خلف النوافذ

ولدت فولدت أسئلتي معي.. تماماً كإسمي وموطني وأحلامي، وعشت في فقاعةٍ متُ بإنفجارها ولم يبقى مني سوى صمتي وكلماتي، بحثت عن نافذتي حتى تعبت.. وغفوت بجوارها موقناً أن عمري سينقضي خلفها في سكوت..

ممنوع الوقوف، ممنوع التدخين، ممنوع الدخول، ممنوع اللعب، لا يسمح بدخول....و....و.....و...، ضحكت لأنهم لم يذكروا إسمي، لكنني عرفت باكراً أن الواقع لا يشبه الحكايات، وبرغم المشاعر التي تتنازعني بين موتٍ وحياة، قررت أن أنام على فراشٍ من حروف يتسع لمن خذلتهم الأفكار واللغة في عالمٍ لا يحب الأطفال، يتاجر بالحب دون أن يرف له جفن، يتناوب على اغتصاب البراءة بثقةٍ وأناقة، ثم يرمي فتاته للجوعى وللمرضى، يتركهم في انتظار ربيعٍ لا يعدهم بزهرةٍ أو حبيب، لا يحتضنهم ولا يربت على كتفهم ولا ينظر إليهم وهو يهم بالرحيل، وبعد انقضاءه ينتظرون ربيعاً آخر تحت سماءٍ أخرى.. يحلمون فيه بشيءٍ من الدفىء وبعضٍ من الحنان الذي لا يعري حاجتهم و لا يسلبهم ما تبقى من انسانيتهم.. يشبه الأحلام التي تراودنا دون أن نخبر بها أحداً ونسترق النظر إليها بخجلٍ من خلف النوافذ..

ننتظر الليل حتى نختبأ فيه من أنفسنا، من وجعنا، وحتى ممن تركونا ونعرف أنهم لن يعودوا، فننتقم منهم ونوصد الأبواب بأقفالٍ لا عدد لها، نعلق وجوهنا وقلوبنا خلفها، نضع أصواتنا جانباً كمصابٍ يخلع ساقه التي تعب منها بعد نهارٍ طويل، نستذكر غربتنا عن من رحلوا مع أنهم يشاركوننا المكان، نسمعهم، نراهم، نشم عطرهم، نحاورهم أحياناً.. لكنهم باتوا جزءًا من الماضي الذي يعيش بيننا بلا روح، فنتمناه ونشتاق له ونتمنى لو أنه لم يبقى.. كي تظل صورته نقيةً كما عرفناها، كالصبية الذين نسترق النظر إليهم وهم يلعبون، كالعشاق الذين ينامون في أحضان بعضهم دون أن يؤرقهم غد، ربما يأتي بلا نافذةٍ يطلون منها أو يبكون بجوارها أو يحلمون سراً من خلفها بأيامٍ لا تسلبهم (أيامهم) ولا تمنعهم من أن يحبوا ذاتهم برغم عيوبها، لا تختار لهم أدوارهم ولا تفزع الطيور التي أحبت برغم حزنها أن تنتمي لعالمنا وتبني عشها على شرفتهم..

خالد جهاد..

تعليقات

لا توجد تعليقات.
أعلى