قبل تناول القصة ننوه إلى أن القاص استخدم صيغة القص الخارجي، مما يجعله (بعيداً) عن الأحداث، لكنه عندما سمى القصة "أم محمود" ربط نفسه بالأحداث، فهناك العديد من الروايات والقصص كان بطلها "محمود" وهذا يشير إلى وجود شيء من القاص/الكتاب في أعماله، من هنا يمكن أخذ التشابك بين الواقع المتخيل، إلى واقع الكاتب، وإلى واقع السارد، فالقصة تجمع الكيانين معا، كيان الكاتب وكيان السارد، وهذا يعطي القصة منحى مزدوج، الشخصي الواقعي، والغيري المتخيل.
ينطلق محمود شاهين من المخيم فهو مكان انطلاقة "أم محمود" في البحث عن أولادها الذي تفرقوا في أكثر من مكان، وما أن تصل حتى تجدهم قد رحلوا شهداء، ونجدها في كل رحلة تحمل معها صفيحتي زيت وزيتون، ودقيق، وزعتر" وهذا يأخذنا إلى فلسطين، فرغم أنها انطلقت من مخيم، إلا أنه موجود في فلسطين وليس خارجها، فالقاص بهذا أقرن فلسطينيتها وأكدها من خلال مال تحمله معها في رحلتها.
ونلاحظ فلسطينيتها من خلال اللغة التي تستخدمها، فاللهجة الفلسطينية حاضرة من بداية القصة حتى نهايتها: "أنا أجوع عنكم يمه، أنا أحفى أنا أعرى، أنا أبرد، أن أموت عنكم يمه بس الله ما يحرمني من شوفة عيونك وعيون ابنك ورفاقك" ص135و136.
إذن هناك اكثر من مؤشر على فلسطينية القصة، المكان/المخيم، اللهجة، الأحداث، والأحداث هي مركز القصة ومحورها، فالقاص يأخذنا إلى بداية النضال الفلسطيني وحتى أخر معركة خاضها في لبنان، تبدأ "أم محمود" بالحديث عن زوجها الذي استشهد في معركة القسطل عام 1948: "الله يرحمك يا أبو محمود ويجمعني معك في الجنة! والله ما بنسى اليوم إلي أجو فيه بجثتك محمولة على الكفوف بعد معركة القسطل" ص137، كان "أبو محمود" قد أوصى أن يكمل أولاده من بعده ما بدأه هو، فكان "محمود" بكره أول من استشهد من الأبناء، يتحدث أحد الشهود عما جرى ل"محمود" بقوله: " كان اليهود يجمعوا كل يوم مئات الشباب، ويوخذوهم إلى أماكن مجهولة يا خالتي، ...صاحب هذه الساق واحد من الألف والثمانمية" ص139، إذن "محمود" استشهد في فلسطين كوالده، بينما "علي" استشهد في الأردن في معركة الكرامة: "وبس عرفوا الشباب إني أم رفيقهم علي حطوني بعيونهم يا أبو محمود، وأخذوني لعند أبو عمار ، قال: علي كان الشهامة، كان النخوة والكرامة، علي كان بطل معركة الكرامة. بزنده دمر خمس دبابات، وأعطب ست مصفحات، ويومن شحت الذخيرة، عمل من جسمه لغم، وقفز من فوق رجم في برج دبابة" ص142، نلاحظ أن أحداث الاستشهاد يرويها آخرون، بينما يقتصر دور "أم محمود" على مخاطبة زوجها الشهيد "أبو محمود" وكأنه حاضر رغم غيابه، وإبداء مشاعرها تجاه أولادها الشهداء.
ثم ينقلنا القاص إلى "حسن" الذي استشهد في أحراش جرش بعد أحداث أيلول: "حسن بطل يا أم محمود، وظل يدافع عن جثمان القائد أبو علي حتى استشهد جنبه" ص144، بعدها يأخذنا إلى "شاهين" الذي قاتل في حرب 1973 ثم انتقل إلى لبنان ليستشهد في مخيم تل الزعتر: "ثلاثة آلاف شهيد كانوا ضحايا تل الزعتر يا أبو محمود... حكوا عن بطولة شاهين، وحكوا لي عن تل الزعتر ما يشيب رؤوس الأطفال يا أبو محمود" " ص146و148، أما "إسحاق" فقد استشهد عام 1982 رغم مشاركته في أكثر من حرب، 1987 وحرب 1980 لكن معركة بيروت وما تلاها من مجازر أخذت "إسحاق" معها: "صارت مجزرة يا أبو محمود، قام فيها اليهود وزلامهم بعد ما خلت المخيمات من المدافعين عنها" ص150، أما "عقبة" فقتل في حرب المخيمات: "المخيمات محاصرة يا خالة، عصفور ما فيه يدخل عليها" ص154، وعن ما جرى في مخيمات بيروت من وحشية، يقول رفيق "عقبة" "قبل ما يستشهد يا أماه، أوصانا أن.. أوصانا أن ..نأكل.. لحمه! أوصانا أن نأكل لحمه، كي لا نموت جوعا!! وكي نصمد في وجه الحصار!" ص161.
بعدها تخر أم محمود على الأرض وتسلم الروح، فالعائلة كلها استشهدت ولم يبق أحد منها، وإذا ما توقفنا عند الأحداث سنجد أن من تقتله العرب من العائلة اكثر ممن قتله الصهاينة، وهذا يشير إلى دور النظام الرسمي العربي فيما آلت إليه أحوال الفلسطيني، فالقاص من خلال "أم الشهداء" قدم للقارئ أحداث تاريخية وما وقع للفلسطيني من مآس إن كانت على يد المحتل، أم على يد الأخوة والأشقاء، وبهذا ينكشف ما هو مخفي وتظهر حقيقة ما جرى. واستشهاد أم محمود بعد أبنائها الستة يشير إلى نهاية مرحلة في الثورة الفلسطينية وبداية مرحلة جديدة توجت بأوسلو..
رائد الحواري
المجموعة من منشورات دار الفاروق للثقافة والنشر، الطبعة الأولى 2022.
ينطلق محمود شاهين من المخيم فهو مكان انطلاقة "أم محمود" في البحث عن أولادها الذي تفرقوا في أكثر من مكان، وما أن تصل حتى تجدهم قد رحلوا شهداء، ونجدها في كل رحلة تحمل معها صفيحتي زيت وزيتون، ودقيق، وزعتر" وهذا يأخذنا إلى فلسطين، فرغم أنها انطلقت من مخيم، إلا أنه موجود في فلسطين وليس خارجها، فالقاص بهذا أقرن فلسطينيتها وأكدها من خلال مال تحمله معها في رحلتها.
ونلاحظ فلسطينيتها من خلال اللغة التي تستخدمها، فاللهجة الفلسطينية حاضرة من بداية القصة حتى نهايتها: "أنا أجوع عنكم يمه، أنا أحفى أنا أعرى، أنا أبرد، أن أموت عنكم يمه بس الله ما يحرمني من شوفة عيونك وعيون ابنك ورفاقك" ص135و136.
إذن هناك اكثر من مؤشر على فلسطينية القصة، المكان/المخيم، اللهجة، الأحداث، والأحداث هي مركز القصة ومحورها، فالقاص يأخذنا إلى بداية النضال الفلسطيني وحتى أخر معركة خاضها في لبنان، تبدأ "أم محمود" بالحديث عن زوجها الذي استشهد في معركة القسطل عام 1948: "الله يرحمك يا أبو محمود ويجمعني معك في الجنة! والله ما بنسى اليوم إلي أجو فيه بجثتك محمولة على الكفوف بعد معركة القسطل" ص137، كان "أبو محمود" قد أوصى أن يكمل أولاده من بعده ما بدأه هو، فكان "محمود" بكره أول من استشهد من الأبناء، يتحدث أحد الشهود عما جرى ل"محمود" بقوله: " كان اليهود يجمعوا كل يوم مئات الشباب، ويوخذوهم إلى أماكن مجهولة يا خالتي، ...صاحب هذه الساق واحد من الألف والثمانمية" ص139، إذن "محمود" استشهد في فلسطين كوالده، بينما "علي" استشهد في الأردن في معركة الكرامة: "وبس عرفوا الشباب إني أم رفيقهم علي حطوني بعيونهم يا أبو محمود، وأخذوني لعند أبو عمار ، قال: علي كان الشهامة، كان النخوة والكرامة، علي كان بطل معركة الكرامة. بزنده دمر خمس دبابات، وأعطب ست مصفحات، ويومن شحت الذخيرة، عمل من جسمه لغم، وقفز من فوق رجم في برج دبابة" ص142، نلاحظ أن أحداث الاستشهاد يرويها آخرون، بينما يقتصر دور "أم محمود" على مخاطبة زوجها الشهيد "أبو محمود" وكأنه حاضر رغم غيابه، وإبداء مشاعرها تجاه أولادها الشهداء.
ثم ينقلنا القاص إلى "حسن" الذي استشهد في أحراش جرش بعد أحداث أيلول: "حسن بطل يا أم محمود، وظل يدافع عن جثمان القائد أبو علي حتى استشهد جنبه" ص144، بعدها يأخذنا إلى "شاهين" الذي قاتل في حرب 1973 ثم انتقل إلى لبنان ليستشهد في مخيم تل الزعتر: "ثلاثة آلاف شهيد كانوا ضحايا تل الزعتر يا أبو محمود... حكوا عن بطولة شاهين، وحكوا لي عن تل الزعتر ما يشيب رؤوس الأطفال يا أبو محمود" " ص146و148، أما "إسحاق" فقد استشهد عام 1982 رغم مشاركته في أكثر من حرب، 1987 وحرب 1980 لكن معركة بيروت وما تلاها من مجازر أخذت "إسحاق" معها: "صارت مجزرة يا أبو محمود، قام فيها اليهود وزلامهم بعد ما خلت المخيمات من المدافعين عنها" ص150، أما "عقبة" فقتل في حرب المخيمات: "المخيمات محاصرة يا خالة، عصفور ما فيه يدخل عليها" ص154، وعن ما جرى في مخيمات بيروت من وحشية، يقول رفيق "عقبة" "قبل ما يستشهد يا أماه، أوصانا أن.. أوصانا أن ..نأكل.. لحمه! أوصانا أن نأكل لحمه، كي لا نموت جوعا!! وكي نصمد في وجه الحصار!" ص161.
بعدها تخر أم محمود على الأرض وتسلم الروح، فالعائلة كلها استشهدت ولم يبق أحد منها، وإذا ما توقفنا عند الأحداث سنجد أن من تقتله العرب من العائلة اكثر ممن قتله الصهاينة، وهذا يشير إلى دور النظام الرسمي العربي فيما آلت إليه أحوال الفلسطيني، فالقاص من خلال "أم الشهداء" قدم للقارئ أحداث تاريخية وما وقع للفلسطيني من مآس إن كانت على يد المحتل، أم على يد الأخوة والأشقاء، وبهذا ينكشف ما هو مخفي وتظهر حقيقة ما جرى. واستشهاد أم محمود بعد أبنائها الستة يشير إلى نهاية مرحلة في الثورة الفلسطينية وبداية مرحلة جديدة توجت بأوسلو..
رائد الحواري
المجموعة من منشورات دار الفاروق للثقافة والنشر، الطبعة الأولى 2022.