ميثم الخزرجي - الوجه الثقافي للعالم..

ثمة أسئلةٌ كثيرةٌ تكاد لا تبرح مخيلتي على الدوام، ما الوجه الثقافي لهذا العالم حيال تداول المرئي بكل صخبه وفوضويته؟، وما الجديد الذي نتوقع أن يصادفنا قبالة ما نشاهده في وسائل التواصل الاجتماعي وعولمة الحياة وانفتاح أكرات نوافذها؟، هل أن صناعة الدهشة داخل المتن الأدبي كافية إزاء علانية الحدث وإشاعته على أرض الواقع بكل تفاصيله ونتائجه التي تفضي إلى خفوت وإذابة اللحظة المرتقبة للصعود مع النص والتقصي عن وهجة، وهل هناك ما يسترعي المضمر النسقي في المشاريع الجمالية بكل مجالاتها إن أجزنا بأن حيوية النص لا تكتمل إلا بتمركز الحمولة المعرفية وانشطار رؤاها جرياً والمثل الدارج (ما خفي كان اعظم) ، وما هي دلالة النسق، هل هي الحيلة البلاغية التي يتقمصها الأديب بغية التخلص من الأثر الذي يكنّه للتصريح عن متبنياته، أم لاجتراحات فنية تمكّن من تدوير النص وفقاً لحلحة السائد المتوقع وإعطائنا إياه بحلة مغايرة، وكيف يكون هاجس النص بهذا الأوان الحالي؟، وما مدى تأثيره؟.
بطبيعة الحال أجد أن خلاصة المضمر النسقي داخل المتن الأدبي تعبّر عن النظرة المتّبعة التي يحاول الأديب صياغتها وفقاً لمعناه وتعضيداً لتمرير أفكاره ولو كانت بصورة غير مباشرة لندركها حال تفتيت الكثير من العناصر الجمالية التي تضيء قصدية المعنى المتواري وتظهر ملامحه الجادة التي تستبين نظرته للما حول و تستنطق مجريات الواقع بمآلاته المجهولة تبعاً لمدونته الشخصية، لكني أتساءل ما هو العائد الذي يقدمه النسق قبالة هذه الرداءة التي أضحت مصاحبة للإنسان وهل هناك ما يشي إلى لعبة خفية يوظفها الأديب بعناية ليضمن تظافر رؤاه داخل النص.
واقعاً أن الألية المتبعة لإعطاء نتاج حي بحلة ثقافية لها مضمراتها ما عادت تجدي نفعاً أو تثير حفيظة المتلقي في ظل هذا الأوان الواضح بكل تقلباته وحيثياته المكشوفة التي أعطت لنا مادة صريحة لا تنفك من هاجس الأنسان واعتباراته المتمركز عندها وكأنها منسوخة من مداره اليومي، فلو أجيز لنا أن نطلع على كثيرٍ من أفلام الأكشن أو النصوص الكابوسية بل حتى المتون المبتكرة التي نواتها الواقع لوجدنا أن تلقِّينا لها لا يثير التأمل أو النزوع نحو الأثارة أو التنقيب عن مجريات الحدث الضال لربما نراه متفقاً ومتسقاً مع الواقع الذي انغمرنا به لتكون المادة مفضوحة خالية من الرسائل التي يمررها الأديب كغاية يبشر بأفكاره من خلالها فيما لو عدنا إلى الدلالة التي يترتب عليها الفعل النسقي لوجدنا أنه من الضرورات كونه الجدوى التي يبنى عليه المخاض المعني للأديب بجميع مساربه واستحصال غايته القصوى ومدى استكانة مخرجاته باتساقها مع الموضوعة المراد طرحها فمن باب أولى أن يكون للنسق اجتراحاته التي تبيد اتباعية الاسهاب وتختزل المراد وتفي حاجته، ومن هنا تظهر مدى صلاحية النصوص المستمدة من الواقع إذا تكون أقل عرضه للذهول فلا تتعدى كونها ارشفة تعبّر عن هذه الحياة التي ندور بها، لكني أجد أن حظوة هذه النصوص تتجلى بمحاكاتها للسؤال الفلسفي واستنطاق غرضها بالتثاقف الأسطوري وربطها بالقدر الذي انجر إليه الأنسان الحالي لتكون عملية مصاهرة جمالية لها مدياتها وعمرها المنطلق، فالمحنة واحدة ورغبات الأنسان في العيش الآمن واحدة أيضاً وطريقة استحصاله على الخلاص تدور في فكرة واحدة، مع التوقف عند الفارق الزمكاني الذي ولد ونشأ فيه لتتمخض عنه أسئلة جمة يتمحور جميعها أو أغلبها عند اشكالية الواقع ليكون الدافع الذي من ورائه إماطة اللثام عن الكثير من المفاهيم التي أسهمت في خلق دالة ركيزتها الاستفهام عن الما بعد من خلال اتساع الما قبل بأزماته السابقة.
ومما لا شك منه أن تسارع الأوان بأحداثه أسهم في خلق صورة ثقافية لمتون أدبية ثقيلة ذات طابع بارد فنياً لا يستطيع الأخذ بالمتلقي إلى ذروة استحصال القيمة الجمالية المتسقة في تحشيد الاستفهامات التي نستخلص من خلالها معرفة مآل الأنسان في ظل هذا الغثيان الذي يتقصده، فالمتلازمة التي تقي النصوص الواقعية من الترهل والبلادة هي أشراك لوعة السؤال الجدلي لتعلن عن نفسها بهيأة جديدة على الرغم من مادتها الأولية المتداولة لنستخلص منها الأرشفة أو التدوين لمراحل تترى أخذت حيزاً كافياً من المعاناة الدائرة للفرد لكن بأنساق مغايرة لها طلتها المختلفة والثائرة.

ميثم الخزرجي

* منشور في المجلة العربية السعودية

تعليقات

لا توجد تعليقات.
أعلى