د. يحيى الرخاوي - حوار مع مولانا النفّرى (7) موقف “البحر”

(7)


(من) موقف البحر (1)

قال مولانا النفرى:

أوقفني في البحر فرأيت المراكب تغرق والألواح تـَسْـلم،… ثم غرقت الألواح،

وقال لى: لا يسلم من ركب.

وقال لى: خاطر من ألقى نفسه ولم يركب.

وقال لى: هلك من ركب وما خاطر.

وقال لى: في المخاطرة جزء من النجاة،

فقلت لمولانا:

رفقا بنا يا مولانا، أنا أحب البحر، وأعرف كيف يربطنى بجذور تاريخ الحياة لأمتد منه إلى ما لا أعرف، وقد وجدت نفسى أسبح فى ما ألقاه فى وعيك، وإذا بى أدور حول نفسى لولا رحمته.

هكذا صعب يا مولانا :

إذن ماذا؟

إذن أين؟

إذن كيف؟

حين قرأت أول جملة فرحت وقلت لنفسى، لم أعد فى حاجة إلى مركب انغلقت أقفالها قلعة حامية، إذا اكتملت المركب أغرتنا بأمان زائف، اكتمال تشكيلها ليس إلا إعلان لانتهاء عمرها، لا تعود تصلح إلا للغرق بمن فيها وما فيها

لا أثق فى مركب تمت صناعته وتأثيثه فوضعتْ على أبوابها أقفالها

الألواح هى بقايا مركب، ومشروع مركب آخر إليه

الألواح تغرق أيضا !!!!

وأنا فوق إحداها

هل انخدعت ؟

قفزتُ من على اللوح إلى المركب وهى تغوص، أسرعتْ إلى عمق الأعماق، لم ألحقها،

لحقتنى كلماته لك أن السلامة ليست لمن ركب

ألقيت بنفسى من فوق لوحى

مازال منجذبا بى، وأنا مشدود إليه، دون أن نلتصق

هل يا ترى للركوب شروط تجعله المـُنجى؟

قال: نعم ، شرط الركوب المخاطرة

قلت أخاطر بماذا؟ أخاطر إلى أين؟ ليس ثم سبيل آخر، فلتكن هى المخاطرة

المخاطرة بالتخلى عن الركوب هى الهلاك بعينه، والمخاطرة بالركوب هى المجهول بلا وعود.

النجاة النجاة ! المخاطرة المخاطرة

النجاة المخاطرة، المخاطرة النجاة

الجواب اقرب مما كنت أحسب

“فى المخاطرة جزء من النجاة”

لم يقل لك يا مولانا أن فى المخاطرة النجاة، وإلا لا تكون مخاطرة

الألواح تتوجه بنا إلى ما لا نعرف

يلوح لنا جزء من النجاة

لماذا كل هذا الحرص على النجاة؟

المخاطرة الحقيقية هى هى النجاة طالما لم نسرع إلى المراكب نحتمى بها ونسترخى، ولم نطمئن إلى الألواح بديلا عنها ؟

متى تنتهى المخاطرة؟

إن انتهت المخاطرة توقف السعى

وإن توقف السعى ضللنا الطريق

*****

(من) موقف البحر (2)

قال مولانا النفرى:

وجاء الموج ورفع ما تحته وساح على الساحل.

وقال لى: ظاهر البحر ضوء لا يبلغ، وقعره ظلمه لا تمكن، وبينهما حيتان لا تستأمن.

وقال لى: لا تركب البحر فأحجبك بالآلة، ولا تلق نفسك فيه فأحجبك به



فقلت لمولانا:

لا أركب البحر، حتى لا أنخدع فى مركب عليها أقفالها تحول بينى وبينه

ولا ألقى بنفسى فيه حتى لا تغيب عنى أضواء أصل ضيائه

فماذا يا مولانا؟

أنت تعلم أننى لا أستسهل

أنا لا أطلب ما تحت البحر الذى يسيح على الساحل إذا ما جاء الموج

أحاول أن أكتفى بأن أتوجه نحو الضوء دون بلوغه

وأن أتحمل ظلمة قاعه، فأنا أعرف أننى لن أتمكن من سبر غوره

وأن أتجنب حيتانه دون أن أخاصمها أو أصارعها

وألا أثق فى الآلة إلا سبيلا إليه، لا أشرك بربى شيئا

لا أغرق

يتواصل السعى

*****

(من) موقف البحر (3)

قال مولانا النفرى:

وقال لى: فى البحر حدود أيها يقلك.

وقال لى: إذا وهبت نفسك للبحر فغرقت فيه كنت كدابة من دوابه.

فقلت لمولانا:

أنت تعلم وتعلـّمنا أن الحدود هى للموجود لا للواجد

لا أطمئن إلى حدود فى البحر ولو كان البحر كله حدودا

ولا تقلنى غير رحمته هو

حين أستغنى عن الحدود ، أستغنى عن البحر

إن وهبته نفسى أغرقنى

فأستأهل أن أكون دابة من دوابه

يا مولانا

شرط المخاطرة المخاطرة

حيث لا قيود ولاحدود ولا عدد ولا معدود

وشرط النجاة المخاطرة

حيث لا ضمان، ولا أمان، ولا نهاية، ولا زمان

فبأى آلاء ربكما تكذبان


تعليقات

لا توجد تعليقات.

هذا النص

ملف
أدب البحر
المشاهدات
509
آخر تحديث
أعلى