د. أحمد الحطاب - الإفلات من العقاب

الإفلاتُ من العقاب آفةٌ من الآفات التي تعاني منها البلاد منذ عقود. كما هو الشأن للفقر والأمية، الإفلات من العقاب يُعرقل التنميةَ الاقتصادية والاجتماعية. الفقر والأمية يفرضان على شريحة عريضة من المواطنين، تُعدُّ بالملايين، العيشَ في ظروف بعيدة كل البُعد عن الكرامة الإنسانية. كما يفرضان على هذه الشريحة ممارسةَ أعمالٍ، إن وُجِدت، عَرَضية، غير قارة وغير مضمونة وفي ظروف قاسية يُستغلُّ فيها الناس استغلالا وحشيا لا يحترم أدنى شروط الكرامة البشرية.

والفقر والأمية يفرضان كذلك على هذه الشريحة من المواطنين التَّواجد خارج الدورة الاقتصادية النظامية. وهذه بالطبع خسارة فادحة للبلاد تتمثل في عدم الاستفادة من طاقات بشرية هائلة كان من الممكن أن تُساهمَ في تحريك عجلة التنمية بجميع تجلِّياتها.

وإذا أُضِيفَ لهاتين الآفتين آفةُ الإفلات من العقاب، فعرقلة التنمية تزداد حِدًّةٍ وخطورةً. وهذا يعني أن عرقلةَ التنمية لها انعكاسات سلبية على اقتصاد البلاد وعلى تقدُّمها وتحضُّرها علماً أن الإفلاتَ من العقاب يقترن دائما بالفساد. وإذا اقترن الإفلات من العقاب بالسياسة، فتلك هي الطامة الكبرى.

أما طامة الطامات، فتحلُّ بالبلاد عندما يُفلِت من العقاب كبار موظفي الدولة وأرباب الأعمال وسياسيون. فتراهم لا يكثرتون لا بالقانون ولا بالأخلاق ولا بالقيم. يعيشون في دولة خاصة بهم داخل الدولة. قاسمُهم المشترك الاستعلاء على باقي البشر بكبرياء وعجرفة وغطرسة. يعِثون في البلاد فسادا بدون حسيب ولا رقيب، يتهرَّبون من الضرائب ويستغلون البشرَ استغلالا وحشيا وينجحون بكل سهولة في الانتخابات ويُزوِّرون ولا تهمهم إلا مصالحُهم الخاصة شعارُهم في ذلك : و من بعدي الطوفان.

وإذا اقترن إفلاتُهم من العقاب بالسلطة، ذلك هو الفوز العظيم بالنسبة لهم. حينها لا حدودَ لانتهازيتهم ولجَشعهم. يأتون على الأخضر واليابس مستعملين سلاحَ المال لشراء كل شيء : البشر، الضمائر، الكرامة، المواطنة، الاستقامة…

فإذا كان الفقر والأمية ناتجين عن فشل السياسات العمومية في تحقيق كرامة الإنسان، فالإفلات من العقاب ناتج عن عدم تطبيق القانون تطبيقا صارما بغض النظر عن أوضاع الناس الاجتماعية والاقتصادية. والإفلات من العقاب ناتج كذلك عن فشل المنظومة التربوية والمجتمع في بناء الإنسان الصالح، المستقيم والمُشبَّع بالأخلاق والقيم السامية والمواطنة وحب الوطن. ما هو الحلُّ؟

الحل في يد الدولة وفي يد الأحزاب السياسية من خلال التصدِّي للفساد والقضاء عليه من جذوره وتطبيق مبدأ "ربط المسئولية بالمحاسبة".

الدولة لها قوانينُها ولها دستورُها. فمن واجبها السهر على حماية هذه القوانين وهذا الدستور من الانتهازيين ومن المفسدين.

أما الأحزاب السياسية، فعلى عاتقها مسئولية تدبير الشأن العام. وتدبير الشأن العام لا بد أن يخضع للمحاسبة وللمراقبة لأن هذا التَّدببر تكليفٌ وليس تشريفا. ولهذا، فالدولةُ والأحزاب السياسية توجدان في خندق واحد يحَتِّم عليهما تطبيقَ القانون ولا شيءَ آخر غير تطبيق القانون.

الأحزاب السياسية، سواءً تلك التي تشكِّل الأغلبيةَ الحكوميةَ أو المعارضة أو الأحزاب السياسية، بصفة عامة، على دراية ونصف من ما جاء في هذه المقالة. مسئوليتُها، في هذا الصدد، واضحة وضوح الشمس. فهل من مستجيب؟

تعليقات

لا توجد تعليقات.
أعلى