إبراهيم سلامه إبراهيم - "أورسولا" ومئة عام من العزلة

انها قراءة خاصة غير متخصصة فى رواية "مئة عام من العزلة" للأديب الكولومبي غارسيا ماركيز ، والتى صدرت فى 1967

فرواية "مئة عام من العزلة" تندرج بحسب تصنيف النقاد فى العالم انها ضمن الواقعية السحرية في الأدب ..
تمثل هذه الرواية التي حازت على جائزة نوبل في الأدب عام 1982، لربما تكون السابقة الوحيدة التى تمنح لشخص عن عمل وحيد له ، فهى كما اجمع أغلب النقاد انها إحدى الشوامخ في الفن الروائي الغربي قديمه وحديثه وقد برز مؤلفها كواحد من أهم أعلام الأدب اللاتيني المعاصر. في هذه الرواية يمتد الزمان ليتقلص ضمن أوراقها وسطورها حيث يحكي غارسيا ماركيز حكاية لأسرة خوسيه أوريليانو على مدار عشرة عقود من الزمان، ململماً هذا الزمان باقتدار وبراعة بالغين بما فيه من غرائب الأحداث وخوارق الوقائع ودخائل المشاعر ودقائق التحليلات وعظائم المفاجآت، أتى بها لتروي قصة هذه الأسرة التي كانت الغواية هي القاسم المشترك في حياة نساءها ورجالها حتى امتدت لعنتها إلى آخر سليل منهم.

هذا قليلاً جداً من بعض ما قراءت عن ما قيل عنها بشكل عام وقبل قراءتى للرواية نفسها ، وفى الواقع هى ملحمة اسطورية لرحلة الانسان فى العزلة التى تقع برضاه نتيجة ظروف قهرية ادت لهذه العزلة ..

انما ما لفت نظرى بشدة واعجاب ، وما جعلنى ألقى الضوء بشكل خاص وشخصى بعيدا عن التحليل الفنى فى قراءتى للرواية والتى لا أجيدها كناقد متخصص ، إلّا ان شخصية " أورسولا " زوجة خوسيه آركاديو بوينديا تلك المراءة والشخصية المحورية فى الاحداث الخيالية والواقعية منها ، انها شخصية فريدة تشبه الى حد ما المراءة الصعيدية بجبروتها التى تدير به عائلتها بكل رجالها الأقوياء ، فيصفها ماركيز راسماً خطوطاً حادة ، متقاطعة ومتبانة لشخصيتها ، فهى نشيطة ، ضئيلة ، صارمة ذات أعصاب راسخة ، التى لم يسمعها احد فى حياتها تدندن أغنية ، للتأكيد على صرامتها ، كما لو كانت شخصية خيالية جامدة خالية من المشاعر وهى رغم ذلك لم تكن كذلك ، تراها ايضاً فى كل مكان منذ الفجر حتى ساعة متقدمة من الليل ... الى اخر تلك الأوصاف والنعوت لشخصية ربما مع الأحداث تثبتها وربما ترتفع الى الصفات الاسطورية فى اخر ايام حياتها التى عاشتها من اول العزلة الى ما قبل الانحدار ،
اراها تمثل المراءة العادية فى بعض صفاتها بكل حنان الام ، الزوجة المغرمة ، الجدة الجادة ، وكذلك جبروتها.
فحينما اجبرت زوجها بعدم الرحيل عن ماكوندو قائلة له ، لن نذهب ، سنبقى هنا ، لأننا انجبنا هنا ابناً .. وعندما اصر قائلاً : لكن احداً لم يمت بعد ، والمرء لا ينتمى الى اى مكان مادام ليس فيه ميت تحت التراب : فكانت اورسولا أشد حزما وصلابة حين قالت : اذا كان لابد ان يكون هنا ميت تحت التراب لكى تبقوا هنا ، فاننى سأموت ..

فكما كانت أورسولا هى اولى علامات بروز قرية ماكوندو وانتعاشها ببريقها وصعودها المتتالى وازدهارها لتلفت انظار الساسة بعد ان تورط ابنها العقيد اوريليانو فى وحل الحرب الاهلية حينئذ ، اللا ان اورسولا ايضاً كانت أخر علامات فناء تلك القرية فى ملحمة أسطورية .. بعد ان قضت مائة عام من عمرها فى ماكوندو التى أسسها زوجها خوسيه
وحسب الغاز كتابات الغجرى ميلكيادس التى اكتشف تفسيرها اوريليانو آخر الأحفاد وفى احدى سطور الرقاق مكتوب فيها "اول السلالة مربوط فى شجرة وآخرها يأكله النمل"

لتنتهى أسطورة ماكوندو فى اخر السطور " ان كل ما هو مكتوب فيها لايمكن ان يتكرر ، منذ الأزل الى الأبد ، لان السلالات المحكومة بمئة عام من العزلة ، ليست لها فرصة اخرى على الارض "
رواية تحتاج للقراءة مرة اخرى قبل ان يبداء المرء لفهمها ..

تعليقات

لا توجد تعليقات.
أعلى