سعيد الشحات - ذات يوم.. 5 مايو 1930.. العقاد يرد مدافعا عن طه حسين تحت قبة البرلمان أثناء هجوم النواب عليه بسبب كتاب "فى الشعر الجاهلي"

كان الدكتور طه حسين، عميد الأدب العربى، على موعد جديد من الهجوم عليه فى مجلس النواب يوم، 5 مايو، مثل هذا اليوم، 1930، بسبب كتابه عن الشعر الجاهلى الذى ألفه عام 1926، وظلت أزمته تتجدد لسنوات طبقا للظروف السياسية، غير أن الهجوم البرلمانى عليه هذه المرة شهد دفاعا عنه من الكتاب والمفكر عباس محمود العقاد، وفقا لمضبطة الجلسة التاسعة والثلاثين لمجلس النواب التى عقدت فى 5 مايو 1930.
2
كان العقاد نائبا فى هذا المجلس عن حزب الوفد، بعد أن فاز بالتزكية فى الانتخابات عن دائرة بولاق، حسبما يذكر الدكتور راسم الجمال فى كتابه «عباس العقاد فى تاريخ الصحافة المصرية»، وفى الجلسة المشار إليها كان رئيسها عبدالسلام فهمى بك وكيل المجلس، وحضرها وزير المعارف بهى الدن بركات،
ووفقا لمضبطة الجلسة، فإن النائب عبدالعزيز الصوفانى بدأ الهجوم ضد طه حسين، قائلا: «هذا الكتاب «الشعر الجاهلى» طبع عام 1926، وبعد الضجة التى أثيرت حوله لجأ مؤلفه إلى حذف جزء يسير من الكتاب، وترك الباقى كما هو بلا تغيير، وموضوع الكتاب من الوجهة الأخلاقية فيه خروج شديد نخشى منه على أخلاق الطلبة»، ثم تلا فقرات من التقرير الذى أعدته إحدى اللجان عن الكتاب عام 1926.
3
وتحدث النائب الشيخ إبراهيم القاياتى، واصفا الكتاب بأنه «يحوى طعنا فى الدين، وليس من الكتب التى يطلق عليها اسم الكتب العلمية، وما هو إلا خلط وهذيان »، وتساءل عن سر إبقاء مؤلفه مدرسا فى الجامعة رغم أنف أمة بأجمعها، وزاد فى هجومه قائلا: «لهذه الاعتبارات أقترح إلغاء وظيفة هذا المدرس من ميزانية الجامعة».
4
أثار اقتراح إلغاء وظيفة طه حسين من الجامعة غضب بعض النواب، وقالوا إنه «غير دستورى»، وقام العقاد متحدثا ومسجلا شهادته للتاريخ، قائلا: «الاقتراح «إلغاء وظيفة طه حسين » غير دستورى، كل ما نملكه فى هذه الحادثة بالذات هو طلب التحقيق فى أمور معينة يصح أن ينسبها من شاء إلى صاحب الكتاب، وهذه مسألة يجب أن تكون محل بحث الوزارة قبل أن يفصل فيها المجلس، وأزيد على ذلك ألا يسند بحث الكتاب إلى لجنة من تلك اللجان التى تلا النائب عبدالعزيز الصوفانى بعض فقرات من قراراتها عنه، لأن هذه اللجان لا يمكن أن تبلغ شأن الأستاذ الذى وضع الكتاب، من حيث المعرفة بالآداب العربية، ولا يمكن أن نجد بسهولة رجلا يقوم بتدريس الأدب العربى، مثلما يقوم به صاحب الكتاب أو على درجة قريبة منه».
5
يضيف العقاد: «إننى قرأت هذا الكتاب «فى الشعر الجاهلى» ووجدت فيه ما ينتقد من الوجهة الدينية، وهذا من السهل وجوده فى كثير من الكتب، ولكنى أعترف بأننى لم أجد فى الطبعة الحديثة «فى الأدب الجاهلى» ما يمس الأخلاق، وأعتقد أن حكومتنا بصفة خاصة شديدة الحرص على الدين، وربما كانت حكومات أخرى تسمح بأن تلقى فى جامعاتها آراء تتعلق بالدين، ولكنها ليست هذه الحكومة، وقد أشار العضو عبدالعزيز الصوفانى إلى فقرات فى الكتاب يحسبها من المجون، والحقيقة أن أمثال هذه الإشارات لا تعيب فى كتاب أدب، إذ الواقع ونحن ندرس الآداب أننا ندرس الحالات النفسية كما تدرس الأمراض فى كلية الطب وما فيها مما يتعلق بالحياة ولا تمنع الدراسة بهذه الكلية».
6
أثرت كلمة «العقاد» فى بعض النواب غير أن نائبا طالب بإعدام الكتاب الموجود فى مخازن الجامعة، فرد النائب زكريا مهنا قائلا: «ليس من الجائز مطلقا أن نكون كما كانوا قديما يعذبون من يقول إن الأرض دائرة، إننى سمعت الآن من نائب معنا «العقاد»، وأستطيع أن أقول بحق إنه من أفذاذ الكتاب والشعراء، سمعته يقول إن هذا الكتاب ليس فيه تعريض بالدين، وأظن أنه ما قال هذا إلا بعد أن قرأ الكتاب الجديد «فى الأدب الجاهلى» وقد استبعد القديم، والقول بوجوب إعدامه وحرقه زراية بالفكر، والواجب أن ندافع عن حرية الفكر فى حدود القانون، والدين لا يحتاح مطلقا للقضاء على مثل هذا الكتاب لأن للدين ربا يحميه».
7
ترك موقف العقاد أثره فى طه حسين، ولم ينسه رغم كل المعارك الفكرية بينهما، ويذكر الكاتب سامح كريم فى كتابه «معارك طه حسين الأدبية والفكرية»، أنه بعد وفاة العقاد فى 13 مارس 1964، أدلى طه حسين بحوار صحفى للأهرام يوم 16 مارس، قال فيه: «الذى لا أنساه ولن أنساه ولا يمكن أن أنساه عن العقاد هو موقفه فى أزمة كتاب الشعر الجاهلى، عندما ثار مجلس النواب على أكثر من مرة، فى أيام الوفديين كلهم كانوا ثائرين، ولكن العقاد النائب الوفدى حينئذ دافع عنى دفاعا حسنا، وكان وفديا صميما، وأيام محاولة إخراجى من الجامعة قام العقاد وقال لهم، على مهلكم، فأنتم إذا أخرجتم فلانا من الجامعة فلن تجدوا من يستحق أن يجلس مكانه».

........................................................
ذات يوم.. سعيد الشحات - اليوم السابع



تعليقات

لا توجد تعليقات.

هذا النص

ملف
معارك أدبية
المشاهدات
505
آخر تحديث
أعلى