كاظم حسن سعيد - الكراجات < نقد>

وعبر اسى المحطات ..وجوع الروح والجسد ..اظل انشد الابد]…اول ما لفت نظري هو تذليل اللغة واختيار الوسط منها..فللهجة الدارجة مواطن تشع فيها. وتغذيك بطاقة ايحائية ان حسن الاختيار وتحكمت الضرورة…فهذا الوطن ( مسخم)..وهي مفردة عميقة الدلالة في اللهجة العراقية الدارجة…. يختار الكاتب باكثر من موقع تلك المفردات ليعقد مصالحة بين الفصحى والدارجة..ليس بدافع التبسيط. بل لاجل التوسع..فليس يعقل ان تكون كل مفرداتنا الشعبية مهملة بحجة انها ليست فصحى…
حين تتناول اصل مفردة معجميا وجذرها تصاب بالدهشة وانت ترى تحولاتها المجازية…في العربية حرف يقلب المعنى ان تجاور مع مفردة ما…ماذا يقول الجنوبيون لمن اخطأ او اساء( صخم الله وجهك).. او < يا مصخم> او [ مصخم ملطم]..لذا تلسعك مفردة \ مسخم\ للوطن.
: يضعك الكاتب وجها لوجه امام الفاجعة ..اي وطن مسخم هذا..يكره الفتية اليافعين على موت مجاني او ملل الواجبات…ويفرض الف فدية يوميا….
اترك القراءة فورا ان رغبت بقراءة عجلى..فهذا نص لا يتصالح معك وانت تقرؤه كشارب كأس مثلجة..بعجالة ولا مبالاة…فتلك البائعة الحميراء يدنو اليها جندي فتي خشنته الحرب ساعة الفجر والمطر يلتهمك او نسمة ربيع تشملك او طاقة مسعرة تنبض فيك.
: تراها تغريك فلا تفكر انها تفعل ذلك لاجل الرزق..انت امام جمال يسمرك..لكنك ذاهب للموت…انت كمن يلقي النظرات الاخيرة على الحياة
ولكنك في حياتك منتقل من كراج لكراج…حاملا همك وقلقك..مفارقا سلسلة امانك والاستقراردفئك والجو المثلج..فتتعمق فيك الغربةويتمكن منك الفراغ…لهذا ثبتها البريكان[ وعبر اسى المحطات]
: هكذا ينتقل بك الكاتب من محطة لاخرى راسما الفوارق السيكولوجية بينها ..مفرقا بين منسوب الحزن بين كراج وكراج..كراج الحيانية..ومرآب التنومة الفوارق هنا بسلوك الناس..فالكية ذات الكية..الفرق بالبعد النفسي…بمنسوب البذاءة واللطف..بين قوة التوتر والانفس الرضية.. بين المساحات المخضرة وتلال القمامة.


اتفهم القصد من اهمال مفردة ( المرآب)..واتوقع ان الكاتب خانه توضيح الفكرة …لكنها تحيلنا الى بحث لغوي ..فلماذا تهمل بعض المفردات؟..وتستبدل وكيف يتحكم بها المجاز..اؤيد فكرة احد علمائنا اللغويين( كل المفردات مجازية) ..فنحن لا ندري كيف تحولت لفظة [ الاستقراء] من الاصل للمجاز..كانت العرب تجمع الماء الشحيح من بقع متناثرة .. وتحجزها بحفرة واحدة..لسهولة التناول..كيف تحولت الى المنطق…مفكر ذكي اخذ جوهرها وحرفها عن اصل معناها..المهم ليس المرآب لفظة غريبة مهملة لان هناك حنان البقاء..وقوة التمسك بالبيت او البيئة …انما طغت الكراج فازاحت المرآب لاسباب مجهولة..لكنه بحث يستحق التأمل والتعمق [ التحول المجازي للمفردات]..لكني اتفهم قصد الكاتب ..فللمفردة ظلالها..ومن هنا تصمد القصائد ان استخدم لها مفردات ذات طاقة ايحائية..
: تناول الكاتب مزاج السواق..فهم ينتعشون بالاطلال لكنهم يتمسكون بسعدي الحلي..الاطلا واضحة لكن سعدي الحلي ذلك المطرب الفذ الذي شغل الاجيال..ولم تستطع كل الاشاعات التي تشمله وكل الاف الطرائف التي نسبت اليه خاصة ما يتعلق باتهامه بحب الذكر ..
: لم تستطع ان تطمره..فمن لا تطربه( غفه رسمك بعيني من الصبا لليوم).. ورغم ما يؤاخذ عليه السواق اخلاقا فان الغيرة تحركهم فيحجزون للعوائل.
: وقد يقرأ هذا الجيل لف الطعام وغيره بالصحف..فلا يدرك ما وراءها..اما نحن الذين عاصرنا عهد التمجيد..فقد حفظنا عشرات الطرائف..مثلا ( اشتريت جريدة لامسح بها الجام او اقتنيتها لالف بها الفلافل..لقد اتخمونا صحفا وتلفازا به بتمجيده( الضرورة)…التفت الكاتب لذلك فوثق لمجلات وصحف تتبع للنظام شهيرة
نعم ستطوينا..سننسى ويبقى الحجر خالدا رغم خلوه من المعنى( بريكان)..لكن علينا ان نوثق ما نستطيع…لنتغلب على مللنا وقلقنا ورعبنا الخفي…لن ينقذك نسيم المتوسط..فها قد مضت عقود مذ غادرت الجامعة في انتظار مزيد من الملل في الكراجات.
<<كراج ساحة سعد
هو برزخ بين مثواك ومرتحلك، نقطة عائمة بين دفء اقامتك الاسرية الآمنة(على افتراض) وبين العالم الخارجي المفتوح على كل الاحتمالات.
وحياتنا فاصلة زمنية بين كراجين . نقضيها بالنظر عبر الزجاج، نشرب البراري، نعد الاعمدة لا تحط عليها الطيور والجسور التي لا تصل بين عالمين. ونغفوا في قلق نسبي. ونبصر كل الدلالات المهمة، وكلها لا معنى لها.
وفي تلك الفاصلة المستقطعة نمارس فريضة الاسترجاع. فنعيد صناعة النهارات السابقة، والحوادث التي انتهت خلاف المشيئة, نسقط ثانية في هاوية الذكرى وخيبة التجربة, وننجب كثيرا من الافكار النيئة. وقد نكتشف قطرة حياة في غيمة عابرة. ولكننا لا نننظر الا الكراج التالي.
ويكتسب الكراج عادة صفات اهله, فيعكس مزاج المناطق التي يمر بها وينتهي اليها, ولو كانت مجرد سيارتين تقف جانب الشارع وينادون زبير زبير.
فهل يستوي كراج التنومة الذاهب الى ما تبقى من انهار وجذوع وأنصاف نخيل وترع وخضرة تكسوها طيبة، بكراج القبلة او الحيانية.
ستدرك ذلك كله في وجه السائق وطريقة لفه للكوفية, او وضع (الحدرية) البيضاء, في الصور المعلقة امامه في السيارة، وطريقة النداء. في خطوط وجوه الركاب ودرجات السمرة والبياض، اسمائهم، ولهجتهم، وتكرار المفردات المحلية، واصابع تحرشهم. والتاريخ الذي ينبت تحت جلودهم،
وكذلك الامر في المدن الكبيرة. ففي التسعينات, قال لي صديق كان يعمل نائب ضابط في القوة الجوية في الموصل حكاية اذكرها كشاهد حي على القول السابق. ان في كراج ( العلاوي او النهضة) يصعد متسول الى الحافلة. فيعود بما تمطره ايديهم من تعاطف و ندى. لكنه في الكراج الاخر ينال رفسة الى خارج الحافلة.
ما يهمنا ان الكراج هو نخيل الحكايات المنسية والمقطوعة وجداول الذكريات. فقبل ايام كنت اروم الذهاب الى بغداد في مهمة عاجلة, فاستقبلني السواق في الجزرة الوسطية المقابلة لكراج البصرة الرئيسي في ساحة سعد. وهم عادة يأكلون الوجه. يتشبثون.
رؤوف الشريفي.>>

تعليقات

لا توجد تعليقات.
أعلى