بيّنتُ في مقالٍ سابق عن تاريخ النقد الأدبيّ أهمّ المراحل التي قطعها هذا النقد في مسيرته الطويلة عبر التاريخ ، بدءاً مِن تأثّر الناقد وما يترتّب عليه مِن أحكام جزئيّة ينقصها التعليل، وصولاً إلى النقد المنهجي المستند إلى النظريات الأدبية والنقدية على اختلافها.
هذا..وقد وعدتُ حينها بتخصيص مقال آخر لتفصيل القول في النقد الأدبيّ المعاصر ، إلّا أنّ الأمر يتطلّب أنْ نلمّ قبل ذلك بأهمّ مناهج النقد الحديث التي سبقت ظهور التيارات النقدية المعاصرة المتّصلة اتّصالاً وثيقاً بالسيميائيات واللسانيات البنيويّة على وجه الخصوص.
أمّا عن أهمّ مناهج النقد الحديث فيمكن إجمالها على النحو التالي:
١- المنهج السوسيولوجي
وهو منهج قائم على الإسقاط الاجتماعي؛ حيث يعمد الناقد، وفقاً لهذا المنهج، إلى قراءة الأثر الأدبيّ باتجاه المجتمع ، وذلك بُغيةَ بيان العوامل الاجتماعية التي تقف وراء إنتاج هذا الأثر، بحثاً عن الدلالات الواقعية للعمل الأدبيّ.
ولعلّ أهمّ ما يُؤخَذ على هذا المنهج أمران اثنان ، أوّلهما: إفراطه الواضح في العناية بمضمون العمل الأدبي على حساب الشكل الفنّي لهذا العمل.
أمّا ثانيهما فيتمثّل في تركيزه على دور" الوعيّ الجمعيّ" في إنتاج الأثر، ومِن ثَمّ إجحافه البيِّن بدور مبدع العمل الأدبي.ولعلّ " النقد الماركسيّ" هو خير مَن يمثّل هذا التّيار .
وتجدر الإشارة هنا إلى الجهود والمحاولات التي قام بها أنصار هذا المنهج لتلافي أوجُه الخلَل والقصور التي أُخِذَتْ عليه، وذلك في محاولة لإنعاشه وبعثه من جديد. ولعلّ أهمّ هذه المحاولات تلك التي قام بها الفيلسوف والناقد( لوسيان غولدمان) عندما طرح ما سمّاه
" المنهج البنيويّ- التكوينيّ" القائم على افتراض نوع من العلاقة التناظريّة بين بنية المجتمع، بوصفه
"بنية اجتماعية- أيديولوجيّة" من جهة، وبين بنية الأثر الأدبيّ باعتباره
" بنية دالّة" ، من جهة أخرى.
وعلى الرّغم من أصالة هذه المحاولة النقدية وجدّيتها، فإنّها ظلّت تشكو من إغفال خصوصيّة العمل الأدبي؛ وذلك من خلال إيمانها بإمكان اختزاله إلى عناصره الذهنية المجرّدة، ناهيك عن غموض مفهوم
"البنية الدّالّة" المعتَمَد لديها؛ إذ إنّه لا يستند إلى أيّ نظريّة دلاليّة واضحة.
٢- المنهج السيكولوجي
وهو كسابقه يقوم على الإسقاط، إلّا أنّ الناقد هنا يوجّه قراءته نحو مبدِع الأثر الأدبيّ بدلاً من المجتمع.
ويمكن القول إنّ التحليل النفسي للظاهرة الأدبيّة يتناول قضيّتين أساسيّتين، هما:
أ- تحديد طبيعة العمل الأدبيّ.
ب- بيان وظيفة هذا العمل.
وفيما يتعلّق بالقضية الأولى فإنّ التحليل النفسي للأدب يعقد نوعاً من المقارنة بين كلّ من الأثر الأدبيّ، من جانب، والحلم أو الأسطورة أو اللعِب، من جانبٍ آخَر؛ فالنص الأدبي يشبه الحُلم نظراً لعلاقته باللاشعور، فضلاً عن اشتماله على معنيين: سطحيّ أو ظاهر، وعميق أو مستتر.
وهو يشبه الأسطورة بوصفه " نظاماً سيميولوجياً ثانوياً" منطوياً على معنيَين: حرفيٍّ ومجازيّ.
أمّا شبه النص الأدبي باللعِب فيتّضح من خلال تصويره لديناميكية الصراع بين الواقع والخيال.
فيما يتّصل بوظيفة العمل الأدبي فإنّ هذا المنهج يرى أنّ هذه الوظيفة تتجلّى في تمثيل الدوافع والرَغَبات والصراعات التي ولّدتْ هذا العمل؛ أي أنّ الممارسة النقدية تسعى هنا إلى الكشف عن النّص الأوّليّ الذي أملى على الكاتب نصّه المنجَز المكتوب.
٣- المنهج الفنيّ
ونقصد به هنا مجمَل التيارات النقدية التي تُعنى بالجوانب الفنّية والجمالية للعمل الأدبي قبل بروز الاتّجاهات النقدية الفنّية الحديثة ذات الأسس اللسانيّة البنيويّة.
ومن الملاحظ أنّ الدراسات النقدية المعتمدة على هذا المنهج تتأرجّح بين المقاربة البلاغية التقليدية للأثر الأدبي وبين المقاربة الجمالية لهذا الأثر، مرتكزةً في ذلك على بعض معطيات ونظريات علم الجمال، من محاكاة أو انعكاس أو غير ذلك.
تلك إذاً أهمّ المناهج المؤطّرة لمجمَل النشاط النقدي قبل نشوء وازدهار التيارات النقدية المتأثّرة بالسيميائيات واللسانيات البنيوية على وجه الخصوص ، وهو ما سأعود لبيان القول فيه إذا أسعف الحال بما يسمح به المقام.
لكلّ ما ورد في هذا المقال يُنظَر:
- د.زياد العوف، الأثر الأيديولوجي في النص الروائي، مؤسسة النوري، دمشق، ١٩٩٣م .
#دكتور_زياد_العوف
هذا..وقد وعدتُ حينها بتخصيص مقال آخر لتفصيل القول في النقد الأدبيّ المعاصر ، إلّا أنّ الأمر يتطلّب أنْ نلمّ قبل ذلك بأهمّ مناهج النقد الحديث التي سبقت ظهور التيارات النقدية المعاصرة المتّصلة اتّصالاً وثيقاً بالسيميائيات واللسانيات البنيويّة على وجه الخصوص.
أمّا عن أهمّ مناهج النقد الحديث فيمكن إجمالها على النحو التالي:
١- المنهج السوسيولوجي
وهو منهج قائم على الإسقاط الاجتماعي؛ حيث يعمد الناقد، وفقاً لهذا المنهج، إلى قراءة الأثر الأدبيّ باتجاه المجتمع ، وذلك بُغيةَ بيان العوامل الاجتماعية التي تقف وراء إنتاج هذا الأثر، بحثاً عن الدلالات الواقعية للعمل الأدبيّ.
ولعلّ أهمّ ما يُؤخَذ على هذا المنهج أمران اثنان ، أوّلهما: إفراطه الواضح في العناية بمضمون العمل الأدبي على حساب الشكل الفنّي لهذا العمل.
أمّا ثانيهما فيتمثّل في تركيزه على دور" الوعيّ الجمعيّ" في إنتاج الأثر، ومِن ثَمّ إجحافه البيِّن بدور مبدع العمل الأدبي.ولعلّ " النقد الماركسيّ" هو خير مَن يمثّل هذا التّيار .
وتجدر الإشارة هنا إلى الجهود والمحاولات التي قام بها أنصار هذا المنهج لتلافي أوجُه الخلَل والقصور التي أُخِذَتْ عليه، وذلك في محاولة لإنعاشه وبعثه من جديد. ولعلّ أهمّ هذه المحاولات تلك التي قام بها الفيلسوف والناقد( لوسيان غولدمان) عندما طرح ما سمّاه
" المنهج البنيويّ- التكوينيّ" القائم على افتراض نوع من العلاقة التناظريّة بين بنية المجتمع، بوصفه
"بنية اجتماعية- أيديولوجيّة" من جهة، وبين بنية الأثر الأدبيّ باعتباره
" بنية دالّة" ، من جهة أخرى.
وعلى الرّغم من أصالة هذه المحاولة النقدية وجدّيتها، فإنّها ظلّت تشكو من إغفال خصوصيّة العمل الأدبي؛ وذلك من خلال إيمانها بإمكان اختزاله إلى عناصره الذهنية المجرّدة، ناهيك عن غموض مفهوم
"البنية الدّالّة" المعتَمَد لديها؛ إذ إنّه لا يستند إلى أيّ نظريّة دلاليّة واضحة.
٢- المنهج السيكولوجي
وهو كسابقه يقوم على الإسقاط، إلّا أنّ الناقد هنا يوجّه قراءته نحو مبدِع الأثر الأدبيّ بدلاً من المجتمع.
ويمكن القول إنّ التحليل النفسي للظاهرة الأدبيّة يتناول قضيّتين أساسيّتين، هما:
أ- تحديد طبيعة العمل الأدبيّ.
ب- بيان وظيفة هذا العمل.
وفيما يتعلّق بالقضية الأولى فإنّ التحليل النفسي للأدب يعقد نوعاً من المقارنة بين كلّ من الأثر الأدبيّ، من جانب، والحلم أو الأسطورة أو اللعِب، من جانبٍ آخَر؛ فالنص الأدبي يشبه الحُلم نظراً لعلاقته باللاشعور، فضلاً عن اشتماله على معنيين: سطحيّ أو ظاهر، وعميق أو مستتر.
وهو يشبه الأسطورة بوصفه " نظاماً سيميولوجياً ثانوياً" منطوياً على معنيَين: حرفيٍّ ومجازيّ.
أمّا شبه النص الأدبي باللعِب فيتّضح من خلال تصويره لديناميكية الصراع بين الواقع والخيال.
فيما يتّصل بوظيفة العمل الأدبي فإنّ هذا المنهج يرى أنّ هذه الوظيفة تتجلّى في تمثيل الدوافع والرَغَبات والصراعات التي ولّدتْ هذا العمل؛ أي أنّ الممارسة النقدية تسعى هنا إلى الكشف عن النّص الأوّليّ الذي أملى على الكاتب نصّه المنجَز المكتوب.
٣- المنهج الفنيّ
ونقصد به هنا مجمَل التيارات النقدية التي تُعنى بالجوانب الفنّية والجمالية للعمل الأدبي قبل بروز الاتّجاهات النقدية الفنّية الحديثة ذات الأسس اللسانيّة البنيويّة.
ومن الملاحظ أنّ الدراسات النقدية المعتمدة على هذا المنهج تتأرجّح بين المقاربة البلاغية التقليدية للأثر الأدبي وبين المقاربة الجمالية لهذا الأثر، مرتكزةً في ذلك على بعض معطيات ونظريات علم الجمال، من محاكاة أو انعكاس أو غير ذلك.
تلك إذاً أهمّ المناهج المؤطّرة لمجمَل النشاط النقدي قبل نشوء وازدهار التيارات النقدية المتأثّرة بالسيميائيات واللسانيات البنيوية على وجه الخصوص ، وهو ما سأعود لبيان القول فيه إذا أسعف الحال بما يسمح به المقام.
لكلّ ما ورد في هذا المقال يُنظَر:
- د.زياد العوف، الأثر الأيديولوجي في النص الروائي، مؤسسة النوري، دمشق، ١٩٩٣م .
#دكتور_زياد_العوف