عزيز معيفي - تقاسيم على مقام المجموعة المجموعة القصصية "الكأس المكسورة" لسي حاميد اليوسفي.. مطارحات هادئة

ببالغ السرور أقبل على المشاركة في حفل توقيع المجموعة القصصية "الكأس المكسورة " لسي حاميد اليوسفي تلبية للدعوة التي وجهها لي المنتدى المغربي للحكامة الاجتماعية.

مشاركتي تسعى للنهل من المعرفة والإبداع والشعور الإنساني المتبادل.

لم يكن موعدنا كداء، بل ايت اورير، فقصدنا الإبحار فيما حفرته يد اليوسفي من بحار القص، نمخر عبابها في سبيل المغامرة من أجل اكتشاف "أطلنطيس" الجديدة التي شيدها هذا القاص العجيب. أقول عجيب لأنه تمكن من ترتيب حياته بمهارة قل نظيرها. فمن العمل الشاق على تربية وتعليم الأجيال إلى المساهمة في رحلة النضال النقابي، وفي فترة منه التقينا، إلى التفرغ للكتابة والتأليف في عالم القصة القصيرة.

استطاع أن يتغلب على فوضى الحياة، ويرتب أولوياته ضمنها بمنظور فلسفي يتعالى على الصغائر، ويُعلي من شأن الصحيح، عملا بالحكمة التي تقول : "لا يصح إلا الصحيح"...

استطاع اليوسفي أن يعديني ببليته، فقررت أن أناوشه في حرب إبداعية جميلة، همنا أن ننتصر للقيم الجمالية التي ترتكز على القيم الإنسانية النبيلة.

ملحوظة:

ركزت على نص تأسيسي لتجربة اليوسفي القصصية ـ كما أعتبره ـ وهو "الكأس المكسورة " مع التأكيد على أن قراءتي لها طابع شمولي استنادا على مقاربة تداولية.

حين يطرح الكاتب السؤال لمن أكتب ؟ يعني ذلك شروع الكتابة في وعي ذاتها، وهي عملية معقدة وشاقة، تستوجب توفر عوامل متشابكة قد تتجاوز الطموح للنهوض بالكتابة.

اليوسفي يطرح نفس السؤال ضمن خطابه المقدماتي، مجيبا بانحياز واضح للقاع الشعبي :

"أكتب لبائع السجائر بالتقسيط، والبائع المتجول، وعمال المقاهي، وللنساء اللواتي رمتهن ظروف صعبة في جحيم الحياة، وكل المقهورين" ص 4 .

في نفس الآن، لا يمكن القفز على واقعنا، حيث شروط عدة ـ تراجع دور المدرسة / ضعف النشر/ ضعف الاهتمام الرسمي بالثقافة والفنون والآداب.. كل ذلك يؤدي حتما إلى ضعف المقروئية. من تم يستدرك انفتاح الكتابة على بعدها الإنساني " أكتب لأصدقائي" ص 4. ثم ينفتح على الذات: أكتب لإرضاء رغبة دفينة في النفس، لكي لا أنسى ولا أُنسى"..

ويمكن هنا أن نسجل ملاحظتين:

ا) الملاحظة الأولى تتعلق بتوثيق الذاكرة، وقد توفق فيها اليوسفي من خلال منجزه القصصي باعتباره دشنه ـ المنجز القصصي ـ بما عنونه ب"وشوم في الذاكرة".

ومن نافل القول أن ما يعيشه مجتمعنا من تحولات اجتماعية سريعة مرتبطة أساسا بشيوع نمط الاستهلاك، وعدم اهتمام مؤسسات الدولة بمختلف أنماط الذاكرة: سمعية / بصرية / لغوية / احتفالية / معمارية / مظهرية (اللباس) ـ للحفاظ عليها وصيانتها، يبقى مجهود اليوسفي لتضمين عمله الحكائي أنواعا من الذاكرات عن طريق توظيف الوصف: وصف الخلفيات، وصف الشخصيات، توظيف الأمثال الشعبية، توظيف الأسماء، هذا المجهود يبقى متميزا.

يصبح النص القصصي بمثابة وثيقة تاريخية تحمل بصمات مرحلة، وكأن الزمن عاد إلى الوراء بالقارئ الذي عايش فترات ماضية ليتلذذ بما تتضمنه من تحف جمالية.

وفي نفس الآن تخلق هذه النصوص ألفة بين الماضي والأجيال الحالية، لتتعرف عليه وتحبه وتنهل منه..

ب ) الملاحظة الثانية، تتعلق باستبدال الحياة بالكتابة، حسب تعبير كيليطو، بحيث تتحول الكتابة إلى حياة على الورق. حياة لها قدرة هائلة على النفاذ من مسام الروح إلى قلب المخيال. هنا تشتعل حرائق الأيام، وزوابع الزمن، يتلظى بها المعذبون في الأرض ـ وربما نحن منهم لأننا اخترنا أن نحب الأدب الذي يقدس الإنسان ..

عملية الاستبدال هذه تتم بسخاء فني رفيع لدى اليوسفي: لغة سردية بسيطة تقع في الحد الأدنى من تركيب الجملة، وكأنها لغة سيناريو يعج بالحركة، لكنه يستطيع أن يسجل دواخل النفس عن طريق وصف الإحساس وربطه بباقي أنواع الوصف.

يقول عمر في نص الكأس المكسورة ص 29:

"نعم أنا محظوظ لأني كل يوم جمعة أقضي حوالي ساعتين أو ثلاث مع فتاة جميلة في السينما، نتبادل الهمس والقبل، وهذا هو النصف المملوء من الكأس. لكن حظي أيضا سيء. عندما تلمس يدي فخذ نرجس الأيسر، لا تلمس غير الحديد البارد، فأحس بخوف رهيب..."

السخاء الفني يستهدف المخيال بعفويته، ولا يفترض أي نوع من أنواع التأهيل الثقافي الباذخ الذي تتطلبه الكتابة النفسية مثلا عند جبرا إبراهيم جبرا في روايته "البحث عن وليد مسعود". بل نجد تأثرا واضحا بحنا مينه في أعماله الروائية: حكاية بحار مثلا، أو يوسف زيدان في عمار




تعليقات

لا توجد تعليقات.
أعلى