ما أكثرَ ما يشكو قرّاء الشعر العربي الحديث - على قلّتهم- من غموض معاني هذا الشعر في كثير من الأحيان، بل وعُسر فهمها واستغلاقها ، حتّى على الخاصّة منهم ، في أحيان أخرى.
فما هو السرّ الكامن وراء هذه الشكوى؟
يحسُن بنا، ونحن نحاول تبيّن الأسباب الموضوعية لهذا الغموض ، أن نعود بالذاكرة إلى الشعر العربي في العصر العبّاسي ؛ حيث برزت مثل هذه الشكوى من الغموض الذي كان يكتنف شعر بعض الشعراء المحدَثين آنذاك . لقد لاحظ مؤرخو الأدب ونقّاده أنّ العلّة في ذلك إنّما تعود إلى عاملين اثنين : أوّلهما، موضوعيّ، ويتمثّل بالمناخ الثقافيّ الغنّي السائد آنذاك ، وكذا بالانفتاح على الثقافات الآخرى والتفاعل معها، وثانيهما، ذاتي شخصي ، يتجلّى في إلمام هؤلاء الشعراء ، وربّما تعمّق بعضهم، بهذه الثقافات والمتْح منها، الأمر الذي انعكس غموضاً في بعض هذا الشعر، ومن ثَمَّ، قلقاً واضطراباً في التّلقّي والتواصل عند فئة ليست بالقليلة من جمهور هذا الشعر ، إنْ لم يكن جلّه.
بعض الأمثلة على ذلك قد يكون مفيداً في هذا الشأن ،يقول ( المتنبّي) ملامساً المنطق والفلسفة:
ولَجِدْتَ حتّى كِدْتَ تبخلُ حائلاً
للمنتهى ، ومن السرور بكاءُ
ويقول في الحكمة:
تمتّعْ من سُهاد أو رُقادِ
ولا تأمل كرى تحتَ الرِّجامِ
فإنّ لثالثِ الحالين معنى
سوى معنى انتباهكَ والمنامِ
ما دفع العلاّمة اللغويّ ( ابن جنّي) ، وهو شارح ديوانه ومن أشد المعجبين بشعره، إلى أنْ يقول:
" أرجو أن لا يكون أراد بذلك أنّ نومة القبر لا انتباهة بعدها".
ومن شعره أيضاً ، ممّايقترب فيه من معاني المتصوّفة:
كبرَ العِيانُ عليَّ حتّى إنّه
صار اليقينُ من العِيان توهّما
ومِن ذلك أيضاً استعراض الشاعر( أبي نُوَاس) لمعرفته الفَلَكيّة ، حيث يقول:
ألم ترَ أنّ الشمس حلّتِ الحَمَلا
وقام وزن الزمان فاعتدلا
وغنّتِ الطيرُ بعد عُجْمتِها
واستوفتِ الخمرُ حولَها كملا
ولا يزال جواب الشاعر العبّاسي العظيم ( أبي تمّام) - وهو منْ أئمّة التجديد الشعريّ- في الرّد على مَنْ أخذ عليه ما يُلحظُ من غموض وصعوبة في شعره ، يقرع الأسماع؛
إذ قال المعترِض:
-يا أبا تمّام لِمَ تقولُ ما لا يُفهَم؟
فكان ردّ أبي تمّام:
- لِمَ لا تفهمُ ما يُقال؟
ما أردتُه من هذه الإطلالة العابرة على مسألة غموض الشعر في العصر العبّاسيّ إنّما هو بيان وتأكيد الصلة بين هذه المسألة وبين التطور الحضاري والثقافي في المجتمع ، ما ينعكس على الشعر والفنون الأخرى بصِيَغ ودَرجات تتفاوتُ تَفاوتَ الزمان والمكان.
بالعودة إلى الغموض في شعر الحداثة ، فإنّه يجدر ابتداءً توضيح المقصود من مفهوم(شعر الحداثَة).
إنّ مفهوم( الحداثة) في النقد الأدبي الأوربي الحديث هو مفهوم حضاري نابع من الحضارة المعاصرة، ومن تصوّر هذه الحضارة للعالم الجديد بعد الحرب العالمية الثانية، ومن ردود الأفعال السلبية المتمثّلة بالشعور بالخيبة وفقدان الأمل من النزعة العقلانية والتطور العلمي في شتّى المجالات ، وما رافق ذلك من نزعة تفاؤليّة بحياة ومصير الأفراد والمجتمعات قبل هذه الحرب المدمّرة. لقد غدا اللامعقول والفكر اللاعقلاني القائم على الحَدْس وغياب الوضوح، وانعدام اليقين ، وفقدان الإيمان بالعلم والتجربة والفكر الماديّ البحت، بمثابة الأسس والمنطلقات التي واكبت التوجّهات الفكرية والفنية التي أعقبت هذه الحرب الكونية، فكان من ذلك نظريات الاحتمالات في العلوم، والوجودية وتيارات الشك في الفلسفة، ونظريات اللاوعي في علم النفس، و" تيار الوعي" ومسرح العبث والرواية الجديدة والسريالية والدادائية والشيئية في الأدب وفنونه ومذاهبه.
بناءّ على ما تقدّم فإنّ المقصود من( شعر الحداثة)هو الشعر العربي المعاصر المتّسم بفهم روح العصر ، والمتفاعل معه، والمستلهم لقضاياه.
أي أنّ " الحداثة" هنا هي مفهوم فكري وفنّيّ ، لا مجرّد مفهوم زمنيّ.
الغموض إذاً ،هو أحد أبرز تجليات الحداثة في الشعر العربي المعاصر الناجمة عن التغيّرات والتطوّرات التي طرأت على كلٍّ من: التشكيل الموسيقي ، والصورة الشعرية، والبناء الشعري، والميل إلى النزعة الدرامية، واللجوء المكثّف إلى الرمز والأسطورة .
لعلّ من أهم الأبعاد المعرفية والثقافية التي أسهمتْ في غموض شعر الحداثة مايلي:
- البعد الفكري والفلسفي: حيث غالى الحداثيون في ذلك ، ولعل( مجلّة شعر) اللبنانية وشعراءها، وفي طليعتهم الشاعر السوري علي أحمد سعيد اسبر ( أدونيس) خير مثال على ذلك.
يقول أدونيس:
ويدور في خَلَدِ الحقول
الحبّ زهرة رغبة
والشعر فاتحة العقول
أي أنّ الشعر والفكر متلازمان ، وفق هذه الرؤية، في حين أنّ الشعر عادة مايستلهم آفاق الفلسفة ومناخها العام ، دون اعتماد مناهجها وأساليبها.
- البعد الماورائي:
حيث يغدو الشعر استبطاناً وتطلعاً لمعرفة العالم، والبحث عن الحقيقة الكامنة في الأعماق.
يقول أدونيس :
-طفولتي لا تتوقف عن الميلاد
بين يدي النور
الذي أجهل اسمه،إنّه الشعر الوفيّ أبداً لما سوف يأتي
- البعد الصوفي:
يتجلّى ذلك في البحث عمّا وراء المحسوس ، سعياً وراء الكشف والمعرفة، والتأكيد على دور ( الحدس) في ذلك.
يقول أدونيس معبّراً عن الإحباط ممّا آل إليه إليه الواقع العربي:
- في حقول الكآبة، في العشب أرسم أيامي الحجرية
كاسراً صفحة المرايا
بين شمس الظهيرة والماء في البركة الآدمية
- البعد الرمزي والأسطوري:
من خصائص الشعر الرمزي وخصوصيّته أنّه ينبع من موضوع بعينه ويرتبط به، كما أنّه يتداخل ويمتزج مع موضوعه ، فيبتعد بذلك عن التجريد ؛ إذ يرتبط بالتجربة الشعورية للشاعر، وهي التي تمنح الأشياء مغزى خاصاً.
أمّا الأسطورة فإنّها الشكل الرمزي الذي تعبّر به الثقافة عمّا تعتبره حقائق وجودية وكونيّة. على أنّ الأسطورة تكاد تتحوّل إلى منهج متكامل في شعر الحداثة.هذا وقد بدأ يتّضح استخدام الأسطورة في الشعر الحديث بدءاً من خمسينيات القرن الماضي ، بل إنّها أضحتْ مصدراً للإلهام الشعري بما يساعد الشاعر على التّخيّل والتأمل الفلسفي، فضلاً عن كونها ذات صلة موضوعية وفنية بالشعر، وإنّ أدنى تأمّل في أشعار أدونيس والسياب والبياتي وخليل حاوي يظهر مدى تأثّرهم ومتْحهم من أساطير الخِصب والبعث والميلاد ( أدونيس، العنقاء، الفينيق، عشتار،..)، ناهيك عن أساطير الشرق القديمة، والشخصيات الدينية الواردة في الكتب السماوية. لقد مثّلت الأسطورة للشاعر الحديث شكلاً جديداً من أشكال التعبير ، بما يمكّنه من تجاوز التقاليد الشعرية القديمة، وإضفاء سمة درامية على القصيدة الشعرية تنأى بها عن النزعة الغنائية التي تغلب على الشعر العربي .
إنّ اعتماد الشاعر الحداثي- فضلاً عن تأثير الأبعاد المذكورة- على ثقافته ومخزونه المعرفي أكثر من الخبرات والتجارب الشخصية المكتسبة، هذه الثقافة التي تتحوّل إلى رموز غامضة؛ نظراً لخصوصية التعبير الشعري ، وكذلك التركيز الشديد ، والتجريد الذي يلحّ على العلاقات الداخلية في العمل الفني أكثر من الاهتمام بتصوير علاقات العالم الخارجي لممّا يزيد في غموض الشعر الحديث.
إنّ ما ورد في هذا المقال لا يعدو كونه محاولة لتوصيف ظاهرة الغموض ، والوقوف على أهم أسبابها، بعيداً عن تبريرها أو الترويج لها، في مسعى ،نرجو أن يؤدّي إلى تجسير الهوّة وتلطيف الجفوة القائمة بين الشعر الحديث وجمهور المتلقّين من قرّاء الشعر ومحبّيه.
- للتوسّع في الموضوع، يُنظَر:
- د.عزالدين اسماعيل، الشعر العربي المعاصر، دار العودة، بيروت، ط٣، ١٩٨١م.
- د.شكري محمد عيّاد، الأدب في عالم متغيِّر، الهيئة المصرية العامة للتأليف والنشر، القاهرة،١٩٧١م.
- أدونيس، الأعمال الكاملة.
دكتور زياد العوف
فما هو السرّ الكامن وراء هذه الشكوى؟
يحسُن بنا، ونحن نحاول تبيّن الأسباب الموضوعية لهذا الغموض ، أن نعود بالذاكرة إلى الشعر العربي في العصر العبّاسي ؛ حيث برزت مثل هذه الشكوى من الغموض الذي كان يكتنف شعر بعض الشعراء المحدَثين آنذاك . لقد لاحظ مؤرخو الأدب ونقّاده أنّ العلّة في ذلك إنّما تعود إلى عاملين اثنين : أوّلهما، موضوعيّ، ويتمثّل بالمناخ الثقافيّ الغنّي السائد آنذاك ، وكذا بالانفتاح على الثقافات الآخرى والتفاعل معها، وثانيهما، ذاتي شخصي ، يتجلّى في إلمام هؤلاء الشعراء ، وربّما تعمّق بعضهم، بهذه الثقافات والمتْح منها، الأمر الذي انعكس غموضاً في بعض هذا الشعر، ومن ثَمَّ، قلقاً واضطراباً في التّلقّي والتواصل عند فئة ليست بالقليلة من جمهور هذا الشعر ، إنْ لم يكن جلّه.
بعض الأمثلة على ذلك قد يكون مفيداً في هذا الشأن ،يقول ( المتنبّي) ملامساً المنطق والفلسفة:
ولَجِدْتَ حتّى كِدْتَ تبخلُ حائلاً
للمنتهى ، ومن السرور بكاءُ
ويقول في الحكمة:
تمتّعْ من سُهاد أو رُقادِ
ولا تأمل كرى تحتَ الرِّجامِ
فإنّ لثالثِ الحالين معنى
سوى معنى انتباهكَ والمنامِ
ما دفع العلاّمة اللغويّ ( ابن جنّي) ، وهو شارح ديوانه ومن أشد المعجبين بشعره، إلى أنْ يقول:
" أرجو أن لا يكون أراد بذلك أنّ نومة القبر لا انتباهة بعدها".
ومن شعره أيضاً ، ممّايقترب فيه من معاني المتصوّفة:
كبرَ العِيانُ عليَّ حتّى إنّه
صار اليقينُ من العِيان توهّما
ومِن ذلك أيضاً استعراض الشاعر( أبي نُوَاس) لمعرفته الفَلَكيّة ، حيث يقول:
ألم ترَ أنّ الشمس حلّتِ الحَمَلا
وقام وزن الزمان فاعتدلا
وغنّتِ الطيرُ بعد عُجْمتِها
واستوفتِ الخمرُ حولَها كملا
ولا يزال جواب الشاعر العبّاسي العظيم ( أبي تمّام) - وهو منْ أئمّة التجديد الشعريّ- في الرّد على مَنْ أخذ عليه ما يُلحظُ من غموض وصعوبة في شعره ، يقرع الأسماع؛
إذ قال المعترِض:
-يا أبا تمّام لِمَ تقولُ ما لا يُفهَم؟
فكان ردّ أبي تمّام:
- لِمَ لا تفهمُ ما يُقال؟
ما أردتُه من هذه الإطلالة العابرة على مسألة غموض الشعر في العصر العبّاسيّ إنّما هو بيان وتأكيد الصلة بين هذه المسألة وبين التطور الحضاري والثقافي في المجتمع ، ما ينعكس على الشعر والفنون الأخرى بصِيَغ ودَرجات تتفاوتُ تَفاوتَ الزمان والمكان.
بالعودة إلى الغموض في شعر الحداثة ، فإنّه يجدر ابتداءً توضيح المقصود من مفهوم(شعر الحداثَة).
إنّ مفهوم( الحداثة) في النقد الأدبي الأوربي الحديث هو مفهوم حضاري نابع من الحضارة المعاصرة، ومن تصوّر هذه الحضارة للعالم الجديد بعد الحرب العالمية الثانية، ومن ردود الأفعال السلبية المتمثّلة بالشعور بالخيبة وفقدان الأمل من النزعة العقلانية والتطور العلمي في شتّى المجالات ، وما رافق ذلك من نزعة تفاؤليّة بحياة ومصير الأفراد والمجتمعات قبل هذه الحرب المدمّرة. لقد غدا اللامعقول والفكر اللاعقلاني القائم على الحَدْس وغياب الوضوح، وانعدام اليقين ، وفقدان الإيمان بالعلم والتجربة والفكر الماديّ البحت، بمثابة الأسس والمنطلقات التي واكبت التوجّهات الفكرية والفنية التي أعقبت هذه الحرب الكونية، فكان من ذلك نظريات الاحتمالات في العلوم، والوجودية وتيارات الشك في الفلسفة، ونظريات اللاوعي في علم النفس، و" تيار الوعي" ومسرح العبث والرواية الجديدة والسريالية والدادائية والشيئية في الأدب وفنونه ومذاهبه.
بناءّ على ما تقدّم فإنّ المقصود من( شعر الحداثة)هو الشعر العربي المعاصر المتّسم بفهم روح العصر ، والمتفاعل معه، والمستلهم لقضاياه.
أي أنّ " الحداثة" هنا هي مفهوم فكري وفنّيّ ، لا مجرّد مفهوم زمنيّ.
الغموض إذاً ،هو أحد أبرز تجليات الحداثة في الشعر العربي المعاصر الناجمة عن التغيّرات والتطوّرات التي طرأت على كلٍّ من: التشكيل الموسيقي ، والصورة الشعرية، والبناء الشعري، والميل إلى النزعة الدرامية، واللجوء المكثّف إلى الرمز والأسطورة .
لعلّ من أهم الأبعاد المعرفية والثقافية التي أسهمتْ في غموض شعر الحداثة مايلي:
- البعد الفكري والفلسفي: حيث غالى الحداثيون في ذلك ، ولعل( مجلّة شعر) اللبنانية وشعراءها، وفي طليعتهم الشاعر السوري علي أحمد سعيد اسبر ( أدونيس) خير مثال على ذلك.
يقول أدونيس:
ويدور في خَلَدِ الحقول
الحبّ زهرة رغبة
والشعر فاتحة العقول
أي أنّ الشعر والفكر متلازمان ، وفق هذه الرؤية، في حين أنّ الشعر عادة مايستلهم آفاق الفلسفة ومناخها العام ، دون اعتماد مناهجها وأساليبها.
- البعد الماورائي:
حيث يغدو الشعر استبطاناً وتطلعاً لمعرفة العالم، والبحث عن الحقيقة الكامنة في الأعماق.
يقول أدونيس :
-طفولتي لا تتوقف عن الميلاد
بين يدي النور
الذي أجهل اسمه،إنّه الشعر الوفيّ أبداً لما سوف يأتي
- البعد الصوفي:
يتجلّى ذلك في البحث عمّا وراء المحسوس ، سعياً وراء الكشف والمعرفة، والتأكيد على دور ( الحدس) في ذلك.
يقول أدونيس معبّراً عن الإحباط ممّا آل إليه إليه الواقع العربي:
- في حقول الكآبة، في العشب أرسم أيامي الحجرية
كاسراً صفحة المرايا
بين شمس الظهيرة والماء في البركة الآدمية
- البعد الرمزي والأسطوري:
من خصائص الشعر الرمزي وخصوصيّته أنّه ينبع من موضوع بعينه ويرتبط به، كما أنّه يتداخل ويمتزج مع موضوعه ، فيبتعد بذلك عن التجريد ؛ إذ يرتبط بالتجربة الشعورية للشاعر، وهي التي تمنح الأشياء مغزى خاصاً.
أمّا الأسطورة فإنّها الشكل الرمزي الذي تعبّر به الثقافة عمّا تعتبره حقائق وجودية وكونيّة. على أنّ الأسطورة تكاد تتحوّل إلى منهج متكامل في شعر الحداثة.هذا وقد بدأ يتّضح استخدام الأسطورة في الشعر الحديث بدءاً من خمسينيات القرن الماضي ، بل إنّها أضحتْ مصدراً للإلهام الشعري بما يساعد الشاعر على التّخيّل والتأمل الفلسفي، فضلاً عن كونها ذات صلة موضوعية وفنية بالشعر، وإنّ أدنى تأمّل في أشعار أدونيس والسياب والبياتي وخليل حاوي يظهر مدى تأثّرهم ومتْحهم من أساطير الخِصب والبعث والميلاد ( أدونيس، العنقاء، الفينيق، عشتار،..)، ناهيك عن أساطير الشرق القديمة، والشخصيات الدينية الواردة في الكتب السماوية. لقد مثّلت الأسطورة للشاعر الحديث شكلاً جديداً من أشكال التعبير ، بما يمكّنه من تجاوز التقاليد الشعرية القديمة، وإضفاء سمة درامية على القصيدة الشعرية تنأى بها عن النزعة الغنائية التي تغلب على الشعر العربي .
إنّ اعتماد الشاعر الحداثي- فضلاً عن تأثير الأبعاد المذكورة- على ثقافته ومخزونه المعرفي أكثر من الخبرات والتجارب الشخصية المكتسبة، هذه الثقافة التي تتحوّل إلى رموز غامضة؛ نظراً لخصوصية التعبير الشعري ، وكذلك التركيز الشديد ، والتجريد الذي يلحّ على العلاقات الداخلية في العمل الفني أكثر من الاهتمام بتصوير علاقات العالم الخارجي لممّا يزيد في غموض الشعر الحديث.
إنّ ما ورد في هذا المقال لا يعدو كونه محاولة لتوصيف ظاهرة الغموض ، والوقوف على أهم أسبابها، بعيداً عن تبريرها أو الترويج لها، في مسعى ،نرجو أن يؤدّي إلى تجسير الهوّة وتلطيف الجفوة القائمة بين الشعر الحديث وجمهور المتلقّين من قرّاء الشعر ومحبّيه.
- للتوسّع في الموضوع، يُنظَر:
- د.عزالدين اسماعيل، الشعر العربي المعاصر، دار العودة، بيروت، ط٣، ١٩٨١م.
- د.شكري محمد عيّاد، الأدب في عالم متغيِّر، الهيئة المصرية العامة للتأليف والنشر، القاهرة،١٩٧١م.
- أدونيس، الأعمال الكاملة.
دكتور زياد العوف