يرى الناقد تزفيتان تودوروف(1939-2017) أن الأدب في خطر ضمن الموجة التي سادت الفكر الغربي بأن كل شيء مهدد بالزوال والموت؛ إذ ظهرت مقولات: موت المؤلف، موت الشعر، موت الفلسفة، موت الإنسان.
والناقد تودوروف ناقد ومفكر فرنسي بلغاري له مجموعة أعمال مهمة، منها: "مدخل إلى الأدب العجائبي" 1970، و"شعرية النثر"1971، و"مقدمة الشاعرية"1981، و"الأدب في خطر" 2007.
وكتاب "الأدب في خطر" كتاب صغير الحجم، جاء عنوانه بعنوان محاضرة من المحاضرات التي تضمنها الكتاب، التي يحذر فيها تودوروف من هيمنة المناهج النقدية التي لا تتصل بأدبية النص وشاعريته، فقد انتشر المذهب البنيوي ضمن طغيان النظريات التي حالت دون تذوق الأدب، والتعاطي مباشرة مع النصوص؛ فلم يعد الأدب يتحدث عن الإنسان بل عن ذاته وعما أنتجه. فضلًا عن سيطرة المذهبية الكفرية، والنظرة الأيديولوجية للأدب. إزاء ذلك دعا تودوروف إلى إنقاذ النص الأدبي من سيطرة النقد الشكلاني والبنيوي والسيميائي، ومن النظرة العدمية التي ترى استحالة التغيير، فليس غير الاهتمام بذات الكاتب وانفعالاته حتى السطحية منها، إنه يدعو إلى عدم فصل الأدب عن دوره الاجتماعي والإنساني.
يشخص تودوروف هذه الحالة للأدب من خلال معاينته الواقع الأدبي في فرنسا بالذات، ويوجه الاتهام إلى المؤسسات التعليمية والجامعات والنقاد الفرنسيين الذين ابتعدوا عن الأدب، ولجأوا إلى التجريد والعلم والاختبار. وربما أحس باللوم لأنه من رواد النقد النصي، وكان له الفضل في التمييز بنيويًا بين القصة والخطاب، وفي دراسة الراوي الشاهد والراوي المختفي خلف الشخصيات. كما أنه كان جزءًا من النظام التعليمي بفرنسا في الفترة ما بين 1994 و2004 فوجه التلاميذ إلى الاهتمام بكيفية قراءة الأدب وليس بما يقوله، أي الاهتمام ببنية الشكل بوصف الأعمال الأدبية أمثلة إيضاحية للرؤية الشكلانية أو العدمية؛ مما أدى إلى عزوف الطلاب عن التخصص في دراسة الأدب وقراءة الأعمال الأدبية، والنظر إلى النص بأنه مجرد لغز قائم بذاته.
لا شك أن تودوروف لم يكن متفردًا في طرحه عن حالة الأدب الفرنسي، فوجد من يشاركه على الساحة الفرنسية في التنبيه من المأزق الذي وصل إليه الأدب. يبرز من بين هؤلاء الباحث هيبرت برولونجو الذي طالب في مقالة بعنوان "كيف ندرس الأدب" نشرها في المجلة الفرنسية علوم إنسانية (ع482- شباط 2008) إعادة النظر في تدريس الأدب.
ثم رأينا الروائي والناقد الفرنسي ميشل بوتور(1926-2016) أبرز رواد مدرسة الرواية الجديدة الفرنسية، التي تكونت بعد الحرب العالمية الثانية يعمم ما قاله تودوروف عن الأدب الفرنسي ويتجاوزه إلى الأدب الأوروبي، فيؤكد في مقابلة مع جريدة "الوقت" الألمانية عام 2012 عدم وجود أدب أوروبي بعد اختفاء الحدود بين الدول الأوروبية التي غدت تعاني من أزمات كثيرة ثقافية واقتصادية واجتماعية. وقد نشأت مع انطلاق الثورة المعلوماتية، وتتمثل في طوفان المطبوعات التي أسهمت في هدم النفس وخراب الروح. وهذا قريب مما قاله ميلان كونديرا عن نهاية الرواية الأوروبية واختفائها؛ لأن العالم الذي تحدرت منه لم يعد له وجود.
ويرى الناقد المغربي عبد الرحيم جيران بأن رؤية تودوروف للناقد الأدبي بأنه مسؤول عن مأزق الأدب حكم غير دقيق لأن الناقد لا ينتج للمدرسة بل لسياق علمي ومعرفي مختلف.
لعل من الإنصاف القول إن مقصد تودوروف من صرخته بأن الأدب في خطر هو إنقاذ الأدب من التهميش؛ فهو حافظ الحقيقة والشاهد على كل شيء، ومع أنه لا يغير المجتمع فهو منقذ الأشياء من النسيان، ومنقذنا من الاكتئاب واليأس؛ لهذا يجب العودة بالأدب إلى الحالة التي كان عليها في القرن التاسع عشر عندما كان له دوره في الحياة والمجتمع.
في النهاية ما نريد قوله في ما طرحه تودوروف إن الأدب لا يموت؛ فهو مرتبط بالإنسان بمشاعره وأفكاره وحياته، ولا يموت إلا في حالة انعدام الحياة البشرية على الأرض. ولكن الحقيقة التي تتبدى لنا أن الأدب الآن في ضعف شديد بفضل سيطرة وسائل التكنولوجيا الحديثة التي سهلت طرق النشر، والوصول إلى الناس حتى كثر الكتاب والنقاد، يضاف إلى ذلك ضعف النظام التعليمي، وسيطرة مفاهيم السوق وسرعة التغيرات في الإنسان والطبيعة.
وإذا كان لهذه الأسباب دور في إضعاف الأدب في جميع أنحاء العالم، فإن الرعب يتأتى من هذه الحروب التي تتنقل نيرانها من مكان إلى آخر، التي يمكن أن تتحول إلى حرب نووية لا تبقي ولا تذر؛ لهذا علينا أن ننبه إلى أن الأدب ليس في خطر بل إن الإنسان نفسه مهدد بالفناء.
والناقد تودوروف ناقد ومفكر فرنسي بلغاري له مجموعة أعمال مهمة، منها: "مدخل إلى الأدب العجائبي" 1970، و"شعرية النثر"1971، و"مقدمة الشاعرية"1981، و"الأدب في خطر" 2007.
وكتاب "الأدب في خطر" كتاب صغير الحجم، جاء عنوانه بعنوان محاضرة من المحاضرات التي تضمنها الكتاب، التي يحذر فيها تودوروف من هيمنة المناهج النقدية التي لا تتصل بأدبية النص وشاعريته، فقد انتشر المذهب البنيوي ضمن طغيان النظريات التي حالت دون تذوق الأدب، والتعاطي مباشرة مع النصوص؛ فلم يعد الأدب يتحدث عن الإنسان بل عن ذاته وعما أنتجه. فضلًا عن سيطرة المذهبية الكفرية، والنظرة الأيديولوجية للأدب. إزاء ذلك دعا تودوروف إلى إنقاذ النص الأدبي من سيطرة النقد الشكلاني والبنيوي والسيميائي، ومن النظرة العدمية التي ترى استحالة التغيير، فليس غير الاهتمام بذات الكاتب وانفعالاته حتى السطحية منها، إنه يدعو إلى عدم فصل الأدب عن دوره الاجتماعي والإنساني.
يشخص تودوروف هذه الحالة للأدب من خلال معاينته الواقع الأدبي في فرنسا بالذات، ويوجه الاتهام إلى المؤسسات التعليمية والجامعات والنقاد الفرنسيين الذين ابتعدوا عن الأدب، ولجأوا إلى التجريد والعلم والاختبار. وربما أحس باللوم لأنه من رواد النقد النصي، وكان له الفضل في التمييز بنيويًا بين القصة والخطاب، وفي دراسة الراوي الشاهد والراوي المختفي خلف الشخصيات. كما أنه كان جزءًا من النظام التعليمي بفرنسا في الفترة ما بين 1994 و2004 فوجه التلاميذ إلى الاهتمام بكيفية قراءة الأدب وليس بما يقوله، أي الاهتمام ببنية الشكل بوصف الأعمال الأدبية أمثلة إيضاحية للرؤية الشكلانية أو العدمية؛ مما أدى إلى عزوف الطلاب عن التخصص في دراسة الأدب وقراءة الأعمال الأدبية، والنظر إلى النص بأنه مجرد لغز قائم بذاته.
لا شك أن تودوروف لم يكن متفردًا في طرحه عن حالة الأدب الفرنسي، فوجد من يشاركه على الساحة الفرنسية في التنبيه من المأزق الذي وصل إليه الأدب. يبرز من بين هؤلاء الباحث هيبرت برولونجو الذي طالب في مقالة بعنوان "كيف ندرس الأدب" نشرها في المجلة الفرنسية علوم إنسانية (ع482- شباط 2008) إعادة النظر في تدريس الأدب.
ثم رأينا الروائي والناقد الفرنسي ميشل بوتور(1926-2016) أبرز رواد مدرسة الرواية الجديدة الفرنسية، التي تكونت بعد الحرب العالمية الثانية يعمم ما قاله تودوروف عن الأدب الفرنسي ويتجاوزه إلى الأدب الأوروبي، فيؤكد في مقابلة مع جريدة "الوقت" الألمانية عام 2012 عدم وجود أدب أوروبي بعد اختفاء الحدود بين الدول الأوروبية التي غدت تعاني من أزمات كثيرة ثقافية واقتصادية واجتماعية. وقد نشأت مع انطلاق الثورة المعلوماتية، وتتمثل في طوفان المطبوعات التي أسهمت في هدم النفس وخراب الروح. وهذا قريب مما قاله ميلان كونديرا عن نهاية الرواية الأوروبية واختفائها؛ لأن العالم الذي تحدرت منه لم يعد له وجود.
ويرى الناقد المغربي عبد الرحيم جيران بأن رؤية تودوروف للناقد الأدبي بأنه مسؤول عن مأزق الأدب حكم غير دقيق لأن الناقد لا ينتج للمدرسة بل لسياق علمي ومعرفي مختلف.
لعل من الإنصاف القول إن مقصد تودوروف من صرخته بأن الأدب في خطر هو إنقاذ الأدب من التهميش؛ فهو حافظ الحقيقة والشاهد على كل شيء، ومع أنه لا يغير المجتمع فهو منقذ الأشياء من النسيان، ومنقذنا من الاكتئاب واليأس؛ لهذا يجب العودة بالأدب إلى الحالة التي كان عليها في القرن التاسع عشر عندما كان له دوره في الحياة والمجتمع.
في النهاية ما نريد قوله في ما طرحه تودوروف إن الأدب لا يموت؛ فهو مرتبط بالإنسان بمشاعره وأفكاره وحياته، ولا يموت إلا في حالة انعدام الحياة البشرية على الأرض. ولكن الحقيقة التي تتبدى لنا أن الأدب الآن في ضعف شديد بفضل سيطرة وسائل التكنولوجيا الحديثة التي سهلت طرق النشر، والوصول إلى الناس حتى كثر الكتاب والنقاد، يضاف إلى ذلك ضعف النظام التعليمي، وسيطرة مفاهيم السوق وسرعة التغيرات في الإنسان والطبيعة.
وإذا كان لهذه الأسباب دور في إضعاف الأدب في جميع أنحاء العالم، فإن الرعب يتأتى من هذه الحروب التي تتنقل نيرانها من مكان إلى آخر، التي يمكن أن تتحول إلى حرب نووية لا تبقي ولا تذر؛ لهذا علينا أن ننبه إلى أن الأدب ليس في خطر بل إن الإنسان نفسه مهدد بالفناء.