كانَ يغبط نفسَه على منجزات حقّقها، لم يُشاركه فيها أحد، مُتوهّجَ الوجه، منفرجَ الأسارير، مؤجّلَ الظلّ إلى حين.. وكيف يكون لمثله ظلّ والأضواء تغمره من كلّ جانب؟!
هكذا هم البشر، منهم من تؤجّل آماله وتحضر آلامه، ومنهم من يُطوّف من الغبطة في الهواء، فيؤجّل ظلُّه وأشياء أخرى.
ويختلي يوماً بنفسه في غُرفة شبه مُعتمة، يتدلّى من سقفها مصباح يُشبه تلك المصابيح المُتدلّية من سُقُوف غُرف التحقيق التي لا تحتضن في العادة سوى كُرسيين حديديين ومنضدة ملساء وشخصين، أحدهما جامد هامد على كرسيّه، والآخر يصول ويجول في أبعادها، ينشرُ الهُراءَ في الهواء، وينشر معه ظلالاً مُتكسّرة على السقف والحيطان.
وتحين منه التفاتة لشبحٍ يحوم من حوله، يكتشف بعد طول لَحْظ أنّه يُحاكي حركاته.. يأخذه العجب ممّا رأى!
أدمن فيما مضى من عُمُره النظرَ إلى الأمام، غير بعيد من موطئ قدمه، يتنقّل من نجاح إلى نجاح، لكنّه اليوم احتاج أن يرعى هذا الشبح وحركته المستفزّة، فدار ببصره حول ذاته يستجلي جهاتٍ ما اختبرها من قبل، فنظر ذات اليمين وذات الشمال.. ومع أنّه ما كان يُحوّل باصرته عن وجهتها إلا لينظر مواطئ قدميه بين الحين والحين؛ حاول هذه المرّة أن يحوّل بصره قليلاً إلى الأعلى.
وفي اختلاط العتمة والنور الساقط من أعلى بما تطاير من عوالق الغُبار، لمحَ خيوطاً شفيفة نازلة من فوق، موصولة بيديه وقدميه، وتحسّس بيده اليُسرى خيطاً آخر مربوطاً براسه!!
تملّكه العجب وأخذته رهبةُ مَن يستكشف ذاته ويتعرّف على حقيقتها، فأخذ يدور براسه ليستكشف ما خلفه.. ليُفاجأ بمَن خلفه واقفاً على مسافة خطوة أو تزيد من قفاه.. يا الله، مَن هذا؟!
رفع راسه أقصى السقف، فالتقت العينُ بالعين.. رفع يدَه بحِذاء كتفه؛ فرُفعَت يدٌ بحذاء كتفها.. خفضَ يده؛ فخُفِضت يد معها ومال راس.. حرّك قدماً، فتحرّكت يد.. نعم يد، ومال راس!
وهنا، انمحَت بسمةٌ من على وجهه وزالت كما تزول الألوان من على لوحة تحت المطر، وتوهَّجَت بسمة من خلفه. دارَت الأرض به، غامَت رُؤاه، وتسرّبَت منجزات، كان يتوهّمها له، من بين أصابعه..
#سرد #أوهام #ذات #رسائل_في_الصميم
هكذا هم البشر، منهم من تؤجّل آماله وتحضر آلامه، ومنهم من يُطوّف من الغبطة في الهواء، فيؤجّل ظلُّه وأشياء أخرى.
ويختلي يوماً بنفسه في غُرفة شبه مُعتمة، يتدلّى من سقفها مصباح يُشبه تلك المصابيح المُتدلّية من سُقُوف غُرف التحقيق التي لا تحتضن في العادة سوى كُرسيين حديديين ومنضدة ملساء وشخصين، أحدهما جامد هامد على كرسيّه، والآخر يصول ويجول في أبعادها، ينشرُ الهُراءَ في الهواء، وينشر معه ظلالاً مُتكسّرة على السقف والحيطان.
وتحين منه التفاتة لشبحٍ يحوم من حوله، يكتشف بعد طول لَحْظ أنّه يُحاكي حركاته.. يأخذه العجب ممّا رأى!
أدمن فيما مضى من عُمُره النظرَ إلى الأمام، غير بعيد من موطئ قدمه، يتنقّل من نجاح إلى نجاح، لكنّه اليوم احتاج أن يرعى هذا الشبح وحركته المستفزّة، فدار ببصره حول ذاته يستجلي جهاتٍ ما اختبرها من قبل، فنظر ذات اليمين وذات الشمال.. ومع أنّه ما كان يُحوّل باصرته عن وجهتها إلا لينظر مواطئ قدميه بين الحين والحين؛ حاول هذه المرّة أن يحوّل بصره قليلاً إلى الأعلى.
وفي اختلاط العتمة والنور الساقط من أعلى بما تطاير من عوالق الغُبار، لمحَ خيوطاً شفيفة نازلة من فوق، موصولة بيديه وقدميه، وتحسّس بيده اليُسرى خيطاً آخر مربوطاً براسه!!
تملّكه العجب وأخذته رهبةُ مَن يستكشف ذاته ويتعرّف على حقيقتها، فأخذ يدور براسه ليستكشف ما خلفه.. ليُفاجأ بمَن خلفه واقفاً على مسافة خطوة أو تزيد من قفاه.. يا الله، مَن هذا؟!
رفع راسه أقصى السقف، فالتقت العينُ بالعين.. رفع يدَه بحِذاء كتفه؛ فرُفعَت يدٌ بحذاء كتفها.. خفضَ يده؛ فخُفِضت يد معها ومال راس.. حرّك قدماً، فتحرّكت يد.. نعم يد، ومال راس!
وهنا، انمحَت بسمةٌ من على وجهه وزالت كما تزول الألوان من على لوحة تحت المطر، وتوهَّجَت بسمة من خلفه. دارَت الأرض به، غامَت رُؤاه، وتسرّبَت منجزات، كان يتوهّمها له، من بين أصابعه..
#سرد #أوهام #ذات #رسائل_في_الصميم