أضبط بوصلة الزمن عند سبعينيات القرن الماضي..
أمد يد الشوق والحنين كي أنتشل إحدى الصور من براثين النسيان، وأبعث فيها دفءا أسقيه بغيث القلم..
كلما لاحظ أبي أن شعر رأسي قد نما، يناولني ثمن الحلاقة..
أتسلمه وأنطلق جريا صوب الحلاق..
يطلق عليه أيضا "الحَفّافْ" أو "الحَسّانْ"..
أمر بمحاذاة قيسارية حاسي بلال.. أتوقف عند "صاكة لَعْفو".. ألقي نظرة على الملصقات السينمائية المعلقة على أحد جدرانها..
في صورة أولى يظهر "بْروسْلي" بتقاسيم وجهه المألوفة وذراعيه العاريتين وهو يتابعني بعينيه الحادتين..
في صورة أخرى، تقف بطلة هندية بين الأشجار والأزهار تغطيها السماء الزرقاء..
تأملت الملصقين..
تحسست ما بحوزتي من نقود..
نصف درهم ثمن الحلاقة..
أواصل طريقي وشيء ما يعتمل في دواخلي..
عندما ولجت الدكان، كان عمي سعيد الحلاق يتبادل الحديث مع رجلين آخرين..
ألقيت عليهم السلام..
جلست حيث انتهى بي المجلس..
لكن الحلاق أشار لي بأن أجلس فوق الكرسي، وبما أني كنت صغيرا فقد وضع فوقه لوحة خشبية مكنتني من رؤية نفسي في المرآة..
لم يقطع الثلاثة حديثهم.. يبدو أنهم لا يبتغون الحلاقة..
بدأ عمي سعيد يداعب خصلات شعري بالمِجَزّ تارة وبالمقص والمشط تارة أخرى..
يترك عمله لدقائق ويتدخل بتعليق أو تعقيب على حديث أحدهم..
أبقى متسمرا في مكاني..
أتابع حديثهم وفي نفس الوقت أجول بنظري الصغير في أرجاء هذا الدكان..
صورة أبينا آدم وأمنا حواء وهما في الجنة..
تقابلها صورة عبد القادر الجلاني واقفا وبجانبه أسد رابض على الأرض..
صورة أخرى لعلي بن أبي طالب ممتطيا فرسه وهو يشق رأس الغول نصفين..
يستأنف عمي سعيد حلق شعري..
يتابع الآخرون حديثهم..
(يتبع)
محمد الدويمي
أمد يد الشوق والحنين كي أنتشل إحدى الصور من براثين النسيان، وأبعث فيها دفءا أسقيه بغيث القلم..
كلما لاحظ أبي أن شعر رأسي قد نما، يناولني ثمن الحلاقة..
أتسلمه وأنطلق جريا صوب الحلاق..
يطلق عليه أيضا "الحَفّافْ" أو "الحَسّانْ"..
أمر بمحاذاة قيسارية حاسي بلال.. أتوقف عند "صاكة لَعْفو".. ألقي نظرة على الملصقات السينمائية المعلقة على أحد جدرانها..
في صورة أولى يظهر "بْروسْلي" بتقاسيم وجهه المألوفة وذراعيه العاريتين وهو يتابعني بعينيه الحادتين..
في صورة أخرى، تقف بطلة هندية بين الأشجار والأزهار تغطيها السماء الزرقاء..
تأملت الملصقين..
تحسست ما بحوزتي من نقود..
نصف درهم ثمن الحلاقة..
أواصل طريقي وشيء ما يعتمل في دواخلي..
عندما ولجت الدكان، كان عمي سعيد الحلاق يتبادل الحديث مع رجلين آخرين..
ألقيت عليهم السلام..
جلست حيث انتهى بي المجلس..
لكن الحلاق أشار لي بأن أجلس فوق الكرسي، وبما أني كنت صغيرا فقد وضع فوقه لوحة خشبية مكنتني من رؤية نفسي في المرآة..
لم يقطع الثلاثة حديثهم.. يبدو أنهم لا يبتغون الحلاقة..
بدأ عمي سعيد يداعب خصلات شعري بالمِجَزّ تارة وبالمقص والمشط تارة أخرى..
يترك عمله لدقائق ويتدخل بتعليق أو تعقيب على حديث أحدهم..
أبقى متسمرا في مكاني..
أتابع حديثهم وفي نفس الوقت أجول بنظري الصغير في أرجاء هذا الدكان..
صورة أبينا آدم وأمنا حواء وهما في الجنة..
تقابلها صورة عبد القادر الجلاني واقفا وبجانبه أسد رابض على الأرض..
صورة أخرى لعلي بن أبي طالب ممتطيا فرسه وهو يشق رأس الغول نصفين..
يستأنف عمي سعيد حلق شعري..
يتابع الآخرون حديثهم..
(يتبع)
محمد الدويمي