سؤال طويل وعريض يُخفي بين أحرفِه ما لا يخطر على بال! وإذا أردنا أن نُعطيَ تفسيرا أوليا لهذا السؤال، سنقول : "هل صارَ كل ما لا يرضي المغاربة يبدو لهم عاديا في حياتهم اليومية؟" أو "هل تعوَّد المغاربة على قبول ما لا يُرضيهم حتى وإن كان في غير صالحهم؟"، أو بعبارة أخرى، "هل أصبح المغاربةُ مُتعوِّدين على التَّساكن والتَّعايش مع كل ما يُنغِّص حياتَهم اليومية اجتماعيا واقتصاديا؟
قبل الجواب على هذا السؤال، دعوني أولا أُوضِّح لماذا طرحتُ هذا السؤال أو ما الذي دفعني إلى طرح هذا السؤال؟ وراء طرح هذا السؤال، أسبابٌ كثيرةٌ سأحاوِل تلخصيصَها فيما يلي : الحياة اليومية للمواطنين مليئةٌ بالمشاكل والصعوبات والقساوة والشِّدَّة، وعلى ما يبدو، هؤلاء المواطنون طبَّعوا مع هذه المشاكل والصعوبات والقساوة والشّدة! وكأن المواطنين لا هدف لهم سوى قبول تلك المشاكل والصعوبات والقساوة والشدة! وتمرُّ الأيام والأسابيع والشهورُ والسنوات… وحالُ الحياة اليومية يتكرَّر هو هو، إن لم يتفاقم! والقبول نفسُه يتكرَّر… برتابة.
ثانيا، الحياة تكره الجمود!، أي الدوران في حلَقَة مفرغة لا تغييرَ فيها ولا تجديد. والجمود مُناقِضٌ للتَّغيير. بل إن التَّغييرَ خاصية من خاصيات الكون. والتغيير هو الانتقال من ما هو رديء إلى ماهو أفضل وأحسن، وقد يكون هو الانتقال من وضعٍ حسن إلى ما هو أحسن منه. والتَّغييرُ يعني التَّغلُّب على المشاكل والصعوبات وإيجاد حلول لها. والتغيير الإيجابي هو الغائب الكبير الحالي في الحياة اليومية للمواطنين. بل في غياب هذا التَّغيير الإيجابي، لم يبق لهؤلاء المواطنين إلا الخنوع والخضوعُ للواقع بسلبياته، إن لم نقُل بتداعياتِه الاجتماعية والاقتصادية. وكأن المواطن المغربي أصبح يكره التَّغيير، أو على الأقل، أصبح مُطبِّعا مع الجمود وعدم التَّغيير. ولولا التَّغيير لبقيت الارضُ على ما كانت عليه في عهد آدم والأقوام التي تَلَته. بل لا مجال لمقارنة الحياة اليومية لهؤلاء الأقوام بالحياة اليومية للبشر حاليا. التَّغيير سُنَّةٌ من سُنَن الحياة!
والآن، حان الأوانُ للجواب على السؤال الذي هو عنوانُ هذه المقالة : "هل طبَّعَ المغاربةُ مع كل شيء؟"
نعم! لقد طبَّعَ المغاربةُ، مُكرهين، مع الفساد والريع والفقر والأمية والرشوة، ورداءة التَّعليم والسياسة السياسوية، وحِربائية الأحزاب السياسية الفاسدة، والتَّسوُّل والرداءة والتفاهة، والانتخابات المزوَّرة والافلات من العقاب، والتزوير والمحسوبية والزبونية و"باك صاحبي"، والتَّهرُّب الضريبي، والغش في الانتخابات والامتحانات، وتجاوز القانون، وعدم تطبيقه بالتساوي بين المواطنين، وغطرسة السياسيين المسيطرين على المال والسلطة، وغلاء المعيشة، ومتاهات البرلمان، والاستلاء على الحقوق وعدم توزيع الثروة بإنصاف، وعَجرفة الإدارة، واحتلال المِلك العام، وتمييع الفن، وتدهور الأخلاق وتراجع القيم وتديُّن المظاهر، وانتشار الرذيلة، والاستلاب الثقافي، والتَّقليد الأعمى والتَّبعِية، والاقتصاد غير المهيكل… والائحة طويلة.
وهذا لا يعني أن التَّغييرَ غير موجود. لا، أبدا! التَّغيير موجود وخصوصا على الصعيدين الاقتصادي والاجتماعي. لكن القليل منه هو الذي يعود بالنفع على الحياة اليومية للمواطنين. والباقي يستفيد منه الميسورون والوصوليون والفاسدون وأتباعُهم.
وعندما طرحتُ السؤال: "هل طبَّعَ المغاربةُ مع كل شيء؟"، فلا بدَّ من التَّوضيحِ أن هذا التَّطبيعَ مفروض عليهم إذ لا حولَ ولا قوَّةَ لهم في تغييره. والأحزاب السياسية التي، من المفروض، أن تحولَ دون هذا التَّطبيع، منذ استقلال البلاد إلى يومنا هذا، فاسدةٌ حتى النخاع. فلم تعُد هذه الأحزاب إلا مافيات ولوبيات همُّها الوحيد هو الوصول إلى السلطة. ولما تصل إلى السلطة، فتدبيرُها للشأن العام مُحرِّكُه الأساسي هو الفساد. بل إن الفساد يصبح بمثابة قانون يحمي مَن يمارسونه ومَن ينهجون سبيلَه…
لماذا قلتُ "إن التَّطبيعَ مع كل شيء مفروضٌ على المواطنين؟ لأن "الفْقِيهْ اللِّي نْتْسنَّاوْ برَكْتُ دْخَلْ لْجَامعْ بِبَلْغْتُ". بمعنى أن الأحزاب السياسية التي، حسب الدستور، تلعب دورَ الوسيط بين المواطنين والحكومة التي تُدبِّر الشأنَ العام، لم تعد تهتم إلا بمصالحِها الضيقة. بل إنها أصبحت هي مَن تنشر الفسادَ وتحميه بشتى الوسائل. وبالتالي، ما على هؤلاء المواطنين إما الصبر وابتلاع كل ما ينغِّص حياتَهم اليومية وإما الانخراط في دوامة الفساد لتجنُّب المشاكل والصعوبات والقساوة والشِّدة!
وحتى أحزاب المعارضة التي، من المفروض، أن تميلَ إلى صف المواطنين وتحمل غضبَهم، لم تعد إلا جسدا بلا روح ولا حولَ ولا قوَّةَ لها عِلما أن جلَّ هذه الأحزاب اعتادت على تواجدها في الأغلبية البرلمانية.
وما تجب الإشارةُ إليه، هو أن الأحزابَ السياسيةَ، في هذا البلد السعيد، أغلبية أو معارضة، وطنية أو إدارية، ليبرالية أو اشتراكية، يمينية أو يسارية، ذات مرجعية إسلامية أو وسطية…، إن اختلفت بالتَّسميات، فمضمونُها واحد شعارُه الوحيد هو الوصول إلى السلطة. وحين تصل إلى السلطة، توقِّع طلاقا أبديا مع المواطنين وتتركهم لحالِهم منفذُهم الوحيد هو التَّطبيع مع كل ما يجعل حياتَهم اليومية جحيما لا يُطاق.
فلا غرابةَ أن يصبحَ الفسادُ، وما يترتَّب عنه من إِفساد للحياة اليومية بجميع مظاهرها، شرا لا بد منه يتعايش معه المواطنون قدرَ الإمكان. بل إن الفسادَ أصبح سلوكا اعتياديا ومقبولا يشمئزُّ له البعض ويتعامل معه البعضُ الآخر لحلِّ ما استعصى من المشاكل ولقضاء مآرب شتى.
قبل الجواب على هذا السؤال، دعوني أولا أُوضِّح لماذا طرحتُ هذا السؤال أو ما الذي دفعني إلى طرح هذا السؤال؟ وراء طرح هذا السؤال، أسبابٌ كثيرةٌ سأحاوِل تلخصيصَها فيما يلي : الحياة اليومية للمواطنين مليئةٌ بالمشاكل والصعوبات والقساوة والشِّدَّة، وعلى ما يبدو، هؤلاء المواطنون طبَّعوا مع هذه المشاكل والصعوبات والقساوة والشّدة! وكأن المواطنين لا هدف لهم سوى قبول تلك المشاكل والصعوبات والقساوة والشدة! وتمرُّ الأيام والأسابيع والشهورُ والسنوات… وحالُ الحياة اليومية يتكرَّر هو هو، إن لم يتفاقم! والقبول نفسُه يتكرَّر… برتابة.
ثانيا، الحياة تكره الجمود!، أي الدوران في حلَقَة مفرغة لا تغييرَ فيها ولا تجديد. والجمود مُناقِضٌ للتَّغيير. بل إن التَّغييرَ خاصية من خاصيات الكون. والتغيير هو الانتقال من ما هو رديء إلى ماهو أفضل وأحسن، وقد يكون هو الانتقال من وضعٍ حسن إلى ما هو أحسن منه. والتَّغييرُ يعني التَّغلُّب على المشاكل والصعوبات وإيجاد حلول لها. والتغيير الإيجابي هو الغائب الكبير الحالي في الحياة اليومية للمواطنين. بل في غياب هذا التَّغيير الإيجابي، لم يبق لهؤلاء المواطنين إلا الخنوع والخضوعُ للواقع بسلبياته، إن لم نقُل بتداعياتِه الاجتماعية والاقتصادية. وكأن المواطن المغربي أصبح يكره التَّغيير، أو على الأقل، أصبح مُطبِّعا مع الجمود وعدم التَّغيير. ولولا التَّغيير لبقيت الارضُ على ما كانت عليه في عهد آدم والأقوام التي تَلَته. بل لا مجال لمقارنة الحياة اليومية لهؤلاء الأقوام بالحياة اليومية للبشر حاليا. التَّغيير سُنَّةٌ من سُنَن الحياة!
والآن، حان الأوانُ للجواب على السؤال الذي هو عنوانُ هذه المقالة : "هل طبَّعَ المغاربةُ مع كل شيء؟"
نعم! لقد طبَّعَ المغاربةُ، مُكرهين، مع الفساد والريع والفقر والأمية والرشوة، ورداءة التَّعليم والسياسة السياسوية، وحِربائية الأحزاب السياسية الفاسدة، والتَّسوُّل والرداءة والتفاهة، والانتخابات المزوَّرة والافلات من العقاب، والتزوير والمحسوبية والزبونية و"باك صاحبي"، والتَّهرُّب الضريبي، والغش في الانتخابات والامتحانات، وتجاوز القانون، وعدم تطبيقه بالتساوي بين المواطنين، وغطرسة السياسيين المسيطرين على المال والسلطة، وغلاء المعيشة، ومتاهات البرلمان، والاستلاء على الحقوق وعدم توزيع الثروة بإنصاف، وعَجرفة الإدارة، واحتلال المِلك العام، وتمييع الفن، وتدهور الأخلاق وتراجع القيم وتديُّن المظاهر، وانتشار الرذيلة، والاستلاب الثقافي، والتَّقليد الأعمى والتَّبعِية، والاقتصاد غير المهيكل… والائحة طويلة.
وهذا لا يعني أن التَّغييرَ غير موجود. لا، أبدا! التَّغيير موجود وخصوصا على الصعيدين الاقتصادي والاجتماعي. لكن القليل منه هو الذي يعود بالنفع على الحياة اليومية للمواطنين. والباقي يستفيد منه الميسورون والوصوليون والفاسدون وأتباعُهم.
وعندما طرحتُ السؤال: "هل طبَّعَ المغاربةُ مع كل شيء؟"، فلا بدَّ من التَّوضيحِ أن هذا التَّطبيعَ مفروض عليهم إذ لا حولَ ولا قوَّةَ لهم في تغييره. والأحزاب السياسية التي، من المفروض، أن تحولَ دون هذا التَّطبيع، منذ استقلال البلاد إلى يومنا هذا، فاسدةٌ حتى النخاع. فلم تعُد هذه الأحزاب إلا مافيات ولوبيات همُّها الوحيد هو الوصول إلى السلطة. ولما تصل إلى السلطة، فتدبيرُها للشأن العام مُحرِّكُه الأساسي هو الفساد. بل إن الفساد يصبح بمثابة قانون يحمي مَن يمارسونه ومَن ينهجون سبيلَه…
لماذا قلتُ "إن التَّطبيعَ مع كل شيء مفروضٌ على المواطنين؟ لأن "الفْقِيهْ اللِّي نْتْسنَّاوْ برَكْتُ دْخَلْ لْجَامعْ بِبَلْغْتُ". بمعنى أن الأحزاب السياسية التي، حسب الدستور، تلعب دورَ الوسيط بين المواطنين والحكومة التي تُدبِّر الشأنَ العام، لم تعد تهتم إلا بمصالحِها الضيقة. بل إنها أصبحت هي مَن تنشر الفسادَ وتحميه بشتى الوسائل. وبالتالي، ما على هؤلاء المواطنين إما الصبر وابتلاع كل ما ينغِّص حياتَهم اليومية وإما الانخراط في دوامة الفساد لتجنُّب المشاكل والصعوبات والقساوة والشِّدة!
وحتى أحزاب المعارضة التي، من المفروض، أن تميلَ إلى صف المواطنين وتحمل غضبَهم، لم تعد إلا جسدا بلا روح ولا حولَ ولا قوَّةَ لها عِلما أن جلَّ هذه الأحزاب اعتادت على تواجدها في الأغلبية البرلمانية.
وما تجب الإشارةُ إليه، هو أن الأحزابَ السياسيةَ، في هذا البلد السعيد، أغلبية أو معارضة، وطنية أو إدارية، ليبرالية أو اشتراكية، يمينية أو يسارية، ذات مرجعية إسلامية أو وسطية…، إن اختلفت بالتَّسميات، فمضمونُها واحد شعارُه الوحيد هو الوصول إلى السلطة. وحين تصل إلى السلطة، توقِّع طلاقا أبديا مع المواطنين وتتركهم لحالِهم منفذُهم الوحيد هو التَّطبيع مع كل ما يجعل حياتَهم اليومية جحيما لا يُطاق.
فلا غرابةَ أن يصبحَ الفسادُ، وما يترتَّب عنه من إِفساد للحياة اليومية بجميع مظاهرها، شرا لا بد منه يتعايش معه المواطنون قدرَ الإمكان. بل إن الفسادَ أصبح سلوكا اعتياديا ومقبولا يشمئزُّ له البعض ويتعامل معه البعضُ الآخر لحلِّ ما استعصى من المشاكل ولقضاء مآرب شتى.