثم عودة الى المسار العام.
وقد عرفت المنعرج بانه سياق السياقات الذي لا يقف عند حدود مسار جانبي، بل يؤهل مضمونه الثانوي للتمظهر، والمنعطف سياق من سياقات الحبكة، حيث ان تطور الحدث بانسيابية واقعية عادة، ولا تتيح هنا الحبكة لمقطع الوصف خلخلتها وطبعا تدرج الحكاية هنا في اطار واقع حقيقي، وأن امتد المقطع الوصفي الى حد مؤثر، يكون لزمنه المائع تأثيره الحساس، ويؤكد جان ريكاردو (ان التقاء الحكاية والوصف يتمثل وكأنه واقعة قد قطعها " اللازمني"،واذا ما اثقل الوصف الحكاية بعبء ذي تفاصيل عديدة ، فهذا يعني انه يجعلها تدفع الثمن باهظا ) ومن المؤكد سيصيب كيان الحكاية صدعا، اما ان كان بدل الحبكة قصة تتيح للحاكية التوسع جابيا، ويمكنها أن تكون متينة امام مقطع الوصف ، بل يمكن للوصف تبرير الوهم الواقعي وتحطيم شكله ورسمه بشكل جديد فيه اثارة وادهاش، وصراحة الرواية الفرنسية الجديدة وضعت فكرة بناء حكاية بحبكة حلفها ، كونها تتوافق الحبكة قدية لا تتوافق مع لغة العصر وتتوافق مع عصورها المنصرمة ، وفي الجزء الثاني من كتاب الرواية الفرنسية الجديدة جاء ما يؤكد اختلاف مناسيب الوصف بعد تكامل صيرورة الرواية الجديدة والفرنسية على وجه الخصوص ( الواقع ان التوازن المألوف بين السرد والوصف لا وجود له في الرواية الجديدة ، علاوة على ان الوصف لم يعد كما كان في السابق)1 ، ومهم جدا ان يكون الوصف دقيقا ومحددا، ولا يكون بعمق يبتعد بالمعنى العام ويبهت ملامح، وطبيعي اليوم الوصف وجهة نظر الشخوص وليس بوجهة نظر للسارد، وهناك اكثر من مثال روائي، ونبدأ تحديدا ممن اسهوا بفاعلية عالية رواية – جن- لألن روب غرييه، ورواية - طريق الفلاندرا - لكلود سيمون بنسب متفاوتة، ولمارسيل بريفو - مصلح البيانو الضرير - ، وفي اشارة تصورية اجد الرواية الانكليزية لم تتوجه بذات الاتجاه رغم خطوات ديفيد لوج المتفوقة تقنيا، لكن الواقعية السحرية في اميركا الجنوبية اعتمدت الوصف كي تبرر اسلوبيتها سردا، وافادت من سمة التصوير الدلالي في الوصف ، حيث يمكنه تصوير المعنى النهائي حسب ريكاردو ،وقد حددت انماط الوصف في الرواية الجديدة - وصف الموضوعات.
يشكل - الوصف الظاهراتي – الوصف الخالق ، وقد اشتهر الآن روب غرييه باسلوب الوصف الموضوعاتي، فأسلوب الكتابة الروائية الجديدة عند غرييه جعل الوصف مستوى بصريا فقط، وعادة ما يقدمه بتعابير هندسية لا تشير الى معنى معين، والوصف الظاهراتي يبين لنا كيفية ادراك العالم حسيا من قبل الانسان وطبيعة تعريفه للعالم، واما القسم الثالث من الوصف وهو ما يكون خالقا لمظاهر وعلى الأخص تلك المستغربة، وما لايمكن ان يروى الا استثناء.
وفي سياق تطورات الوصف ورد في الجزء الثاني من كتاب الرواية الفرنسية ما يلي ازاء موقف الوصف وتطور نظامه، ( ان وظيفة الوصف لم تعد كما كانت سابقا اي نقل ( معرفة ) ايجابية من المؤلف الى القارئ، كما لم يعد هذا الوصف يستخدم لخلق اطار للعقدة كما كان في الرواية التقليدية)2، واليوم بعد تغير موقع الرواية بالنسبة للأجناس الاخرى، حيث صارت جنس مركب من اجناس عدة احيانا، ففيها الحكي الذي يقابل المشهد المسرحي، وفيها بعد درامي ايضا، وفيها قص، واحيانا مقطع شعري له ضرورته بالنسبة لرؤية الروائي، صار الوصف يرسم لنا لغزا متعدد الملامح، وهذا ما تجده تحديدا في رواية (غيرة ) لروب غرييه، وهي عمل شيق بالنسبة لقياسات الرواية الجديدة، وقد قدمت الرواية مقاطع وصف اغنت قيمتها الجمالية.
من جهة ، ومن اخرى الرواية واسعة النطاق، وكأنك قبالة مكعب الغاز، وهنا اشر ما جاء في كتاب الرواية الفرنسية الجديدة ج2، انه قد اصبح ( الوصف الآن وفي اغلب الاحيان جزئيا يقدم للقارئ قطعا من لغز واسع النطاق )3، وتطورات الوصف المؤثرة في البناء ومضامين الرواية غيرت من الشكل الروائي واعطته ملمحا آخر، وهذا طبعا قاصر تحديدا على الرواية الفرنسية دون غيرها، وهناك نسبة اقل في رواية اميركا الجنوبية، فيما قدم يوسا في رواية (مديح الخالة) وقبلها قدم رواية (زمن البطل) حيث يقدم مقاطع من الوصف ماريو فارغاس لوسا لاتقف عند فكرة محددة، وكويلو في رواية (الخيميائي)، ورواية (كالماء بالنسبة للشكولاته) للورا ايكيوفيل، ومن اميركا استطاع دان براون من تجاوز حاجز التقليدية الى تجديد نمط الرواية الاميركية كما في روايته المثيرة ( شفرة دافنشي )، وطبعا هناك روايات اخرى قد أدت الغرض نفسه لكن بنسبة اقل.
وقد لعب الوصف دورا فاعلا في تقديم القصة كبديل مهم للحبكة، وقد تمثلت بهذا الدور اهمية كبرى، حيث انفتحت حدود ثابتة، وتحولت الى حراك يمكن ان يبلغ عمقا كبيرا ويعود انعراجا فيما بعد، ويقدم مضامين كامنة الى سطح الرواية كونها كانت تحتاج الى حس ادبي عميق يتعذر على السرد تقديمه، وهنا تكم جودة العمل الروائي في تحطيم الواقع عبر الوصف وتكذيب حقيقته، ويقدم مفترض تتمثل به حقيقة مثيرة للجدل والتأمل والادهاش، وهذا اما اسميه (وجوه مكعب الوصف) التي عبر لغز واسع تكون خالية من الثبوت، لكن هي تؤدي مهام حساسة في انكشاف مناطق مثيرة في العمل الروائي.
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1- قضايا الرواية الحديثة – جان ريكارو – ت كامل العامري – دار الشؤون الثقافية – ص 62
2- الرواية الفرنسية الجديدة – نهاد التكرلي –ج1 – الموسوعة الصغيرة – ص 61
3- نفس المصدر ج2 – ص 48
محمد يونس محمد
وقد عرفت المنعرج بانه سياق السياقات الذي لا يقف عند حدود مسار جانبي، بل يؤهل مضمونه الثانوي للتمظهر، والمنعطف سياق من سياقات الحبكة، حيث ان تطور الحدث بانسيابية واقعية عادة، ولا تتيح هنا الحبكة لمقطع الوصف خلخلتها وطبعا تدرج الحكاية هنا في اطار واقع حقيقي، وأن امتد المقطع الوصفي الى حد مؤثر، يكون لزمنه المائع تأثيره الحساس، ويؤكد جان ريكاردو (ان التقاء الحكاية والوصف يتمثل وكأنه واقعة قد قطعها " اللازمني"،واذا ما اثقل الوصف الحكاية بعبء ذي تفاصيل عديدة ، فهذا يعني انه يجعلها تدفع الثمن باهظا ) ومن المؤكد سيصيب كيان الحكاية صدعا، اما ان كان بدل الحبكة قصة تتيح للحاكية التوسع جابيا، ويمكنها أن تكون متينة امام مقطع الوصف ، بل يمكن للوصف تبرير الوهم الواقعي وتحطيم شكله ورسمه بشكل جديد فيه اثارة وادهاش، وصراحة الرواية الفرنسية الجديدة وضعت فكرة بناء حكاية بحبكة حلفها ، كونها تتوافق الحبكة قدية لا تتوافق مع لغة العصر وتتوافق مع عصورها المنصرمة ، وفي الجزء الثاني من كتاب الرواية الفرنسية الجديدة جاء ما يؤكد اختلاف مناسيب الوصف بعد تكامل صيرورة الرواية الجديدة والفرنسية على وجه الخصوص ( الواقع ان التوازن المألوف بين السرد والوصف لا وجود له في الرواية الجديدة ، علاوة على ان الوصف لم يعد كما كان في السابق)1 ، ومهم جدا ان يكون الوصف دقيقا ومحددا، ولا يكون بعمق يبتعد بالمعنى العام ويبهت ملامح، وطبيعي اليوم الوصف وجهة نظر الشخوص وليس بوجهة نظر للسارد، وهناك اكثر من مثال روائي، ونبدأ تحديدا ممن اسهوا بفاعلية عالية رواية – جن- لألن روب غرييه، ورواية - طريق الفلاندرا - لكلود سيمون بنسب متفاوتة، ولمارسيل بريفو - مصلح البيانو الضرير - ، وفي اشارة تصورية اجد الرواية الانكليزية لم تتوجه بذات الاتجاه رغم خطوات ديفيد لوج المتفوقة تقنيا، لكن الواقعية السحرية في اميركا الجنوبية اعتمدت الوصف كي تبرر اسلوبيتها سردا، وافادت من سمة التصوير الدلالي في الوصف ، حيث يمكنه تصوير المعنى النهائي حسب ريكاردو ،وقد حددت انماط الوصف في الرواية الجديدة - وصف الموضوعات.
يشكل - الوصف الظاهراتي – الوصف الخالق ، وقد اشتهر الآن روب غرييه باسلوب الوصف الموضوعاتي، فأسلوب الكتابة الروائية الجديدة عند غرييه جعل الوصف مستوى بصريا فقط، وعادة ما يقدمه بتعابير هندسية لا تشير الى معنى معين، والوصف الظاهراتي يبين لنا كيفية ادراك العالم حسيا من قبل الانسان وطبيعة تعريفه للعالم، واما القسم الثالث من الوصف وهو ما يكون خالقا لمظاهر وعلى الأخص تلك المستغربة، وما لايمكن ان يروى الا استثناء.
وفي سياق تطورات الوصف ورد في الجزء الثاني من كتاب الرواية الفرنسية ما يلي ازاء موقف الوصف وتطور نظامه، ( ان وظيفة الوصف لم تعد كما كانت سابقا اي نقل ( معرفة ) ايجابية من المؤلف الى القارئ، كما لم يعد هذا الوصف يستخدم لخلق اطار للعقدة كما كان في الرواية التقليدية)2، واليوم بعد تغير موقع الرواية بالنسبة للأجناس الاخرى، حيث صارت جنس مركب من اجناس عدة احيانا، ففيها الحكي الذي يقابل المشهد المسرحي، وفيها بعد درامي ايضا، وفيها قص، واحيانا مقطع شعري له ضرورته بالنسبة لرؤية الروائي، صار الوصف يرسم لنا لغزا متعدد الملامح، وهذا ما تجده تحديدا في رواية (غيرة ) لروب غرييه، وهي عمل شيق بالنسبة لقياسات الرواية الجديدة، وقد قدمت الرواية مقاطع وصف اغنت قيمتها الجمالية.
من جهة ، ومن اخرى الرواية واسعة النطاق، وكأنك قبالة مكعب الغاز، وهنا اشر ما جاء في كتاب الرواية الفرنسية الجديدة ج2، انه قد اصبح ( الوصف الآن وفي اغلب الاحيان جزئيا يقدم للقارئ قطعا من لغز واسع النطاق )3، وتطورات الوصف المؤثرة في البناء ومضامين الرواية غيرت من الشكل الروائي واعطته ملمحا آخر، وهذا طبعا قاصر تحديدا على الرواية الفرنسية دون غيرها، وهناك نسبة اقل في رواية اميركا الجنوبية، فيما قدم يوسا في رواية (مديح الخالة) وقبلها قدم رواية (زمن البطل) حيث يقدم مقاطع من الوصف ماريو فارغاس لوسا لاتقف عند فكرة محددة، وكويلو في رواية (الخيميائي)، ورواية (كالماء بالنسبة للشكولاته) للورا ايكيوفيل، ومن اميركا استطاع دان براون من تجاوز حاجز التقليدية الى تجديد نمط الرواية الاميركية كما في روايته المثيرة ( شفرة دافنشي )، وطبعا هناك روايات اخرى قد أدت الغرض نفسه لكن بنسبة اقل.
وقد لعب الوصف دورا فاعلا في تقديم القصة كبديل مهم للحبكة، وقد تمثلت بهذا الدور اهمية كبرى، حيث انفتحت حدود ثابتة، وتحولت الى حراك يمكن ان يبلغ عمقا كبيرا ويعود انعراجا فيما بعد، ويقدم مضامين كامنة الى سطح الرواية كونها كانت تحتاج الى حس ادبي عميق يتعذر على السرد تقديمه، وهنا تكم جودة العمل الروائي في تحطيم الواقع عبر الوصف وتكذيب حقيقته، ويقدم مفترض تتمثل به حقيقة مثيرة للجدل والتأمل والادهاش، وهذا اما اسميه (وجوه مكعب الوصف) التي عبر لغز واسع تكون خالية من الثبوت، لكن هي تؤدي مهام حساسة في انكشاف مناطق مثيرة في العمل الروائي.
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1- قضايا الرواية الحديثة – جان ريكارو – ت كامل العامري – دار الشؤون الثقافية – ص 62
2- الرواية الفرنسية الجديدة – نهاد التكرلي –ج1 – الموسوعة الصغيرة – ص 61
3- نفس المصدر ج2 – ص 48
محمد يونس محمد