ما زلت أتذكر ما باح به لنا الشاعر المغربي عبد اللطيف اللعبي، ذات يوم، بداية الألفية الثالثة، ونحن في رفقته بطلب من المعهد الفرنسي بوجدة الذي كان قد دعاه للقاء ثقافي بصفته أحد الكتاب المغاربة المرموقين الذين يكتبون باللغة الفرنسية. ونحن نستمع إليه وهو يتحدث عن الكتابة حينما يمتهنها الكاتب وتصبح مصدر عيشه، ودورها في المجتمع، وعن كونها التزام بقضايا الشعوب، هو الذي خبر المعتقلات والسجن بسبب ذلك أثناء ما سمي بسنوات الرصاص، خاصة انه تحمل مسؤولية مجلة انفاس الصادرة حينها باللغتين العربية والفرنسية والمعروفة بتحيزها إلى قضايا الشعوب، صمت هنيهة أثناء حديثه، ففاجأنا بما مفاده :
حدث له وهو يتفاعل مع مشهد شحاد مسن على الرصيف، أن تردد كثيرا وهو يفكر في كتابة شيء يعبر عن إحساسه اتجاه هذا الرجل الطاعن في السن والذي يمد يده ليسد رمقه. للوهلة الأولى فكر أن دوره هو أن يستلهم إبداعه منه كما سبق أن فعل في كل نصوصه من باب الالتزام بقضايا الشعوب الفقيرة والمضطهدة، لكنه فوجئ بضميره يوبخه كمستغِل لهذه الحالة من أجل كتابة نص جديد واضافته لنصوص أخرى قد يستفيد منها ماديا. هكذا نبهه ضميره وأثار لديه إحساس بأنه أصبح هو أيضا مستغِلا مثله مثل ذلك الرأسمالي الذي يستغل الطبقات العاملة أو أي مستغِل آخر. بحيث يكتب عن هذه الحالات، فتنشر كتبه مقابل مال يربحه بفضل مثل هذه المشاهد المؤلمة التي أدمن على البحث عليها أو تلك التي تأتيه بها الصدف وهو يتجول أو فقط يعبر منطقة تعج بالفقراء... حينها انبه ضميره فقرر ألا يكتب أبدا، تفاديا لهذا الإحساس بالذنب، خاصة وأنه أصبح ممتهنا الكتابة. فتوقف عنها، كما حكى.
بعد صمت رهيب، سألناه:
- كم من الوقت توقفت عن الكتابة؟
- كم في نظركم، توقفت ؟
كل واحد منا أجاب حسب تخمينه:
عامان!
ثلاث سنوات!
بضعة شهور!
الخ...
ابتسم الكاتب، تلك الابتسامة المتواضعة، في تجاوب مع تحمسنا لإيجاد الجواب الصحيح، وقال :
- لن تصدقوا إذا قلت لكم بأنني توقفت... لمدة أسبوع فقط...! أحس حينها حسب ما فهمنا من حديثه، بفراغ مهول وكأنه رضخ لفكرة عدم الاهتمام المروعة والانهزامية...فالكتابة بالنسبة إليه نضال قبل كل شيء...
بقينا صاغري الأفواه وبداخل كل واحد منا إعجاب بهذا الكاتب الذي امتلكته الكتابة ومازال يؤدي دوره "الأنفاسي"...
لكن بقيت فكرة استغلال الكاتب لقضايا الشعوب، وإنتاج أدب مستلهَم من حالاتهم البئيسة من أجل مآرب شخصية سواء معنوية أو مادية، حاضرة بقوة لدي. خاصة حينما نتفاجأ ببعض الأسماء التي كانت الى عهد قريب تصنف بالملتزمة، نتفاجأ بنجمها يلمع بالدوائر "الرأسمالية والسلطوية" التي كانت محط انتقاداتهم من خلال إنتاجاتهم الأدبية...
صحيح أن الضمير المبدئي والأخلاقي قد يستفيق ويؤنب... لكن هذا الضمير عملة نادرة ولا نجده عند الكاتب الذي يعتقد أن تلك الفترة "الرصاصية" ما هي إلا فترة كان وأخواتها، أي مضت وكأن الماضي دفن، والحاضر انتصر... بينما الحقيقة ما هي إلا "ماضر" (ماضي/حاضر) انتصر بتدجينه من كان فعلا مستغِلا بكتاباته وليس ملتزما كما يدعي أو كما يصنفه بعض النقاد المقربين...
محمد العرجوني
حدث له وهو يتفاعل مع مشهد شحاد مسن على الرصيف، أن تردد كثيرا وهو يفكر في كتابة شيء يعبر عن إحساسه اتجاه هذا الرجل الطاعن في السن والذي يمد يده ليسد رمقه. للوهلة الأولى فكر أن دوره هو أن يستلهم إبداعه منه كما سبق أن فعل في كل نصوصه من باب الالتزام بقضايا الشعوب الفقيرة والمضطهدة، لكنه فوجئ بضميره يوبخه كمستغِل لهذه الحالة من أجل كتابة نص جديد واضافته لنصوص أخرى قد يستفيد منها ماديا. هكذا نبهه ضميره وأثار لديه إحساس بأنه أصبح هو أيضا مستغِلا مثله مثل ذلك الرأسمالي الذي يستغل الطبقات العاملة أو أي مستغِل آخر. بحيث يكتب عن هذه الحالات، فتنشر كتبه مقابل مال يربحه بفضل مثل هذه المشاهد المؤلمة التي أدمن على البحث عليها أو تلك التي تأتيه بها الصدف وهو يتجول أو فقط يعبر منطقة تعج بالفقراء... حينها انبه ضميره فقرر ألا يكتب أبدا، تفاديا لهذا الإحساس بالذنب، خاصة وأنه أصبح ممتهنا الكتابة. فتوقف عنها، كما حكى.
بعد صمت رهيب، سألناه:
- كم من الوقت توقفت عن الكتابة؟
- كم في نظركم، توقفت ؟
كل واحد منا أجاب حسب تخمينه:
عامان!
ثلاث سنوات!
بضعة شهور!
الخ...
ابتسم الكاتب، تلك الابتسامة المتواضعة، في تجاوب مع تحمسنا لإيجاد الجواب الصحيح، وقال :
- لن تصدقوا إذا قلت لكم بأنني توقفت... لمدة أسبوع فقط...! أحس حينها حسب ما فهمنا من حديثه، بفراغ مهول وكأنه رضخ لفكرة عدم الاهتمام المروعة والانهزامية...فالكتابة بالنسبة إليه نضال قبل كل شيء...
بقينا صاغري الأفواه وبداخل كل واحد منا إعجاب بهذا الكاتب الذي امتلكته الكتابة ومازال يؤدي دوره "الأنفاسي"...
لكن بقيت فكرة استغلال الكاتب لقضايا الشعوب، وإنتاج أدب مستلهَم من حالاتهم البئيسة من أجل مآرب شخصية سواء معنوية أو مادية، حاضرة بقوة لدي. خاصة حينما نتفاجأ ببعض الأسماء التي كانت الى عهد قريب تصنف بالملتزمة، نتفاجأ بنجمها يلمع بالدوائر "الرأسمالية والسلطوية" التي كانت محط انتقاداتهم من خلال إنتاجاتهم الأدبية...
صحيح أن الضمير المبدئي والأخلاقي قد يستفيق ويؤنب... لكن هذا الضمير عملة نادرة ولا نجده عند الكاتب الذي يعتقد أن تلك الفترة "الرصاصية" ما هي إلا فترة كان وأخواتها، أي مضت وكأن الماضي دفن، والحاضر انتصر... بينما الحقيقة ما هي إلا "ماضر" (ماضي/حاضر) انتصر بتدجينه من كان فعلا مستغِلا بكتاباته وليس ملتزما كما يدعي أو كما يصنفه بعض النقاد المقربين...
محمد العرجوني