1- تأمُّلات في واقع القصة القصيرة: قصتنا الفلسطينية مثالاً
عرفت الحركة الأدبية الفلسطينية القصة القصيرة منذ الربع الأول من القرن العشرين، فقد كانت أول مجموعة قصصية هي "مسارح الأذهان" (1924) لخليل بيدس. والطريف أن صاحبها الذي أصدر قبل أربع سنوات من إصدارها رواية، الطريف أنه صدرها بمقدمة عن الفن الروائي، لا عن فن القصة القصيرة، وثمة ما بين القصة القصيرة والرواية فوارق لا تخفى على الدارسين. هل اختلط الأمر على بيدس الذي لم يزد حجم روايته "الوارث" (1920) على مائة وعشرين صفحة؟ وهل "الوارث" أصلاً رواية أم أنها قصة طويلة؟
حتى العام 1948 صدرت مجموعات قصصية قليلة لا تزيد على عدد أصابع اليد، ولم يكن الكُتّاب، أيضاً، يزيدون على عدد أصابع اليد. "مسارح الأذهان" (1924) و"أول الشوط" (1937) و"قصص أخرى" (1944). بيدس والإيراني وعبد الحميد يس ونجاتي صدقي وعارف العزوني، والأخيران، حتى العام 1948 لم يصدرا أي مجموعة قصصية.
سيتوقف بيدس عن كتابة الرواية والقصة القصيرة، وسيموت في المنفى (1949)، فيما سيواصل صدقي والإيراني كتابة القصة القصيرة، وسيخلصان لها ولن يكتبا في أجناس أدبية أخرى كالشعر أو الرواية. وسيواصل، في المنفى، كتاب جدد كتابة القصة القصيرة: جبرا إبراهيم جبرا وسميرة عزام وغسان كنفاني. أصدر الأول مجموعة واحدة ثم طالب الكتّاب بالتحول عن كتابة القصة القصيرة إلى كتابة الرواية، وهذا ما فعله، فأصدر العديد من الروايات. لماذا تحول جبرا عن كتابة القصة القصيرة إلى الرواية؟ "القصة القصيرة فن سهل سريع، لا يستطيع استيعاب تجربته كما تستطيع الرواية ذلك" و"الرواية هي الفن الأصعب.. فأنا إذاً أطالب كتّابنا بالفن الأصعب".
لم تأخذ سميرة عزام برأي جبرا، فقد أخلصت لفن القصة القصيرة وأصدرت خمس مجموعات قصصية، وحاولت أن تكتب رواية غير أنها لم تكملها، واختلف عنها غسان كنفاني الذي بدأ قاصّاً يكتب القصة القصيرة، ثم تحول عن كتابتها ليكتب الرواية، وما أصدره في 60 ق 20، وما عكف على إنجازه في بداية 70 ق 20 ولم يُتمّه لاستشهاده، يقول لنا: إن غسان مال، مثل جبرا، إلى فن الرواية. هل زمننا هو زمن الرواية لا زمن القصة القصيرة؟ وهل الأمر يقتصر على الكتّاب الفلسطينيين؟
في العام 2011 ترجم السعودي ناصر الحجيلان كتاب (تشارلز ماي) القصة القصيرة: حقيقة الإبداع: نحو تقييم التطور التاريخي ودراسة الخصائص النوعية للقصة القصيرة" وفيه يثير المؤلف أسئلة عديدة حول واقع القصة القصيرة، وهي أسئلة لطالما أثيرت، أيضاً، من قبل، وتحديداً في النصف الأول من القرن العشرين، من ذلك مثلاً أنه في الأعوام 1909 و1913 و1917 صدرت ثلاثة كتب نظرية عن فن القصة القصيرة، وإثرها طالب عدد من القراء والنقاد بإنهاء هذا العمل، "فامتلأت الدوريات الجيدة بمقالات حول "انحطاط" القصة القصيرة و"تآكلها" و"خرفها". وقد أوجز (جيلبرت سيلدز) ردّات الفعل الأكثر تطرفاً في دورية "ذا ديال" عام 1922 حيث قال: "القصة الأميركية القصيرة على كل الأوجه هي العمل الفني الأضعف، والأسخف، الذي يعدم الدلالة في كل ما أنتج في هذه البلاد أو في أي بلاد أخرى" (ص 250).
هل كلام الناقد السابق كلام مبالغ فيه؟ وهل هو من أعداء القصة القصيرة؟
منذ ثلاثين عاماً وأنا أُتابع، كل عام، يوم الخميس، خبر إعلان اسم الفائز باسم جائزة (نوبل) للآداب، والجنس الأدبي الذي يكتب فيه. هل منحت، خلال هذه الأعوام، إلى كاتب قصة قصيرة؟ غالباً ما تمنح هذه الجائزة للرواية، وقليلاً ما تمنح للشعر، ونادراً، بل ونادراً جداً، ما تمنح للقصة القصيرة؟ لماذا؟ ألأن القصة القصيرة، قياساً إلى الشعر والرواية، فن حديث النشأة. تضرب جذور الشعر عميقاً في التاريخ، فيما تعود نشأة الرواية إلى خمسة قرون خلت، لا إلى قرن ونصف فقط، كما هو حال القصة القصيرة. أيعود الأمر إلى الانتشار والتوزيع وتلقّي القرّاء للأجناس الأدبية؟ كم تبيع الرواية؟ كم يبيع الشعر؟ كم تبيع القصة القصيرة؟ الرواية تبيع، إذا نجحت رواية، ملايين النسخ، وسرعان ما تترجم. الشعر لا يبيع، في أحسن الأحوال، بضعة آلاف نسخة، فكم تبيع القصة القصيرة، لأبرز كتّابها؟ مرة قرأت مقالاً لكاتب مصري يقول فيه: إن عدد كتّاب القصة القصيرة في مصر أكثر من عدد قرائها. وربما احتجنا إلى دراسة أدبية اجتماعية توضح لنا، هنا في فلسطين، عدد كتّاب القصة القصيرة، وعدد قرائها، وعدد النسخ التي تباع لأبرز كتّابها. سأجتهد قليلاً. أبرز شاعر فلسطيني هو محمود درويش، وأبرز روائيَّين فلسطينيين هما: غسان كنفاني وإميل حبيبي، وأبرز كاتبي قصة قصيرة في الضفة الغربية هما: محمود شقير وأكرم هنية؟ كم طبعة طبعت أعمال درويش، وكم طبعة طبعت روايات كنفاني وحبيبي، وكم طبعة طبعت أعمال شقير وهنية؟ وماذا عن تلقّي أشعار درويش وروايات كنفاني وحبيبي وقصص شقير وهنية نقدياً؟ ولا أُنكر أن قصص شقير وهنية لفتت أنظار النقاد، ولكنها قياساً إلى أشعار درويش وروايات كنفاني وحبيبي، لكنها ـ أعني الدراسات النقدية ـ تظلّ متواضعة.
أعود إلى نصيحة جبرا وتجربته "إن القصة القصيرة فن سهل إذا قُورن بالعمل الأكبر الرواية.. فأنا إذاً أطالب كتّابنا بالفن الأصعب". هل القصة القصيرة فن سهل والفن الأصعب هو الرواية؟ هل انطلق جبرا في حكمه من خلال تجربة شخصية أم من خلال قراءاته لتنظيرات كتّاب فن القصة القصيرة في الغرب، التنظيرات التي أشرت إليها آنفاً؟
أيّاً كان الأمر فإن نظرةً على مشهدنا القصصي الفلسطيني تقول لنا إن أكثر أدبائنا لبُّوا طلب جبرا، حتى وإن لم يكونوا قرأوه. ثمة عدد لا بأس به من كتّاب القصة القصيرة تحولوا إلى كتابة الرواية وهجروا القصة نهائياً، وثمة عدد لا بأس به ممن أخلصوا لفن القصة القصيرة لجأوا في العقد الأخير إلى كتابة عمل روائي، ولهذا دلالاته لا شك.
حبيبي وجبرا ويحيى يخلف وعزت الغزاوي هجروا عالم القصة القصيرة إلى عالم الرواية كلياً. هل يختلف عنهم، أيضاً، توفيق فياض؟
رشاد أبو شاور وليانة بدر وغريب عسقلاني ومحمد أيوب لم يتوقفوا عن كتابة القصة القصيرة، ولكنهم أصدروا أكثر من رواية، ومثلهم حنا إبراهيم، أيضاً.
محمود شقير ومحمد علي طه وأكرم هنية عُرفوا كتّاب قصة قصيرة بالدرجة الأولى، والأوّلان مالا إلى كتابة الرواية، فأصدرا عملاً روائياً. ولذلك دلالاته. وهناك مقولة تقول: إن زمننا هو زمن الرواية لا زمن الشعر، فهل هو زمن الرواية لا زمن القصة القصيرة، وللتأمُّلات بقيّة.
عادل الأسطة
2012-10-14
***
2- تأمّلات في واقع القصّة القصيرة (على هامش معرض الكتاب) هل أخلص كُتّاب القصّة القصيرة لها؟
إذا ما ألقى الدارس نظرةً على كُتّاب مجلة "الأفق الجديد" التي صدرت في 60 ق20 وتابع مسيرتهم ونهاياتهم فماذا يلاحظ؟ أبرز كُتّاب جيل "الأفق الجديد" هم خليل السواحري ومحمود شقير ويحيى يخلف وصبحي شحروري وفخري قعوار وماجد أبو شرار ونمر سرحان، وقد نضيف إليهم حكم بلعاوي. ولم يخلص للقصة القصيرة من الأسماء آنفة الذكر سوى اثنين شقير وقعوار، فما زالا يكتبان هذا الجنس الأدبي ولم ينصرفا عنه إلى مشاغل أخرى. أما الآخرون فما عادوا يكتبون القصة القصيرة، وإذا ما كتبوها كتبوها من وراء ظهرهم ولم يكتبوا نصوصاً تتميّز عن نصوصهم الأولى. كان خليل السواحري أصدر في نهاية 60 ق20 مجموعة متميزة هي "مقهى الباشورة"، وانقطع خمسة عشر عاماً عن كتابة القصة، ولما عاود كتابتها وأصدر "زائر المساء"، لم يضف جديداً، وحتى مجموعته التي أصدرها إثر عودته إلى الضفة، في بداية 90 ق20 لم تفق مجموعته الأولى. وكان يحيى يخلف أصدر في بدايات 70 ق20 مجموعتين قصصيتين هما "المهرة" و"نورما ورجل الثلج"، ثم انصرف عن كتابة القصة القصيرة إلى كتابة القصة الطويلة والرواية، فأصدر ما لا يقل عن ست روايات، وخلال كتابتها لم يكتب سوى قصص قصيرة لا تتجاوز عدد أصابع كف يد، ولم يصدرها في كتاب. ومع أن صبحي شحروري أصدر في 80 ق20 "المعطف القديم" وفي 90 ق20 "الداخل والخارج"، وفيما بعد مجموعة ثالثة، إلاّ أنه لم يلفت الأنظار كاتب قصة، كما لفتها ناقداً، وهكذا أشير إليه على أنه ناقد، لا على أنه كاتب قصة. أما ماجد أبو شرار الذي امتلك موهبة كتابة القصة، فقد انصرف عنها إلى عالم السياسة، وحين أصدر في نهاية 70 ق20 مجموعته "الخبز المر" جمع بين دفتيها ما كتبه على صفحات "الأفق الجديد". ولم يختلف حكم بلعاوي كثيراً عن شحروري وماجد. شغلته السياسة عن كتابة القصة، وإن عاد إليها بين حين وحين، ولم تثر مجموعاته أي صدى يُذكر. في 70 و80 ق20، في الضفة وقطاع غزة، لم تصدر سوى روايات قليلة، لكل من سحر خليفة وغريب عسقلاني. في تلك الفترة ازدهر الشعر وازدهرت القصة القصيرة، بل وصحبتهما حركة نقدية لا بأس بها. واصل محمود شقير كتابة القصة، وأصدر ـ رغم إبعاده ـ مجموعتين "خبز الآخرين" وأكثر قصصها كتبت قبل 1967، و"الولد الفلسطيني" (1977) واختلفت طريقته في الكتابة شكلاً وموضوعاً. وإلى جانب اسمه برز جيل جديد يكتب القصة: جمال بنورة وأكرم هنية وغريب عسقلاني وزكي العيلة ومحمد أيوب، وثمة أسماء أخرى أصدر أصحابها مجموعة أو مجموعتين ثم توقفوا عن الكتابة. ولئن واصل جمال بنورة إصدار العديد من المجموعات، ولئن فعل الشيء نفسه أكرم هنية، فأصدر حتى اللحظة ست مجموعات، فإن عسقلاني أخذ يميل إلى فن الرواية، أما العيلة وأيوب، فقد انصرفا إلى الدراسة الأكاديمية بالدرجة الأولى، وكتب أيوب الرواية، لا القصة القصيرة. وإذا كان شقير أخذ مؤخراً يكتب الرواية، وكان بنورة من قبل أصدر رواية، فإن أكرم هنية الذي شغلته السياسة، هو الوحيد الذي لم يكتب في غير جنس القصة القصيرة. ولو تأمّلنا في تجربة شقير على مدار خمسين عاماً وتتبعنا أعماله، فإننا سنلحظ أنه أخلص للقصة وحاول باستمرار أن يطور أدواته الكتابية. اجتهد وظلّ يجتهد، وحاول أن تكون كل مجموعة يصدرها مختلفة عن مجموعته السابقة، لكن هل حقق انتشاراً واسعاً كما حقق درويش انتشاراً في فن الشعر، وكما حقق حبيبي وكنفاني انتشاراً في باب الرواية؟ خيبة وصدمة: أعود إلى ما قرأته ذات نهار لناقد مصري عن تلقي القصة القصيرة: إن عدد كُتّاب القصة القصيرة، في مصر، يفوق عدد قرائها. وسأسند ما قاله ببعض تجربتي. أنا أدرّس الأدب الفلسطيني في الجامعة منذ ثلاثين عاماً، ولا أقتصر على الشعر أو الرواية. إنني أدرّس القصة القصيرة، أيضاً. غالباً ما أختار أعلاماً معروفين في هذا الجنس يمثلون بيئات مختلفة: زمانياً ومكانياً، وهكذا أدرّس نجاتي صدقي وسميرة عزام ومحمود درويش ومحمد علي طه أو توفيق فياض، وليانة بدر أو نجوى قعوار فرح وغريب عسقلاني وأكرم هنية. في بداية كل فصل دراسي، وأنا أوزع الخطة، أسأل الطلاب إن كانوا قرؤوا أي نص لأي من الأسماء الوارد ذكرها، والطلاب هم طلاب سنة رابعة تخصص أدب عربي، وغالباً، بل دائماً، ما أصدم، لأن أياً من الطلاب لا يعرف شيئاً عن الكتّاب ولم يقرأ لهم ـ للكتّاب. وذات فصل كنت أدرّس قصة يحيى يخلف "تلك المرأة الوردة"، وكان يومها وزيراً للثقافة، ودهشت من أنهم لم يسمعوا به، لا وزيراً ولا كاتباً. هل يمكن أن نسهم نحن أساتذة الجامعات بإنعاش فن القصة القصيرة وبعثه وازدهاره؟ أظن ذلك، وأعود إلى كتاب "القصة القصيرة: حقيقة الإبداع: نحو تقييم التطور التاريخي ودراسة الخصائص النوعية للقصة القصيرة" (2011) للمؤلف (د. تشارلز ماي). يذهب المؤلف إلى أن تأثير مدرسة النقد الجديد على أساتذة الجامعات جعلتهم يركزون انتباههم على تفسير القصص القصيرة المفردة بدلاً من الاهتمام بالسمات النمطية للشكل. (ص261). يذكر المؤلف هذا تحت عنوان فرعي هو "آثار قصر الشكل"، وأما أنا فأرى أن آثار قصر الشكل يمكن أن تنعكس، في مجتمعنا الذي لا يقرأ؛ إيجاباً. فلو كلف أستاذ جامعي طلابه قراءةَ رواية من مائتي صفحة، لشعر بالخيبة، لأنه سيلحظ أن أكثر الطلاب سيعتمدون على ملخّصات لها، أما إذا كلفهم قراءة قصة قصيرة وشدد على ضرورة القراءة، فإنهم سيلبون له طلبه، وسيقرؤون. وهكذا يمكن أن يسهم أساتذة الجامعات في ازدهار القصة القصيرة. التلقّي النقدي للقصة القصيرة: في 70 و80 و90 ق20 حظيت قصتنا القصيرة باهتمام نقدي لافت. أنجز محمود عباسي رسالة دكتوراه عنوانها "تطور القصة العربية في إسرائيل" وأنجزت رسالة ماجستير عنوانها "القصة القصيرة في الضفة الغربية وقطاع غزة" (1982) وكتب صبحي شحروري مراجعات نقدية لافتة، ومثله نبيه القاسم، ثم محمود غنايم الذي أصدر كتابه المهم "المدار الصعب: رحلة القصة الفلسطينية في إسرائيل"، وأعد بعض طلاب الدراسات العليا رسائل ماجستير في أدب غير قاص (حنا إبراهيم، أكرم هنية، محمود شقير، ودرست قصص يخلف مع رواياته). هل واصل نقاد القصة القصيرة الاهتمام بها أم أنهم التفتوا إلى أجناس أدبية أخرى هي الشعر والرواية؟ أصدر شحروري كتابين في نقد الشعر، ودرس القاسم و(منيف) روائياً، وأخذت تصدر عشرات المجموعات القصصية لشباب دون الالتفات إلى أكثرها. وربما احتاج المرء إلى جردة حسابية لعدد الكتّاب الذين أصدروا مجموعة أو اثنتين ثم توقفوا عن مواصلة الكتابة، ربما لعدم الاهتمام بهم.
2012-10-23
عادل الأسطة
***
3- ^تأمُّلات في حركة القصة القصيرة
هل يدق آخر مسمار في نعش القصة القصيرة؟
في 80 ق20، وربما أسبق من ذلك بسنة أو اثنتين، قرأت مقالا تحت العنوان التالي: هل يدق آخر مسمار في نعش الشعر، وحجة صاحب المقال أن أبرز الشعراء، في باريس، قد لا يبيع ألف نسخة من ديوان شعره. وسيظل السؤال يراودني وأنا أتحدث عن الشعر، وإن كنت ألاحظ بعض الاستثناءات، فثمة شعراء قليلون تجاوزت مبيعات دواوينهم المليون نسخة.
في ندوة معرض الكتاب في رام الله (16/10/2012) سألت الناشر فتحي البس عن نفاد المجموعات القصصية التي يطبعها، وكانت إلى جانبي القاصة الأردنية بسمة النسور، فأجابني أنه طبع لبسمة أربع مجموعات منذ نهاية 80 ق20 وبدايات 90 ق20، وهي الآن توشك أن تنفد نسخها، ولم يتحدث عن طبعة ثانية.
وأنا أُمعن النظر في المجموعات القصصية لبعض كتّابنا ألحظ أن أكثرهم لم تطبع مجموعته أو مجموعاته أكثر من طبعة، وألحظ، أيضاً، أن هناك كتاباً وكاتبات أصدروا المجموعة الأولى، فكانت الأولى والأخيرة.
وكما ذكرت فمنهم من انشغل بأجناس أدبية أخرى أو تحول إليها، ومنهم من اكتفى بإصدار العمل الأول: فاطمة خليل حمد، وإلهام أبو غزالة، وماجد أبو شرار، ومحمد أبو النصر، وأحمد زيدان و... و... و... عز الدين القلق وجبرا ابراهيم جبرا ومحمد كمال جبر وعزت الغزاوي. وفي 70 ق20 أصدر القاص فضل الريماوي مجموعته الأولى "بياع السوس"، وكان يشارك في الحياة الأدبية مشاركة فعالة، وقد هجر الكتابة إلى التجارة، لا إلى الرواية مثل جبرا والغزاوي.
وأعود إلى السؤال: هل يدق آخر مسمار في نعش القصة القصيرة؟ ثمة أشكال أدبية عديدة ازدهرت ثم سادت ثم تلاشت. الحكاية والمقامة مثالان بارزان. هل ارتبطا بأشكال اجتماعية معينة فلما زالت زالت الحكاية والمقامة معهما، فالأخيرتان إفراز لشكل اجتماعي ما؟
هنا نتذكر رأي (جورج لوكاش) في اجتماعية الأشكال الأدبية: "لا تنشأ الأساليب الجديدة أو طرق القص الحديث أبداً من خلال جدل باطني للأشكال الفنية، حتى عندما تكون دائماً مرتبطة بالأشكال والأساليب القديمة، وينشأ كل أسلوب جديد مع الضرورة الاجتماعية التاريخية من الحياة، ويكون هذا نتيجة ضرورة للتطور الاجتماعي".
نشأت القصة القصيرة في ن2 من ق19، وكانت نشأتها ضرورية، فقد ازدهرت الصحف والمجلات، وازدهر التعليم والقراءة ولم يكن هناك منافس للكتّاب كما هي الحال في أيامنا. وتطورت الحياة وتغيرت وما عاد الكتاب وسيلة التثقيف الوحيدة، فهل ما ألم بالحكاية والمقامة ألم بالقصة القصيرة؟
في 70 ق20 في الضفة، بل وفي فلسطين المحتلة العام 1948، لم تكن هناك دور نشر تغامر بطباعة كتب، وكان على الكتاب أن ينشروا نتاجهم، ابتداءً في الصحف والمجلات وهكذا ازدهر الشعر وازدهرت القصة القصيرة، وحين جازفت دور النشر المحلية بطباعة كتب أخذت تطبع لأسماء معروفة. وربما تذكرنا ما رواه نجيب محفوظ في كتاب "نجيب محفوظ.. يتذكر" الذي أعده جمال الغيطاني.
حين سئل محفوظ عن قصصه القصيرة، وعن كونها مشاريع روايات، قال: إنها في الأصل روايات اختصرت إلى قصص قصيرة، وكثيرون لا يعرفون هذا. ويوضح محفوظ سبب اختصار رواياته إلى قصص قصيرة. كان يومها كاتباً ناشئاً، ولم تغامر دور النشر بنشر أية رواية له، لأنها قد تفلس، وهكذا اقترح عليه بعض الناشرين أن يختصر رواياته وينشرها في المجلات، وهذا ما كان.
والآن غدا الناشرون ينشرون الروايات، ويترددون في نشر المجموعات الشعرية والقصصية، إلا إذا كان صاحبها اسماً معروفاً. وكلنا يعرف أن هناك جوائز قيمة عربية للشعر وللرواية، مثل جائزة "البابطين" وجائزة "بوكر"، فهل ثمة جائزة على مستوى الوطن العربي للقصة القصيرة.
شعراء روائيون.. شعراء كتاب قصة قصيرة:
لعل من يتابع الأدب الفلسطيني منذ 40 ق20 يلحظ جنوح بعض الشعراء لكتابة الرواية (محمد العدناني وروايته "في السرير")، وسوف تتعزز هذه الظاهرة اللافتة بمرور السنوات: يوسف الخطيب وهارون هاشم رشيد وسميح القاسم وعلي الخليلي وأسعد الأسعد وغسان زقطان وزكريا محمد ومحمد القيسي، وقسم من هؤلاء أصدر أكثر من رواية، بل إن منهم من هجر الشعر كلياً إلى عالم الرواية مثل أسعد الأسعد. هل نقول الشيء نفسه عن إبراهيم نصر الله؟
وإذا ما تتبع الدارس تحول الشعراء إلى كتاب قصة قصيرة فهل يلحظ الشيء نفسه وبالمقدار نفسه؟
طبعاً هناك شعراء كتبوا القصة القصيرة وأصدروا مجموعة واحدة أو مجموعتين على أكثر تقدير، لكنهم لم يتميزوا في كتابة القصة ولم يهجروا عالم الشعر لأجلها، فقد ظلوا شعراء بالدرجة الأولى وأبرز هؤلاء فاروق مواسي والمتوكل طه.
قاصون جدد:
أعود إلى السؤال: هل ندق آخر مسمار في نعش القصة القصيرة يعتب عليّ بعض القاصين الجدد، مثل أحلام بشارات وأماني الجندي بأنني أقتصر في كتاباتي على أسماء محددة في عالم القصة القصيرة، وأنني لا ألتفت إلى الكتاب الجدد، وربما يكون هذا صحيحاً، لكنني أتساءل: هل قدم قاص جديد إضافات نوعية متميزة إلى ما قدمه شقير وهنية؟
مرة كتبت مقالاً عنوانه "محمود شقير وقصتنا القصيرة الفلسطينية" وأتيت في نهايته على القاص الشاب ـ في حينه ـ زياد خداش، وأوردت له قصة قصيرة جداً، لأربط بين "تجربته وتجربة شقير في هذا اللون، وحين أهداني أمين دراوشة مجموعتيه "الوادي أيضاً" (2001) و"الحاجة إلى البحر" (2007) تساءلت: هل أضاف جديداً إلى حركتنا القصصية؟
كان هاجس محمود درويش في الشعر، وهاجس أكرم هنية ومحمود شقير في القصة القصيرة، الإضافة النوعية، وربما تذكر المرء منهج (برونتير) التاريخي: ما هو موقع ما يكتب في لونه الأدبي؟ وحين أسأل قاصين جدداً إن كانوا قرؤوا، قبل أن يكتبوا، النتاج القصصي الفلسطيني، يعترف لي كثيرون بأنهم لم يفعلوا ذلك بعد ـ أعني: لم يمارسوا فعل قراءة السابق ليبنوا عليه. وربما هذا السبب، وأسباب أخرى، هي ما تجعلني أتردد في الكتابة عنهم: الانقطاع عن الكتابة لاحقاً والانصراف إلى جنس أدبي آخر، وأحياناً أقول: على الجيل الجديد أن يوجد معه نقاده، ولعلّني مخطئ، وأظن للتأمُّلات بقية!!
عادل الأسطة
2012-11-04
***
[HEADING=2]4- أ. د. عادل الأسطة - الرواة على بيدر الحكمة : القصة القصيرة الفلسطينية والأردنية ١٩٥٠ - ٢٠٠٠[/HEADING]
أية مهمة صعبة عسيرة المنال هي تلك التي تصدى لها الدكتور إبراهيم السعافين في كتابه الصادر في عمان ، في العام ٢٠٠٨ ، عن دار شروق ؟
في مقدمة الكتاب يكتب المؤلف أنه لإنجازه بذل فيه " جهدا مضنيا يحتاج إلى جهود تالية " وهو محق فيما كتب . فالمرء ، وهو يتابع تصفح الكتاب ، يثير السؤال السابق غير مرة ، ويخيل إلي أن ما أنجزه المؤلف في بضع سنوات يحتاج إلى عقود ، ويمكن أن يكون " مشروع عمر " ، والكتب التي يمكن أن تنعت بهذا الوصف كتب قليلة ، بل ونادرة . إنها عموما كتب مثل معجم الموتيفات والأفكار الرئيسة ومعجم الرموز ومعجم مصطلحات الأدب ؛ الشعر والرواية والقصة القصيرة والمسرحية .
ربما يعد كتاب حسين مروة " النزعات المادية في الفلسفة العربية الإسلامية " ، وموسوعة المصطلح النقدي المترجمة لعبد الواحد لؤلؤة ، وموسوعة السرد العربي لعبدالله إبراهيم ومؤلفات سعيد يقطين في تحليل الخطاب الروائي ، ربما تعد هذه المؤلفات مشاريع عمر لأصحابها ، وكان يمكن لكتاب الدكتور إبراهيم السعافين المذكور أن يكون مثلها لو اشتغل أكثر في جنس القصة القصيرة ودرس القصاصين الذين ذكرهم كلهم في كتابه دراسة متساوية متناولا نتاجهم كله . لكنه لم يفعل فخسر كتابه الوصف " مشروع عمر " ، ويبدو أن الأجناس الأدبية الأخرى التي كتب عنها الدكتور ؛ الشعر والرواية والمسرحية ، ثم لاحقا كتابة الرواية فالمسرحية والعودة إلى كتابة الشعر ومن ثم السيرة الذاتية ، يبدو أن هذا كله بدد تركيزه على إنجاز مشروع عمر يصبح علامة مميزة في تاريخ الأدب العربي يتكيء عليها الدارسون اللاحقون ويعودون إليها باستمرار .
لا أعرف كم هي المدة الزمنية التي أنفقها الدكتور في تأليف كتابه الذي يقول لنا الكثير عن مدى إلمامه إلماما كافيا بكتاب القصة القصيرة وقصصهم في البلدين المذكورين على مدى ٥٠ عاما ١٩٥٠ - ٢٠٠٠ .
إنها مهمة صعبة حقا أن تدرس ٧٨ قاصا صدر لأكثرهم ما لا يقل عن خمس مجموعات قصصية ، وصدر لقسم منهم عشر مجموعات وأحيانا أكثر .
عندما بحثت في محرك البحث ( غوغل ) عن مراجعات للكتاب أصبت بصدمة حقا ، فلم أقرأ الكثير ، علما بأنه - أي الكتاب - درس الكثيرين من كتاب القصة القصيرة ، وكان يفترض أن يتوقف هؤلاء أمام ما كتب عن نتاجهم مادحين أو ناقدين أو مبدين وجهات نظر ، تماما كما كان يفترض أن يقف نقاد القصة القصيرة أمام الكتاب ، باعتبارهم متابعين لفن القصة ، مبينين ما له وما عليه ، وفي الكتابة من كتاب القصة القصيرة ونقادها ما قد يسدي خدمة للمؤلف إذ قد يعيد النظر فيما كتب إن أعاد طباعة الكتاب ثانية .
الدكتور إبراهيم السعافين دارس وباحث صدرت له كتب عديدة ، وهو أستاذ جامعي أشرف على عشرات رسائل الماجستير والدكتوراه وناقش أيضا عشرات الرسائل وحكم مئات الأبحاث ونظر في عشرات الترقيات إلى رتب علمية ، وما من شك أن الكتابة عن كتابه تتطلب دقة وحذرا ، والكتابة عنه مغامرة قد تودي بمنجزها أيضا ، فقد تقع أعماله بين يدي الدكتور فلا يرحمه ولا يرحمها .
والحقيقة أنني فكرت كثيرا قبل الكتابة وعدت إلى الكتاب أتصفحه وأسائل معلوماتي وأدقق فيها . أقدم تارة وأتراجع ثانية كي لا أخسر صداقة عالم صديق وإنسان مهذب جدا ، ولكن من قال إن ما أكتبه أنا مكتمل ، وماذا لو كتب دارس منتقدا ما أكتب ؟ أليس هذا من حقه ؟
الخلاف في الرأي والاجتهاد لا يفسد للود قضية .
الملاحظات كثيرة والمساحة هنا قد لا تتسع ولكن لا بد من خطوط عامة .
لا ينكر المؤلف أن هناك دراسات عديدة سابقة درست هذا الفن ، وهي كثيرة ، ذكر قسما منها وغابت عنه أخرى لأنه " ليس من الممكن استقصاء البحوث والدراسات والرسائل التي تناولت كتاب القصة في فلسطين والأردن " ، ويوضح أن كتابه كان في الأصل بحثا أعد في صورة موجزة بتكليف من مؤسسة عبد الحميد شومان الثقافية ، ولكنه رأى أن الصورة التي ظهر فيها موجزة لا تستقيم ، فأعاد النظر في منهج البحث والغاية منه حتى استوى على الصورة التي ظهر فيها في الكتاب ، ولا يقفل الدكتور باب الدراسة والتوسع في هذا الجنس في الزمان والمكان المحددين ، وذلك لغناه وتراكمه وتعدد تياراته واتجاهاته . إنه جنس " في حاجة ماسة إلى دراسات متتابعة تنهض بمتابعتها وتحليلها وتفسيرها وبيان خصائصها البنائية والشكلية والمضمونية " .
ويشير إلى ما لا ينبغي أن يغيب عن البال وهو أن حركة القصة المدروسة " تنتظمها اتجاهات وتيارات مختلفة ولكنها متداخلة " وربما لهذا يدرس في الباب نفسه كتابا من أجيال مختلفة ، وأحيانا يكرر الكتابة عن القاص نفسه تحت عنوانين مختلفين ، كما حدث مع توفيق فياض .
والكتاب الذي يتكون من مدخل وخمسة فصول يقول لنا إنه درس القصة في تحولاتها دراسة أقرب إلى الدراسة التعاقبية ، ففي المدخل يتوقف أمام الرواد الذين كتبوا القصة قبل ١٩٤٨ ، ثم يدرس التحولات نحو الواقع ، فالرواة في مواجهة التجربة ، فجيل التحولات القاسية ، فالكتاب الذين حلقوا في آفاق التجريب : تحولات الواقع والرؤية ، وأخيرا أجيال المغامرات المفتوحة .
ونظرة على الأسماء التي أدرجت تحت العناوين هي ما جعلتني أقول " أقرب إلى التعاقبية " إذ حين يمعن المرء النظر في الأسماء سرعان ما يتراجع عن وصف الدراسة باتباع المنهج التعاقبي ، إذ يقدم دراسة ماجد أبو شرار على دراسة غسان كنفاني وجبرا إبراهيم جبرا أيضا .
ونظرا لأن المساحة محدودة فإنني سأكتفي بملاحظات سريعة منها :
- كان التعامل مع المراجع والمصادر المشار إليها والمدروسة تعاملا غير دقيق ، فقد أشار إلى مراجع درست فن القصة وأغفل أخرى ، ولا تشفع له ملاحظته بخصوص المراجع ، أما بخصوص المصادر فإن الدكتور لم يقم بعمل إحصائية لكل ما صدر لكل كاتب ، حتى إذا ما اختار منها نصه ليدرسه يبدو مقنعا وناجما عن إلمام كامل بنتاج القاص المدروس .
- لم يقل لنا الدكتور ما الجديد الذي أضافه كتابه إلى الدراسات السابقة ، وبم اختلف عنها منهجا ، وما الخلل الذي رآه فيها فدفعه إلى تأليف كتابه . وهنا لا أدري ما السبب الذي جعل مؤسسة شومان تكلفه بإنجاز البحث ، علما بأن من يراجع الموسوعة الفلسطينية يقرأ فيها بحثا عن القصة القصيرة الفلسطينية للدكتور واصف كمال أبو الشباب وآخر للدكتور محمود شريح .
- أنصف الدكتور كتاب قصة وظلم آخرين ، فكتب عن المنصفين صفحات كثيرة تصل إلى العشرين صفحة أحيانا ، في حين أنه كتب بإيجاز شديد عن الآخرين المظلومين ، دون أن يبدي رأيا فيما أقدم عليه ؛ أيعود السبب إلى كثرة الإنتاج وجودته وقلة الإنتاج ورداءته مثلا ؟
- مع أن الكتاب يحدد المدة الزمنية من ١٩٥٠ إلى ٢٠٠٠ إلا أننا نلاحظ أنه أهمل نتاج بعض القصاصين الذين كتبوا في هذه الفترة ، وتناول بعض نتاجهم الذي كتب بعد العام ٢٠٠٠ ، وهو ما نلاحظه على سبيل المثال لا الحصر في دراسته للقاص أكرم هنية ، الذي كتب عنه صفحة واحدة فقط تناول فيها قصة " أسرار الدوري " وقد صدرت المجموعة في العام ٢٠٠٣ ، وكان هنية أصدر قبلها أربع مجموعات قصصية من ١٩٧٩ إلى ١٩٨٦ . والغريب أن الدكتور يقتبس في دراسة القصة من كتاب صدر عن تجربة هنية في العام ١٩٩٠ .
- هل يعقل أن يكتفى بالكتابة عن جهود نجاتي صدقي من خلال اختيار قصة واحدة له هي " حياة بلابسي " وقد كتبت قبل ١٩٥١ في حين أصدر مجموعة " الشيوعي المليونير " في العام ١٩٦٣ وهو يعد من أبرز كتاب القصة القصيرة الفلسطينية ، عدا أن هناك رسالة ماجستير أنجزت عنه في الجامعة الأردنية في العام ١٩٨٤ ؟
- إغفال كتاب صدرت لهم في هذه الفترة مجموعات ( صبحي شحروري وفضل الريماوي وسامي كيلاني وإبراهيم العلم وأنا أيضا ، وقسم من هؤلاء له غير مجموعة قصصية ... )
- وفي خاتمة كتابه يعدد الدكتور أسماء كتاب قصة قصيرة كتب أنهم كتاب مهمون " ويستحقون الوقوف عندهم من مثل أسعد الأسعد وهاني الطيطي وجمعة شنب و ... و ... و ... وغيرهم وقد وقف بعض الدارسين عند بعض أعمالهم وتنبهوا على ما فيها من قيم فنية وإنسانية ، وأشاروا إلى إضافتهم إلى حركة القصة العربية في فلسطين والأردن "(1) ولم يورد في الصفحة نفسها ( ٣٩٨ ) أسماء هؤلاء الدارسين ، وربما يعود هذا إلى خطأ في الطباعة ، وقد تكون الإشارة إليهم تمت في الصفحة السابقة ، والأخطاء في الطباعة والإحالة لا يخلو منها الكتاب ، لكن اللافت هو أن بعض الأسماء التي أوردها صلتها بالقصة القصيرة ضعيفة أو معدومة مثل أسعد الأسعد الذي عرفناه شاعرا ومن ثم روائيا ولم نعرفه كاتب قصة قصيرة ، ولما سألته إن كان كتب القصة القصيرة أجاب بأنه ربما نشر بعض الحكايات ولا يعرف إن كانت تعد قصصا قصيرة ، ويورد له الكاتب في قائمة المصادر صفحة ٤٠١ عنوان روايته " ليل البنفسج " ، والطريف أن هناك كتابا أصدروا مجموعات لم يذكرهم حتى هنا مثل يعقوب الأطرش وإبراهيم جوهر وحسن عبدالله وعبد الكريم قرمان ومحمد أبو النصر ومصطفى مرار ومحمود عباسي وتيسير نظمي وآخرين ، ومصطفى مرار أصدر ما لا يقل عن ٢٠ مجموعة قصصية .
ومن الأخطاء التي قد تعزى للطباعة والإخراج هو تكرار الكتابة عن توفيق فياض ، فقد درسه الدكتور في الفصل الرابع ، وتكرر ما كتبه عنه في الفصل الثالث ( ينظر في الصفحات ٢٨٨ و ٢٨٩ و ٢٩٠ تكرر في ٢١٧ و ٢١٨ و٢١٩ ) .
- افتقاد الدقة في نقل الأسماء والعناوين ، فسميحة خريس التي ذكرها في الفهرست في صفحة ٩ تغدو في قائمة المصادر في صفحة ٤٠٣ سميره خريس ، عدا أن التوثيق هنا غير تام ، وعنوان رواية ليانة بدر " بوصلة من أجل عباد الشمس " يرد " يوميات من أجل عباد الشمس " ، وظني أن بعض أخطاء المؤلف تعود إلى اعتماده على مراجع وقعت في الأخطاء فنقل عنها دون أن يتأكد من دقة المعلومات . ثم لا يوجد تطابق تام ما بين الفهرست الرئيس والفهارس الفرعية من جهة ومن جهة ثانية بين الفهرس الرئيس والفهارس الفرعية والمدروسين في الكتاب . إنه يدرس صالح أبو اصبع في صفحة ٣٣٣ ولا يورد اسمه في الفهرست العام أو حتى الفرعي ، ويدرس رسمي أبو علي فيذكر اسمه في الفهرست العام ولا يورده في الفهرست الفرعي في صفحة ٢٦١ ، بل يورد اسمه في فهرس فصل لم يدرسه فيه ، وهذا تكرر مرارا .
- الاجتهاد والتحليل . اتكاء على نظريات نقدية مثل نظرية التلقي ، فإن العلاقة تغدو بين النص وقارئه والأخير يقدم قراءته ، وبما أن الدكتور قاريء متخصص وليس قارئا عاديا ، فإن على المرء أن يقدر اجتهاداته ويحترمها ، وهي قراءات وليدة لحظة معينة وقد يعيد القاريء نفسه النظر فيها إن قرأها في زمن مختلف ، وهذه أيضا مقولة يأخذ بها أصحاب نظرية التلقي . إن قراءة نص واحد من قارئين مختلفين تؤدي إلى قراءتين مختلفتين ، وإن قراءة النص في زمنين مختلفين، من القاريء نفسه ، تؤدي إلى قراءتين مختلفتين .
بقي أن أشير إلى أن الدكتور قدم لجنس القصة القصيرة الفلسطينية والأردنية خدمة كبرى ، فقد انحسرت الدراسات حول هذا الجنس وضعفت وتراجعت تراجع مكانته وقلة الاهتمام به تأليفا وتلقيا نقديا وقراءة وتدريسا في الجامعة ، بل واحتفاء ، إلا قليلا .
الأحد والاثنين والثلاثاء والأربعاء
٧ و ٨ و ٩ و ١٠ / ٥ / ٢٠٢٣ .
إ
عرفت الحركة الأدبية الفلسطينية القصة القصيرة منذ الربع الأول من القرن العشرين، فقد كانت أول مجموعة قصصية هي "مسارح الأذهان" (1924) لخليل بيدس. والطريف أن صاحبها الذي أصدر قبل أربع سنوات من إصدارها رواية، الطريف أنه صدرها بمقدمة عن الفن الروائي، لا عن فن القصة القصيرة، وثمة ما بين القصة القصيرة والرواية فوارق لا تخفى على الدارسين. هل اختلط الأمر على بيدس الذي لم يزد حجم روايته "الوارث" (1920) على مائة وعشرين صفحة؟ وهل "الوارث" أصلاً رواية أم أنها قصة طويلة؟
حتى العام 1948 صدرت مجموعات قصصية قليلة لا تزيد على عدد أصابع اليد، ولم يكن الكُتّاب، أيضاً، يزيدون على عدد أصابع اليد. "مسارح الأذهان" (1924) و"أول الشوط" (1937) و"قصص أخرى" (1944). بيدس والإيراني وعبد الحميد يس ونجاتي صدقي وعارف العزوني، والأخيران، حتى العام 1948 لم يصدرا أي مجموعة قصصية.
سيتوقف بيدس عن كتابة الرواية والقصة القصيرة، وسيموت في المنفى (1949)، فيما سيواصل صدقي والإيراني كتابة القصة القصيرة، وسيخلصان لها ولن يكتبا في أجناس أدبية أخرى كالشعر أو الرواية. وسيواصل، في المنفى، كتاب جدد كتابة القصة القصيرة: جبرا إبراهيم جبرا وسميرة عزام وغسان كنفاني. أصدر الأول مجموعة واحدة ثم طالب الكتّاب بالتحول عن كتابة القصة القصيرة إلى كتابة الرواية، وهذا ما فعله، فأصدر العديد من الروايات. لماذا تحول جبرا عن كتابة القصة القصيرة إلى الرواية؟ "القصة القصيرة فن سهل سريع، لا يستطيع استيعاب تجربته كما تستطيع الرواية ذلك" و"الرواية هي الفن الأصعب.. فأنا إذاً أطالب كتّابنا بالفن الأصعب".
لم تأخذ سميرة عزام برأي جبرا، فقد أخلصت لفن القصة القصيرة وأصدرت خمس مجموعات قصصية، وحاولت أن تكتب رواية غير أنها لم تكملها، واختلف عنها غسان كنفاني الذي بدأ قاصّاً يكتب القصة القصيرة، ثم تحول عن كتابتها ليكتب الرواية، وما أصدره في 60 ق 20، وما عكف على إنجازه في بداية 70 ق 20 ولم يُتمّه لاستشهاده، يقول لنا: إن غسان مال، مثل جبرا، إلى فن الرواية. هل زمننا هو زمن الرواية لا زمن القصة القصيرة؟ وهل الأمر يقتصر على الكتّاب الفلسطينيين؟
في العام 2011 ترجم السعودي ناصر الحجيلان كتاب (تشارلز ماي) القصة القصيرة: حقيقة الإبداع: نحو تقييم التطور التاريخي ودراسة الخصائص النوعية للقصة القصيرة" وفيه يثير المؤلف أسئلة عديدة حول واقع القصة القصيرة، وهي أسئلة لطالما أثيرت، أيضاً، من قبل، وتحديداً في النصف الأول من القرن العشرين، من ذلك مثلاً أنه في الأعوام 1909 و1913 و1917 صدرت ثلاثة كتب نظرية عن فن القصة القصيرة، وإثرها طالب عدد من القراء والنقاد بإنهاء هذا العمل، "فامتلأت الدوريات الجيدة بمقالات حول "انحطاط" القصة القصيرة و"تآكلها" و"خرفها". وقد أوجز (جيلبرت سيلدز) ردّات الفعل الأكثر تطرفاً في دورية "ذا ديال" عام 1922 حيث قال: "القصة الأميركية القصيرة على كل الأوجه هي العمل الفني الأضعف، والأسخف، الذي يعدم الدلالة في كل ما أنتج في هذه البلاد أو في أي بلاد أخرى" (ص 250).
هل كلام الناقد السابق كلام مبالغ فيه؟ وهل هو من أعداء القصة القصيرة؟
منذ ثلاثين عاماً وأنا أُتابع، كل عام، يوم الخميس، خبر إعلان اسم الفائز باسم جائزة (نوبل) للآداب، والجنس الأدبي الذي يكتب فيه. هل منحت، خلال هذه الأعوام، إلى كاتب قصة قصيرة؟ غالباً ما تمنح هذه الجائزة للرواية، وقليلاً ما تمنح للشعر، ونادراً، بل ونادراً جداً، ما تمنح للقصة القصيرة؟ لماذا؟ ألأن القصة القصيرة، قياساً إلى الشعر والرواية، فن حديث النشأة. تضرب جذور الشعر عميقاً في التاريخ، فيما تعود نشأة الرواية إلى خمسة قرون خلت، لا إلى قرن ونصف فقط، كما هو حال القصة القصيرة. أيعود الأمر إلى الانتشار والتوزيع وتلقّي القرّاء للأجناس الأدبية؟ كم تبيع الرواية؟ كم يبيع الشعر؟ كم تبيع القصة القصيرة؟ الرواية تبيع، إذا نجحت رواية، ملايين النسخ، وسرعان ما تترجم. الشعر لا يبيع، في أحسن الأحوال، بضعة آلاف نسخة، فكم تبيع القصة القصيرة، لأبرز كتّابها؟ مرة قرأت مقالاً لكاتب مصري يقول فيه: إن عدد كتّاب القصة القصيرة في مصر أكثر من عدد قرائها. وربما احتجنا إلى دراسة أدبية اجتماعية توضح لنا، هنا في فلسطين، عدد كتّاب القصة القصيرة، وعدد قرائها، وعدد النسخ التي تباع لأبرز كتّابها. سأجتهد قليلاً. أبرز شاعر فلسطيني هو محمود درويش، وأبرز روائيَّين فلسطينيين هما: غسان كنفاني وإميل حبيبي، وأبرز كاتبي قصة قصيرة في الضفة الغربية هما: محمود شقير وأكرم هنية؟ كم طبعة طبعت أعمال درويش، وكم طبعة طبعت روايات كنفاني وحبيبي، وكم طبعة طبعت أعمال شقير وهنية؟ وماذا عن تلقّي أشعار درويش وروايات كنفاني وحبيبي وقصص شقير وهنية نقدياً؟ ولا أُنكر أن قصص شقير وهنية لفتت أنظار النقاد، ولكنها قياساً إلى أشعار درويش وروايات كنفاني وحبيبي، لكنها ـ أعني الدراسات النقدية ـ تظلّ متواضعة.
أعود إلى نصيحة جبرا وتجربته "إن القصة القصيرة فن سهل إذا قُورن بالعمل الأكبر الرواية.. فأنا إذاً أطالب كتّابنا بالفن الأصعب". هل القصة القصيرة فن سهل والفن الأصعب هو الرواية؟ هل انطلق جبرا في حكمه من خلال تجربة شخصية أم من خلال قراءاته لتنظيرات كتّاب فن القصة القصيرة في الغرب، التنظيرات التي أشرت إليها آنفاً؟
أيّاً كان الأمر فإن نظرةً على مشهدنا القصصي الفلسطيني تقول لنا إن أكثر أدبائنا لبُّوا طلب جبرا، حتى وإن لم يكونوا قرأوه. ثمة عدد لا بأس به من كتّاب القصة القصيرة تحولوا إلى كتابة الرواية وهجروا القصة نهائياً، وثمة عدد لا بأس به ممن أخلصوا لفن القصة القصيرة لجأوا في العقد الأخير إلى كتابة عمل روائي، ولهذا دلالاته لا شك.
حبيبي وجبرا ويحيى يخلف وعزت الغزاوي هجروا عالم القصة القصيرة إلى عالم الرواية كلياً. هل يختلف عنهم، أيضاً، توفيق فياض؟
رشاد أبو شاور وليانة بدر وغريب عسقلاني ومحمد أيوب لم يتوقفوا عن كتابة القصة القصيرة، ولكنهم أصدروا أكثر من رواية، ومثلهم حنا إبراهيم، أيضاً.
محمود شقير ومحمد علي طه وأكرم هنية عُرفوا كتّاب قصة قصيرة بالدرجة الأولى، والأوّلان مالا إلى كتابة الرواية، فأصدرا عملاً روائياً. ولذلك دلالاته. وهناك مقولة تقول: إن زمننا هو زمن الرواية لا زمن الشعر، فهل هو زمن الرواية لا زمن القصة القصيرة، وللتأمُّلات بقيّة.
عادل الأسطة
2012-10-14
***
2- تأمّلات في واقع القصّة القصيرة (على هامش معرض الكتاب) هل أخلص كُتّاب القصّة القصيرة لها؟
إذا ما ألقى الدارس نظرةً على كُتّاب مجلة "الأفق الجديد" التي صدرت في 60 ق20 وتابع مسيرتهم ونهاياتهم فماذا يلاحظ؟ أبرز كُتّاب جيل "الأفق الجديد" هم خليل السواحري ومحمود شقير ويحيى يخلف وصبحي شحروري وفخري قعوار وماجد أبو شرار ونمر سرحان، وقد نضيف إليهم حكم بلعاوي. ولم يخلص للقصة القصيرة من الأسماء آنفة الذكر سوى اثنين شقير وقعوار، فما زالا يكتبان هذا الجنس الأدبي ولم ينصرفا عنه إلى مشاغل أخرى. أما الآخرون فما عادوا يكتبون القصة القصيرة، وإذا ما كتبوها كتبوها من وراء ظهرهم ولم يكتبوا نصوصاً تتميّز عن نصوصهم الأولى. كان خليل السواحري أصدر في نهاية 60 ق20 مجموعة متميزة هي "مقهى الباشورة"، وانقطع خمسة عشر عاماً عن كتابة القصة، ولما عاود كتابتها وأصدر "زائر المساء"، لم يضف جديداً، وحتى مجموعته التي أصدرها إثر عودته إلى الضفة، في بداية 90 ق20 لم تفق مجموعته الأولى. وكان يحيى يخلف أصدر في بدايات 70 ق20 مجموعتين قصصيتين هما "المهرة" و"نورما ورجل الثلج"، ثم انصرف عن كتابة القصة القصيرة إلى كتابة القصة الطويلة والرواية، فأصدر ما لا يقل عن ست روايات، وخلال كتابتها لم يكتب سوى قصص قصيرة لا تتجاوز عدد أصابع كف يد، ولم يصدرها في كتاب. ومع أن صبحي شحروري أصدر في 80 ق20 "المعطف القديم" وفي 90 ق20 "الداخل والخارج"، وفيما بعد مجموعة ثالثة، إلاّ أنه لم يلفت الأنظار كاتب قصة، كما لفتها ناقداً، وهكذا أشير إليه على أنه ناقد، لا على أنه كاتب قصة. أما ماجد أبو شرار الذي امتلك موهبة كتابة القصة، فقد انصرف عنها إلى عالم السياسة، وحين أصدر في نهاية 70 ق20 مجموعته "الخبز المر" جمع بين دفتيها ما كتبه على صفحات "الأفق الجديد". ولم يختلف حكم بلعاوي كثيراً عن شحروري وماجد. شغلته السياسة عن كتابة القصة، وإن عاد إليها بين حين وحين، ولم تثر مجموعاته أي صدى يُذكر. في 70 و80 ق20، في الضفة وقطاع غزة، لم تصدر سوى روايات قليلة، لكل من سحر خليفة وغريب عسقلاني. في تلك الفترة ازدهر الشعر وازدهرت القصة القصيرة، بل وصحبتهما حركة نقدية لا بأس بها. واصل محمود شقير كتابة القصة، وأصدر ـ رغم إبعاده ـ مجموعتين "خبز الآخرين" وأكثر قصصها كتبت قبل 1967، و"الولد الفلسطيني" (1977) واختلفت طريقته في الكتابة شكلاً وموضوعاً. وإلى جانب اسمه برز جيل جديد يكتب القصة: جمال بنورة وأكرم هنية وغريب عسقلاني وزكي العيلة ومحمد أيوب، وثمة أسماء أخرى أصدر أصحابها مجموعة أو مجموعتين ثم توقفوا عن الكتابة. ولئن واصل جمال بنورة إصدار العديد من المجموعات، ولئن فعل الشيء نفسه أكرم هنية، فأصدر حتى اللحظة ست مجموعات، فإن عسقلاني أخذ يميل إلى فن الرواية، أما العيلة وأيوب، فقد انصرفا إلى الدراسة الأكاديمية بالدرجة الأولى، وكتب أيوب الرواية، لا القصة القصيرة. وإذا كان شقير أخذ مؤخراً يكتب الرواية، وكان بنورة من قبل أصدر رواية، فإن أكرم هنية الذي شغلته السياسة، هو الوحيد الذي لم يكتب في غير جنس القصة القصيرة. ولو تأمّلنا في تجربة شقير على مدار خمسين عاماً وتتبعنا أعماله، فإننا سنلحظ أنه أخلص للقصة وحاول باستمرار أن يطور أدواته الكتابية. اجتهد وظلّ يجتهد، وحاول أن تكون كل مجموعة يصدرها مختلفة عن مجموعته السابقة، لكن هل حقق انتشاراً واسعاً كما حقق درويش انتشاراً في فن الشعر، وكما حقق حبيبي وكنفاني انتشاراً في باب الرواية؟ خيبة وصدمة: أعود إلى ما قرأته ذات نهار لناقد مصري عن تلقي القصة القصيرة: إن عدد كُتّاب القصة القصيرة، في مصر، يفوق عدد قرائها. وسأسند ما قاله ببعض تجربتي. أنا أدرّس الأدب الفلسطيني في الجامعة منذ ثلاثين عاماً، ولا أقتصر على الشعر أو الرواية. إنني أدرّس القصة القصيرة، أيضاً. غالباً ما أختار أعلاماً معروفين في هذا الجنس يمثلون بيئات مختلفة: زمانياً ومكانياً، وهكذا أدرّس نجاتي صدقي وسميرة عزام ومحمود درويش ومحمد علي طه أو توفيق فياض، وليانة بدر أو نجوى قعوار فرح وغريب عسقلاني وأكرم هنية. في بداية كل فصل دراسي، وأنا أوزع الخطة، أسأل الطلاب إن كانوا قرؤوا أي نص لأي من الأسماء الوارد ذكرها، والطلاب هم طلاب سنة رابعة تخصص أدب عربي، وغالباً، بل دائماً، ما أصدم، لأن أياً من الطلاب لا يعرف شيئاً عن الكتّاب ولم يقرأ لهم ـ للكتّاب. وذات فصل كنت أدرّس قصة يحيى يخلف "تلك المرأة الوردة"، وكان يومها وزيراً للثقافة، ودهشت من أنهم لم يسمعوا به، لا وزيراً ولا كاتباً. هل يمكن أن نسهم نحن أساتذة الجامعات بإنعاش فن القصة القصيرة وبعثه وازدهاره؟ أظن ذلك، وأعود إلى كتاب "القصة القصيرة: حقيقة الإبداع: نحو تقييم التطور التاريخي ودراسة الخصائص النوعية للقصة القصيرة" (2011) للمؤلف (د. تشارلز ماي). يذهب المؤلف إلى أن تأثير مدرسة النقد الجديد على أساتذة الجامعات جعلتهم يركزون انتباههم على تفسير القصص القصيرة المفردة بدلاً من الاهتمام بالسمات النمطية للشكل. (ص261). يذكر المؤلف هذا تحت عنوان فرعي هو "آثار قصر الشكل"، وأما أنا فأرى أن آثار قصر الشكل يمكن أن تنعكس، في مجتمعنا الذي لا يقرأ؛ إيجاباً. فلو كلف أستاذ جامعي طلابه قراءةَ رواية من مائتي صفحة، لشعر بالخيبة، لأنه سيلحظ أن أكثر الطلاب سيعتمدون على ملخّصات لها، أما إذا كلفهم قراءة قصة قصيرة وشدد على ضرورة القراءة، فإنهم سيلبون له طلبه، وسيقرؤون. وهكذا يمكن أن يسهم أساتذة الجامعات في ازدهار القصة القصيرة. التلقّي النقدي للقصة القصيرة: في 70 و80 و90 ق20 حظيت قصتنا القصيرة باهتمام نقدي لافت. أنجز محمود عباسي رسالة دكتوراه عنوانها "تطور القصة العربية في إسرائيل" وأنجزت رسالة ماجستير عنوانها "القصة القصيرة في الضفة الغربية وقطاع غزة" (1982) وكتب صبحي شحروري مراجعات نقدية لافتة، ومثله نبيه القاسم، ثم محمود غنايم الذي أصدر كتابه المهم "المدار الصعب: رحلة القصة الفلسطينية في إسرائيل"، وأعد بعض طلاب الدراسات العليا رسائل ماجستير في أدب غير قاص (حنا إبراهيم، أكرم هنية، محمود شقير، ودرست قصص يخلف مع رواياته). هل واصل نقاد القصة القصيرة الاهتمام بها أم أنهم التفتوا إلى أجناس أدبية أخرى هي الشعر والرواية؟ أصدر شحروري كتابين في نقد الشعر، ودرس القاسم و(منيف) روائياً، وأخذت تصدر عشرات المجموعات القصصية لشباب دون الالتفات إلى أكثرها. وربما احتاج المرء إلى جردة حسابية لعدد الكتّاب الذين أصدروا مجموعة أو اثنتين ثم توقفوا عن مواصلة الكتابة، ربما لعدم الاهتمام بهم.
2012-10-23
عادل الأسطة
***
3- ^تأمُّلات في حركة القصة القصيرة
هل يدق آخر مسمار في نعش القصة القصيرة؟
في 80 ق20، وربما أسبق من ذلك بسنة أو اثنتين، قرأت مقالا تحت العنوان التالي: هل يدق آخر مسمار في نعش الشعر، وحجة صاحب المقال أن أبرز الشعراء، في باريس، قد لا يبيع ألف نسخة من ديوان شعره. وسيظل السؤال يراودني وأنا أتحدث عن الشعر، وإن كنت ألاحظ بعض الاستثناءات، فثمة شعراء قليلون تجاوزت مبيعات دواوينهم المليون نسخة.
في ندوة معرض الكتاب في رام الله (16/10/2012) سألت الناشر فتحي البس عن نفاد المجموعات القصصية التي يطبعها، وكانت إلى جانبي القاصة الأردنية بسمة النسور، فأجابني أنه طبع لبسمة أربع مجموعات منذ نهاية 80 ق20 وبدايات 90 ق20، وهي الآن توشك أن تنفد نسخها، ولم يتحدث عن طبعة ثانية.
وأنا أُمعن النظر في المجموعات القصصية لبعض كتّابنا ألحظ أن أكثرهم لم تطبع مجموعته أو مجموعاته أكثر من طبعة، وألحظ، أيضاً، أن هناك كتاباً وكاتبات أصدروا المجموعة الأولى، فكانت الأولى والأخيرة.
وكما ذكرت فمنهم من انشغل بأجناس أدبية أخرى أو تحول إليها، ومنهم من اكتفى بإصدار العمل الأول: فاطمة خليل حمد، وإلهام أبو غزالة، وماجد أبو شرار، ومحمد أبو النصر، وأحمد زيدان و... و... و... عز الدين القلق وجبرا ابراهيم جبرا ومحمد كمال جبر وعزت الغزاوي. وفي 70 ق20 أصدر القاص فضل الريماوي مجموعته الأولى "بياع السوس"، وكان يشارك في الحياة الأدبية مشاركة فعالة، وقد هجر الكتابة إلى التجارة، لا إلى الرواية مثل جبرا والغزاوي.
وأعود إلى السؤال: هل يدق آخر مسمار في نعش القصة القصيرة؟ ثمة أشكال أدبية عديدة ازدهرت ثم سادت ثم تلاشت. الحكاية والمقامة مثالان بارزان. هل ارتبطا بأشكال اجتماعية معينة فلما زالت زالت الحكاية والمقامة معهما، فالأخيرتان إفراز لشكل اجتماعي ما؟
هنا نتذكر رأي (جورج لوكاش) في اجتماعية الأشكال الأدبية: "لا تنشأ الأساليب الجديدة أو طرق القص الحديث أبداً من خلال جدل باطني للأشكال الفنية، حتى عندما تكون دائماً مرتبطة بالأشكال والأساليب القديمة، وينشأ كل أسلوب جديد مع الضرورة الاجتماعية التاريخية من الحياة، ويكون هذا نتيجة ضرورة للتطور الاجتماعي".
نشأت القصة القصيرة في ن2 من ق19، وكانت نشأتها ضرورية، فقد ازدهرت الصحف والمجلات، وازدهر التعليم والقراءة ولم يكن هناك منافس للكتّاب كما هي الحال في أيامنا. وتطورت الحياة وتغيرت وما عاد الكتاب وسيلة التثقيف الوحيدة، فهل ما ألم بالحكاية والمقامة ألم بالقصة القصيرة؟
في 70 ق20 في الضفة، بل وفي فلسطين المحتلة العام 1948، لم تكن هناك دور نشر تغامر بطباعة كتب، وكان على الكتاب أن ينشروا نتاجهم، ابتداءً في الصحف والمجلات وهكذا ازدهر الشعر وازدهرت القصة القصيرة، وحين جازفت دور النشر المحلية بطباعة كتب أخذت تطبع لأسماء معروفة. وربما تذكرنا ما رواه نجيب محفوظ في كتاب "نجيب محفوظ.. يتذكر" الذي أعده جمال الغيطاني.
حين سئل محفوظ عن قصصه القصيرة، وعن كونها مشاريع روايات، قال: إنها في الأصل روايات اختصرت إلى قصص قصيرة، وكثيرون لا يعرفون هذا. ويوضح محفوظ سبب اختصار رواياته إلى قصص قصيرة. كان يومها كاتباً ناشئاً، ولم تغامر دور النشر بنشر أية رواية له، لأنها قد تفلس، وهكذا اقترح عليه بعض الناشرين أن يختصر رواياته وينشرها في المجلات، وهذا ما كان.
والآن غدا الناشرون ينشرون الروايات، ويترددون في نشر المجموعات الشعرية والقصصية، إلا إذا كان صاحبها اسماً معروفاً. وكلنا يعرف أن هناك جوائز قيمة عربية للشعر وللرواية، مثل جائزة "البابطين" وجائزة "بوكر"، فهل ثمة جائزة على مستوى الوطن العربي للقصة القصيرة.
شعراء روائيون.. شعراء كتاب قصة قصيرة:
لعل من يتابع الأدب الفلسطيني منذ 40 ق20 يلحظ جنوح بعض الشعراء لكتابة الرواية (محمد العدناني وروايته "في السرير")، وسوف تتعزز هذه الظاهرة اللافتة بمرور السنوات: يوسف الخطيب وهارون هاشم رشيد وسميح القاسم وعلي الخليلي وأسعد الأسعد وغسان زقطان وزكريا محمد ومحمد القيسي، وقسم من هؤلاء أصدر أكثر من رواية، بل إن منهم من هجر الشعر كلياً إلى عالم الرواية مثل أسعد الأسعد. هل نقول الشيء نفسه عن إبراهيم نصر الله؟
وإذا ما تتبع الدارس تحول الشعراء إلى كتاب قصة قصيرة فهل يلحظ الشيء نفسه وبالمقدار نفسه؟
طبعاً هناك شعراء كتبوا القصة القصيرة وأصدروا مجموعة واحدة أو مجموعتين على أكثر تقدير، لكنهم لم يتميزوا في كتابة القصة ولم يهجروا عالم الشعر لأجلها، فقد ظلوا شعراء بالدرجة الأولى وأبرز هؤلاء فاروق مواسي والمتوكل طه.
قاصون جدد:
أعود إلى السؤال: هل ندق آخر مسمار في نعش القصة القصيرة يعتب عليّ بعض القاصين الجدد، مثل أحلام بشارات وأماني الجندي بأنني أقتصر في كتاباتي على أسماء محددة في عالم القصة القصيرة، وأنني لا ألتفت إلى الكتاب الجدد، وربما يكون هذا صحيحاً، لكنني أتساءل: هل قدم قاص جديد إضافات نوعية متميزة إلى ما قدمه شقير وهنية؟
مرة كتبت مقالاً عنوانه "محمود شقير وقصتنا القصيرة الفلسطينية" وأتيت في نهايته على القاص الشاب ـ في حينه ـ زياد خداش، وأوردت له قصة قصيرة جداً، لأربط بين "تجربته وتجربة شقير في هذا اللون، وحين أهداني أمين دراوشة مجموعتيه "الوادي أيضاً" (2001) و"الحاجة إلى البحر" (2007) تساءلت: هل أضاف جديداً إلى حركتنا القصصية؟
كان هاجس محمود درويش في الشعر، وهاجس أكرم هنية ومحمود شقير في القصة القصيرة، الإضافة النوعية، وربما تذكر المرء منهج (برونتير) التاريخي: ما هو موقع ما يكتب في لونه الأدبي؟ وحين أسأل قاصين جدداً إن كانوا قرؤوا، قبل أن يكتبوا، النتاج القصصي الفلسطيني، يعترف لي كثيرون بأنهم لم يفعلوا ذلك بعد ـ أعني: لم يمارسوا فعل قراءة السابق ليبنوا عليه. وربما هذا السبب، وأسباب أخرى، هي ما تجعلني أتردد في الكتابة عنهم: الانقطاع عن الكتابة لاحقاً والانصراف إلى جنس أدبي آخر، وأحياناً أقول: على الجيل الجديد أن يوجد معه نقاده، ولعلّني مخطئ، وأظن للتأمُّلات بقية!!
عادل الأسطة
2012-11-04
***
[HEADING=2]4- أ. د. عادل الأسطة - الرواة على بيدر الحكمة : القصة القصيرة الفلسطينية والأردنية ١٩٥٠ - ٢٠٠٠[/HEADING]
أية مهمة صعبة عسيرة المنال هي تلك التي تصدى لها الدكتور إبراهيم السعافين في كتابه الصادر في عمان ، في العام ٢٠٠٨ ، عن دار شروق ؟
في مقدمة الكتاب يكتب المؤلف أنه لإنجازه بذل فيه " جهدا مضنيا يحتاج إلى جهود تالية " وهو محق فيما كتب . فالمرء ، وهو يتابع تصفح الكتاب ، يثير السؤال السابق غير مرة ، ويخيل إلي أن ما أنجزه المؤلف في بضع سنوات يحتاج إلى عقود ، ويمكن أن يكون " مشروع عمر " ، والكتب التي يمكن أن تنعت بهذا الوصف كتب قليلة ، بل ونادرة . إنها عموما كتب مثل معجم الموتيفات والأفكار الرئيسة ومعجم الرموز ومعجم مصطلحات الأدب ؛ الشعر والرواية والقصة القصيرة والمسرحية .
ربما يعد كتاب حسين مروة " النزعات المادية في الفلسفة العربية الإسلامية " ، وموسوعة المصطلح النقدي المترجمة لعبد الواحد لؤلؤة ، وموسوعة السرد العربي لعبدالله إبراهيم ومؤلفات سعيد يقطين في تحليل الخطاب الروائي ، ربما تعد هذه المؤلفات مشاريع عمر لأصحابها ، وكان يمكن لكتاب الدكتور إبراهيم السعافين المذكور أن يكون مثلها لو اشتغل أكثر في جنس القصة القصيرة ودرس القصاصين الذين ذكرهم كلهم في كتابه دراسة متساوية متناولا نتاجهم كله . لكنه لم يفعل فخسر كتابه الوصف " مشروع عمر " ، ويبدو أن الأجناس الأدبية الأخرى التي كتب عنها الدكتور ؛ الشعر والرواية والمسرحية ، ثم لاحقا كتابة الرواية فالمسرحية والعودة إلى كتابة الشعر ومن ثم السيرة الذاتية ، يبدو أن هذا كله بدد تركيزه على إنجاز مشروع عمر يصبح علامة مميزة في تاريخ الأدب العربي يتكيء عليها الدارسون اللاحقون ويعودون إليها باستمرار .
لا أعرف كم هي المدة الزمنية التي أنفقها الدكتور في تأليف كتابه الذي يقول لنا الكثير عن مدى إلمامه إلماما كافيا بكتاب القصة القصيرة وقصصهم في البلدين المذكورين على مدى ٥٠ عاما ١٩٥٠ - ٢٠٠٠ .
إنها مهمة صعبة حقا أن تدرس ٧٨ قاصا صدر لأكثرهم ما لا يقل عن خمس مجموعات قصصية ، وصدر لقسم منهم عشر مجموعات وأحيانا أكثر .
عندما بحثت في محرك البحث ( غوغل ) عن مراجعات للكتاب أصبت بصدمة حقا ، فلم أقرأ الكثير ، علما بأنه - أي الكتاب - درس الكثيرين من كتاب القصة القصيرة ، وكان يفترض أن يتوقف هؤلاء أمام ما كتب عن نتاجهم مادحين أو ناقدين أو مبدين وجهات نظر ، تماما كما كان يفترض أن يقف نقاد القصة القصيرة أمام الكتاب ، باعتبارهم متابعين لفن القصة ، مبينين ما له وما عليه ، وفي الكتابة من كتاب القصة القصيرة ونقادها ما قد يسدي خدمة للمؤلف إذ قد يعيد النظر فيما كتب إن أعاد طباعة الكتاب ثانية .
الدكتور إبراهيم السعافين دارس وباحث صدرت له كتب عديدة ، وهو أستاذ جامعي أشرف على عشرات رسائل الماجستير والدكتوراه وناقش أيضا عشرات الرسائل وحكم مئات الأبحاث ونظر في عشرات الترقيات إلى رتب علمية ، وما من شك أن الكتابة عن كتابه تتطلب دقة وحذرا ، والكتابة عنه مغامرة قد تودي بمنجزها أيضا ، فقد تقع أعماله بين يدي الدكتور فلا يرحمه ولا يرحمها .
والحقيقة أنني فكرت كثيرا قبل الكتابة وعدت إلى الكتاب أتصفحه وأسائل معلوماتي وأدقق فيها . أقدم تارة وأتراجع ثانية كي لا أخسر صداقة عالم صديق وإنسان مهذب جدا ، ولكن من قال إن ما أكتبه أنا مكتمل ، وماذا لو كتب دارس منتقدا ما أكتب ؟ أليس هذا من حقه ؟
الخلاف في الرأي والاجتهاد لا يفسد للود قضية .
الملاحظات كثيرة والمساحة هنا قد لا تتسع ولكن لا بد من خطوط عامة .
لا ينكر المؤلف أن هناك دراسات عديدة سابقة درست هذا الفن ، وهي كثيرة ، ذكر قسما منها وغابت عنه أخرى لأنه " ليس من الممكن استقصاء البحوث والدراسات والرسائل التي تناولت كتاب القصة في فلسطين والأردن " ، ويوضح أن كتابه كان في الأصل بحثا أعد في صورة موجزة بتكليف من مؤسسة عبد الحميد شومان الثقافية ، ولكنه رأى أن الصورة التي ظهر فيها موجزة لا تستقيم ، فأعاد النظر في منهج البحث والغاية منه حتى استوى على الصورة التي ظهر فيها في الكتاب ، ولا يقفل الدكتور باب الدراسة والتوسع في هذا الجنس في الزمان والمكان المحددين ، وذلك لغناه وتراكمه وتعدد تياراته واتجاهاته . إنه جنس " في حاجة ماسة إلى دراسات متتابعة تنهض بمتابعتها وتحليلها وتفسيرها وبيان خصائصها البنائية والشكلية والمضمونية " .
ويشير إلى ما لا ينبغي أن يغيب عن البال وهو أن حركة القصة المدروسة " تنتظمها اتجاهات وتيارات مختلفة ولكنها متداخلة " وربما لهذا يدرس في الباب نفسه كتابا من أجيال مختلفة ، وأحيانا يكرر الكتابة عن القاص نفسه تحت عنوانين مختلفين ، كما حدث مع توفيق فياض .
والكتاب الذي يتكون من مدخل وخمسة فصول يقول لنا إنه درس القصة في تحولاتها دراسة أقرب إلى الدراسة التعاقبية ، ففي المدخل يتوقف أمام الرواد الذين كتبوا القصة قبل ١٩٤٨ ، ثم يدرس التحولات نحو الواقع ، فالرواة في مواجهة التجربة ، فجيل التحولات القاسية ، فالكتاب الذين حلقوا في آفاق التجريب : تحولات الواقع والرؤية ، وأخيرا أجيال المغامرات المفتوحة .
ونظرة على الأسماء التي أدرجت تحت العناوين هي ما جعلتني أقول " أقرب إلى التعاقبية " إذ حين يمعن المرء النظر في الأسماء سرعان ما يتراجع عن وصف الدراسة باتباع المنهج التعاقبي ، إذ يقدم دراسة ماجد أبو شرار على دراسة غسان كنفاني وجبرا إبراهيم جبرا أيضا .
ونظرا لأن المساحة محدودة فإنني سأكتفي بملاحظات سريعة منها :
- كان التعامل مع المراجع والمصادر المشار إليها والمدروسة تعاملا غير دقيق ، فقد أشار إلى مراجع درست فن القصة وأغفل أخرى ، ولا تشفع له ملاحظته بخصوص المراجع ، أما بخصوص المصادر فإن الدكتور لم يقم بعمل إحصائية لكل ما صدر لكل كاتب ، حتى إذا ما اختار منها نصه ليدرسه يبدو مقنعا وناجما عن إلمام كامل بنتاج القاص المدروس .
- لم يقل لنا الدكتور ما الجديد الذي أضافه كتابه إلى الدراسات السابقة ، وبم اختلف عنها منهجا ، وما الخلل الذي رآه فيها فدفعه إلى تأليف كتابه . وهنا لا أدري ما السبب الذي جعل مؤسسة شومان تكلفه بإنجاز البحث ، علما بأن من يراجع الموسوعة الفلسطينية يقرأ فيها بحثا عن القصة القصيرة الفلسطينية للدكتور واصف كمال أبو الشباب وآخر للدكتور محمود شريح .
- أنصف الدكتور كتاب قصة وظلم آخرين ، فكتب عن المنصفين صفحات كثيرة تصل إلى العشرين صفحة أحيانا ، في حين أنه كتب بإيجاز شديد عن الآخرين المظلومين ، دون أن يبدي رأيا فيما أقدم عليه ؛ أيعود السبب إلى كثرة الإنتاج وجودته وقلة الإنتاج ورداءته مثلا ؟
- مع أن الكتاب يحدد المدة الزمنية من ١٩٥٠ إلى ٢٠٠٠ إلا أننا نلاحظ أنه أهمل نتاج بعض القصاصين الذين كتبوا في هذه الفترة ، وتناول بعض نتاجهم الذي كتب بعد العام ٢٠٠٠ ، وهو ما نلاحظه على سبيل المثال لا الحصر في دراسته للقاص أكرم هنية ، الذي كتب عنه صفحة واحدة فقط تناول فيها قصة " أسرار الدوري " وقد صدرت المجموعة في العام ٢٠٠٣ ، وكان هنية أصدر قبلها أربع مجموعات قصصية من ١٩٧٩ إلى ١٩٨٦ . والغريب أن الدكتور يقتبس في دراسة القصة من كتاب صدر عن تجربة هنية في العام ١٩٩٠ .
- هل يعقل أن يكتفى بالكتابة عن جهود نجاتي صدقي من خلال اختيار قصة واحدة له هي " حياة بلابسي " وقد كتبت قبل ١٩٥١ في حين أصدر مجموعة " الشيوعي المليونير " في العام ١٩٦٣ وهو يعد من أبرز كتاب القصة القصيرة الفلسطينية ، عدا أن هناك رسالة ماجستير أنجزت عنه في الجامعة الأردنية في العام ١٩٨٤ ؟
- إغفال كتاب صدرت لهم في هذه الفترة مجموعات ( صبحي شحروري وفضل الريماوي وسامي كيلاني وإبراهيم العلم وأنا أيضا ، وقسم من هؤلاء له غير مجموعة قصصية ... )
- وفي خاتمة كتابه يعدد الدكتور أسماء كتاب قصة قصيرة كتب أنهم كتاب مهمون " ويستحقون الوقوف عندهم من مثل أسعد الأسعد وهاني الطيطي وجمعة شنب و ... و ... و ... وغيرهم وقد وقف بعض الدارسين عند بعض أعمالهم وتنبهوا على ما فيها من قيم فنية وإنسانية ، وأشاروا إلى إضافتهم إلى حركة القصة العربية في فلسطين والأردن "(1) ولم يورد في الصفحة نفسها ( ٣٩٨ ) أسماء هؤلاء الدارسين ، وربما يعود هذا إلى خطأ في الطباعة ، وقد تكون الإشارة إليهم تمت في الصفحة السابقة ، والأخطاء في الطباعة والإحالة لا يخلو منها الكتاب ، لكن اللافت هو أن بعض الأسماء التي أوردها صلتها بالقصة القصيرة ضعيفة أو معدومة مثل أسعد الأسعد الذي عرفناه شاعرا ومن ثم روائيا ولم نعرفه كاتب قصة قصيرة ، ولما سألته إن كان كتب القصة القصيرة أجاب بأنه ربما نشر بعض الحكايات ولا يعرف إن كانت تعد قصصا قصيرة ، ويورد له الكاتب في قائمة المصادر صفحة ٤٠١ عنوان روايته " ليل البنفسج " ، والطريف أن هناك كتابا أصدروا مجموعات لم يذكرهم حتى هنا مثل يعقوب الأطرش وإبراهيم جوهر وحسن عبدالله وعبد الكريم قرمان ومحمد أبو النصر ومصطفى مرار ومحمود عباسي وتيسير نظمي وآخرين ، ومصطفى مرار أصدر ما لا يقل عن ٢٠ مجموعة قصصية .
ومن الأخطاء التي قد تعزى للطباعة والإخراج هو تكرار الكتابة عن توفيق فياض ، فقد درسه الدكتور في الفصل الرابع ، وتكرر ما كتبه عنه في الفصل الثالث ( ينظر في الصفحات ٢٨٨ و ٢٨٩ و ٢٩٠ تكرر في ٢١٧ و ٢١٨ و٢١٩ ) .
- افتقاد الدقة في نقل الأسماء والعناوين ، فسميحة خريس التي ذكرها في الفهرست في صفحة ٩ تغدو في قائمة المصادر في صفحة ٤٠٣ سميره خريس ، عدا أن التوثيق هنا غير تام ، وعنوان رواية ليانة بدر " بوصلة من أجل عباد الشمس " يرد " يوميات من أجل عباد الشمس " ، وظني أن بعض أخطاء المؤلف تعود إلى اعتماده على مراجع وقعت في الأخطاء فنقل عنها دون أن يتأكد من دقة المعلومات . ثم لا يوجد تطابق تام ما بين الفهرست الرئيس والفهارس الفرعية من جهة ومن جهة ثانية بين الفهرس الرئيس والفهارس الفرعية والمدروسين في الكتاب . إنه يدرس صالح أبو اصبع في صفحة ٣٣٣ ولا يورد اسمه في الفهرست العام أو حتى الفرعي ، ويدرس رسمي أبو علي فيذكر اسمه في الفهرست العام ولا يورده في الفهرست الفرعي في صفحة ٢٦١ ، بل يورد اسمه في فهرس فصل لم يدرسه فيه ، وهذا تكرر مرارا .
- الاجتهاد والتحليل . اتكاء على نظريات نقدية مثل نظرية التلقي ، فإن العلاقة تغدو بين النص وقارئه والأخير يقدم قراءته ، وبما أن الدكتور قاريء متخصص وليس قارئا عاديا ، فإن على المرء أن يقدر اجتهاداته ويحترمها ، وهي قراءات وليدة لحظة معينة وقد يعيد القاريء نفسه النظر فيها إن قرأها في زمن مختلف ، وهذه أيضا مقولة يأخذ بها أصحاب نظرية التلقي . إن قراءة نص واحد من قارئين مختلفين تؤدي إلى قراءتين مختلفتين ، وإن قراءة النص في زمنين مختلفين، من القاريء نفسه ، تؤدي إلى قراءتين مختلفتين .
بقي أن أشير إلى أن الدكتور قدم لجنس القصة القصيرة الفلسطينية والأردنية خدمة كبرى ، فقد انحسرت الدراسات حول هذا الجنس وضعفت وتراجعت تراجع مكانته وقلة الاهتمام به تأليفا وتلقيا نقديا وقراءة وتدريسا في الجامعة ، بل واحتفاء ، إلا قليلا .
الأحد والاثنين والثلاثاء والأربعاء
٧ و ٨ و ٩ و ١٠ / ٥ / ٢٠٢٣ .
إ