كتابة القصّة القصيرة جدّا في الأدب العربي ّظاهرة ..
ظاهرة لأنّ التّجريب في إطارها مثير للآهتمام وأيضا للجدل ..
والآهتمام تفرضه فرادتها وجدّتها واستعصاؤها على التّقعيد النّهائيّ بعد..
أمّا الجدل حولها فسليل التنوّع الكبير في طريقة كتابتها حتّى في تجربة المبدع نفسه من نصّ إلى آخر ،ومن مجموعة قصصيّة إلى أخرى..
حتّى أنّ آقتحام مدارها ضرب من المغامرة أنْ يقعَ الحيادُ عنهاوالآنزلاق إلى ما يشبهها حجما أو شاعريّة أو …مثل الخاطرة أو قصيدة النّثر …
ولهذه الهواجس وغيرها ، صدى في المجموعة القصصيّة "ظلال ذابلة" للكاتب المغربي علي بنساعود .
هي نصوص يناهز عددها عشراومائة ، فيها ملاحقة مرهقة لِشُرودِ القصّة القصيرة جدّا لونا أدبيّا صاعدا سواء في بنائها الفنّي وهندستها الأسلوبيّة، أو في مدلولاتها ومضامينها وما قاربته من قضايا إنسانيّة ومعيشيّة..
فهي أشبه بتشكيلة من القصص تتيسّر قراءتها بتفريع زوايا النّظر إليها على ضوء جملة من الخصائص النقديّة التي تتدرّج نحو الآستقراروالإجماع نازعة إلى ضبط حدود هذا الجنس الأدبيّ فلا يُرْتَبَكُ في تصنيفه في خضمّ الأجناس الأدبيّة الأخرى ..
ودون التورّط في التّفاصيل ، يمكن القول إنّ القصّة القصيرة جدّا تقوم أساسا على وحدة اللّحظة السّرديّة ،أي وحدة الزّمان والمكان والتّركيز على البعد الوظيفيّ في آستدعاء شخصيّة أو أكثر -وليس مستحبّا تنويع الشّخوص- وأيضا تركيز البنية الحدثيّةً.. وتنصهر مقوّمات القصّ في بوتقة التّكثيف الشديد والتّرميز التي تُطَوّعُ لها بنية أسلوبيّة مميّزة هي السّرد الوجيز المُركّز الذي يطوي التفاصيل طيّا وصولا بالقارئ إلى نهاية يستحسن أن تكون صادمة لأفق آنتظاره ومدى توقّعاته..
وقد يحضر الوصف أو الحوار شرط أن يكون أحدهما أو كلاهما في خدمة السّرد ..
ويُراهنُ في كلّ هذا النّسج الفنّي على قوّة الكلمة ونفوذها وسلطتها الدّلاليّة بما تبطنه من عميق الدّلالات وبعيد الإيحاءات وكثير الإزعاجات لفكر المتلقّي وخلخلة مسلّماته /بديهيّاته الثّابتة…
أمّا مضامينها والقضايا التي تعبّر عنها فجوهرها صراعات الإنسان في كلّ أبعاده وأحواله و..ضدّ نفسه وضدّ العالم من حوله ..إذ أنّ قوّة التّنافر /الصّدام /الصّراع داخل القصّة هي سرّ بنائها الحدثيّ المتنامي بنسق سريع جدّا من الهدوء إلى اللاّهدوء/ الاضطراب/ الاختلال ..إلى الخاتمة المدهشة غير المنتظرة …/ المباغتة/ الصّادمة….
فهل نجح علي بنساعود في السّيطرة على هذه الخصائص والإبداع في إطارها بنية ودلالة؟
وإنّ انتخاب جملة من النّصوص من هذه المجموعة لا ينفي قيمة النّصوص الأخرى إِنْ هي إلاّ محاولة لآستجلاء ما يميّز هذه التّجربة عن غيرها حتّى في إطار كتابات علي بنساعود نفسه :
——————————-
نصيب
رمت الخاتم في وجه خطيبها.
وضعت رسالة على الطّاولة.
صفقت الباب خلفها.
وقع بورتريه قديم لوالدها على الأرض.
فتحت الأمّ الرّسالة:
"ماما.
تسعدني سعادتك…"
(ص19)
—————————
اشتعال
يتمدّد الصّقيع.
أفتح علبة الكبريت.
أوقد الفراش.
…
أرتمي حتّى مطلع الرّماد…
(ص14)
——————————
فخّ
أدمنها.
كلّ ليلة،
تنبعث من بين سطوره…
تسكن آلامه،
قبل أن يستفيق،
تنبعث من حيث أتت.
(ص39)
——————————-
في هذه النّصوص توظيف لصيغة الماضيوآزحدام الأحداث مؤكّدة آنقضاءها وتحقّقها في تلاحقها نحو الخاتمة المباغتة/"نصيب"
. ولم يمنع ذلك حضور صيغة المضارع المرفوع بمافيها من تواصل وآستمراريّة../"اشتعال-فخّ)
وجمع بينها تجاوز عن التّفاصيل في تأثيث الفضاء السّردي وعالم الشّخصيّة أو الشّخصيّات .. سواء كان السّارد راويا عليما أو راويّا شخصيّة..والتّركيز كلّه سُلِّط على الحدث..ذلك أنّ الشخصيّات لا تمثّل نفسها بقد ما تمثّل أفكارًا ومواقف من الحياة… وكذلك الأزمنة والأمكنة الباهتة،فهي مجرّد أطر لإحتواء الشًخصيّة /الشخصيّات القائمة بالفعل ..
"ماء
اشتبكتا تنشران غسيلهما.
تباهت الأولى بنصاعة بياض ثوبها.
قهقهت الثّانيّة :
كيف، وأنت غسلته من صنابير واطئة؟
بكت الأولى وقالت:
أمّي،تعيرينني بأصلي!؟
(ص16)
وللحوار في هذه القصّة ديناميكيّته وما تضفيه من حيويّة على المشهد كلّه .
والوصف حاضر في ثنايا الخطاب على آحتشامه..
وهذه النّصوص تنوّعت معاجمها، ورهانات المفردة فيها بلغة عربيّة فصحى لها قواعدها الثّابتة المتداولة ممّا يسهّل عمليّة التّفاعل مع القصّة عربيًا وحتّى عمليّة التّرجمة تكون أيسر وأكثر ضمانات للأمانة.
لكنّ كسر القيد اللّغوي هو من مجازفات الكتابة إذا آمتلأ الكاتب بسحر لهجته المحليّة الضيّقة ورام إطلاقها رسول تقارب هي الأخرى رغم صعوبة قراءتها وفهمها :
———————-
لعبة
دخل البراكة يجري:
ماما ماما …شوفي اللّعبة لي جابلي بابا.
شكون باباك؟
العسكري.
دخلو وسر تلعب،ويلا سول شي واحد،أنا ماكايناش…
————————
فهذه المجموعة من النّصوص قامت على تنويع لافت وجرأة واضحة على التّجريب رغبة في تأسيس مجال أرحب للإبداع في فضاء هذا اللّون السّرديّ الوجيز ، مثيرة جملة من الشّواغل الإنسانيّة العميقة المتجاوزة لكلّ الحدود مثل الخيانة من الثّقات وما تسبّبه من نزيف شعوريّ مأساويّ،أو الوحدة والجنوح إلى صحبة الأوهام …أو ….
وهذا الثّراء الدّلالي ّ المنفتح على عوالم الإنسان القصيّة في كلّ زمان ومكان هو من مزايا التّكثيف والتّرميز في القصّة القصيرة جدّا التي تهدف أساسا إلى النّفاذ إلى العبرة / القيمة المطلقة وآستخلاصها .
ومن النّصوص ما تحوّل إلى مشهد على الورقة البيضاء..فآستغلّ الكاتب قدرة العلامة البصريّة على إذكاء المعنى وإبلاغه للمتلقّي في عمليّة تفاعل سريعة جدّا من وقع الأثر عليه بمجرّد المشاهدة ..
والأكيد أنّ هذا التّوزيع البصريّ يحتاج إلى إلقاء مخصوص يستوعب آحتدام المشهد القصصيّ :
—————————-
فاكهة
اشتهاها.
وهو يرتقي إليها،
اهتزّ ف
ر
ع
الشّجرة…
التقطها عابر سبيل …
——————————-
معركة
أشدّ يدها.
تتنفّس بعمق.تتألّم.
تصرخ.
يصرخ
تأخذه القابلة. تضعه على صدرها العاري.
تنشغل به. يتشمّم حلمتها.
ترتخي يدها.
أنسحب دامعا.
———————————-
مواجهة
مرهقا عاد، بلاشهيّة أكل أو شرب.
ولج غرفته.
اتّجه صوب السّرير.
بدا له مكشّرا عن أنيابها.
تراجع.
أقبل.
أدبر…
خرج
عبر
الكوّة.
(ص29)
—————————-
تتحوّل كتابة القصّة القصيرة جدّا عند علي بنساعود إلى لوحة أو قصيدة حرّة أو مسرحيّة أو لحن بصريّ جميل ..لا شيء يحول دون مراوغته لها وبحثه سبل استيضاح ما تخفيه من أسرارها .. وهو في رحلة الكتابة يعبر فوق مخزون أدبيّ أصيل ، تتداخل فيه مرجعيّات مختلفة ، وتمتدّ جذوره إلى روافد متنوّعة . فمنه ما آتّصل بالأدب العربيّ . إذ حظي السّرد فيه بمكانة رائدة،وترسّخت مقوّماته وجماليّاته في بيئة نقديّة ناشطة .
ومنه ما آتّصل بالأدب الغربيّ وبكلّ حركات التّجديد فيه،وخاصّة ظاهرة السّرد الوجيز وإليه تنتمي القصّة القصيرة جدّا بملامحها النّاشئة التي لم تستقرَّ بعد. فسمح ذلك بأن تكون مجالا رحبا للتّجريبوالآنفتاح على زوايا آجتهاد مختلفة ..
وهذه العوامل مجتمعة تجلّت في هذه المجموعة القصصيّةً الخصبة فنّيا ومضمونيّا ، فكانت صدى لهواجس علي بنساعود في الكتابة متجاوزا الجملة السّرديّة العاديّة إلى التّقطيع البصريّ، وهو ما يعكس تقاطعا عميقا بين مختلف الأجناس الأدبيّ، وأيضا صدى لهواجس الإنسان تجاه التحوّلات القيميّة والشّواغل الإنسانيّة المتحرّرة،إلى حدّ كبير، من كلّ أشكال الخصوصيّة الضيّقة مستوعبة الإنسان المطلق .
بسمة رجب - تونس
ظاهرة لأنّ التّجريب في إطارها مثير للآهتمام وأيضا للجدل ..
والآهتمام تفرضه فرادتها وجدّتها واستعصاؤها على التّقعيد النّهائيّ بعد..
أمّا الجدل حولها فسليل التنوّع الكبير في طريقة كتابتها حتّى في تجربة المبدع نفسه من نصّ إلى آخر ،ومن مجموعة قصصيّة إلى أخرى..
حتّى أنّ آقتحام مدارها ضرب من المغامرة أنْ يقعَ الحيادُ عنهاوالآنزلاق إلى ما يشبهها حجما أو شاعريّة أو …مثل الخاطرة أو قصيدة النّثر …
ولهذه الهواجس وغيرها ، صدى في المجموعة القصصيّة "ظلال ذابلة" للكاتب المغربي علي بنساعود .
هي نصوص يناهز عددها عشراومائة ، فيها ملاحقة مرهقة لِشُرودِ القصّة القصيرة جدّا لونا أدبيّا صاعدا سواء في بنائها الفنّي وهندستها الأسلوبيّة، أو في مدلولاتها ومضامينها وما قاربته من قضايا إنسانيّة ومعيشيّة..
فهي أشبه بتشكيلة من القصص تتيسّر قراءتها بتفريع زوايا النّظر إليها على ضوء جملة من الخصائص النقديّة التي تتدرّج نحو الآستقراروالإجماع نازعة إلى ضبط حدود هذا الجنس الأدبيّ فلا يُرْتَبَكُ في تصنيفه في خضمّ الأجناس الأدبيّة الأخرى ..
ودون التورّط في التّفاصيل ، يمكن القول إنّ القصّة القصيرة جدّا تقوم أساسا على وحدة اللّحظة السّرديّة ،أي وحدة الزّمان والمكان والتّركيز على البعد الوظيفيّ في آستدعاء شخصيّة أو أكثر -وليس مستحبّا تنويع الشّخوص- وأيضا تركيز البنية الحدثيّةً.. وتنصهر مقوّمات القصّ في بوتقة التّكثيف الشديد والتّرميز التي تُطَوّعُ لها بنية أسلوبيّة مميّزة هي السّرد الوجيز المُركّز الذي يطوي التفاصيل طيّا وصولا بالقارئ إلى نهاية يستحسن أن تكون صادمة لأفق آنتظاره ومدى توقّعاته..
وقد يحضر الوصف أو الحوار شرط أن يكون أحدهما أو كلاهما في خدمة السّرد ..
ويُراهنُ في كلّ هذا النّسج الفنّي على قوّة الكلمة ونفوذها وسلطتها الدّلاليّة بما تبطنه من عميق الدّلالات وبعيد الإيحاءات وكثير الإزعاجات لفكر المتلقّي وخلخلة مسلّماته /بديهيّاته الثّابتة…
أمّا مضامينها والقضايا التي تعبّر عنها فجوهرها صراعات الإنسان في كلّ أبعاده وأحواله و..ضدّ نفسه وضدّ العالم من حوله ..إذ أنّ قوّة التّنافر /الصّدام /الصّراع داخل القصّة هي سرّ بنائها الحدثيّ المتنامي بنسق سريع جدّا من الهدوء إلى اللاّهدوء/ الاضطراب/ الاختلال ..إلى الخاتمة المدهشة غير المنتظرة …/ المباغتة/ الصّادمة….
فهل نجح علي بنساعود في السّيطرة على هذه الخصائص والإبداع في إطارها بنية ودلالة؟
وإنّ انتخاب جملة من النّصوص من هذه المجموعة لا ينفي قيمة النّصوص الأخرى إِنْ هي إلاّ محاولة لآستجلاء ما يميّز هذه التّجربة عن غيرها حتّى في إطار كتابات علي بنساعود نفسه :
——————————-
نصيب
رمت الخاتم في وجه خطيبها.
وضعت رسالة على الطّاولة.
صفقت الباب خلفها.
وقع بورتريه قديم لوالدها على الأرض.
فتحت الأمّ الرّسالة:
"ماما.
تسعدني سعادتك…"
(ص19)
—————————
اشتعال
يتمدّد الصّقيع.
أفتح علبة الكبريت.
أوقد الفراش.
…
أرتمي حتّى مطلع الرّماد…
(ص14)
——————————
فخّ
أدمنها.
كلّ ليلة،
تنبعث من بين سطوره…
تسكن آلامه،
قبل أن يستفيق،
تنبعث من حيث أتت.
(ص39)
——————————-
في هذه النّصوص توظيف لصيغة الماضيوآزحدام الأحداث مؤكّدة آنقضاءها وتحقّقها في تلاحقها نحو الخاتمة المباغتة/"نصيب"
. ولم يمنع ذلك حضور صيغة المضارع المرفوع بمافيها من تواصل وآستمراريّة../"اشتعال-فخّ)
وجمع بينها تجاوز عن التّفاصيل في تأثيث الفضاء السّردي وعالم الشّخصيّة أو الشّخصيّات .. سواء كان السّارد راويا عليما أو راويّا شخصيّة..والتّركيز كلّه سُلِّط على الحدث..ذلك أنّ الشخصيّات لا تمثّل نفسها بقد ما تمثّل أفكارًا ومواقف من الحياة… وكذلك الأزمنة والأمكنة الباهتة،فهي مجرّد أطر لإحتواء الشًخصيّة /الشخصيّات القائمة بالفعل ..
"ماء
اشتبكتا تنشران غسيلهما.
تباهت الأولى بنصاعة بياض ثوبها.
قهقهت الثّانيّة :
كيف، وأنت غسلته من صنابير واطئة؟
بكت الأولى وقالت:
أمّي،تعيرينني بأصلي!؟
(ص16)
وللحوار في هذه القصّة ديناميكيّته وما تضفيه من حيويّة على المشهد كلّه .
والوصف حاضر في ثنايا الخطاب على آحتشامه..
وهذه النّصوص تنوّعت معاجمها، ورهانات المفردة فيها بلغة عربيّة فصحى لها قواعدها الثّابتة المتداولة ممّا يسهّل عمليّة التّفاعل مع القصّة عربيًا وحتّى عمليّة التّرجمة تكون أيسر وأكثر ضمانات للأمانة.
لكنّ كسر القيد اللّغوي هو من مجازفات الكتابة إذا آمتلأ الكاتب بسحر لهجته المحليّة الضيّقة ورام إطلاقها رسول تقارب هي الأخرى رغم صعوبة قراءتها وفهمها :
———————-
لعبة
دخل البراكة يجري:
ماما ماما …شوفي اللّعبة لي جابلي بابا.
شكون باباك؟
العسكري.
دخلو وسر تلعب،ويلا سول شي واحد،أنا ماكايناش…
————————
فهذه المجموعة من النّصوص قامت على تنويع لافت وجرأة واضحة على التّجريب رغبة في تأسيس مجال أرحب للإبداع في فضاء هذا اللّون السّرديّ الوجيز ، مثيرة جملة من الشّواغل الإنسانيّة العميقة المتجاوزة لكلّ الحدود مثل الخيانة من الثّقات وما تسبّبه من نزيف شعوريّ مأساويّ،أو الوحدة والجنوح إلى صحبة الأوهام …أو ….
وهذا الثّراء الدّلالي ّ المنفتح على عوالم الإنسان القصيّة في كلّ زمان ومكان هو من مزايا التّكثيف والتّرميز في القصّة القصيرة جدّا التي تهدف أساسا إلى النّفاذ إلى العبرة / القيمة المطلقة وآستخلاصها .
ومن النّصوص ما تحوّل إلى مشهد على الورقة البيضاء..فآستغلّ الكاتب قدرة العلامة البصريّة على إذكاء المعنى وإبلاغه للمتلقّي في عمليّة تفاعل سريعة جدّا من وقع الأثر عليه بمجرّد المشاهدة ..
والأكيد أنّ هذا التّوزيع البصريّ يحتاج إلى إلقاء مخصوص يستوعب آحتدام المشهد القصصيّ :
—————————-
فاكهة
اشتهاها.
وهو يرتقي إليها،
اهتزّ ف
ر
ع
الشّجرة…
التقطها عابر سبيل …
——————————-
معركة
أشدّ يدها.
تتنفّس بعمق.تتألّم.
تصرخ.
يصرخ
تأخذه القابلة. تضعه على صدرها العاري.
تنشغل به. يتشمّم حلمتها.
ترتخي يدها.
أنسحب دامعا.
———————————-
مواجهة
مرهقا عاد، بلاشهيّة أكل أو شرب.
ولج غرفته.
اتّجه صوب السّرير.
بدا له مكشّرا عن أنيابها.
تراجع.
أقبل.
أدبر…
خرج
عبر
الكوّة.
(ص29)
—————————-
تتحوّل كتابة القصّة القصيرة جدّا عند علي بنساعود إلى لوحة أو قصيدة حرّة أو مسرحيّة أو لحن بصريّ جميل ..لا شيء يحول دون مراوغته لها وبحثه سبل استيضاح ما تخفيه من أسرارها .. وهو في رحلة الكتابة يعبر فوق مخزون أدبيّ أصيل ، تتداخل فيه مرجعيّات مختلفة ، وتمتدّ جذوره إلى روافد متنوّعة . فمنه ما آتّصل بالأدب العربيّ . إذ حظي السّرد فيه بمكانة رائدة،وترسّخت مقوّماته وجماليّاته في بيئة نقديّة ناشطة .
ومنه ما آتّصل بالأدب الغربيّ وبكلّ حركات التّجديد فيه،وخاصّة ظاهرة السّرد الوجيز وإليه تنتمي القصّة القصيرة جدّا بملامحها النّاشئة التي لم تستقرَّ بعد. فسمح ذلك بأن تكون مجالا رحبا للتّجريبوالآنفتاح على زوايا آجتهاد مختلفة ..
وهذه العوامل مجتمعة تجلّت في هذه المجموعة القصصيّةً الخصبة فنّيا ومضمونيّا ، فكانت صدى لهواجس علي بنساعود في الكتابة متجاوزا الجملة السّرديّة العاديّة إلى التّقطيع البصريّ، وهو ما يعكس تقاطعا عميقا بين مختلف الأجناس الأدبيّ، وأيضا صدى لهواجس الإنسان تجاه التحوّلات القيميّة والشّواغل الإنسانيّة المتحرّرة،إلى حدّ كبير، من كلّ أشكال الخصوصيّة الضيّقة مستوعبة الإنسان المطلق .
بسمة رجب - تونس