سأشاهد في رمضان هذا مسلسل: عمارة يعقوبيان، المأخوذ عن رواية الروائي المصري د. علاء الأسواني. وكنت قرأت الرواية، من قبل، ولم أشاهدها فيلماً مثل بطولته عادل إمام الذي غاب عن المسلسل، ليقوم بدوره عزت أبو عوف الذي أجاد الدور إجادة تامة. وإذا كان المرء يعجب بتمثيل صلاح السعدني (الحاج عزام)، فإن الذي يسحره حقيقة هو زكي الدسوقي (عزت أبو عوف)، فلقد كان الأخير متهكماً ساخراً، عاش حياة بوهيمية، كأنه طرفة بن العبد الذي قال: ولولا ثلاث هن من عيشة الفتى وجدك لم أحفل بما قام عوّدي ويرمز زكي الدسوقي الى العهد الملكي، عهد الملك فاروق، لقد خسر هؤلاء، وربح آخرون، غدا ماسح الأحذية رمزاً من رموز الدولة، زمن الثورة والانفتاح، يملك المال، ويسخره في تحقيق ما يريد، يرشو ويفسد الذمم، ويحكم الشعب باسمه، ويمارس في ذلك أساليب دنيئة، فيما يزداد الشعب بؤسا.
هل حين يعجب مشاهد المسلسل بهذه الشخصية التي تعود الى العصر الملكي، ولا يعجب بشخصية الحاج عزام التي تمثل حكم عبد الناصر والسادات، ينحاز الى الملكية؟ في عمارة يعقوبيان “تبدو صورة العهد الجمهوري وما تلاه سلبية، ولا تبرز أية ملامح ايجابية له.
وتبدو العمارة نفسها رمزاً.
كانت العمارة في العهد الملكي نظيفة ومرتبة، وتحولت في العهد الجمهوري الى عشوائية من العشوائيات الكثيرة التي يبلغ عدد سكانها سبعة ملايين مواطن، يحيون حياة بائسة بكل معنى الكلمة: الفقر والفوضى والخداع وبيع الأبناء.
طبعا يعرض المسلسل صورة لانقلاب الأحوال، لعل أكثرها دلالة إبراز المفارقة في حياة الحاج عزام (صلاح السعدني)، هذا الذي كان في العهد الملكي ماسح أحذية، وغدا زمن السادات حوتاً من حيتان الاقتصاد المصري، يملك الملايين، ويقيم في العمارة نفسها التي كان يقيم فيها أعيان العهد الملكي، ومنهم زكي الدسوقي (عزت أبو عوف) الذي كان والده رئيس وزراء، وكان الحاج عزام يمسح له حذاءه.
هذه الصورة تتكرر في المسلسل مراراً ويركز المخرج عليها، حتى كأنها تصلح لأن تكون اللافتة الأساسية، الفكرة الرئيسة للمسلسل، فكرة انقلاب الأحوال، وتغيرها وتبدلها في عهدين.
العمارة هي الوطن المصري.
إنها رمز له، وكما جاء في الأغنية التي كانت تسبق العرض: الوطن يصبح عمارة.
ولا أظن ان المسلسل أبرز صورة إيجابية واحدة للعهد الناصري، حتى مجانية التعليم التي حققتها الثورة المصرية، ويقر بها محبو عبد الناصر وأعداؤه، لم يركز عليها المسلسل، بل إنه أبرز نقيضها، فطه الشاذلي ابن البواب يمنع من الالتحاق بسلك الشرطة، لأن والده بواب فقط.
وحتى الذين لا يتعاطفون مع العهد الملكي، ومع الملك فاروق، سيجدون أنفسهم، وهم يشاهدون المسلسل، يتعاطفون مع زكي الدسوقي الذي يصر على العهد الملكي، وبقي في مصر، ولم يغادرها، لأنه يريد نسيان الماضي وعدم التفكير فيه، والاندماج في الواقع الجديد.
إن زكي هنا، على الرغم من معاقرته الخمر ومعاشرته النسوة، يبدو صورة للانسان النبيل الذي لا يحقد، الانسان الذي يتسامح حتى مع من يستغلونه ويسيئون اليه، من رباب النادلة، الى أخته التي استولت على شقته وطردته منها.
نعم ان المشاهد يتعاطف مع زكي الدسوقي أكثر من تعاطفه مع عزام السوهاجي الذي انقلبت أحواله، مع انقلاب الأحوال وتحول مصر من ملكية الى جمهورية، رأساً على قدم، فغدا، بعد ان كان ماسح أحذية، غدا نائبا في البرلمان، هو الذي لم ينل من العلم والثقافة ما ناله المحامي زكي.
وإذا كان حدسي، وصدق مشاهدتي، لا يخوناني، فإن صلاح السعدني (الحاج عزام) يبدو نفسه يسخر مما وصل إليه.
إنه لا يصدق ما هو عليه الآن-أعني ان صلاح السعدني يسخر من الدور الذي يمثله.
ولا شك ان هناك فارقا بين الرواية والمسلسل، فهناك اشياء تأتي عليها الرواية، ولا يبرزها المخرج، بخاصة في بعض الجوانب الاخلاقية في المجتمع المصري، ولعل من يُجري مقارنة بين الرواية والمسلسل سيلحظ هذا بوضوح، وهي مقارنة مجدية على أية حال.
وأنا أشاهد المسلسل مرت الذكرى السابعة والثلاثون لوفاة الزعيم المصري جمال عبد الناصر، وقد كتب فيها غير كاتب، تحسر على أيامه، وكنت شخصياً أود ان اكتب، بهذه المناسبة، عن الصورة التي رسمها الادباء العرب والمصريون له، في حياته وبعد مماته.
وبعض هؤلاء مدحه في حياته، وبعضهم مدحه بعد مماته. ومن الذين مدحوه في حياته من تراجع، وكتب: “كيف أعرف ان الذي بايعته المدينة، غير الذي وعدته السماء”.
ولم يعد هؤلاء يرون في عبد الناصر نبياً، ما دفع بالشاعر مظفر النواب لأن يقول: “أنا لست بالناصري، ولكنهم ألقوا القبض ميتا عليه، وعرّي من كفن غزلته قرى مصر من دمعتيها، إذن سقط الآن عن بعض من دفنوه الطلاء هل كانت رواية عمارة يعقوبيان بإخراجها مسلسلاً ضرباً من الاساءة للعهد الناصري؟ لست أدري –
هذا المقال يعبر عن رأي صاحبه فقط.
هل حين يعجب مشاهد المسلسل بهذه الشخصية التي تعود الى العصر الملكي، ولا يعجب بشخصية الحاج عزام التي تمثل حكم عبد الناصر والسادات، ينحاز الى الملكية؟ في عمارة يعقوبيان “تبدو صورة العهد الجمهوري وما تلاه سلبية، ولا تبرز أية ملامح ايجابية له.
وتبدو العمارة نفسها رمزاً.
كانت العمارة في العهد الملكي نظيفة ومرتبة، وتحولت في العهد الجمهوري الى عشوائية من العشوائيات الكثيرة التي يبلغ عدد سكانها سبعة ملايين مواطن، يحيون حياة بائسة بكل معنى الكلمة: الفقر والفوضى والخداع وبيع الأبناء.
طبعا يعرض المسلسل صورة لانقلاب الأحوال، لعل أكثرها دلالة إبراز المفارقة في حياة الحاج عزام (صلاح السعدني)، هذا الذي كان في العهد الملكي ماسح أحذية، وغدا زمن السادات حوتاً من حيتان الاقتصاد المصري، يملك الملايين، ويقيم في العمارة نفسها التي كان يقيم فيها أعيان العهد الملكي، ومنهم زكي الدسوقي (عزت أبو عوف) الذي كان والده رئيس وزراء، وكان الحاج عزام يمسح له حذاءه.
هذه الصورة تتكرر في المسلسل مراراً ويركز المخرج عليها، حتى كأنها تصلح لأن تكون اللافتة الأساسية، الفكرة الرئيسة للمسلسل، فكرة انقلاب الأحوال، وتغيرها وتبدلها في عهدين.
العمارة هي الوطن المصري.
إنها رمز له، وكما جاء في الأغنية التي كانت تسبق العرض: الوطن يصبح عمارة.
ولا أظن ان المسلسل أبرز صورة إيجابية واحدة للعهد الناصري، حتى مجانية التعليم التي حققتها الثورة المصرية، ويقر بها محبو عبد الناصر وأعداؤه، لم يركز عليها المسلسل، بل إنه أبرز نقيضها، فطه الشاذلي ابن البواب يمنع من الالتحاق بسلك الشرطة، لأن والده بواب فقط.
وحتى الذين لا يتعاطفون مع العهد الملكي، ومع الملك فاروق، سيجدون أنفسهم، وهم يشاهدون المسلسل، يتعاطفون مع زكي الدسوقي الذي يصر على العهد الملكي، وبقي في مصر، ولم يغادرها، لأنه يريد نسيان الماضي وعدم التفكير فيه، والاندماج في الواقع الجديد.
إن زكي هنا، على الرغم من معاقرته الخمر ومعاشرته النسوة، يبدو صورة للانسان النبيل الذي لا يحقد، الانسان الذي يتسامح حتى مع من يستغلونه ويسيئون اليه، من رباب النادلة، الى أخته التي استولت على شقته وطردته منها.
نعم ان المشاهد يتعاطف مع زكي الدسوقي أكثر من تعاطفه مع عزام السوهاجي الذي انقلبت أحواله، مع انقلاب الأحوال وتحول مصر من ملكية الى جمهورية، رأساً على قدم، فغدا، بعد ان كان ماسح أحذية، غدا نائبا في البرلمان، هو الذي لم ينل من العلم والثقافة ما ناله المحامي زكي.
وإذا كان حدسي، وصدق مشاهدتي، لا يخوناني، فإن صلاح السعدني (الحاج عزام) يبدو نفسه يسخر مما وصل إليه.
إنه لا يصدق ما هو عليه الآن-أعني ان صلاح السعدني يسخر من الدور الذي يمثله.
ولا شك ان هناك فارقا بين الرواية والمسلسل، فهناك اشياء تأتي عليها الرواية، ولا يبرزها المخرج، بخاصة في بعض الجوانب الاخلاقية في المجتمع المصري، ولعل من يُجري مقارنة بين الرواية والمسلسل سيلحظ هذا بوضوح، وهي مقارنة مجدية على أية حال.
وأنا أشاهد المسلسل مرت الذكرى السابعة والثلاثون لوفاة الزعيم المصري جمال عبد الناصر، وقد كتب فيها غير كاتب، تحسر على أيامه، وكنت شخصياً أود ان اكتب، بهذه المناسبة، عن الصورة التي رسمها الادباء العرب والمصريون له، في حياته وبعد مماته.
وبعض هؤلاء مدحه في حياته، وبعضهم مدحه بعد مماته. ومن الذين مدحوه في حياته من تراجع، وكتب: “كيف أعرف ان الذي بايعته المدينة، غير الذي وعدته السماء”.
ولم يعد هؤلاء يرون في عبد الناصر نبياً، ما دفع بالشاعر مظفر النواب لأن يقول: “أنا لست بالناصري، ولكنهم ألقوا القبض ميتا عليه، وعرّي من كفن غزلته قرى مصر من دمعتيها، إذن سقط الآن عن بعض من دفنوه الطلاء هل كانت رواية عمارة يعقوبيان بإخراجها مسلسلاً ضرباً من الاساءة للعهد الناصري؟ لست أدري –
هذا المقال يعبر عن رأي صاحبه فقط.