علجية عيش - إلى الذين يقفزون على أسوار نوفمبر و لهم قابلية للإستعمار

جمال عبد الناصر اهتزت مشاعره و هو يستمع للنشيد الوطني الجزائري

(الداعية عائض القرني: نشيد قسما يعطي دفعا قويا لتحرير الشعوب)


لم يعد الكلام حول مَنْ يقتل مَنْ في الجزائر بقدر ما عاد الكلام حول من يُحاسب من؟ الصامتون عن التاريخ؟ أم الخائنون له؟، فالأحداث التي شهدتها الجزائر خلال السنوات الأخيرة تتطلب من الجميع مراجعة دقيقة مع الذات قبل كل شيء، ثم الوقوف في تفاصيل ما يحدث و ما المقصود من وراء ذلك، و معرفة من هم الذين لهم ضلع فيها و هذا يعني وضع النقاط على الحروف، لأن الأحداث كلها جاءت متشابكة و مترابطة تدور حول قضية واحدة و هي ضرب مرجعية الجزائر الثورية، لاسيما و أن هذه الأحداث وضعت الملح على الجرح فاشتد النزيف

نعم اشتد النزيف منذ أن أطلق الداعية الإسلامي وجدي غنيم فتوى على هامش ندوة تاريخية بمناسبة إحياء ذكرى يوم الشهيد عندما استقبلته جامعة الأمير عبد القادر للعلوم الإسلامية في سنة 2009 و بعد أن وقف للنشيد و خارج الندوة تحدث في الكواليس عن دلالات الراية الجزائرية و رمزيتها التاريخية، ومنه أطلق فتواه بأن البيتين الأولين من النشيد الوطني الجزائري يبدأ بالكفر و على السلطات العمومية تصحيحهما، و لعل هذه الفتوى اثرت في نفسية الأئمة الذين رفضوا بعدها الوقوف إلى النشيد الوطني باعتبار أن ذلك يُعَدُّ بـِدْعَةٌ من البـِدَعِ، و تم تحويلهم على لجنة التأديب ، ايام الوزير السابق للشؤون الدينية بوعبد الله غلام الله، و القضية الثانية تتعلق بالتقرير الذي صدر بأن فرنسا تباشر إجراءات شطب الجزائر من قائمة دول الخطر، و كأنها هي الوصي الشرعي على الجزائر للأسف اعتبرها البعض مؤشرات بعد المحادثات التي دارت بين رئيس الجمهورية الجزائري و بين أمين عام الإليزيه كلود غيون إثر الزيارة التي قادته إلى الجزائر ، من هنا حُلْمٌ ذبُـلَ زهر نباته على قبر كل شهيد و كل مجاهد أخلص للوطن يرقد اليوم تحت التراب لأن من بيدهم زمام أمورنا لم يحفظوا الأمانة و لم يفوا بما وعدوا به.

مطالبة فرنسا الاعتذار من الشعب الجزائري كانت و لا تزال مجرد خطب سياسية رنانة لكسب ود الشعب الجزائري من أجل البقاء في كراسي المسؤولية كل و طموحه في ماذا يكون: وزيرا أو رئيس حكومة، و بين من يريد مقعدا في البرلمان، و من هناك خيبة أمل تـُحَرِّكُ المرارة في نفس الذين يسمونه (غاشي) عفوا الشعب ، لأنه اعتاد على سماع أغنية واحدة، "الجزائر لكل الجزائريين"، و كانت هذه الأغنية عبارة عن "مُخَدِّرٍ" من نوع خاص، لا ه هروين و لا هو كوكايين، هو مخدر لا تنبت بذرته إلا في الجزائر، لأن صانعي الخطب السياسية فنانون محترفون يلبسون لكل خطبة بدلتها الخاصة..، فمن منبر قاعة عبد الحميد ابن باديس جامعة الأمير عبد القادر للعلوم الإسلامية قسنطينة، فجّر الداعية المصري وجدي غنيم "قُنْبُلَةً" من خلال فتواه قال فيها: "إن النشيد الوطني الجزائري ( قـَسَمًا بالنازلات الماحقات..) يبدأ بالكفر، و طالب الحكومة الجزائرية و الهيئات المختصة بتعديل المقطع الأول من النشيد..

كانت بعض الجماعات الإسلامية، قد هددت الصحافة بأن لا تنشر الخبر في الجرائد حتى لا تحدث ضجة و يُمْنَعُ هذا الداعية من دخول الجزائر مستقبلا، لكن السؤال طـُرحَ في لقاءات سابقة على زعماء أحزاب، ثم تم طرحه على وزير الشؤون الدينية نفسه في زياراته السابقة التي قادته إلى ولاية قسنطينة، وكان رد الوزير أنه لا يعرف شخص اسمه وجدي غنيم ، و ربما كان جوابه من باب الاحتقار أو الاستخفاف بالرجل ، أو خجلا من نفسه، و هروبا من الإجابة، طبعا لا يهم من يكون قائله طالما أنه تعدى حدود اللياقة بتكفير شعب بأكمله و ضربه الهوية الوطنية، أم أن الوزير لا يريد أن يورط نفسه في هكذا قضايا خاصة إذا كانت متعلقة بالجماعات الإسلامية..، لم يعد في الجزائر جيل يؤمن بالثورة ومبادئها، فجيل نوفمبر هو في انقراض مستمر و من بقوا على قيد الحياة لزموا "الصمت" و فضلوا الطلاق السياسي أو العزلة السياسية، سيما و التاريخ فيه الكثير من المغالطات و التناقضات ، بحيث ما يزال مسلسل الاغتيالات التي طالت قيادات الثورة يلفه الغموض، وما قضية المجاهدين المزيفين إلا دلالة على أن تاريخ الجزائر تعرض إلى الشـُّبُهَاتِ، دون أن يفكر أحد في غربلته.

كانت النتيجة أن الجيل الحالي أصيب بالإحباط و اليأس ، فأصبح يبحث عن الانتقال إلى الضفة الأخرى عبر قوارب الموت ، لولا الحراك الشعبي الذي انطلق في 2019 ، أي بعد 10 سنوات من صدور هذه الفتوى، حراك كان بمثابة الهبّة الشعبية استطاع الحراكيون أن يغيّروا قليلا من الأمور، السؤال الذي من الواجب أن نطرحه هو: من هم الجزائريون؟..، إنهم "الفلاقة" و قـٌطـَّاعُ الطـُّرُق.. إنهم الإرهابيين" في الجبل..، هكذا وصفت فرنسا الشعب الجزائري البطل قبل وبعد فترة الاستعمار، و خططت لتدمر هويته الوطنية.. من ترضى عنه فرنسا تُحوله إلى "قايد" gaid و هو اسم لعنوان الخيانة الوطنية و السؤال يطرح نفسه: من يعيد شرف الفتيات اللائي اغتصبن على يد الاستعمار؟ من يعيد أولئك الذين دفنوا أحياء؟ ، قد يقول قائل ( تبعي و خائن) سؤال لا يجب أن نطرحه بل يجب أن ننسى كل هذا، يجب أن نتنازل باسم التطبيع ، و يجب على هذا "الغاشي" (عفوا الشعب) أن ينحني أمام صاحبة الجلالة " فرنسا" طالما هو يتغذى من منتوجها (القمح) ويغطي جلده بألبسة منقوش فيها اسم "لاكوست" ، و طالما هو يعتمد على إطاراتها في إنجاز مشاريعه، يجب على هذا الغاشي أن يصمت و أن يقفز فوق أسوار نوفمبر، وأن يدفن ذاكرته الوطنية في قصر الإليزيه لأن هذه الذاكرة في الألفية الثالثة تعبر عن لغة الخشب..، إن التوقيع بـِجَرّةِ قلم على اتفاقيات عمل بين الجزائر و فرنسا معناه التوقيع و بجرة قلم كذلك على مسح الذاكرة الوطنية ، طبعا " إرضاء الناس غاية لا تدرك" مقولة أطلقها من يؤمنون بالثقافة التبريرية، و هي أكبر أكذوبة في تاريخ البشرية.

لقد أثبتت هذه المقولة العكس في الجزائر، إذ بإمكانك أن تـُرْضِي الغير أو الآخر.. بشيء من التنازل فقط ، حتى لو كان على حساب الكرامة و السيادة الوطنية، طالما هناك أناس لهم مصلحة مع فرنسا، خاصة مزدوجي الجنسية من الجزائريين الحاملين الجنسية الفرنسية، المهم هو أن ترضى عنّا صاحبة الجلالة فرنسا، حتى لو تطلب الأمر التغاضي عن مطالبتها الاعتذار من الشعب الجزائري، و هو مطلب لن ترضخ له فرنسا، لأنه ببساطة لا يمكنها أن تسمح في فقدان المئات من ضباطها و جنودها الذين خسرتهم إبان الثورة التحريرية الكبرى ، و لن تسمح في ما خسرته من أجهزة الطيران و بالتالي فهي تعمل على تعويض هذه الخسائر التي أفلست ميزانيتها، و قد يصل بها الأمر إلى أن تطالب الحكومة الجزائرية بأن تعوضها عما شيدته من مباني و جسور في الفترة التي كانت تحتل فيها الجزائر ، على أساس البقاء فيها و جعل من الجزائر إمبراطورية مسيحية، لقد أصبحت فرنسا وليّ أمر الجزائريين، وهي تباشر هذه الإجراءات لشطب الجزائر من قائمة دول الخطر، و هذا يعني أنها هي التي تقرر في مصائر 44 مليون جزائري، بدليل أن ملف قانون تجريم الاستعمار ما يزال حبيس أدراج البرلمان، و هي التي اتهمت الجزائريين بعملاء موسكو و عملاء القاهرة وواشنطن و..و..الخ، وربما هي الأسباب التي أعادت للجزائريين ثقافة الجبل فيما عرف بالعشرية السوداء..

و جاء من يرد على وجدي غنيم

محمد لحسن زغيدي: مفدي زكريا ينحت من القرآن

لا يزال في الجزائر رجال أمنوا بالقلم و جعلوه سلاحا في وجه الباطل ، فهذا الدكتور محمد لحسن زغيدي استاذ التاريخ بجامعة الجزائر ردّ و بلهجة حادة على الداعية الإسلامي وجدي غنيم، و في سؤال حول فتوى الداعية الإسلامي وجدي غنيم بأن المقطع الأول من النشيد الوطني الجزائري " قسما " يبدأ بالكفر و شرح معني البيتين الأولين، حيث ردّ الدكتور زغيدي أن هذا الداعية قرأ نقدا ظاهريا و ليس نقدا باطنيا، و لا أحد يشك في إيمان الشاعر مفدي زكريا، و قال أن الشاعر مفدي زكريا كان يخاطب أمّة القرآن، بدليل أن الرئيس المصري جمال عبد الناصر لما سمع النشيد الوطني الجزائري سأل محيطه حول هوية كاتبه ، فأخبروه بأنه واحد من الأمازيغ الجزائريين، فردّ قائلا: "بل هو العربيُّ القُحْ و أنا الأمازيغي، و مفدي زكريا يعي ما يقول"، و استدل الدكتور محمد لحسن زغيدي بشاعر الرسول (ص) حسان بن ثابت عندما قال هناك بعض الأبيات لا يُسْمَحُ لغيره أن يقولها، و أوضح المتحدث أن الجزائر أنجبت علماء و مصلحون و ذكر على سبيل المثال الإمام المفتي الشيخ حماني رحمه الله، و قال أن هؤلاء ظلوا صامدين و هم يواجهون ثقافة التغريب دفاعا عن مقدسات الأمة الإسلامية و القيم النبيلة لثورة نوفمبر المجيدة، و ما بدلوا تبديلا.

و بالعودة إلى النشيد الوطني الجزائري " قسما" فقد نظمه الشاعر مفدي زكريا بتاريخ 23 أفريل 1955 بسجن بربروس في الزنزانة رقم 69 و لحنه الموسيقار محمد فوزي، و كان الداعية الإسلامي وجدي غنيم و من منبر جامعة الأمير عبد القادر للعلوم الإسلامية عندما زارها في سنة 2009 ، على هامش ملتقى الشيخ محمد الغزالي و من داخل الكواليس دعا الحكومة الجزائرية بضرورة تعديل المقطع الأول من النشيد الوطني "قسمًا" القائل: "قسما بالنازلات الماحقات.. و الدماء الزاكيات الطاهرات" على أساس أن هذا المقطع يبدأ بالشرك و هو يدعو الى الكفر بالله ، و أوضح أن دعوته إلى تصحيح المقطع الأول من النشيد ليس انتقادا لتاريخ الثورة و أبطالها أو التقليل من شأن كاتبه و ملحنه، بل قراءة هذا المقطع هو ضرب من الشرك و الكفر، لأنه لا يجوز حسبه "القسم" بغير الله ، و قال: من حَلَفَ بغير الله فقد كفر و أشرك بالله، و من كان حالفا فلا يحلف إلا بالله، و عليه قال الداعية الإسلامي وجدي غنيم حبذا لو تُعَدِّلُ الحكومة الجزائرية المقطع و ذلك بالقول: "قسما برب النازلات الماحقات"..، ثم أضاف إنني أرى ببلدي الجزائر الأول بلد الجهاد و الشهداء أن تبدأ شعارها بذكر الله الواحد، هكذا عبر الداعية الإسلامي وجدي غنيم الذي اشار الى أن وقوفه الى النشيد الوطني كان تقديرا للحكومة الجزائرية و شعبها الأصيل و لرئيسها عبد العزيز بوتفليقة، و إجلالا لأرواح الشهداء.

أما الداعية الإسلامي "عائض القرني" عند زيارته الى الجزائر بعد قراءته النشيد الوطني "قسمًا" بمقاطعه الخمس أثنى على كاتب القصيدة و كان هذا النشيد بالنسبة لهذا الداعية أجمل ما قرأه في حياته و هو المولوع بالشعر، و اعتبر القرني أن نشيد قسما يهز الوجدان و يخاطب العاطفة و العقل معًا، و أن عزفه يذكر الأمة العربية بمراحل نضال و كفاح الشهداء و المجاهدين من أجل استقلال الجزائر و يعطي دفعا قويا لتحرير الشعوب، و هنا نقف على نقاط الإختلاف بين الداعيتين في وجهات نظر كل واحد، بين مؤيد و معارض و بين محلل و مكفر ( أو محرم )، سيما و قضية النشيد الوطني الجزائري أعطيت له أبعادا و دار حوله جدلا كبيرا، خاصة بعد الحادثة الأخيرة عندما لجأت بعض الأطراف المعادية الى بتر جزء من هذه "الرائعة" و هي عبارة "يا فرنسا وتضمنت كتاب السنة الخامسة ابتدائي من مادة التربية المدنية، و أثارت ضجة كبرى أمام الجهات المسؤولة و على رأسها وزارة المجاهدين التي اعتبرت النشيد الوطني قسما نشيدًا رسميا مؤسسا بقانون و هو يدخل في خانة المقدسات و طالبت وزارة التربية الوطنية الإسراع الى تصحيح الخطأ، تجدر الإشارة أن النشيد الوطني الجزائري تعرض لكثير من الهزات و محاولات حذف بعض مقاطعه أيام الرئيس الشاذلي بن جديد و كانت ضغوطات لحذف مقطع "يا فرنسا"، كما أن بعض الجماعات السلفية راحت هي الأخرى بالقول الى تكفير عازفي النشيد الوطني و مردديه، لأن النازلات الماحقات هي قنابل فرنسا على حد قولهم، ما دفع ببعض الأئمة إلى رفض الوقوف أمام النشيد الوطني، زعما منهم بأن الوقوف له بدعة.

علجية عيش ( ورقة خاصة)

تعليقات

لا توجد تعليقات.
أعلى