- مدخل:
كتبت سابقا 2010 عن بيتهوفن ومحفوظ في إبداعهما الأخير سيمفونية ضربات القدر وحلم رآه محفوظ بعد طعنات السكين التي تعرض لها 1994. والآن دعونا نقترب من إبداع آخر لمحفوظ هو ليالي ألف ليلة ( )"... وكيف وظف التفكير السحري والخرافي لفرويد وغيره من العلماء في كتابة رواية مستوحاة في إطارها العام من نص عربي قديم هو ألف ليلة وليلة ليقدم انتقادا معاصرا لواقع اجتماعي مضطرب في جوانبه السياسية والاقتصادية والأخلاقية، وكيف عانت شخصيات الرواية من الصراع النفسي بعد أن سيطرت الخرافة والجن على حياتهم ، ثم قدم محفوظ رؤيته لعلاج ذلك الواقع المأزوم بالعودة لمناهج العلم الحديث والتمسك بقيم الدين الحقيقي في مصر بل وفي المنطقة العربية وربما في العالم كله لأنه زمن الرواية متجدد وإن ظهر لنا أنه قديم، فالمكان أيضا متسع لآفاق بعيدة في زمن كتابة الرواية ، وله أهمية فائقة في بنية النص الروائي، فعلاقة الإنسان بالمكان قديمة ومهمة جدا فهي دائما تمتلك تأثيرا متبادلا فيغير كل منهما في الآخر بشكل متنوع ( )".
- فرويد والخرافي /السحري:
يرى فرويد(١٨٥٦–١٩٣٩) أن تاريخ البشرية الفكري قد مر بثلاثة عصور ... عصر الخرافة ، وعصر الدين ، وعصر العلم ، وقد ودعنا المرحلتين ، مرحلة الخرافات ومرحلة التدين إلى غير رجعة ثم دخلنا مرحلة العلم نستظل بظلاله ، ونستفيد بثماره ، ونسير على دربه ومناهجه وبدأ بعد ذلك ملايين البشر في الغرب " المتحضر " والشرق " النامي " ينهون عن الدين وينئون عنه ، وانطلقوا ن القيود التي قيدتهم به خرافات الأزمان السحيقة ومن هذا المنطلق كانت الارهاصات المبكرة لظهور " الاتجاهات العلمانية " بالإضافة إلى الرواسب اللاشعورية التي ترسبت وترسخت في نفوس الأوربيين منذ العصر الاغريقي القديم والتي كانت تمثل الحياة بمثابة الصراع الرهيب بين الآلهة من جهة وبين عباقرة البشر من جهة أخرى .
- محفوظ والاجتماعي / الواقعي:
أصر محفوظ"1911- 2006" في معظم إبداعه، على هذا المنهج الواقعي الاجتماعي، في فترة زمنية تجاوز فيها الأدب العالمي التعرض للواقع، ويقرر محفوظ «… انكفأ إلى الداخل، إلى تيارات الوعي، واللاوعي، وما وراء الواقع، لكن بالنسبة لي وللواقع الذي أعبر عنه لم يكن قد عولج معالجة واقعية بعد حتى أقدم على استخدام الأساليب الأدبية الحديثة والتي استعان بها بعد ذلك، في تقنيات السَّرد للعديد من أعماله الروائية.
ويرى محفوظ - مطور هذا الشكل الأدبي- إن بداية «الواقعية السحرية» هى هنا فى «ألف ليلة وليلة» التى مزجت ما بين الواقع والخيال، والحقيقة والسحر، كما لم يفعل أحد من قبل، ولعل من كتبوا فى أمريكا اللاتينية مثلا بأسلوب «الواقعية السحرية» قد تأثروا بها، لأن أغلبهم يعترف بالقيمة الفنية الكبيرة لـ«ألف ليلة وليلة». بهذا الإدراك والوعى العميق بألف ليلة وليلة فى التراث العربى والإنسانى معا، وبتطور أشكال السرد فى الرواية العالمية، وظهور تيار الواقعية السحرية فى الأدب العالمى، سبق محفوظ الجميع، فى أدبنا العربى، بكتابته «ليالى ألف ليلة».. فهي تحفةٌ أدبية يَسردُها علينا صاحبُ الخيال الخصب واللغة الساحرة، الفيلسوفُ والحكيم «نجيب محفوظ»، استلهمَها من حكايات «ألف ليلة وليلة» التراثية؛ حيث بدأ الروايةَ من حيث انتهاءُ حكايات «شهرزاد»، وقرارُ «شهريار» العفوَ عنها، لتبدأ الليالي المحفوظيةُ التي تُعيد إلينا هذا العالَم الساحر المليء بالفانتازيا، والذي يتواجد فيه الجنُّ والعفاريت بجانب البشر. يبدأ «محفوظ» في نزع الأقنعة عن الوجوه المزيَّفة، ونرى معه كيف تَتقلَّب الدنيا بأصحابها؛ فقد قسَّم الروايةَ إلى عِدة شخصيات، كل شخصيةٍ منفصلة عن الرواية ومتصلة بها في ذات الوقت، وكانت شخصية «صنعان الجمالي» من أكثر الشخصيات إثارةً وإعجابًا، فضلًا عن غيرها من الشخصيات التي لاقت مصائرَ مختلفة، والتي استطاع «محفوظ» أن يُقدِّمها في قالبٍ روائي يأسِر اللُّب( )"..
ومن يقرأ ليالى ألف ليلة لنجيب محفوظ بكل ما فيها من خيال مذهل وجن وعفاريت واختراق حواجز الزمان والمكان سيدهش جدا من هذه الإشارات العبقرية المضمنة فى النص التى تسمح بقراءات وتفسيرات غاية فى المعاصرة والاشتباك مع واقع الحياة السياسية والاجتماعية والفكرية فى مصر والعالم العربى كله زمن كتابة الرواية أواخر السبعينيات ومطالع الثمانينيات من القرن الماضى. يؤكد محفوظ: "إن نظرى دائما على الواقع فى كل أعمالى، مهما تكن الرواية تتحدث عن التاريخ، أو تستلهم التراث، فالحاضر هو الذى يحركنى حتى وأنا أكتب عن الماضى()".
د. خالد محمد عبدالغني
كتبت سابقا 2010 عن بيتهوفن ومحفوظ في إبداعهما الأخير سيمفونية ضربات القدر وحلم رآه محفوظ بعد طعنات السكين التي تعرض لها 1994. والآن دعونا نقترب من إبداع آخر لمحفوظ هو ليالي ألف ليلة ( )"... وكيف وظف التفكير السحري والخرافي لفرويد وغيره من العلماء في كتابة رواية مستوحاة في إطارها العام من نص عربي قديم هو ألف ليلة وليلة ليقدم انتقادا معاصرا لواقع اجتماعي مضطرب في جوانبه السياسية والاقتصادية والأخلاقية، وكيف عانت شخصيات الرواية من الصراع النفسي بعد أن سيطرت الخرافة والجن على حياتهم ، ثم قدم محفوظ رؤيته لعلاج ذلك الواقع المأزوم بالعودة لمناهج العلم الحديث والتمسك بقيم الدين الحقيقي في مصر بل وفي المنطقة العربية وربما في العالم كله لأنه زمن الرواية متجدد وإن ظهر لنا أنه قديم، فالمكان أيضا متسع لآفاق بعيدة في زمن كتابة الرواية ، وله أهمية فائقة في بنية النص الروائي، فعلاقة الإنسان بالمكان قديمة ومهمة جدا فهي دائما تمتلك تأثيرا متبادلا فيغير كل منهما في الآخر بشكل متنوع ( )".
- فرويد والخرافي /السحري:
يرى فرويد(١٨٥٦–١٩٣٩) أن تاريخ البشرية الفكري قد مر بثلاثة عصور ... عصر الخرافة ، وعصر الدين ، وعصر العلم ، وقد ودعنا المرحلتين ، مرحلة الخرافات ومرحلة التدين إلى غير رجعة ثم دخلنا مرحلة العلم نستظل بظلاله ، ونستفيد بثماره ، ونسير على دربه ومناهجه وبدأ بعد ذلك ملايين البشر في الغرب " المتحضر " والشرق " النامي " ينهون عن الدين وينئون عنه ، وانطلقوا ن القيود التي قيدتهم به خرافات الأزمان السحيقة ومن هذا المنطلق كانت الارهاصات المبكرة لظهور " الاتجاهات العلمانية " بالإضافة إلى الرواسب اللاشعورية التي ترسبت وترسخت في نفوس الأوربيين منذ العصر الاغريقي القديم والتي كانت تمثل الحياة بمثابة الصراع الرهيب بين الآلهة من جهة وبين عباقرة البشر من جهة أخرى .
- محفوظ والاجتماعي / الواقعي:
أصر محفوظ"1911- 2006" في معظم إبداعه، على هذا المنهج الواقعي الاجتماعي، في فترة زمنية تجاوز فيها الأدب العالمي التعرض للواقع، ويقرر محفوظ «… انكفأ إلى الداخل، إلى تيارات الوعي، واللاوعي، وما وراء الواقع، لكن بالنسبة لي وللواقع الذي أعبر عنه لم يكن قد عولج معالجة واقعية بعد حتى أقدم على استخدام الأساليب الأدبية الحديثة والتي استعان بها بعد ذلك، في تقنيات السَّرد للعديد من أعماله الروائية.
ويرى محفوظ - مطور هذا الشكل الأدبي- إن بداية «الواقعية السحرية» هى هنا فى «ألف ليلة وليلة» التى مزجت ما بين الواقع والخيال، والحقيقة والسحر، كما لم يفعل أحد من قبل، ولعل من كتبوا فى أمريكا اللاتينية مثلا بأسلوب «الواقعية السحرية» قد تأثروا بها، لأن أغلبهم يعترف بالقيمة الفنية الكبيرة لـ«ألف ليلة وليلة». بهذا الإدراك والوعى العميق بألف ليلة وليلة فى التراث العربى والإنسانى معا، وبتطور أشكال السرد فى الرواية العالمية، وظهور تيار الواقعية السحرية فى الأدب العالمى، سبق محفوظ الجميع، فى أدبنا العربى، بكتابته «ليالى ألف ليلة».. فهي تحفةٌ أدبية يَسردُها علينا صاحبُ الخيال الخصب واللغة الساحرة، الفيلسوفُ والحكيم «نجيب محفوظ»، استلهمَها من حكايات «ألف ليلة وليلة» التراثية؛ حيث بدأ الروايةَ من حيث انتهاءُ حكايات «شهرزاد»، وقرارُ «شهريار» العفوَ عنها، لتبدأ الليالي المحفوظيةُ التي تُعيد إلينا هذا العالَم الساحر المليء بالفانتازيا، والذي يتواجد فيه الجنُّ والعفاريت بجانب البشر. يبدأ «محفوظ» في نزع الأقنعة عن الوجوه المزيَّفة، ونرى معه كيف تَتقلَّب الدنيا بأصحابها؛ فقد قسَّم الروايةَ إلى عِدة شخصيات، كل شخصيةٍ منفصلة عن الرواية ومتصلة بها في ذات الوقت، وكانت شخصية «صنعان الجمالي» من أكثر الشخصيات إثارةً وإعجابًا، فضلًا عن غيرها من الشخصيات التي لاقت مصائرَ مختلفة، والتي استطاع «محفوظ» أن يُقدِّمها في قالبٍ روائي يأسِر اللُّب( )"..
ومن يقرأ ليالى ألف ليلة لنجيب محفوظ بكل ما فيها من خيال مذهل وجن وعفاريت واختراق حواجز الزمان والمكان سيدهش جدا من هذه الإشارات العبقرية المضمنة فى النص التى تسمح بقراءات وتفسيرات غاية فى المعاصرة والاشتباك مع واقع الحياة السياسية والاجتماعية والفكرية فى مصر والعالم العربى كله زمن كتابة الرواية أواخر السبعينيات ومطالع الثمانينيات من القرن الماضى. يؤكد محفوظ: "إن نظرى دائما على الواقع فى كل أعمالى، مهما تكن الرواية تتحدث عن التاريخ، أو تستلهم التراث، فالحاضر هو الذى يحركنى حتى وأنا أكتب عن الماضى()".
د. خالد محمد عبدالغني