د. صبري محمد خليل خيري - مفهوما الحرب والسلام فى الفكر الفلسفى والدينى المقارن

تمهيد: يتوقف موقف المذاهب والفلسفات والاديان من مفهومى الحرب والسلام ،على موقفها من مفهومين اخرين هما الصراع والمشاركه، بمعنى ان من يجعل الاصل فى العلاقه بين االبشر هى الصراع ، يعتبر ان الاصل فى العلاقه بين المجتمعات هى الحرب، والعكس صحيح.

اولا: مفهوما الحرب والسلام فى الاديان الشرقيه القديمه :

الطاوية : يعتبر مؤسسها لاوتسى ان الوجود عباره عن " تاو" وهى كلمه تعنى الطريق ، وهو ناتج من تحقيق التوازن والانسجام بين النقيضين السالب والموجب " الين واليانج"،وهذا التوازن بشمل كل الاضداد الاخرى فى الوجود ( كالظلام و النور، والسكون والحركه، والبروده والحراره والانوثه والذكوره...).فالوجود عنده قائم على التوازن والانسجام وليس الصراع. فلاوتسى له السبق الزمنى على الفلسفه الغربيه" هيرقليتس، هيجل ،ماركس.." فى اكتشاف قانون الجدل، لكنه وعلى خلافها ركز على لحظه حل التناقض وليس لحظه الصراع بينهما . وتطبيقا لذلك فى الفلسفه الاجتماعيه والسياسيه يشدد لاوتسى على رفض الحروب وضرورة العمل الدؤوب على تجنبها بكل وسيلة ممكنة.

الزرادشتيه: تقوم على الثنائية اى القول بوجود الهين ، اله للخير"النور" وإله للشر"الظلام"، وبينهما صراع مستمر لا ينتهى الا اخر الزمان ، بانتصار اله الخير. فهة تتحدث عن الصراع كمبدا وجودى وميتافيزيقى كلى.

المزدكيه: تقوم المزدكيه على الثنائيه كالزرادشتيه, لكن مزدك اضاف فلسفه اجتماعيه مضمونها بحثه عن اسباب التباغض والصراع بين البشر،وحسب تصوره فانها فى تفاوت خظوط الناس من المال والنساء، وبالتالى فان القضاء على هذا التباغض والصراع يتحقق عند قبام شيوعيه المال والنساء حسب تصوره.

ثانيا : مفهوما الحرب و السلام فى الفلسفه الغربيه:

ا/ فى الفلسفه اليونانيه:

السوفسطائيه:
ذهب السوفسطائيون إلي أن هناك قانون طبيعي يحكم سلوك الناس، وهو السعي للذة والابتعاد عن الألم، أي إشباع الغرائز ،ويرون أن الأخلاق تتعارض مع هذا القانون الطبيعي، وهي من وضع الضعفاء الذين لا يستطيعون إشباع غرائزهم بالقوة، وبالتالي فان العلاقة الأساسية بين البشر هي علاقة صراع لإشباع الغرائز تحكمه القوه وليس الأخلاق.

هيرقليطس: جعل العلاقة الأساسية بين المجتمعات علاقة صراع ، وعبر عن هذا بقوله (أن الحرب هي أبو الأشياء)، وقد استند في هذا إلي تصوره لمفهوم الجدل ، الذي مضمونه أن التغيير يتم من خلال صراع المتناقضات ، من خلال تركيزه على لحظه الصراع فيه، وجعله هذا الجدل قانونا كليا للوجود.

الرواقية: فسرت العلاقة بين البشر استنادا إلي فكره قانون العقل الكلى الذى لا يمكن خرقه، وبالتالي فان الجميع متساوون أمام هذا القانون ،والأساس في العلاقة بين الناس هي السلام لا الحرب .

افلاطون: اعتبر ان الحرب الذي تشنها مدينته الفاضله تعد ّ حرب عادلة وليست ظالمة أو عدوان، لأنها قامت من المدينة الفاضلة ضد الأمم المتوحشة الناقصة في إدارتها واجتماعاتها. إذ لا خيار عنده للأمم غير الفاضلة سوى الرضو خ والانضمام إلى المدينة الفاضلة.

أرسطو: يرى أن السبب في قيام الحرب هو ابتعاد الإنسان عن طبيعته السياسية التي
خلق من اجلها، فيسعى للحرب من اجل إعادتها لوضعها الطبيعي.

ب/فى الفلسفه الاوربيه الوسيطه:

أوغسطين
: يذهب إلى تسويغ الحرب لأنها أصيلة في طبيعه الانسان ، اذ يرى فيها أنها حِّملا ً على الإنسانية أن تحمله نظرا لطبيعة الإنسان، نظرا لطبيعتها الفاسده منذ الخطيئة الأصلية.


ب/فى الفلسفه الاوربيه الحديثه:

هيجل:
ينطلق هيجل في تصوره للصراع والمشاركة (وبالتالي للحرب والسلام) من المثالية الجدلية، المثالية تعنى عنده أن الفكر المطلق هو الوجود الأول، أما الأشياء والظواهر المادية فهي مجرد تجسيد له، فالمثالية هي الأولوية للفكر على المادة، ولكنها مثالية جدلية، أي أن هذا الفكر المطلق يتطور من خلال الجدل أولاً والمادة تتبعه إلي حيث هو متطور، والجدل هو التطور من خلال صراع المتناقضات عبر ثلاث لحظات: الدعوى ونقيض الدعوى وجامع الدعوى ونقيضها.وهذا التطور الجدلي يصعد من الفرد إلي الأسرة إلي المجتمع إلي الدولة التي هي أرقى تجسيد للفكر المطلق بناءا على هذا جعل هيجل العلاقة الأساسية بين الدول هي علاقة صراع وحرب.

هوبز: يرى بأن حالة الطبيعة هي حالة حرب دائمة، وبذلك فالحرب هي أمر ينتمي إلى الطبيعة البشرية . وايقاف الحرب عنده ممكن فى عقد اجتماعي، تصوره عباره عن تنازل المجتمع عن كل حقوقه للحاكم ، حتى يتمكن من توفير الامن والاستقرار . فالعقد الاجتامعى عنده عباره عن مقايضه اجتماعيه مضمونها الاستبداد مقابل السلام.

روسو : ويرى أن طبيعة الكون تقتضي أن يوجد صراع دائمًا، وذلك راجع لعدم إمكانية استمرار الجميع في سعادة أبدية مُطْلَقة، إضافة إلى أن سعادة الواحد دائمًا ما ترتبط بشقاء الآخر، لكن رغم ذلك، فإن هذا كله غير كافٍ لتبرير استمرار الحرب. وكل الحروب والصراعات، هي ليست سوى نتيجة لتأثير المجتمع على الإنسان، أو بصيغة أخرى، فإن الإنسان يكون بريئًا، فيأتي المجتمع وتجعله كائنًا فاسدًا. وقدم مقترح لحل لهذه الأزمة الإنسانية الكبرى. و اقترح مشروع لتحقيق السلام الدائم.

كارل ماركس: أما ماركس فيستند في تصوره للحرب والسلام إلي المادية الجدلية فقد كان ماركس تلميذ هيجل، غير أنه أنكر وجود الفكر المطلق وكان يؤمن بأن المادة هي الوجود الأول، أما الأفكار فهي تجسيد لها، فجعل المادة تتطور إلي حيث هي متطورة. أما المادية التاريخية فهي محصلة تطبيق المادية الجدلية على التاريخ ومضمونها أنه داخل المجتمع يتطور أسلوب الإنتاج (البنية التحتية) بفعل التناقض بين أدوات الإنتاج وعلاقات الإنتاج بصورة صراع طبقي بين الذين يعبرون عن الأولى والذين يعبرون عن الثانية وعندما نصل إلي الطفرة يكون المولود الجديد لأسلوب الإنتاج مولود من رحم أسلوب الإنتاج السابق وهكذا. كل هذا التطور في (البنية التحتية) ينعكس على البنية الفوقية وهي القانون والأخلاق والدين والفن. بناءا على هذه لم يخالف ماركس هيجل في اعتباره أن العلاقة الأساسية بين الناس هي علاقة صراع، لكنه جعله صراع بين طبقات لا بين دول ،كما جعله تعبير عن التناقض في أسلوب الإنتاج، بين من يعبرون عن أدوات الإنتاج ومن يعبرون عن علاقات الإنتاج ،وليس تعبير عن التناقض في الفكر المطلق كما عند هيجل .

نيتشه: انطلق نيتشه من مفاهيم أراده القوه والإنسان الكامل (أو السوبرمان) وأخلاق السادة والعبيد ليحي التصور السوفسطائى القائل بأحقية القوى في السيادة على الضعيف، وبالتالي جعل العلاقة بين الناس علاقة صراع.

كانط: أما كانط فهو من أهم الفلاسفة الذين دعوا إلي السلام ووضع مشروع للسلام الدائم بين الأمم استنادا إلي مفاهيم العقل المشترك والاعتقاد بالإله وخلود النفس وحرية الإرادة.

ج/ الفلسفة الغربيه المعاصرة:

هيدجر:
اعتبر أن مشروعية قيام الحرب هي القدره على امتلاك الوجود والتصرف والتحكم به من خلال قوة التقنية وإراده العمل . فالتقنية التي يترامى الإنسان في أحضانها هي التي سوف تطحنه طحنا، وهنا تقع الحرب. فالحرب انتزعت الموجود من ذاكرتها وأضاعته في لحظة استخدام للمادة البشرية عادمة الأوهام في خدمة توكيل غير مشروط لإرادة القوة.

سارتر: استخدم المنهج الظاهراتي (كما أسسه هوسرل) في دراسة الوجود كما في مؤلفه الوجود والعدم 1942م وباقي مؤلفاته التي تمثل المرحلة الوجودية عنده. في هذه المرحلة ونسبه لأنه انطلق من الوجود الفردي الذي حوله إلي وجود مطلق فانه جعل العلاقة بين الإنسان والآخرين هي علاقة صراع لا علاقة مشاركة وقد عبر عن هذا بقوله( الآخرون هم الجحيم) لان الآخر عندما ينظر إلي فانه يحيلنا من ذات إلي موضوع. غير أنه من خلال تطوره الفكري توصل إلي الكشف عن منهج جدل الإنسان في كتابه (نقد العقل الجدلي) 1960م حيث رفض فيه إسناد الجدل إلي الفكر أو المادة، وأسنده للإنسان حيث التناقض بين الموضوعية التي يمثلها الوسط أي جملة الظروف المادية والاقتصادية والحضارية والذاتية التي هي المشروع وهو بالتعريف السلبي هو رفض الوسط. والرفض هنا لا يفيد معنى التدمير وإنما يفيد معنى التغيير، والمعنى الإيجابي هو ما يحتاج إليه الإنسان، والإنسان عندما يحتاج فإنه يتجه بالضرورة إلي ...... وهذا الاتجاه إلي هو فعل قيمته فيما سيحدثه من تغيير، والتغيير ينصب على الإنتاج لأن الإنتاج هو الطريق إلي إشباع حاجة الإنسان، ولابد أن يكون الإنتاج في مستوى أقل من الحاجة وإلا انقضى المشروع وبالتالي وجود الإنسان ومن هنا تنشأ فكرة الندرة و من فكرة الندرة تنبثق فكرة الصراع فالأشياء المنتجة عندما تكون نادرة ينشب الصراع بين بني الإنسان. الصراع هو إذاً هو محصلة الوسط والمشروع الوسط موضوعي والمشروع ذاتي. والتداخل بينهما يمنع كل من الذاتية والموضوعية من أن تكون مطلقة، ويتبع ذلك السؤال: أين مكان الموضوعية من الذاتية؟ ويجيب سارتر بأن الذاتية هي حد وسط بين الذاتية والموضوعية لحظتين من لحظات الموضوعية. ولهذا يكون وظيفة الذات تغيير موضوعية قائمة من أجل تأسيس موضوعية جديدة. وهذا التأسيس إبداع، ومن ثم يمكن القول أن التاريخ هو الإبداع البشري(د. مراد وهبه، سارتر مفكراً وإنساناً، مجموعة مقالات/ مقالة بعنوان سارتر بين الوجود، دار الكاتب العربي، القاهرة، 1967م، صـ56- 57.). وهكذا فإن سارتر استطاع أن يكشف الجدل كقانون نوعي يضبط حركة الإنسان (لا المادة كما ترى المادية أو كما ترى المثالية).لكن سارتر لم يستطيع في مرحلته الثانية أن يلغى التركيز على علاقة الصراع في تفسير علاقة الفرد بالآخرين حيث استند إلي مفهومي الندرة والصراع تحت ضغط الحضارة الغربية الفردية التي ينتمي إليها.

ثالثا:مفهوما الحرب والسلام فى المنظورالاجتماعى الاسلامى:

ا/ على المستوى النصى:

الاصل فى الاسلام السلام لا الحرب:


عبر القران عن المشاركة بمصطلحات ايجابيه كالتأليف كما فى قوله تعالى(واذكرونعمه الله عليكم إذ كنتم أعداءً فألف بين قلوبكم فأصبحتم بنعمته إخوانا )( آل عمران :13 )، والتعاون كما فى قوله تعالى ( وتعاونوا على البر والتقوى ) (المائده: 2)، و الموالاة كما فى قوله تعالى(المؤمنين والمؤمنات بعضهم أولياء بعض)(7: التوبة) . كما عبر عن الصراع بمصطلحات سلبيه كالعداوة والبغضاء كما فى قوله تعالى ( إنما يريد الشيطان أن يوقع بينكم العداوة والبغضاء)( المائدة: 91)، والعدوانكما فى قوله تعالى (ولا تعاونوا على الاثم والعدوان)، وبترتب على هذا ان المنظور الاجتماعى الاسلامى على مستوى اصوله النصيه الثابته يعتبر ان الأصل" القاعده " فى العلاقه بين المجتمعات هو السلام ، أما الحرب فهى فرع "اى استثناء من القاعده ".

أسباب مشروعية القتال في الإسلام: فاتساقا مع هذا فان الاسلام لم يوجب قتال غير المسلمين إلا في حالتين :

الحاله الأولى : إكراه المسلمين على الردة عن دينهم وفتنته عنه كما في قوله تعالى (وقاتلوهم حتى لا تكون فتنة ويكون الدين كله لله)

الحالة الثانية : إخراج المسلمين من ديارهم كما في قوله تعالى ﴿ أذن للذين يقاتلون بأنهم ظلموا وأن الله على نصرهم لقدير الذين أخرجوا من ديارهم بغير حق إلا أن يقولوا ربنا الله(.

مفهوم السلام فى المنظور الاجتماعى الاسلامى : كما انه اتساقا مع هذا حث الاسلام المسلمين الى الالتزام بقيمه السلام كما فى قوله تعالى ) يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا ادْخُلُوا فِي السِّلْمِ كَافَّةً) (البقرة: 208 ) ،وقال تعالى (فان اعتزلوكم فلم يقاتلوكم والقوا إليكم السلم فما جعل الله عليهم من سبيلا)(90: النساء).وقد اسست هذه النصوص لقيمه السلام استنادا الى مفاهيم قرانيه كليه كمفهومي التوحيد والاستخلاف :

مفهوم التوحيد: فمضمون مفهوم التوحيد " توحيد الالوهيه"- على المستوى العقدى- أن الله تعالى ينفرد بكونه الغاية المطلقة "التى عبر عنها القران بمصطلح الالوهيه "لكل وجود سواه ، ومضمونه - على المستوى القيمى- انه تعالى ينفرد بكونه مصدر القيم –المثل العليا- المطلقة . و السلام صفة ألوهية، فهو من اسماء الله الحسنى كما اشارت العديد من النصوص كقوله تعالى ( هو الله لا اله إلا هو الملك القدوس السلام)(23: الحشر)،وبالتالي فان مضمون توحيد الالوهيه هنا أن الله تعالى ينفرد بكونه مصدر السلام كقيمه مطلقه. وهذه الصفة تظهر في عالم الشهادة من خلال شكلين:

الاول: تكويني: يتمثل في عالم الشهادة والسنن الإلهية التي تضبط حركته، فالمشاركة " وبالتالى السلام" هي سنه إلهية تضبط العلاقة بين الناس، قال تعالى(وجعلناكم شعوبا وقبائل لتعارفو)

الثانى:تكليفي: يتمثل في المفاهيم والقيم القواعد المطلقة التي جاء بها الوحي ، والتي ينبغي التزامها في العلاقة بين الناس ، والسلام من هذه القيم المطلقه ، قال تعالى( وان جنحوا للسلم فاجنح لها وتوكل على الله)(61: الأنفال)

مفهوم الاستخلاف: أما مفهوم الاستخلاف فمضمونه إظهار الإنسان لربوبيه الله تعالى وألوهيته في الأرض، بالعبادة والعبودية على المستوى الصفاتى، بإظهار صفات الله تعالى في الأرض على وجه الاختيار، ومضمونه هنا إظهار الإنسان لصفة الألوهية (السلام) في الأرض وهو ما يكون بالآتي:

اولا: توحيد الألوهية: على الوجه السابق بيانه.

ثانيا: العبادة: للعبادة معنى خاص ومعنى عام ،ومضمون الأخير اتخاذ الله تعالى غاية مطلقه واتخاذ صفات ألوهيته قيم - مثل عليا - مطلقه يسعى الإنسان لتحقيقها في الأرض " اى في واقعه المحدود زمانا ومكانا" ، دون أن تتوافر له امكانيه التحقيق النهائي لها، ولا يكون ذلك بإلغاء تصور الإنسان للمثل العليا- القيم- المحدودة زمانا ومكانا ،بل تحديدها باتخاذ مقتضى صفات الالوهيه ضوابط موضوعيه مطلقه لها. ومضمونها هنا اتخاذ صفة الألوهية " السلام"، قيمه -مثل أعلى- مطلقه يسعى الإنسان إلى تحقيقه في الأرض "أي في واقعه المحدود زماناً ومكاناً"ـ دون ان تتوافر له امكانيه التحقيق النهائى لها ، يقول الامام ابن تيميه( أن من أسماء الله تعالى وصفاته ما يحمد الاتصاف به كالعلم والرحمة والحكمة) (الصفديه، ج 2، ص 338) .

ب/ على المستوى الاجتهادى"المذهبى":

تحليل منهجى لتركيز بعض الفقهاء المتقدمين على علاقه الحربمع غير المسلمين:
كما اشرنا اعلاه فان علاقه المسلمين بغيرهم على المستوى النصى هي: علاقة سلم مع الأمم والشعوب الاخرى " أو دار عهد بالاصطلاح الفقهى"، مادامت لم تعتد على ديار المسلمين أو تفتنهم عن دينهم- وهى الاصل - . وعلاقة حرب " أو دار حرب بالاصلاح الفقهى" في حالة الاعتداء على ديار المسلمين أو فتنة المسلمين عن دينهم – وهى فرع . غير أن بعض الفقهاء المتقدمين ركزوا على علاقه - او دار- الحرب" ، حتى شاع اعتقاد خاطىء ان كل الفقهاء المتقدمين يجعلونها العلاقه الوحيده مع غير المسلمين . والتحليل المنهجى لموقف هؤلاء الفقهاء المتقدمين هو انه على بنوا اجتهادهم في تفسير علاقة المسلمين بغير المسلمين والقائم على التركيز على هذه العلاقه- علاقه الحرب- على واقعهم، وهو واقع الدولة غير ثابتة الحدود متعددة الشعوب والقبائل، وليس واقع اكتمال تكوين الأمم وانتهاء طور القبيلة وما أفرزه من الدولة ثابتة الحدود والشعب الواحد- الواقع المعاصر ، يقول الشيخ محمد أبو زهرة في معرض حديثه عن آراء بعض الفقهاء في عدم جواز الصلح الدائم( ولقد أثاروا تحت تأثير حكم الواقع الكلام في جواز إيجاد معاهدات لصلح دائم ، وإن المعاهدات لا تكون إلا بصلح مؤقت لوجود مقتضيات هذا الصلح، إذ أنهم لم يجدوا إلا حروباً مستمرة مشبوبة موصولة غير مقطوعة إلا بصلح مؤقت ،وقد قرر الكثيرون منهم أن الصلح لا يقع إلا مؤقتاً إذ ما كان يرى إلا ما أيدته الوقائع المستمرة (العلاقات الدولية في الإسلام ،الدار القومية، القاهرة، 1384م، ص78-79) . ويدل على هذا أن هناك علماء خالفوا ما قرره هؤلاء الفقهاء، فنجد الامام ابن تيمية يخالف الرأي القائل بقتال الجميع لمجرد الكفر فيقول(وإذا كان أصل القتال المشروع هو الجهاد ، ومقصوده أن يكون الدين كله لله وأن تكون كلمة الله هي العليا، فمن منع هذا قوتل باتفاق المسلمين، وأما من لم يكن من أهل الممانعة والمقاتلة- كالنساء والصبيان والراهب والشيخ الكبير والأعمى والزمن وغيرهم- فلا يقتل عند جمهور العلماء إلا أن يقاتل بقوله أو فعله. وإن كان بعضهم يرى إباحة قتل الجميع لمجرد الكفر إلا النساء والصبيان لكونهم مالاً للمسلمين، والأول هو الصواب لأن القتال هو لمن يقاتلنا إذا أردنا إظهار دين الله كما قال تعالى "وقاتلوا في سبيل الله الذين يقاتلونكم ولا تعتدوا إن الله لا يحب المعتدين" ...فمن لم يمنع المسلمين من إقامة دين الله لم يكن كفره إلا على نفسه)

مذهب الصراع كأصل للعلاقه مع غير المسلمين: وفى إطار الفكر الإسلامي المعاصر، نجد أن هناك مذهب محدث، قائم على افتراض خاطىء ، مضمونه أن الإسلام جعل الأصل في العلاقة بين المسلمين وغيرهم هو الصراع "الحرب" وليست علاقه المشاركة "السلام" ، أي أن الإسلام أوجب قتال غير المسلمين " إطلاقاً" ، وغزو العالم لنشر الدعوة .

سيد قطب: إلى هذا ذهب سيد قطب في تفسير سورة التوبة (إن السورة بهذه الاعتبارات ذات أهمية خاصة ، في بيان طبيعة المنهج الحركي للإسلام ومراحله وخطواته، حيث تراجع الأحكام النهائية التي تضمنتها مع الأحكام المرحلية التي جاءت في السور قبلها ،وهذه المراجعة تكشف مدى مرونة ذلك المنهج، وعن حسمه كذلك|). فيرى أن السورة تتضمن "تحديداً للعلاقة بين المعسكر الإسلامي والمشركين عامة في شبه الجزيرة العربية" في المقطع الأول منها ، كما أن المقطع الثاني "تضمن تحديداً للعلاقات النهائية كذلك بين المجتمع المسلم وأهل الكتاب عامة….، وعن انحراف أهل الكتاب عن دين الله الصحيح عقيدة وسلوكاً بما يجعلهم في اعتبار الإسلام ليسوا على دين الله الذي أنزله لهم والذي به صاروا أهل الكتاب)( في ظلال القرآن، ج10، ص1564.).

تقى الدين النبهانى مؤسس حزب التحرير: كما ذهب تقي الدين النبهاني إلى ذلك في قوله (إن قول رسول الله عليه الصلاة والسلام وفعله يدل دلالة واضحة على أن الجهاد هو بدء الكفار بالقتال لإعلاء كلمة الله ونشر الإسلام.) .

نقد اسلامى للمذهب:

الفهم الخاطىء لايه السيف:
استند أصحاب مذهب قتال المسلمين إطلاقاً إلى القول بأن آية السيف ناسخة لكل الآيات التي تدعو للسلم وهي الآيات(فإذا انسلخ الأشهر الحرم فاقتلوا المشركين حيث وجدتموهم وخذوهم واحصروهم واقعدوا لهم كل مرصد) (التوبة: 5) و(وقاتلوا الذين لا يؤمنون بالله ولا باليوم الآخر ولا يحرمون ما حرم الله ورسوله ولا يدينون دين الحق من الذين آتوا الكتاب حتى يعطوا الجزية عن يد وهم صاغرون) (التوبة: 29).غير أن هذه الآيات لا تفيد قتال غير المسلمين إطلاقاً، وبالتالي تنسخ الآيات الداعية للسلم، بل هي مقيدة بالحالات التي أباح الإسلام فيها قتال غير المسلمين التي أوضحناها، وهي إخراج المسلمين من ديارهم أو إكراههم على الردة على دينهم . يقرر الشيخ رشيد رضا أن (آية السيف تتراوح الآية الخامسة من سورة التوبة الداعية إلى قتال المشركين كافة كيفما يقاتلون المسلمين كافة، وإنها غير ناسخة لغيرها من الآيات ويستشهد بما قاله السيوطي من أن أياً من الآيتين ليس ناسخاً لغيرها من الآيات التي تتناول علاقة المسلمين بالمشركين، ولكن لكل منها حكماً يسري في ظرف معين، ويرى أن الدعوة إلى مقاتلة المشركين هو رد على مبادأة المشركين القتال، وأن المقصود بالآيتين مشركي جزيرة العرب وليس مشركي الأرض، أما الآية 29 الخاصة بأهل الكتاب فإن نزولها جاء تمهيداً للكلام في غزوة تبوك مع الروم من أهل الكتاب بالشام والخروج إليها في زمن العسرة والقيظ ، فضلاً عن أن المقصود بها ليس أهل الكتاب ، ولكن فريقاً منهم له شروط أربعة معينة ذكرتها الآية الكريمة)(تفسير المنار، ج10، ص255).

مفهوما الحرب والسلام فى الفلسفه الاسلاميه:

الفارابى:
أغفل ذكر موقفه من الحرب في كتابه "آرء المدينة الفاضلة" ، لكنه سوغ قيام الحرب في كتابه " تحصيل السعادة "، و يحدد الحرب بانها اما ل دفع عدو ورد من خارج المدينه، أو اكتساب خير تستأهله من خارجها. كما سوغ قيام الحرب اذا كانت لدفع ضرر على المدينه او دفع عدوان خارجى أو الجهاد لنشر الدعوة، وهذه الأخيره هى الحرب العادله. كما قرر أن أسباب قيام الحرب هي الغلبة، أو لشفاء غيظ أو لذة ينالها ، كما يعتقد الفارابى ان الحرب على نوعين: عادلة وظالمة .

ابن خلدون: تناول فى مقدمتة فلسفه الحرب ( أصلها، وأنواعها وأسباب ومشروعية قيامها وجوهريتها في الطبع الإنساني).ففيما يتصلب بمشروعية الحرب يرى أولا انّ الحرب جوهرية أي أنها أمر طبيعي في البشر حتمي، أراده الله وليست عارضة في الطبيعة الإنسانية، ويرى ثانياً إنّ الحرب هي التي تقيم السلطة السياسية وتُمْسِكها، إذ لا توجد في تاريخ البشرية المديد سواء مدنية أو عمران بشري أو بداوة إلا وقد مرّ بالحرب وذاقت ويلاتها، إذ لا تخلوا أية امة أو جيل منها، وهذا بمثابة قانون عام استنبطه ابن خلدون من سيرورة الحضارات وقانونها العام. ويرى ان أصل الحرب إرادة انتقام البشر بعضهم من بعض، وان أسباب هذا الانتقام أربعة:لولا: غيره ومنافسة ،ثانيا: عدوان ؟، ثالثا:عصبية دينية ، رابعا: عصبية الحكم والملك (حسن مجيد العبيدي / فلسفة الحرب عند ابن خلدون / مايو 8, 2023 ).



د. صبري محمد خليل / أستاذ فلسفه القيم الاسلاميه فى جامعه الخرطوم

[email protected][/CENTER]

تعليقات

لا توجد تعليقات.
أعلى