صلاح الأسعد - قهر..

وأخيراً أصبحت " أم عليان " عند حدودِ الفرح ، هي الآن على بعدِ أمتارٍ فقط من سيّارةِ ( المساعدات) لتوزيعِ السّلاتِ الغذائيةِ في " مخيم اليرموك " ، كلُّ شيءٍ داخلها يزغرد ، تشدُّ حزامَها ، تقلّبُ كفّيها ، تحدّثُ نفسهَا ومحتوياتُ السّلةِ تستعدُّ لمصافحتها ، تتساءلُ : أتطعمُ أولادهَا المحاصَرين وجبةً من الرّزِ التي لم يعرفوا لها شكلاً وطعماً منذُ أعوام ؟ أم تعدُّ لهم شوربةَ العدسِ ؟ تضعُ يدهَا على خدّها وتعودُ للحديثِ مع نفسها : سأسقيهم الحليبَ أولاً أم أعدُّ لهم ( ساندويتشات ) المرتديلا والحلاوة التي يعشقون ؟في قرارةِ نفسها هي أميلُ إلى إطعامهم الحمّصَ المسلوق الذي يذكّرهم بأيامِ المدرسة ، تقدّمتْ من السّيارةِ بعد أن تهادى إلى سمعها صوتٌ ينطقُ اسمهَا ، دنتْ من الموزّعِ فرِحةً ، نهرَها ، أمرهَا أن تنتظرَ دورهَا ، طوى الأوراقَ التي في يدهِ بقوّة ، أومأَ إلى فتاةٍ جميلةٍ جعلتْ من وجهها لوحةً لكلّ الألوان ، ناولهَا السّلةَ الأخيرةَ في السيّارة ، احتجّتْ " أمُّ عليان " وعلا صوتُها مستنكرةً لأنها تقفُ حسبَ دورِها والسّلةُ من حقّها ، انهالت على الموزّعِ بالدّعاءِ والكلماتِ الجارحة ، لم يبالِ ولم يأبهَ بكلامها ودموعها ، ظلَّ يتابعُ خطواتِ الفتاةِ التي رشقَتْ " أمَّ عليان " بنظراتٍ وقحة ، عاهرة ، وهو يدغدغُ شاربيهِ مخفياً ابتسامةً سافلة .

صلاح الأسعد / دمشق

--------------------------------
* قهـر -صلاح الأسعد- النص الحائز على المرتبة الثالثة في مسابقة الأقصوصة دورة ثانية - الهراديبية

تعليقات

لا توجد تعليقات.
أعلى