إن الذين، من مهامِّهم، الدفاعُ عن مصلحة الشعب، يطبِّقون في حياتهم اليومية المقولة التالية :
charité bien ordonnée commence par soi-même
وهو ما يمكن ترجمتُه بما يلي : أفكِّرُ في مصلحتي قبل أن أنشغلَ بمصلحة الآخرين. أو إذا أردنا ترجمةً حرفيةً، سنقول : "إذا كان هناك إحسانٌ جيِّدَ الترتيب، فليبدأْ مني أنا".
المثل الصَّارخ واللافِت للإنتباه والذي يمكن أن أستشهدَ به في عُقر ديارنا يتعلَّق بالبرلمانيين الذين خاضوا معركةً شرسةً للاستفادة من تقاعدٍ لا يستحقونه جملةً وتفصيلاً. برلمانيون الذين، عندما يجلسون على كراسي الغُرفتين، يجب أن لا يغيبَ عن أذهانهم أن وجودَهم في هاتين الأخيرين هدفُه الأول والأخير هو تمثيل الشعب والسهر على حماية مصالحه.
لا، أبدا. فبعد فوزهم في الانتخابات وبمجرَّد ما تطأُ أقدامهم عتبةَ البرلمان، يتخلّصون من واجب التمثيلية ويصبحون، بكيفية مخالفة للأعراف، أُناساً يدافعون عن مجالهم الذي لا تُعتَبَرُ فيه إلا مصالحهم الشخصية والريع وكل امتياز مادي أو معنوي. فماذا يمكن قولُه في هذا الصدد : برلمانيون أم انتهازيون؟ الجواب واضح وضوحَ الشمس.
في عُقر ديارنا، هناك تشابهٌ مُقلِق بين البرلمانيين وأحزابهم السياسية. هذه الأخيرة، سواءً تواجدت في البرلمان أو في الحكومة، لم تعد تمثِّل إلا نفسَها. وهذا هو ما بيَّنته وتبيِّنه التجربة إذ، بمجرد وصول هذه الأحزاب إلى الحكومة أو البرلمان، فإنها تتصرَّف وكأنها شركات خاصة لا يترآى لها في الأفق إلا رقم المعاملات الذي بإمكانها تحقيقَه. في هذا الشأن، الأحزاب السياسية، إداربةً كانت أم وطنية، تدخل في منافسةٍ شرسةٍ : مَن سيحقِّق أحسنَ رقم معاملات؟
فما هو مصير المواطن في هذا الوضع المُريب؟ المواطن الذي كبَّدَ نفسَه عناءَ حضور الحملات الانتخابية وتنقَّل إلى مكاتب التَّصويت ليختارَ مَن ينوب عنه في البرلمان والحكومة؟ بكل بساطة، إنه مواطن غير محظوظ، وبالتالي، مصيرُه الرَّميُ في خانة النسيان. نعم، في خانة النسيان لأن مَن اختارهم لتمثيله لم يستطيعوا الصمودَ أمام أنانيتِهم ويقولون في قرارة لاوَعليهم: "أنا أولا وسأرى ما يمكن فعلُه للآخرين". وليس من باب الصُّدفةِ أن هذا "سأرى" لن يراه أحدٌ!
إلى حدِّ أن هذا المواطنَ غير المحظوظ تعوَّد على ابتلاع كل المآسي الناتِجة عن رفاه السياسيين الذين هم، في الحقيقة، لا يرون في السياسة إلا ما يغنموه منها من ريع وامتيازات.
إذا فسدت السياسةُ، فسد كلُّ شيء. أو إذا فسدت السياسةُ، انقلبت الموازين. وانقلابُ الموازين تسرَّبَ إلى أعماق مشهدنا السياسي ونخره إلى درجة يصعُب معها الرجوعُ إلى الوراء. وبما أن المشهد السياسي هو الذي يؤثِّر على سير مشهد الحياة اليومية للناس، فانقلابُ الموازين يصبح هو المحرك الأساسي لهذه الحياة اليومية.
وفساد المشهد السياسي لا تُمطِره السماء! إنه من فعل البشر! بمعنى أنه مقصودٌ، مفكَّرٌ فيه ومُخطَّطٌ له. وهنا، تكمن خطورةُ انقلاب الموازين في المجتمع (في الحياة اليومية)
حينها، كل الصفات الحميدة التي، من المفروض، أن تكون هي المحرِّك الأساسي للحياة اليومية للبشر، تنقلب إلى أضدادها. وبالتالي، الخُبث يصبح طيبوبةً والظُّلم عدلا والرذيلة خُلُقاً والكذب صدقا والتفاهة رزانة والسفاهة عقلانيةً أو حِكمة…
هذا هو ما جادت علينا به السياسةُ في هذا البلد السعيد. إلى أن أصبحنا ندور في حلقةٍ مفرغة من قبِيل : "انقلاب الموازين يولِّد الفسادَ والفسادُ يولِّد انقلابَ الموازين".
فلا غرابةَ أن يصبحَ للسياسيين شعارٌ واحدٌ لا ثانيَ له : "أولا أنا وسأرى ما يمكن فعلُه للآخرين!". ودفاع البرلمانيين عن معاشٍ لا يستحقونه يدخل في نطاق هذا الشعار ويٌعزِّزه ما سعوا إليه من انقلابٍ في الموازين!
charité bien ordonnée commence par soi-même
وهو ما يمكن ترجمتُه بما يلي : أفكِّرُ في مصلحتي قبل أن أنشغلَ بمصلحة الآخرين. أو إذا أردنا ترجمةً حرفيةً، سنقول : "إذا كان هناك إحسانٌ جيِّدَ الترتيب، فليبدأْ مني أنا".
المثل الصَّارخ واللافِت للإنتباه والذي يمكن أن أستشهدَ به في عُقر ديارنا يتعلَّق بالبرلمانيين الذين خاضوا معركةً شرسةً للاستفادة من تقاعدٍ لا يستحقونه جملةً وتفصيلاً. برلمانيون الذين، عندما يجلسون على كراسي الغُرفتين، يجب أن لا يغيبَ عن أذهانهم أن وجودَهم في هاتين الأخيرين هدفُه الأول والأخير هو تمثيل الشعب والسهر على حماية مصالحه.
لا، أبدا. فبعد فوزهم في الانتخابات وبمجرَّد ما تطأُ أقدامهم عتبةَ البرلمان، يتخلّصون من واجب التمثيلية ويصبحون، بكيفية مخالفة للأعراف، أُناساً يدافعون عن مجالهم الذي لا تُعتَبَرُ فيه إلا مصالحهم الشخصية والريع وكل امتياز مادي أو معنوي. فماذا يمكن قولُه في هذا الصدد : برلمانيون أم انتهازيون؟ الجواب واضح وضوحَ الشمس.
في عُقر ديارنا، هناك تشابهٌ مُقلِق بين البرلمانيين وأحزابهم السياسية. هذه الأخيرة، سواءً تواجدت في البرلمان أو في الحكومة، لم تعد تمثِّل إلا نفسَها. وهذا هو ما بيَّنته وتبيِّنه التجربة إذ، بمجرد وصول هذه الأحزاب إلى الحكومة أو البرلمان، فإنها تتصرَّف وكأنها شركات خاصة لا يترآى لها في الأفق إلا رقم المعاملات الذي بإمكانها تحقيقَه. في هذا الشأن، الأحزاب السياسية، إداربةً كانت أم وطنية، تدخل في منافسةٍ شرسةٍ : مَن سيحقِّق أحسنَ رقم معاملات؟
فما هو مصير المواطن في هذا الوضع المُريب؟ المواطن الذي كبَّدَ نفسَه عناءَ حضور الحملات الانتخابية وتنقَّل إلى مكاتب التَّصويت ليختارَ مَن ينوب عنه في البرلمان والحكومة؟ بكل بساطة، إنه مواطن غير محظوظ، وبالتالي، مصيرُه الرَّميُ في خانة النسيان. نعم، في خانة النسيان لأن مَن اختارهم لتمثيله لم يستطيعوا الصمودَ أمام أنانيتِهم ويقولون في قرارة لاوَعليهم: "أنا أولا وسأرى ما يمكن فعلُه للآخرين". وليس من باب الصُّدفةِ أن هذا "سأرى" لن يراه أحدٌ!
إلى حدِّ أن هذا المواطنَ غير المحظوظ تعوَّد على ابتلاع كل المآسي الناتِجة عن رفاه السياسيين الذين هم، في الحقيقة، لا يرون في السياسة إلا ما يغنموه منها من ريع وامتيازات.
إذا فسدت السياسةُ، فسد كلُّ شيء. أو إذا فسدت السياسةُ، انقلبت الموازين. وانقلابُ الموازين تسرَّبَ إلى أعماق مشهدنا السياسي ونخره إلى درجة يصعُب معها الرجوعُ إلى الوراء. وبما أن المشهد السياسي هو الذي يؤثِّر على سير مشهد الحياة اليومية للناس، فانقلابُ الموازين يصبح هو المحرك الأساسي لهذه الحياة اليومية.
وفساد المشهد السياسي لا تُمطِره السماء! إنه من فعل البشر! بمعنى أنه مقصودٌ، مفكَّرٌ فيه ومُخطَّطٌ له. وهنا، تكمن خطورةُ انقلاب الموازين في المجتمع (في الحياة اليومية)
حينها، كل الصفات الحميدة التي، من المفروض، أن تكون هي المحرِّك الأساسي للحياة اليومية للبشر، تنقلب إلى أضدادها. وبالتالي، الخُبث يصبح طيبوبةً والظُّلم عدلا والرذيلة خُلُقاً والكذب صدقا والتفاهة رزانة والسفاهة عقلانيةً أو حِكمة…
هذا هو ما جادت علينا به السياسةُ في هذا البلد السعيد. إلى أن أصبحنا ندور في حلقةٍ مفرغة من قبِيل : "انقلاب الموازين يولِّد الفسادَ والفسادُ يولِّد انقلابَ الموازين".
فلا غرابةَ أن يصبحَ للسياسيين شعارٌ واحدٌ لا ثانيَ له : "أولا أنا وسأرى ما يمكن فعلُه للآخرين!". ودفاع البرلمانيين عن معاشٍ لا يستحقونه يدخل في نطاق هذا الشعار ويٌعزِّزه ما سعوا إليه من انقلابٍ في الموازين!