حسب القواميس العربية، المَعقِل هو الحِصن أو الملجأ. والديمقراطية٠ هي طريقة الحكم التي تكون فيها السيادة للشعب. أو بعبارة أخرى، هي حُكم الشعب من طرف الشعب. فما معنى عنوانُ هذه المقالة الذي هو "معقِل اليمقراطسة"؟؟
المقصود من "معقِل الديمقراطية" هو المكان الذي تتحصَّن فيه سيادة الشعب ليحكمَ نفسَه بنفسه. وهذا يعني أن الديمقراطية، في هذا المكان أو في هذا ألمعقِل، مُحصََّنة، أي محمية، قوية ومَصونة. وبعبارة أخرى، "معقِل الديمقراطية" هو المكان الذي تُطبَّق فيه الديمقراطية بحذافيرها، أي برمَّتِها. وأهمُّ حِذفارٍ (جانب) يستوجِبُه هذا التَّطبيق هو احترام الإنسان للإنسان بالمعنى الإنساني لهذا الإنسان. كما أن على هذا الإنسان أن يحترم هذه الديمقراطية. والاحترام المتبادل بينهما هو أساس نجاح واستمرار الديمقراطية بمعناها النبيل.
قد يقول قائلٌ إن معقِلا للديمقراطية، كما هو موصوف أعلاه، لا يوجد إلا في الخيال fictif، بمعنى أنه مثالي idéal، أي أنه نوع من التَّرف الفكري. نعم وبكل تأكيد. لماذا؟
لأن الإنسانَ هو صانع الديمقراطية. وسلوك الإنسان يتأرجح بين الصواب والخطأ، بل بين الخير والشر وبين الطيب والخبيث وبين الحق والباطل… مصداقا لقوله سبحانه وتعالى: "خُلِقَ الْإِنسَانُ مِنْ عَجَلٍ سَأُرِيكُمْ آيَاتِي فَلَا تَسْتَعْجِلُونِ (الانبياء، 37)، أي أن الإنسانَ قليل الصبر إذ من طبعِه الاستعجالُ ليسبِقَ الأحداثَ. أو مصداقا لقوله، عزَّ وحلَّ : "يُرِيدُ اللَّهُ أَن يُخَفِّفَ عَنكُمْ وَخُلِقَ الْإِنسَانُ ضَعِيفًا (النساء، 28)، أي أن الإنسانَ مخلوقٌ ضعيفُ الإرادة والعزيمة والصبر… إن لم يكن ضعيفَ الإيمان…
ولهذا، فلكل مكان (بلد) أو معقِلٍ ديمقراطيتُه. وهذا يعني أن الديمقراطية، إن كان معناها لغويا واحد، فتطبيقُها على أرض الواقع يختلف من بلد إلى آخر. ولهذا، فديمقراطية العالم المتقدِّم ليست هي ديمقراطية العالم النامي. وديمقراطية أغلب دول الشمال ليست هي ديمقراطية دول الجنوب.
وهذا يعني أن ديمقراطية بلدان بعينها أحسن وأجود وأفضل من ديمقراطية بلدان أخرى. بل إن بلدانا كثيرة تدَّعي الديمقراطية وهي بعيدة كل البعد عن هذه الأخيرة. في هذه البلدان، يُلاحَظ فرقٌ شاسع بين ما هو مكتوبٌ في الدساتير والقوانين وبين ما يجري على أرض الواقع. الدساتير والقوانين تجعلك تتخيَّل أنك تعيش في جنة ونعيم والواقع ينقلك، طوعاً أو كُرهاً، إلى الجحيم. وهناك بلدان لا يوجد فرقٌ يُذكر بين الدساتير والقوانين من جهة، وبين الواقع، من جهة أخرى. ولعل أكثرَ البلدان انخراطا في الديمقراطية، هي البلدان الإسكندنافية (النرويج، السويد والدانمارك) إضافة إلى فِلندا Finlande وإسلندا Islande. فمتى يمكننا أن نتحدَّثَ عن "معقِل الديمقراطية"؟ يمكننا أن نتحدَّثَ عن "معقل الديمقراطية" حينما يكون/تكون:
1.مبدأ دولة الحق والقانون État de droit فوق كل الاعتبارات.
2.المواطنون متساوين أمام القانون.
3.المواطنون متمتِّعين بحقوقهم كاملة ويؤدون واجباتهم كاملة
4.للمواطنون حرية الرأي والتَّعبير في حدود ما يسمح به القانون.
5.للرجل وللمرأة، كبشر، نفس الحقوق والواجبات.
6.مستوى تعليم و وعيِ المواطنين مرتفعا.
7.المنظومة التربوية والمنظومة الصحية ذاتي جودة عالية.
8.توزيع الثروةُ التي يُنتِجها الاقتصادُ مبنياً على الإنصاف والاستحقاق.
9.الفوارق الاجتماعية منعدمةً أو تكاد.
10.التَّغطية الاجتماعية والصحية مُؤَمَّنة بالكامل.
11.مستوى الأمية بين المواطنين منعدما أو يكاد.
12.المشهد السياسي والحياة العامة خاليين، أو يكادان، من الفساد والرشوة والزبونية والمحسوبية…
13.الفصلُ واضحا بين السلطات التَّشريعية، التَّنفيذية و القضائية.
14.المشهد السياسي مُتعدِّدَ الأحزاب.
15.الشعبُ محمِيا قانونيا ومؤسساتيا من الانحرافات الاستبدادية والدكتاتورية التي قد تنتج عن فرد أو جماعة من الأفراد.
16.الصالحُ العام هو الشغل الشاغل للسياسيين.
17.مبدأ "ربط المسئولية بالمحاسبة" مُطبَّقا على أرض الواقع بدون تمييز بين المواطنين.
18.الوصول إلى السلطة وممارستها مبنيين على احترام القانون.
19.الانتخابات نزيهةً، حرةً وشفافة ومعبِّرة عن إرادة الشعب.
20.الإعلامُ نزيها، حرا، مستقلا، محايدا ومتعدِّدَ الوسائط والتَّوجُّهات.
21.استقالة الوزراء من مناصبهم الحكومية وسيلةً من وسائل الاعتراف بعدم القدرة على تحمُّل المسئولية أو الفشل في أداء المهام.
22.الاقتصاد اقتصادا وطنيا يعود إنتاجُه للثروة بالنفع على الشعب…
بعد هذه التَّوضيحات، السؤال الذي يتبادر للذهن هنا هو : "هل بالإمكان أن تًعتَبَرَ بلادُنا معقِلاً للديمقراطية"؟
الجواب على هذا السؤال، بكل بساطة، هو لا. بإمكاننا أن نقول إن بلادَنا تعيش انتقالا ديمقراطيا. لكن أن تكون معقلا للديمقراطية، فهذا شيء لا تسمح به الظروف السياسية الحالية للبلاد. لماذا؟
1.لأن المشهد السياسي الذي هو المحرِّك الأساسي للديمقراطية، فاسدٌ حتى النخاع. وفساد المشهد السياسي من فساد الأحزاب السياسية. أحزاب سياسية قياداتُها انتهازية لا يهمها من ممارسة السياسة إلا الوصول إلى السلطة. أحزاب سياسية تعتبر الديمقراطيةَ مجرَّد مَطِيَةٍ تركبها هذه الأحزاب لتحقيق مآرِب تتنافى وتتناقض مع هذه الديمقراطية. أحزابٌ أفسدت السياسة وأفسدت كل ما هو نبيلٌ في ممارستِها.
2.لأن أهمَّ مبدأ الذي هو دولة الحق والقانون، من المستحيل أن يتساكنَ مع مشهد سياسي فاسد. وإذا غابت دولة الحق والقانون، ضاع القانون. وإذا ضاع القانون، ضاعت الحقوقُ. وإذا ضاعت الحقوقُ، ضاع المواطنون. وإذا ضاع المواطنون، ضاعت السِّلمُ الاجتماعية.
3.لأن جُل الشروط المشار إليها أعلاه غير متوفِّرة. وإذا وُجِدت، فإنها منقوصة. ومن الشروط غير المتوفرة، أذكر على سبيل المثال عدمَ تجسيد مبدأ ربط المسؤولية بالمحاسبة على أرض الواقع. وعدم تجسيده على أرض الواقع، فتح ويفتح البابَ على مصراعيه لاتساع رقعة الفساد. وإلى حد الآن، لم نر أية حكومة من الحكومات المتعاقبة على تدبير الشأن العام، حاربت الفسادَ بحزم وعزم وإرادة سياسية قوية…
فأين نحن من الديمقراطية ومن ما يترتَّب عنها من فوائد ومزايا وخصائص. ما هو مؤكَّد هو أن ضروريات بناء الديمقراطية من أحزاب سياسية وانتخابات وبرلمان وحكومة منبثقين من هذه الانتخابات … متوفرة. وما يجب القيام به لترسيخ الديمقراطية، هو أولا، الإيمانُ بها ثم ثانيا، تطبيقها تطبيقا صارما على أرض الواقع علما أنه من الصعب أن تتساكنَ الديمقراطية مع الأمية والجهل والفساد. ومن الصعب كذلك أن تتساكنَ الديمقراطيةُ مع شريحة تعيش على اقتصاد الريع. ومن الصعب كذلك أن تتساكنَ الديمقراطيةُ وشريحةٌ عريضةٌ من المواطنين مَقصِيةٌ من دورة الاقتصاد. ما يمكن قولُه هو أن بلادَنا تمر من تجربة ديمقراطية جميع المواطنين يتمنون أن تُكلَّلَ بالنجاح.
المقصود من "معقِل الديمقراطية" هو المكان الذي تتحصَّن فيه سيادة الشعب ليحكمَ نفسَه بنفسه. وهذا يعني أن الديمقراطية، في هذا المكان أو في هذا ألمعقِل، مُحصََّنة، أي محمية، قوية ومَصونة. وبعبارة أخرى، "معقِل الديمقراطية" هو المكان الذي تُطبَّق فيه الديمقراطية بحذافيرها، أي برمَّتِها. وأهمُّ حِذفارٍ (جانب) يستوجِبُه هذا التَّطبيق هو احترام الإنسان للإنسان بالمعنى الإنساني لهذا الإنسان. كما أن على هذا الإنسان أن يحترم هذه الديمقراطية. والاحترام المتبادل بينهما هو أساس نجاح واستمرار الديمقراطية بمعناها النبيل.
قد يقول قائلٌ إن معقِلا للديمقراطية، كما هو موصوف أعلاه، لا يوجد إلا في الخيال fictif، بمعنى أنه مثالي idéal، أي أنه نوع من التَّرف الفكري. نعم وبكل تأكيد. لماذا؟
لأن الإنسانَ هو صانع الديمقراطية. وسلوك الإنسان يتأرجح بين الصواب والخطأ، بل بين الخير والشر وبين الطيب والخبيث وبين الحق والباطل… مصداقا لقوله سبحانه وتعالى: "خُلِقَ الْإِنسَانُ مِنْ عَجَلٍ سَأُرِيكُمْ آيَاتِي فَلَا تَسْتَعْجِلُونِ (الانبياء، 37)، أي أن الإنسانَ قليل الصبر إذ من طبعِه الاستعجالُ ليسبِقَ الأحداثَ. أو مصداقا لقوله، عزَّ وحلَّ : "يُرِيدُ اللَّهُ أَن يُخَفِّفَ عَنكُمْ وَخُلِقَ الْإِنسَانُ ضَعِيفًا (النساء، 28)، أي أن الإنسانَ مخلوقٌ ضعيفُ الإرادة والعزيمة والصبر… إن لم يكن ضعيفَ الإيمان…
ولهذا، فلكل مكان (بلد) أو معقِلٍ ديمقراطيتُه. وهذا يعني أن الديمقراطية، إن كان معناها لغويا واحد، فتطبيقُها على أرض الواقع يختلف من بلد إلى آخر. ولهذا، فديمقراطية العالم المتقدِّم ليست هي ديمقراطية العالم النامي. وديمقراطية أغلب دول الشمال ليست هي ديمقراطية دول الجنوب.
وهذا يعني أن ديمقراطية بلدان بعينها أحسن وأجود وأفضل من ديمقراطية بلدان أخرى. بل إن بلدانا كثيرة تدَّعي الديمقراطية وهي بعيدة كل البعد عن هذه الأخيرة. في هذه البلدان، يُلاحَظ فرقٌ شاسع بين ما هو مكتوبٌ في الدساتير والقوانين وبين ما يجري على أرض الواقع. الدساتير والقوانين تجعلك تتخيَّل أنك تعيش في جنة ونعيم والواقع ينقلك، طوعاً أو كُرهاً، إلى الجحيم. وهناك بلدان لا يوجد فرقٌ يُذكر بين الدساتير والقوانين من جهة، وبين الواقع، من جهة أخرى. ولعل أكثرَ البلدان انخراطا في الديمقراطية، هي البلدان الإسكندنافية (النرويج، السويد والدانمارك) إضافة إلى فِلندا Finlande وإسلندا Islande. فمتى يمكننا أن نتحدَّثَ عن "معقِل الديمقراطية"؟ يمكننا أن نتحدَّثَ عن "معقل الديمقراطية" حينما يكون/تكون:
1.مبدأ دولة الحق والقانون État de droit فوق كل الاعتبارات.
2.المواطنون متساوين أمام القانون.
3.المواطنون متمتِّعين بحقوقهم كاملة ويؤدون واجباتهم كاملة
4.للمواطنون حرية الرأي والتَّعبير في حدود ما يسمح به القانون.
5.للرجل وللمرأة، كبشر، نفس الحقوق والواجبات.
6.مستوى تعليم و وعيِ المواطنين مرتفعا.
7.المنظومة التربوية والمنظومة الصحية ذاتي جودة عالية.
8.توزيع الثروةُ التي يُنتِجها الاقتصادُ مبنياً على الإنصاف والاستحقاق.
9.الفوارق الاجتماعية منعدمةً أو تكاد.
10.التَّغطية الاجتماعية والصحية مُؤَمَّنة بالكامل.
11.مستوى الأمية بين المواطنين منعدما أو يكاد.
12.المشهد السياسي والحياة العامة خاليين، أو يكادان، من الفساد والرشوة والزبونية والمحسوبية…
13.الفصلُ واضحا بين السلطات التَّشريعية، التَّنفيذية و القضائية.
14.المشهد السياسي مُتعدِّدَ الأحزاب.
15.الشعبُ محمِيا قانونيا ومؤسساتيا من الانحرافات الاستبدادية والدكتاتورية التي قد تنتج عن فرد أو جماعة من الأفراد.
16.الصالحُ العام هو الشغل الشاغل للسياسيين.
17.مبدأ "ربط المسئولية بالمحاسبة" مُطبَّقا على أرض الواقع بدون تمييز بين المواطنين.
18.الوصول إلى السلطة وممارستها مبنيين على احترام القانون.
19.الانتخابات نزيهةً، حرةً وشفافة ومعبِّرة عن إرادة الشعب.
20.الإعلامُ نزيها، حرا، مستقلا، محايدا ومتعدِّدَ الوسائط والتَّوجُّهات.
21.استقالة الوزراء من مناصبهم الحكومية وسيلةً من وسائل الاعتراف بعدم القدرة على تحمُّل المسئولية أو الفشل في أداء المهام.
22.الاقتصاد اقتصادا وطنيا يعود إنتاجُه للثروة بالنفع على الشعب…
بعد هذه التَّوضيحات، السؤال الذي يتبادر للذهن هنا هو : "هل بالإمكان أن تًعتَبَرَ بلادُنا معقِلاً للديمقراطية"؟
الجواب على هذا السؤال، بكل بساطة، هو لا. بإمكاننا أن نقول إن بلادَنا تعيش انتقالا ديمقراطيا. لكن أن تكون معقلا للديمقراطية، فهذا شيء لا تسمح به الظروف السياسية الحالية للبلاد. لماذا؟
1.لأن المشهد السياسي الذي هو المحرِّك الأساسي للديمقراطية، فاسدٌ حتى النخاع. وفساد المشهد السياسي من فساد الأحزاب السياسية. أحزاب سياسية قياداتُها انتهازية لا يهمها من ممارسة السياسة إلا الوصول إلى السلطة. أحزاب سياسية تعتبر الديمقراطيةَ مجرَّد مَطِيَةٍ تركبها هذه الأحزاب لتحقيق مآرِب تتنافى وتتناقض مع هذه الديمقراطية. أحزابٌ أفسدت السياسة وأفسدت كل ما هو نبيلٌ في ممارستِها.
2.لأن أهمَّ مبدأ الذي هو دولة الحق والقانون، من المستحيل أن يتساكنَ مع مشهد سياسي فاسد. وإذا غابت دولة الحق والقانون، ضاع القانون. وإذا ضاع القانون، ضاعت الحقوقُ. وإذا ضاعت الحقوقُ، ضاع المواطنون. وإذا ضاع المواطنون، ضاعت السِّلمُ الاجتماعية.
3.لأن جُل الشروط المشار إليها أعلاه غير متوفِّرة. وإذا وُجِدت، فإنها منقوصة. ومن الشروط غير المتوفرة، أذكر على سبيل المثال عدمَ تجسيد مبدأ ربط المسؤولية بالمحاسبة على أرض الواقع. وعدم تجسيده على أرض الواقع، فتح ويفتح البابَ على مصراعيه لاتساع رقعة الفساد. وإلى حد الآن، لم نر أية حكومة من الحكومات المتعاقبة على تدبير الشأن العام، حاربت الفسادَ بحزم وعزم وإرادة سياسية قوية…
فأين نحن من الديمقراطية ومن ما يترتَّب عنها من فوائد ومزايا وخصائص. ما هو مؤكَّد هو أن ضروريات بناء الديمقراطية من أحزاب سياسية وانتخابات وبرلمان وحكومة منبثقين من هذه الانتخابات … متوفرة. وما يجب القيام به لترسيخ الديمقراطية، هو أولا، الإيمانُ بها ثم ثانيا، تطبيقها تطبيقا صارما على أرض الواقع علما أنه من الصعب أن تتساكنَ الديمقراطية مع الأمية والجهل والفساد. ومن الصعب كذلك أن تتساكنَ الديمقراطيةُ مع شريحة تعيش على اقتصاد الريع. ومن الصعب كذلك أن تتساكنَ الديمقراطيةُ وشريحةٌ عريضةٌ من المواطنين مَقصِيةٌ من دورة الاقتصاد. ما يمكن قولُه هو أن بلادَنا تمر من تجربة ديمقراطية جميع المواطنين يتمنون أن تُكلَّلَ بالنجاح.