الجُرأةُ مرادفةٌ للتَّحدِّي والشجاعة. فعندما نتحدَث عن الجُرأة أو عندما نقول إن فلاناً جِرِّيءٌ، فهذا يعني أن الفلانَ يقوم بأشياء أو يقول أشياءً تستوجب منه، للقيام بها أو لقولها، الشجاعةَ والتَّحدِّي. وبعبارة أخرى، الشخصُ الجِرِّيءُ هو ذلك الشخصُ الذي يقوم بأشياء أو يقول أشياء لم يتعوَّد الناسُ على رؤيتِها أو على سماعِها. وهذه الأشياء، غالبا ما تندرج في خانة ما يُسمَّى بالطابوهات.
وباختصار شديد، الجرأة هي كل سلوك أو عمل أو قول يزعزع المعتاد أو يزعزع الرتابة routine التي تعوَّدَ عليها الناسُ في حياتهم اليومية. والشخص الجرِّيء يُزعج الآخرين ومستعد لتجاوز الحدود أو الخطوط الحمراء التي نسجها المجتمع.
في هذه المقالة، الجرأة التي سأتحدَّث عنها ليست الجرأةُ المُخِلَّة للآداب، بل الجرأة التي يكون لصاحبها أهداف إما ثقافية وإما إنسانية وإما اجتماعية أو اقتصادية أودينية أو سياسية… بل، في هذه المقالة، الشخصُ الجريء، بالنسبة لي، هو مَن يحمل رسالةً أو قضيةً يريد إبلاغَها للغير.
أما الجرأة الفكرية، فهي، أولا وقبل كل شيءٍ، جُرأَةٌ كما سبق توضيحُها أعلاه. فعندما نقول إن فلانا يتميَّز بجرأةٍ فكرية، فهذا معناه أن هذا الفلانَ أتى بأفكارٍ جديدة لم يسمع عنها الناسُ من قبل. أفكارٌ قد تزعزِع ما اعتاد الناس على سماعه أو رؤيتِه. أفكارٌ قد تثيرُ ردودَ فعلٍ قوية ورافضة لما سمعته أو رأته.
ولعل أكثرَ الناس جرأةً فكريةً هم، بصفة عامة، الفلاسفة، المفكٍّرون والباحثون. وبالطبع، الجرأة الفكرية لا تنطلق من فراغ. الفلاسفة والمفكِّرون والباحثون ينطلقون دائما من ما يعرفونه عن الظواهر والأشياء التي ستقودهم إلى إنتاج أفكار جديدة.
الفيلسوفُ، بحكم بحثه عن الحقيقة، يأتي بأفكار مزعجة ومخالفة للواقع الذي اعتاد الناسُ العيشَ فيه. وقد تكون هذه الأفكار مزعزِعةً للعقيدة وتُدخِل الناسَ في مرحلة من الريب والشك.
أما المفكِّرُون، فهم كثيرون بحكم تنوُّع اختصاصاتهم. في غالب الأحيان، فإنهم يأتون بنظريات تزعزع ما كان قائما من معارف ويُحدثون بنظرياتهم هذه نقاشات قد تستغرق وقتا طويلا إلى أن ثتبُتَ أو تُدحَضَ هذه النظريات.
أما الباحثون، فهم أكثرُ الأشخاصِ إنتاجا للأفكار الجديدة، سواءً تعلَّق الأمرُ بالعلوم الدقيقة والطبيعية أو بالعلوم الإنسانية أو غيرها من الاختصاصات العلمية. والأفكار التي ينتِحها هؤلاء الباحثون قد تقلب رأسا على عقبٍ ما تعوَّدت عليه الأوساطُ العلمية من منهجيات وسياقات. بل قد تقلب رأسا على عقبٍ المسار المنهجي لبعض التَّخصُّصات. هذا إن لم تقلب رأسا على عقبٍ النظريات التي سار عليها البحثُ والتنقيبُ. والأمثلة في هذا الصدد كثيرة.
من بين هذه الأمثلة، سأركِّز على مثال له علاقة بأبحاث عالم الكيمياء والفيزياء، لويس باستور Louis Pasteur الذي هو أول مَن وضع أسُسَ علم الجراثيم microbiologie.
كان باستور يجد صعوبةً في إقناع نّظرائه العلماء بنتائج أبحاثه. ولعل أشهر قضيةٍ واجه فيها رفْضَ هؤلاء النظراء، هي نظريةُ "الخَلقِ التِّلقائي" génération spontanée التي لها علاقة بالجراثيم. كان نظراء باستور يعتقدون أن الجراثيمَ تنشأ تلقائيا في الأماكن الوسِخة، أي تُخلَقُ من الأوساخ. بينما باستور بيَّن بالدليل أن الجراثيمَ تنشأ من جراثيم كانت موجودة سابقا في الأوساخ. وهو الشيء الذي جعله يرفض رفضا قاطعا أطروحةَ أو نظريةَ "الخَلق التلقائي".
بالنسبة لباستور، الحياة تنشأ من الحياة خلافا لنظرائه الذين كانوا يعتقدون اعتقادا راشخا أن الحياة يمكن أن تنشأَ من عدم الحياة كما هو الشأن للفئران التي تتكاثر في الأزبال. فأين تمثَّلت الجرأة الفكرية لباستور؟
في الحقيقة، الصراع قائمٌ بين فئتين من العلماء البيولوجيين علما أن موضوعَ هذا الصراع هو نقاشٌ يدور حول أصل الحياة. فئةٌ رافضة لما جاء به باستور وعلى رأسها عالِمُ بيولوجيا مرموق Félix Pouchet. وفئةٌ مصطفةٌ مع باستور ومقتنِعةٌ بنتائج أبحاثه. وما جعل الفئةَ الأولى ترفض نظريةَ باستور هو أنها كانت متأثِّرةً بأفكارٍ دينية معتقِدةً أن الحياةَ، إذا توفَّرت لها الظروف الملائمة، يمكن أن تنشأَ من لا شيء، أي من عدم.
غير أن باستور، متسلَّحا بجرأته الفكرية ومستندا إلى أدِلَّةٍ قطعية، استطاع أن يُزَعزعَ ما تعوَّد عليه نظرائه و واجهَهم واستمر في مساره العلمي. وقد بيَّن الباحثون بعدَه أنه على حق. والدليل على أنه على صواب، هو استمرارُه في القيام بالأبحاث في مجال الجراثيم إذ من نتائج هذه الأبحاث أنه توصَّل إلى إيجادِ لِقاحٍ ضد مرض السُّعار la rage.
أما الجرأةُ السياسية، فيمكن تلخيصُها في قول الحق من طرف السياسيين. وهذا يعني أن السياسيَ الذي مِن مواصفاته الجرأة السياسية، له خصالُ من قبيل النزاهة والاستقامة والصدق…
السؤال الذي يفرض نقسَه هنا هو : "هل فعلا، مشهدُنا السياسي يتوفَّر على هذا النوع من السياسيين الجِرِّئين"؟
قبل الإجابة عن هذا السؤال، هذه بعضُ المُعطيات التي من شأنِها أن تُسهِّلَ هذه الإجابة علما أنني سأطرحها على شكل أسئلة.
1.هل رأينا، في يوم من الأيام، سياسيا أو حزبا سياسيا يعترف بأخطائه ويعتذر عنها أمام الملإ؟
2.هل رأينا، في يوم من الأيام، سياسيا أو حزبا سياسيا وفى بالعهود التي التزم بها أثناء الانتخابات؟
3.هل رأينا سياسيا استقال من منصبه بعد وقوعِه في ورطةٍ واضحة المعالم، سياسيةٍ أو اجتماعيةٍ أو اقتصادية أو أخلاقية…
4.هل لاحظنا عددَ السياسيين الذين يمارسون التِّرحالَ من جزبٍ إلى آخر بحثا عن إرضاءِ رغباتهم الدنيئة؟
5.هل رأينا سياسيا، برلمانيا أو جَماعِيا، بقي على اتصالٍ دائمٍ مع الناخبين ويستفسِر عن أحوالهم؟
6.هل رأينا سياسيا أو حزبا سياسيا جعل في حملتِه الانتخابية، محاربةَ الأمِّية والفساد أولويةَ الأولويات؟
7.هل رأينا سياسيا أو حزبا سياسيا اقترح برنامجاً أو استراتيجيةً يبيِّن فيها كيفيةَ توزيع ثروة البلاد على المواطنين بإنصافٍ؟
8.هل رأينا حزبا سياسيا تقدَّم ب"مشروع مجتمع" يسعى، من خلاله، إلى توفير الكرامة لجميع ألمواطنين؟
9.هل رأينا سياسيا برلمانيا يطرح الأسئلة المقلِقة حول مثلا إعطاء الرُّخص لاستغلال ثروةَ البحر أو رمالَ المقالع أو لاستغلال المأذونيات (لgريمات)؟
10.هل رأينا حزبا سياسيا لم يغيِّر خطَّه السياسي عندما ينتقل من المعارضة إلى الأغلبية؟
11.هل يوجد اليوم حزبٌ سياسيٌ يحظى باحترامٍ وتقديرٍ لدى المواطنين؟
12. هل رأينا حزبا سياسيا بقي، منذ تأسيسه، وفيا لمبادئه وايديولوجيته؟
13.هل رأينا حزبا سياسيا يعمل بالديمقراطية الداخلية قبل أن يوصي بها لعامة الشعب؟
واللائحة طويلة…
الجواب على هذه الأسئلة يقتضي الصراحةَ وقول الحق. الجواب هو لا، ثم لا. ولا شيءَ غير لا! فما معنى هذا الجواب بالنفي؟ معناه، بكل بساطة، أن مشهدَنا السياسي مليءٌ بالنِّفاق! بل ويُسيِّره النفاق! وهنا، تسهل الإجابةُ على السؤال المطروح أعلاه الذي هو : "هل فعلا، مشهدُنا السياسي يتوفَّر على هذا النوع من السياسيين الجِرِّئين"؟
بالطبع، الجوابُ هو لا، ثم لا، ولا شيءَ غير لا، لأنه، من المستحيل، أن يتساكنَ النِّفاق مع الجرأة بمعناها النبيل. وبعبارة أخرى، الجرأة لا تخدم مصالحَ السياسيين الشخصية بينما النفاقُ يخدم هذه المصالح. ولهذا، لم نَرَ سياسيا زعزع، يوما ما، المعتادَ أو الرتابة السياسية التي تجثم على صدر المواطنين. ما سمعه وقرأه هؤلاء المواطنون، طيلةَ خمس سنوات، من خطاب سياسي فارغٍ من المحتوى، هو نفسُه يتكرّر في الخمس سنوات الموالية علما أن الأحزابَ السياسية، المتعاقبة على تدبير الشأن العام، تتغيَّر. لكن نفاقها يبقى تابثا بغض النظر عن توجُّهاتِها الإيديولوجية التي لم تعد إلا حبرا على ورق.
الجرأة السياسية كان يتحلَّى بها السياسيون العِظام الأوائل الذين كانوا يُؤثثون المشهد السياسي والأحزاب السياسيةَ مباشرةً بعد استقلال البلاد من طينة عبد الرحمان اليوسفي وعلال الفاسي ومحمد الفاسي وعبد الرحيم بوعبيد ومحمد العابد الجابري ومحمد كسوس… رحمة الله عليهم وآخرين كثيرين. ماتوا وماتت معهم الجرأة السياسية!
وباختصار شديد، الجرأة هي كل سلوك أو عمل أو قول يزعزع المعتاد أو يزعزع الرتابة routine التي تعوَّدَ عليها الناسُ في حياتهم اليومية. والشخص الجرِّيء يُزعج الآخرين ومستعد لتجاوز الحدود أو الخطوط الحمراء التي نسجها المجتمع.
في هذه المقالة، الجرأة التي سأتحدَّث عنها ليست الجرأةُ المُخِلَّة للآداب، بل الجرأة التي يكون لصاحبها أهداف إما ثقافية وإما إنسانية وإما اجتماعية أو اقتصادية أودينية أو سياسية… بل، في هذه المقالة، الشخصُ الجريء، بالنسبة لي، هو مَن يحمل رسالةً أو قضيةً يريد إبلاغَها للغير.
أما الجرأة الفكرية، فهي، أولا وقبل كل شيءٍ، جُرأَةٌ كما سبق توضيحُها أعلاه. فعندما نقول إن فلانا يتميَّز بجرأةٍ فكرية، فهذا معناه أن هذا الفلانَ أتى بأفكارٍ جديدة لم يسمع عنها الناسُ من قبل. أفكارٌ قد تزعزِع ما اعتاد الناس على سماعه أو رؤيتِه. أفكارٌ قد تثيرُ ردودَ فعلٍ قوية ورافضة لما سمعته أو رأته.
ولعل أكثرَ الناس جرأةً فكريةً هم، بصفة عامة، الفلاسفة، المفكٍّرون والباحثون. وبالطبع، الجرأة الفكرية لا تنطلق من فراغ. الفلاسفة والمفكِّرون والباحثون ينطلقون دائما من ما يعرفونه عن الظواهر والأشياء التي ستقودهم إلى إنتاج أفكار جديدة.
الفيلسوفُ، بحكم بحثه عن الحقيقة، يأتي بأفكار مزعجة ومخالفة للواقع الذي اعتاد الناسُ العيشَ فيه. وقد تكون هذه الأفكار مزعزِعةً للعقيدة وتُدخِل الناسَ في مرحلة من الريب والشك.
أما المفكِّرُون، فهم كثيرون بحكم تنوُّع اختصاصاتهم. في غالب الأحيان، فإنهم يأتون بنظريات تزعزع ما كان قائما من معارف ويُحدثون بنظرياتهم هذه نقاشات قد تستغرق وقتا طويلا إلى أن ثتبُتَ أو تُدحَضَ هذه النظريات.
أما الباحثون، فهم أكثرُ الأشخاصِ إنتاجا للأفكار الجديدة، سواءً تعلَّق الأمرُ بالعلوم الدقيقة والطبيعية أو بالعلوم الإنسانية أو غيرها من الاختصاصات العلمية. والأفكار التي ينتِحها هؤلاء الباحثون قد تقلب رأسا على عقبٍ ما تعوَّدت عليه الأوساطُ العلمية من منهجيات وسياقات. بل قد تقلب رأسا على عقبٍ المسار المنهجي لبعض التَّخصُّصات. هذا إن لم تقلب رأسا على عقبٍ النظريات التي سار عليها البحثُ والتنقيبُ. والأمثلة في هذا الصدد كثيرة.
من بين هذه الأمثلة، سأركِّز على مثال له علاقة بأبحاث عالم الكيمياء والفيزياء، لويس باستور Louis Pasteur الذي هو أول مَن وضع أسُسَ علم الجراثيم microbiologie.
كان باستور يجد صعوبةً في إقناع نّظرائه العلماء بنتائج أبحاثه. ولعل أشهر قضيةٍ واجه فيها رفْضَ هؤلاء النظراء، هي نظريةُ "الخَلقِ التِّلقائي" génération spontanée التي لها علاقة بالجراثيم. كان نظراء باستور يعتقدون أن الجراثيمَ تنشأ تلقائيا في الأماكن الوسِخة، أي تُخلَقُ من الأوساخ. بينما باستور بيَّن بالدليل أن الجراثيمَ تنشأ من جراثيم كانت موجودة سابقا في الأوساخ. وهو الشيء الذي جعله يرفض رفضا قاطعا أطروحةَ أو نظريةَ "الخَلق التلقائي".
بالنسبة لباستور، الحياة تنشأ من الحياة خلافا لنظرائه الذين كانوا يعتقدون اعتقادا راشخا أن الحياة يمكن أن تنشأَ من عدم الحياة كما هو الشأن للفئران التي تتكاثر في الأزبال. فأين تمثَّلت الجرأة الفكرية لباستور؟
في الحقيقة، الصراع قائمٌ بين فئتين من العلماء البيولوجيين علما أن موضوعَ هذا الصراع هو نقاشٌ يدور حول أصل الحياة. فئةٌ رافضة لما جاء به باستور وعلى رأسها عالِمُ بيولوجيا مرموق Félix Pouchet. وفئةٌ مصطفةٌ مع باستور ومقتنِعةٌ بنتائج أبحاثه. وما جعل الفئةَ الأولى ترفض نظريةَ باستور هو أنها كانت متأثِّرةً بأفكارٍ دينية معتقِدةً أن الحياةَ، إذا توفَّرت لها الظروف الملائمة، يمكن أن تنشأَ من لا شيء، أي من عدم.
غير أن باستور، متسلَّحا بجرأته الفكرية ومستندا إلى أدِلَّةٍ قطعية، استطاع أن يُزَعزعَ ما تعوَّد عليه نظرائه و واجهَهم واستمر في مساره العلمي. وقد بيَّن الباحثون بعدَه أنه على حق. والدليل على أنه على صواب، هو استمرارُه في القيام بالأبحاث في مجال الجراثيم إذ من نتائج هذه الأبحاث أنه توصَّل إلى إيجادِ لِقاحٍ ضد مرض السُّعار la rage.
أما الجرأةُ السياسية، فيمكن تلخيصُها في قول الحق من طرف السياسيين. وهذا يعني أن السياسيَ الذي مِن مواصفاته الجرأة السياسية، له خصالُ من قبيل النزاهة والاستقامة والصدق…
السؤال الذي يفرض نقسَه هنا هو : "هل فعلا، مشهدُنا السياسي يتوفَّر على هذا النوع من السياسيين الجِرِّئين"؟
قبل الإجابة عن هذا السؤال، هذه بعضُ المُعطيات التي من شأنِها أن تُسهِّلَ هذه الإجابة علما أنني سأطرحها على شكل أسئلة.
1.هل رأينا، في يوم من الأيام، سياسيا أو حزبا سياسيا يعترف بأخطائه ويعتذر عنها أمام الملإ؟
2.هل رأينا، في يوم من الأيام، سياسيا أو حزبا سياسيا وفى بالعهود التي التزم بها أثناء الانتخابات؟
3.هل رأينا سياسيا استقال من منصبه بعد وقوعِه في ورطةٍ واضحة المعالم، سياسيةٍ أو اجتماعيةٍ أو اقتصادية أو أخلاقية…
4.هل لاحظنا عددَ السياسيين الذين يمارسون التِّرحالَ من جزبٍ إلى آخر بحثا عن إرضاءِ رغباتهم الدنيئة؟
5.هل رأينا سياسيا، برلمانيا أو جَماعِيا، بقي على اتصالٍ دائمٍ مع الناخبين ويستفسِر عن أحوالهم؟
6.هل رأينا سياسيا أو حزبا سياسيا جعل في حملتِه الانتخابية، محاربةَ الأمِّية والفساد أولويةَ الأولويات؟
7.هل رأينا سياسيا أو حزبا سياسيا اقترح برنامجاً أو استراتيجيةً يبيِّن فيها كيفيةَ توزيع ثروة البلاد على المواطنين بإنصافٍ؟
8.هل رأينا حزبا سياسيا تقدَّم ب"مشروع مجتمع" يسعى، من خلاله، إلى توفير الكرامة لجميع ألمواطنين؟
9.هل رأينا سياسيا برلمانيا يطرح الأسئلة المقلِقة حول مثلا إعطاء الرُّخص لاستغلال ثروةَ البحر أو رمالَ المقالع أو لاستغلال المأذونيات (لgريمات)؟
10.هل رأينا حزبا سياسيا لم يغيِّر خطَّه السياسي عندما ينتقل من المعارضة إلى الأغلبية؟
11.هل يوجد اليوم حزبٌ سياسيٌ يحظى باحترامٍ وتقديرٍ لدى المواطنين؟
12. هل رأينا حزبا سياسيا بقي، منذ تأسيسه، وفيا لمبادئه وايديولوجيته؟
13.هل رأينا حزبا سياسيا يعمل بالديمقراطية الداخلية قبل أن يوصي بها لعامة الشعب؟
واللائحة طويلة…
الجواب على هذه الأسئلة يقتضي الصراحةَ وقول الحق. الجواب هو لا، ثم لا. ولا شيءَ غير لا! فما معنى هذا الجواب بالنفي؟ معناه، بكل بساطة، أن مشهدَنا السياسي مليءٌ بالنِّفاق! بل ويُسيِّره النفاق! وهنا، تسهل الإجابةُ على السؤال المطروح أعلاه الذي هو : "هل فعلا، مشهدُنا السياسي يتوفَّر على هذا النوع من السياسيين الجِرِّئين"؟
بالطبع، الجوابُ هو لا، ثم لا، ولا شيءَ غير لا، لأنه، من المستحيل، أن يتساكنَ النِّفاق مع الجرأة بمعناها النبيل. وبعبارة أخرى، الجرأة لا تخدم مصالحَ السياسيين الشخصية بينما النفاقُ يخدم هذه المصالح. ولهذا، لم نَرَ سياسيا زعزع، يوما ما، المعتادَ أو الرتابة السياسية التي تجثم على صدر المواطنين. ما سمعه وقرأه هؤلاء المواطنون، طيلةَ خمس سنوات، من خطاب سياسي فارغٍ من المحتوى، هو نفسُه يتكرّر في الخمس سنوات الموالية علما أن الأحزابَ السياسية، المتعاقبة على تدبير الشأن العام، تتغيَّر. لكن نفاقها يبقى تابثا بغض النظر عن توجُّهاتِها الإيديولوجية التي لم تعد إلا حبرا على ورق.
الجرأة السياسية كان يتحلَّى بها السياسيون العِظام الأوائل الذين كانوا يُؤثثون المشهد السياسي والأحزاب السياسيةَ مباشرةً بعد استقلال البلاد من طينة عبد الرحمان اليوسفي وعلال الفاسي ومحمد الفاسي وعبد الرحيم بوعبيد ومحمد العابد الجابري ومحمد كسوس… رحمة الله عليهم وآخرين كثيرين. ماتوا وماتت معهم الجرأة السياسية!