سيعيش القارئ عند قراءته لكتاب: "همسات دافئة" من سلسلة تحمل عنوان: "بلا هوية" للدكتورة ماري جرجس رمزي متعة فكرية وأدبية ماتعة، استطاعت فيها الكاتبة أن تجمع كل ثقافتها المتنوعة في الحياة سواء على سبيل المعتقد أو بالمعايشة الحياتية، والخبرات الذاتية، والتخصص العلمي، والذائقة الأدبية التي تتبدى في الجمل والكلمات وتصبها في مقالات لا تغيب عنها الجملة الرشيقة، واللفظة الدقيقة، والعبارة المحكمة.
نجحت الكاتبة أن تخاطب العقل والقلب والروح والنفس؛ فقد أضفت على مقالاتها، العديد من الأفكار الجديدة، سواْ من حيث التناول أو من حيث سبكها داخل معانٍ طريفة فأكسبتها نكهةً ومذاقًا لم تألفها الأفهام والآذان من قبل، ولعل من سيطالع مقالتها "الهروب الكبير" التي يستدعي عنوانها فيلمًا شهيرًا من كلاسيكيات السينما العالمية، ومن لم يعرف الفيلم سيظن المقال ـ ربما ـ يحكي مغامرة أو قصة بوليسية، لكن الكاتبة تحول الموضوع برمته عن هذا المسار فتفاجئ القارئ بأن الهروب الكبير هو الهروب إلى الله تعالى مهما حول الهارب أو الفَار أن يهرب منه في كل بقاع الأرض؛ إذ به يفرُ إليه.
سيدهش القارئ وهو يرى هذه المغايرة في المعنى للكلمة التي تسوقها الدكتورة ماري داخل مفهومها العلمي/الاصطلاحي، وبين ما تريده هي منها في مفهومها الإجرائي، وقد فعلت هذا مع كلمة "الغيبوبة" باعتبارها حالة عميقة من فقدان الوعي يكون الإنسان خلالها على قيد الحياة لكنه لا يستجيب للعالم المحيط به، لكن الكاتبة تنقله من المعنى الطبي إلى المعنى الاجتماعي حين ترى الغيبوبة هي قلة الإدراك، ونقص الوعي، والاستسلام بلا وعي لمن يقود حياة ذلك المُغَيْب كما يشاء، ومن ناحية أخرى في أكثر من مقال تبين الكاتبة أن هناك فارقًا بين الوعي وتحصيل الشهادة العلمية، ذلك أن (رجاحة العقل واتساع مداركه وعلمه ليس له أي علاقة بالشهادات العلمية أو المراكز الاجتماعية)، وهذه نظرة متوازنة وواقعية معًا لما نراه من ممارسات يومية.
تمتلك الدكتورة ماري أدواتها ببراعة، وتعي جيدًا ما تريد أن تقوله مسبقا في مقالاتها؛ فهي لا تمسك بالقلم يغريها عددًا من الجمل تبسطها مع شيءٍ من التهويم في الخيال وحسب، بل سيدرك من يتابعها براعة الاستهلال وحرفية الختام وبينهما كلام متزن يستحق من قارئه المتابعة، خاصة وأن الترهل الأنثوي ـ المعتاد أحيانا ـ في العبارات يغيب عن السياق، بل تتوافر العقلانية في سوق الحجج المنضبطة.
لا أستطيع أن أحسب المقالات الواردة في الكتَّاب على النوع المعروف من موضوعات التنمية البشرية وإن كانت لها منها نصيب ولا شك، وذلك للفارق بين أساليب من يؤلفون تلك الكتب التي تحاول أن تحنو على من تخاطبه، وبين أسلوب الدكتورة ماري الذي يتسم ـ أحيانا ـ بالنقد والهجوم الشديدين مما يعني أنها أيضا "مصلح اجتماعي"؛ فتارةً تخاطب الفرد، وتارةً تخاطب الوالدين، وتارة تخاطب الشخص المَعني بموضوعها، وفي كل هذا تبين الحقيقة وتكشف الادعاءات الواهية والحجج الباطلة، وقد هذا كان واضحا حين خاطبت الملحد، وتحاورت معه ولم تتهمه وحده بل اتهمت نفسها والناس جميعا، وأقرت بأنها مدينة له: (نعم، سأعيش مدينة لك يا صديقي، فأنت ـ وأنت وحدك ـ بروعتك وجبروتك وبراعتك تكفي لتجعل العالم كله لا يشك لحظة في وجود الله!).
تأتي مفاجآت عناوين مقالات الكتاب من المفارقة التي تصنعها الكاتبة ببراعة بين الاتكاء على مغازلة عقل القارئ بعنوان يتوقع أن يستشف ما وراءه، فتفاجئه هي بما لا يمكن معه أن يدرك أن تخمينه جاء صحيحًا حول موضوعه ومراميه من قبل أبدًا، ومن هذه العناوين: (سيرة الحب)، و (القرد والأسد) و (الصرصار)، ففي "سيرة الحب" تترك الكاتبة الحديث للحب أن يتكلم نافيًا وجوده في مجتمعات تحتفل وتحتفي به وتخصص له عيدًا، وفي قصة "القرد والأسد" يأتي الموضوع داخل سور حديقة الحيوان والمقصود به الناس من خارج السور، وكذلك مقالة "الصرصار".
إن الذي يجب التأكيد عليه أن الدكتورة ماري قد خلقت لنفسها ـ بحق ـ أسلوبًا خاصًا بها، وتناولت موضوعات جديدة بعيدة كل البعد عن السرد الممل، أو عن الخواطر الذاتية الجوفاء، بل كل مقالة وراءها فائدة وغاية وحكمة، لا تكتفي الكاتبة بعرض المشكلة ثم تُنفِض يديها منها بل تُسهِم في تقديم الحلول والعلاج. إن هذا الكتاب يحتاج إليه كل فرد وكل أسرة وكل مجتمع، ولهذا فمن الواجب أن تعمل الكاتبة على ترجمته أيضا، على أمل أن تهتم بوضع عناوين ذات دلالة للأجزاء التالية، ذلك أن "أمسيات دافئة" يوحي بكونه شعرًا أكثر منه موضوعات أدبية وعلمية واجتماعية مفيدة، وسيكون لهذه السلسلة شأن وأي شأن في قابل الأيام إن شاء الله.
نجحت الكاتبة أن تخاطب العقل والقلب والروح والنفس؛ فقد أضفت على مقالاتها، العديد من الأفكار الجديدة، سواْ من حيث التناول أو من حيث سبكها داخل معانٍ طريفة فأكسبتها نكهةً ومذاقًا لم تألفها الأفهام والآذان من قبل، ولعل من سيطالع مقالتها "الهروب الكبير" التي يستدعي عنوانها فيلمًا شهيرًا من كلاسيكيات السينما العالمية، ومن لم يعرف الفيلم سيظن المقال ـ ربما ـ يحكي مغامرة أو قصة بوليسية، لكن الكاتبة تحول الموضوع برمته عن هذا المسار فتفاجئ القارئ بأن الهروب الكبير هو الهروب إلى الله تعالى مهما حول الهارب أو الفَار أن يهرب منه في كل بقاع الأرض؛ إذ به يفرُ إليه.
سيدهش القارئ وهو يرى هذه المغايرة في المعنى للكلمة التي تسوقها الدكتورة ماري داخل مفهومها العلمي/الاصطلاحي، وبين ما تريده هي منها في مفهومها الإجرائي، وقد فعلت هذا مع كلمة "الغيبوبة" باعتبارها حالة عميقة من فقدان الوعي يكون الإنسان خلالها على قيد الحياة لكنه لا يستجيب للعالم المحيط به، لكن الكاتبة تنقله من المعنى الطبي إلى المعنى الاجتماعي حين ترى الغيبوبة هي قلة الإدراك، ونقص الوعي، والاستسلام بلا وعي لمن يقود حياة ذلك المُغَيْب كما يشاء، ومن ناحية أخرى في أكثر من مقال تبين الكاتبة أن هناك فارقًا بين الوعي وتحصيل الشهادة العلمية، ذلك أن (رجاحة العقل واتساع مداركه وعلمه ليس له أي علاقة بالشهادات العلمية أو المراكز الاجتماعية)، وهذه نظرة متوازنة وواقعية معًا لما نراه من ممارسات يومية.
تمتلك الدكتورة ماري أدواتها ببراعة، وتعي جيدًا ما تريد أن تقوله مسبقا في مقالاتها؛ فهي لا تمسك بالقلم يغريها عددًا من الجمل تبسطها مع شيءٍ من التهويم في الخيال وحسب، بل سيدرك من يتابعها براعة الاستهلال وحرفية الختام وبينهما كلام متزن يستحق من قارئه المتابعة، خاصة وأن الترهل الأنثوي ـ المعتاد أحيانا ـ في العبارات يغيب عن السياق، بل تتوافر العقلانية في سوق الحجج المنضبطة.
لا أستطيع أن أحسب المقالات الواردة في الكتَّاب على النوع المعروف من موضوعات التنمية البشرية وإن كانت لها منها نصيب ولا شك، وذلك للفارق بين أساليب من يؤلفون تلك الكتب التي تحاول أن تحنو على من تخاطبه، وبين أسلوب الدكتورة ماري الذي يتسم ـ أحيانا ـ بالنقد والهجوم الشديدين مما يعني أنها أيضا "مصلح اجتماعي"؛ فتارةً تخاطب الفرد، وتارةً تخاطب الوالدين، وتارة تخاطب الشخص المَعني بموضوعها، وفي كل هذا تبين الحقيقة وتكشف الادعاءات الواهية والحجج الباطلة، وقد هذا كان واضحا حين خاطبت الملحد، وتحاورت معه ولم تتهمه وحده بل اتهمت نفسها والناس جميعا، وأقرت بأنها مدينة له: (نعم، سأعيش مدينة لك يا صديقي، فأنت ـ وأنت وحدك ـ بروعتك وجبروتك وبراعتك تكفي لتجعل العالم كله لا يشك لحظة في وجود الله!).
تأتي مفاجآت عناوين مقالات الكتاب من المفارقة التي تصنعها الكاتبة ببراعة بين الاتكاء على مغازلة عقل القارئ بعنوان يتوقع أن يستشف ما وراءه، فتفاجئه هي بما لا يمكن معه أن يدرك أن تخمينه جاء صحيحًا حول موضوعه ومراميه من قبل أبدًا، ومن هذه العناوين: (سيرة الحب)، و (القرد والأسد) و (الصرصار)، ففي "سيرة الحب" تترك الكاتبة الحديث للحب أن يتكلم نافيًا وجوده في مجتمعات تحتفل وتحتفي به وتخصص له عيدًا، وفي قصة "القرد والأسد" يأتي الموضوع داخل سور حديقة الحيوان والمقصود به الناس من خارج السور، وكذلك مقالة "الصرصار".
إن الذي يجب التأكيد عليه أن الدكتورة ماري قد خلقت لنفسها ـ بحق ـ أسلوبًا خاصًا بها، وتناولت موضوعات جديدة بعيدة كل البعد عن السرد الممل، أو عن الخواطر الذاتية الجوفاء، بل كل مقالة وراءها فائدة وغاية وحكمة، لا تكتفي الكاتبة بعرض المشكلة ثم تُنفِض يديها منها بل تُسهِم في تقديم الحلول والعلاج. إن هذا الكتاب يحتاج إليه كل فرد وكل أسرة وكل مجتمع، ولهذا فمن الواجب أن تعمل الكاتبة على ترجمته أيضا، على أمل أن تهتم بوضع عناوين ذات دلالة للأجزاء التالية، ذلك أن "أمسيات دافئة" يوحي بكونه شعرًا أكثر منه موضوعات أدبية وعلمية واجتماعية مفيدة، وسيكون لهذه السلسلة شأن وأي شأن في قابل الأيام إن شاء الله.