محمد مصطفى العمراني - القصة كأداة تعليمية مشوقة ومؤثرة

حين زرت صديقي المعلم الذي يعمل بإحدى المدارس بضواحي المدينة دفعني الفضول للدخول إلى أحد الفصول وخوض تجربة التدريس ، ويا لهول ما رأيت.!
الفصل يعج بالأطفال بعضهم يأكلون وبعضهم يجلسون في النوافذ ، وبعضهم يتجابرون كأنهم في مقيل شيخ ، والبعض يتضاربون ، مجموعة منهم كانوا في حالة شرود تام وكأنهم شعراء ينتظرون الإلهام ليكتبوا قصائد .!
بعدها اكتشفت أنهم كانوا " مفذحين " يمضغون أغصان القات من صباح يا الله رضاك .!
المهم فوضى عارمة بكل معنى الكلمة .!
حاولت السيطرة على السوق ، أقصد الفصل لكني فشلت تماما ، ووجدت أن قدرتي على التدريس مثل قدرة جدتي على التعامل مع الكمبيوتر .!
ثم تنبهت لطريقة ذكية جعلت الذين في النوافذ ينزلون والذين يتجابرون يسكتون ، والذين يتضاربون يتصالحون ، لقد أنصت الجميع وحققت المعجزة .!
لقد أخبرتهم أنني سأقص لهم قصة ، وفعلا رويت لهم العديد من القصص حتى انتهت عدة حصص وهم منصتون كأن على رؤوسهم الطير .!
لقد أنقذتني القصص من ورطة كبيرة .
الآن وبعد الكثير من القراءات ترسخت قناعتي بأن أروع طريقة للتعليم هي : التعليم بالقصص والحكايات ، وهي طريقة متبعة في الكثير من دول العالم خصوصا في مراحل التعليم الأولى .
كتب المدارس والجامعات العربية جافة مملة ثقيلة على الطالب ، جعلت أجيالاً كاملة ـ إلا ما ندر ـ تكره التعليم كره العمى وتراه مثل سجن كئيب يتعرض السجناء فيه لتعذيب قاسي وبمجرد أن تنتهي الحصة الأخيرة يتدافعون للخروج من سجن المدرسة كالمعتوهين يدهس بعضهم بعضها ، والبعض يقفزون من النوافذ وفي وجوههم فرحة من عثر على كنز .!
هذه الطريقة الفاشلة في صياغة المنهج التعليمي بهذا الشكل الجاف الممل ، وفي تدريسه جعلت الطالب يكره التعليم ، ويتجرعه ولا يكاد يسيغه ، لكن لو اعتمدت لجان المناهج في الدول العربية التدريس عبر القصص والحكايات لتحول المنهج الدراسي إلى مواد محببة سهلة مشوقة يتشربها الطالب بكل حب ومتعة ويتفاعل معها ، ولرأينا أجيالا كاملة من المبدعين والعباقرة تتخرج من مدارسنا .
قديما قبل ظهور التلفاز والهواتف ومواقع التواصل الاجتماعي واليوتيوب كانت الأمهات والجدات يروين لنا حكايات وقصص ممتعة مشوقة ، وكانت الليالي تمضي بكل متعة ومودة ونحن نتحلق حول الوالدة أو الجدة وهي تقص علينا حكايات رائعة كأنها حكايات ألف ليلة وليلة .
القمر يطل من السماء بنوره الذهبي ، وبيوت القرية المتناثرة يتدفق منها ضوء الفوانيس وفي حجراتها يستريح الجميع بعد يوم من العمل والنشاط في إنصات مدهش لحكايات تطوف بنا في عوالم من المتعة والسعادة .
وفي بعض البلدان العربية مثل دول الشام كان الناس في ليالي شهر رمضان المبارك يذهبون إلى المقاهي ليستمعوا إلى " الحكواتي " وهو يقص عليهم من كتاب أو من حفظه القصص التاريخية والشعبية بطريقة مشوقة تجذب حواس المستمع وتشد انتباهه .
الآن لم يعد لهذا الطقس وجود الا في المسلسلات التاريخية .
جاءت السينما والمسرح ثم التلفاز ومن بعدهم طوفان مواقع التواصل الاجتماعي واليوتيوب فصارت تلك الحكايات الرائعة المشوقة مجرد ذكرى من الزمن الماضي .!
لكن لو وجدت إرادة يمكن الاستفادة من شبكة الإنترنت في إنتاج قصص كرتونية تعليمية مشوقة كما هو الحال في منصة " مدرستي " التعليمية على اليوتيوب مثلا ، ففي هذه المنصة وغيرها دروس في النحو واللغة العربية والعلوم عموما بطريقة قصصية مبسطة ومشوقة .
في الكتب المدرسية وفي المدارس يمكن اعتماد القصص كطريقة جديدة للتدريس في كل العلوم حتى في الفيزياء والمواد العلمية ، يمكن صياغة أغلب هذه المواد على شكل قصص مشوقة وطريفة وتعليمية في الوقت نفسه .
القصة ليست للتسلية والمتعة فحسب ، القصة أروع طريقة للتعليم وغرس الأفكار وإيصال المفاهيم إلى أذهان المتلقين ، وخطورة القصة هي أنها تغرس الأفكار وتزرع القيم والمفاهيم في ذهنك ووجدانك بطريقة ساحرة ممتعة ، فتثبت في الذهن كنقش على حجر ، أما هذا المنهج الجاف الممل الذي وضعه مجموعة من الجهلة ( في الغالب) فإنه منهج فاشل جاف لا يدخل الذهن الا ليتم سكبه في ورقة الامتحان ، ثم يغدو نسيا منسيا ، وكأنك يا بو زيد ما غزيت .!
شخصيا لدي استعداد مع آخرين للمشاركة في صياغة مواد المنهج في شكل قصص تعليمية مشوقة مبسطة ولكن من يلتفت إلى مبادرة كهذه ؟!

تعليقات

لا توجد تعليقات.
أعلى