د. أحمد الحطاب - سؤال محير : هل بلادنا، في العلن، متعددة الأحزاب أم لها حزب واحد و وحيد في الخفاء؟

الحكومات والبرلمانات المتناوبة على تسيير وتدبير الشأن العام بالمغرب والمجالس المتعاقبة على تسيير وتدبير الشأن المحلي لا يوجدُ بينها اختلاف إلا من حيث أسماء الوزراء والبرلمانيين، نوابا ومستشارين ومن حيث أسماء المستشارين المحلِّيين والرؤساء الجماعيين. الواقع الحقيقي للبلاد لم يتغيَّر. ما تغيَّر هو وضع الطبقة المستولية على الثروات والمال والسلطة.

في الماضي (الخمسينيات، الستينيات والسبعينيات) لما كان يُذْكَرُ اسم وزير أو برلماني أو مستشار أو رئيس جماعي، كنا بكل بداهة نستحضر اسم الحزب الذي ينتمي إليه وخصوصا عندما كان عدد الأحزاب لا يتجاوز عدد أصابيع اليدين. وكان الوزير والبرلماني والمستشار والرئيس الجماعي يرتبط اسمُه عضويا بتسمية حزبه. فكان هؤلاء مرآةً لمصداقية أحزابهم والحزب مرآةً لأعضائه. فكان المواطن يفرِّق بوضوح بين هذا الحزب أو ذاك مُستنِداً إلى إيديولوجيته ومبادئه ومؤسساته و قاداته.

أما اليوم، لم يعد هناك فرق بين هذا الحزب أو ذاك رغم تعدُّد الأحزاب الذي هو فقط عبارة عن استنساخ أجوف ساهم إلى حد كبير في بلقنة المشهد السياسي. وحتى الأحزاب التي كان يُقال عنها وطنية، فإن وطنيتها ذابت في الفساد الذي نخرها وصدَّرته إلى المجتمع.

أما مُصطلحات "اليمين"، "اليسار"، "الوسط"، "الاشتراكي"، "المحافظ"، "التقدمي"، الخ.، فلم يعد لها وجود إلا في القواميس والمعاجم. وحتى هذه الأخيرة، إن كان لها نُطْقٌ، فستصيح فزعاً من التشويه الذي أصاب هذه المصطلحات.

بالفعل، كل هذه المصطلحات أو المفاهيم انصهرت و ذابت ذوبانا ما بعده ذوبان حتى أصبحنا نشعر بأن بلدَنا لها حزب واحد و وحيد تبنّى ليبرالية متوحِّشة ليس للمواطن فيها مكان.
وما يُحزن النفوسَ، هو أن "الفقيه اللي كنتْسناوْ بركتو دخل لجامع ببلْغْتو". أريد أن أقول : "الأحزاب التي كنا ننعتها بالوطنية، أصبح لها، بدون اختلاف، مبدأ واحد وإيديولوجية واحدة تتمثل في سباق محموم إلى كراسي السلطة". وما يزيد النفوسَ حزنا هو أن هذه الأحزاب هي التي توجد في مقدمة السباق إلي هذه الكراسي.

فعوض أن تتنافس في خدمة الصالح العام وتسعى إلى إسعاد المواطن المغربي وتوفر له الكرامة التي يستحقها، فإنها تدخل فيما بينها في حرب طاحنة لا لشيء إلا لِغَنْمِ أكبر عدد من الكراسي والمنافع لها ولها هي فقط! المواطن، فليذهب إلى جهنم! إنه فقط بطاقة انتخاب وليس إنسان!

يا له من خليط يتميَّز به هذا البلد السعيد. كل الأحزاب مستعدة لتحكمَ مع أي حزبٍ كيفما كانت مرجعيتُه ومبادئه! لو كان الشيطان بإمكانِه أن يُنشِئَ حزبا سياسيا وتصدَّر الانتخابات، لتسارعت كل الأحزاب السياسية لمغازلتِه والتَّملُّق له ليضمَّها إلى أغلبيتِه البرلمانية.
عند تشكيل الأغلبية البرلمانية، تنمحي الإيديولوجيات وتتبخَّر المبادئ ويسيل لُعابُ قادة الأحزاب لبناء أغرب الأغلبيات. المرجعية الإسلامية تحكم بمعية الاشتراكية والشيوعية والليبرالية. والتقدمية تحكم بمعية المحافظين والرأسمال… وفي نهاية المطاف، كل أحزاب الأغلبية تنصهر في حزب واحد لا ملَّةَ له ولا دين!

من الناحية الدستورية، التَّعدُّدية الحزبية لها مزايا كثيرة تتمثَّل، مثلا، في فتح الباب لمختلف الحساسيات السياسية للقيام بنقاشات عمومية للقضايا التي تشغل بالَ المواطنين. ومن خلال هذه النقاشات، تُتيح التَّعدُّدية الحزبية توجيهَ انتقادات للسلطة التَّنفيذية كلما دعت الضرورة إلى ذلك.
وفضلا عن هذه المزايا، فإن التَّعدُّدية الحزبية تُعدُّ واجد من الأسُس التي ترتكز عليها الديمقراطية. كما تفتح البابَ لتوسيع تمثيلية الشعب بكيفية مُنصفة في مختلف مؤسسات الدولة وعلى رأسها البرلمان.

غير أنه ما يُلاحظ في هذا البلد السعيد هو أن التَّعدُّدية الحزبية، إن كانت موجودة دستوريا وتظهر خلال الحملات الانتخابية، فإنها تنمحي وتذوب ذوبان المِلح في الماء، بمجرَّد ما تتشكَّل الأغلبية البرلمانية والحكومة. حينها، تذوب أحزاب الأغلبية وتنصهر بعضُها في البعض الآخر وتذوب معها إيديولوجياتُها ومبادئها وتوجُّهاتُها السياسية. فيصبح المواطنون يشعرون وكأن الأغلبية البرلمانية والحك مية مُشكَّلةٌ من جزب واجد و وحيد.

والغريب في الأمر أن المعارضةَ، رغم تعدُّد أحزابُها، تظهر وكأنها مشكَّلة من حزبٍ واحد شعارُه الأيدي المكتوفة أو الصَّمت أو التَّفرُّج على ما يفعله الحزب الآخر المستولي على الأغلبية البرلمانية.

تعليقات

لا توجد تعليقات.
أعلى